السيد محمد علي الحسيني
لعبت الظروف الذاتية و الموضوعية التي مرت بالوطن العربي خلال العقود الماضية و تداعيات و إنعکاسات کل ذلك على المشهد السياسي العربي، دورا لم يکن في خطه العام إيجابيا وانما مال الى حد ما نحو سلبية تجاوزت أحيانا الخطوط المألوفة. وبقدر ماکانت وحدة الصف العربي خلال مطلب ملح تستوجبه العديد من العوامل، فإن تشتت الصف العربي في نفس الوقت کان أيضا مطلبا ملحا و بالغ الاهمية بالنسبة لأعداء العروبة و الاسلام و المتربصين بها شرا، وکلما کان هنالك شرخ او فجوة او خلل معين في الصف العربي، فإن الاعداء کانوا بنفس مقدار و حجم ذلك يستفادون منه و يوظفونه لخدمة أهدافهم و اجندتهم السياسية.
ولسنا في صدد ادانة هذا النظام العربي او الاشادة بذلك النظام العربي، بقدر مانحن بصدد البحث في مقدار الضرر المتسبب من وراء حدوث حالات إنفراط او خلل في الصف العربي و إنعدام فرص الحوار و التشاور الاخوي بحثا عن الحلول الناجعة لمختلف القضايا و المشاکل و الازمات المطروحة على الساحتين العربية و العالمية، ويقينا ان القادة و الزعماء العرب قد تنبهوا لاحقا الى هذا الامر و تيقنوا من خطورته على مسألة الامن القومي العربي، ومن هنا فقد بدأ القادة و الزعماء العرب ومنذ عقد الثمانينيات تحديدا، يمنحون مسألة وحدة الصف العربي أهمية إستثنائية و يسعون للم شمل البيت العربي ودعم أسسه و بنيانه لمواجهة أية أخطار محتملة.
ومع تقديرنا للحرص و الشعور بالمسؤولية الذي أبداه العديد من القادة و الزعماء العرب بهذه المسألة، لکن التوقف عند الدور السعودي الذي بدأ بالتبلور و التقدم و الاضطراد منذ عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله و من ثم شهد تقدما ملحوظا في العهود اللاحقة غير أنه قد وصل الى مستوى أقل مايقال عنه ممتاز في العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي أعطى أکثر وقته و جل همه للمسائل المرتبطة بالمسلمين و العرب و قد ظهر جليا بأنه قد أولى قضية وحدة الصف العربي أهمية إستثنائية لم ترقى إليها العديد من القضايا الاخرى، والملاحظ بهذا السياق، أن العاهل السعودي قد تعمد أن يبدي منتهى اللين و التسامح مع الاشقاء العرب في سبيل إيجاد فرص التلاقي و التواصل ونبذ الفرقة و الخلاف و کل مايصب بذلك الاتجاه، وقد ترجم خادم الحرمين الشريفين سعيه الحميم هذا بخطوات عملية و مشهودة على أرض الواقع ساهمت بقوة في تقريب وجهات النظر و إيجاد أرضية ملائمة لإنطلاق جهد عربي جماعي مشترك يخدم آمال و تطلعات الامة العربية. وفي الوقت الذي کانت مختلف الاوساط و الدوائر السياسية تراهن على تشتت و وهن الصف العربي للإنقضاض على هذا البلد العربي او ذاك، فإن الجهد المبارك الذي بذله العاهل السعودي بهذا الخصوص قد أتى أکله و ثماره على أفضل مايکون، حيث إنتهت تلك الاوساط و الدوائر السياسية الى حقيقة أنه من المحال إنجاز عمل سياسي يقود الى إضعاف او إسقاط نظام عربي آخر(خصوصا بعد الذي جرى في العراق)، وان التقارب السعودي السوري وکذلك التقارب السعودي السوداني، والخطوات الاخرى المشابهة بنفس السياق، قد أثبتت للعالم أجمع أن العرب لم يعودوا لقمة سائغة لأعدائهم و ان العقل السياسي العربي طفق يفکر و يخطط لأفضل الطرق و السبل لصيانة النظام العربي و بالتالي الامن القومي العربي من أية تهديدات او مخاطر محتملة.
اننا کمرجعية سياسية للشيعة العرب إذ ننظر للدور البارز لخادم الحرمين الشريفين بمنتهى الفخر و نعتبره علامة و مؤشر بالغ الايجابية في رسم معالم طريق جديد لمستقبل أفضل للأجيال العربية يضمن من خلاله و بسببه نجاح العرب في الحصول على حقوقهم و وضع حد لتربص الاعداء و طموحاتهم الشريرة، فإننا في نفس الوقت واثقون من أن المستقبل المنظور سيشهد بعون الله و عنايته تقدما کبيرا بهذا الخصوص.
*المرجع السياسي للشيعة العرب.
alsayedalhusseini@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق