السيد محمد علي الحسيني
هناك أهمية إستثنائية قصوى لمسألة الوعي السياسي للشعوب، حيث أنها تجسد وبشکل واضح الماهية الحضارية لها وتمثل مستوى وحجم مناعتها بوجه أية حالات من الغزو الثقافي والفکري والسياسي. والمناعة هذه لاتعني بالمرة إنغلاق وانطواء هذه الشعوب على أنفسها وعدم تواصلها وتلاقحها الحضاري من مختلف الوجوه مع الخارج إذ ان المناعة تکون دوما بوجه الحالات الشاذة والسلبية التي تسعى للنيل من مقدرات ومسيرة الشعوب.
ان الاساس السليم والصحي لوعي سياسي نموذجي للشعوب يستمد أهم مقوماته من الفضاء الثقافي بمختلف أطيافه، وکلما زادت ثقافة الشعوب، زاد وعيها السياسي ومستوى وحجم مناعتها بوجه أية أخطار خارجية محدقة بها، وليس صحيح ما يذکره البعض من الکتاب بخصوص ان الوعي السياسي للشعوب هو مجرد وهم خلقه نفر من المثقفين في العالم الثالث وان البلدان الغربية والمتطورة لاتهتم ابدا لهکذا أمر بل وانها(بنظر هؤلاء)تعتبره نوعا من الاستبداد الفکري، ذلك أن ردود الافعال القوية للشعوب بوجه الهيمنة الامريکية وسياساتها، او بوجه سياسات أخرى مضادة لمصالحها، تمثل حقيقة وواقع هذا الامر وتمنحه مصداقية کافية للأخذ بها کبديهية. وحتى ان موقف الشارع الغربي من الاسلام و العرب، له علاقة بهذا الامر، حيث أن مايضخه الاعلام الغربي من آراء ومفاهيم وتحليلات ودراسات متباينة بصدد الاسلام والعرب، تدفع الشارع لکي يبني على أساسها مواقفه السياسية ـ الفکرية بهذا الاتجاه. وفيما يخص الوعي السياسي العربي، فإنه في الوقت الذي ليس بإمکاننا أبدا تجاهل مقوماته ورکائزه المتعددة، لکنه وفي نفس الوقت(وبسبب من موقعه الجيواستراتيجي وثرواته الطبيعية) يواجه هجمة سياسية ـ فکرية مختلفة الجوانب والاوجه والاتجاهات، وان کان أهمها واخطرها يتجلى في ثلاثة إتجاهات اساسية ورئيسية هي:
1ـ الهجمة الفکرية ـ السياسية الصهيونية من أجل دفع العرب نحو القبول بالکيان الصهيوني کأمر واقع والتطبيع معه.
2ـ الغزو الفکري ـ السياسي الغربي بهدف شل قدرات العرب وتحجيم إمکانياتهم لضمان تبعيتهم ونهب ثرواتهم بصور مختلفة.
3ـ الغزو العقائدي المتلبس بالدين لنظام ولاية الفقيه وسعيه للسيطرة على العقل الجمعي للعرب بشکل عام والشيعة منهم بوجه خاص من أجل تنفيذ أجندة سياسية خاصة لهم.
وکما هو واضح فإن لکل واحدة من هذه الاتجاهات أهدافها ومصالحها الخاصة التي تسعى من أجلها وتحاول فرضها بطرق مختلفة على الوعي السياسي العربي کمسلمات لابد منها، ومع أخذنا بنظر الاعتبار للدور الحيوي والبارز للإعلام العربي بسياق التصدي لتلك الاتجاهات، لکنها ونظرا لقوة وضخامة الهجمة الفکرية ـ السياسة ضد أمتنا العربية فإنها قد لاتکفي لوحدها ويجب دعمها واسنادها بدعامات اخرى خصوصا من جانب المنظمات الجماهيرية والحزبية والشعبية، واننا کمرجعية سياسية للشيعة العرب، نرى حساسية وخطورة هذه المسألة وضرورة إنتباه العرب الى تشذيب وعيهم السياسي وتنقيته من الشوائب العالقة القادمة من خلف الحدود سيما تلك التي تتربص به شرا، وندعو الشيعة العرب بشکل خاص الى المزيد من أخذ الحيطة والحذر من الخطر المحدق بها والقادم من نظام ولاية الفقيه، فإننا ندعوهم أيضا الى المزيد من التکاتف والتعاضد مع حکومات بلدانهم واعتبارها المسؤولة شرعا و قانونا عن أمورهم.
* المرجع السياسي للشيعة العرب
الثلاثاء، فبراير 09، 2010
نحو وعي سياسي عربي معاصر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق