راسم عبيدات
......أقدمت الحكومة الإسرائيلية قبل أسبوع على ضم الحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم الى المعالم التراثية الإسرائيلية،وهذه الخطوة على درجة عالية من الخطورة،فعدا ما تشكله من انتهاك صارخ وفظ لكل القوانين والأعراف الدولية،فهي تشكل سطواً على التراث الفلسطيني، وترتقي إلى مستوى جريمة الحرب،والتي كان الأجدر والأولى بالدول العربية والإسلامية كرد فوري ومباشر عليها طرد سفراء إسرائيل وإغلاق ممثلياتها التجارية من وفي الدول العربية التي تقيم علاقات معها،ودعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد الفوري وتحت البند السابع،لما تمثله تلك الخطوة من تعدي غير مسبوق على تاريخ وتراث وحضارة شعب محتل،وبما يثبت بشكل قاطع أن هذه الدولة،عقليتها تقوم على العنجهية والبلطجة وثقافة القوة وإقصاء الآخر،وكل ذلك نجد له تعبيرات رسمية ودينية واجتماعية وشعبية إسرائيلية،في التحريض على الفلسطينيين كشعب وهوية وحضارة وتاريخ وتراث وثقافة ووجود.
إن الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الإسرائيلية بضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح،واعتبارهما جزء من الأماكن التراثية اليهودية،هو نتيجة طبيعية لما وصلت إليه الحالة العربية الرسمية من انهيار شمولي،نتج عنه حالة من عجز كلي وفقدان للإرادة،ورهن وتسليم للقرار السياسي العربي الى القوى الخارجية،والتخلي عن المقاومة كنهج وخيار وثقافة ودور،بل والعمل على محاربة ومطاردة القائلين أو الداعين أو المؤمنين بها من جماهير وأحزاب وقوى.
في الوقت الذي تتخذ فيه إسرائيل مثل هذه الخطوة الخطيرة،نجد العرب والفلسطينيين منشغلين على حد سواء في مواصلة سياسة الاستجداء والخنوع،،والحديث عن العقلانية والموضوعية والاعتدال،وضرورة العودة إلى المفاوضات مجدداً والرهان على حلب الثور،وخطة أمريكية ومبادرة أوروبية ومؤتمر روسي ....الخ من الخطط والمبادرات والمؤتمرات التي داخ منها شعبنا،والتي لم تجلب له سوى المزيد من الضعف والانقسام وتكريس الاحتلال وتشريع إجراءاته وممارساته،كما أن الهدف منها على مختلف مسمياتها والقائمين عليها هو الاستمرار في أدارة الأزمة،وفق إيقاع أمريكي- أوروبي غربي منظم ومنسق،يكرس الاحتلال الإسرائيلي ويبارك خطواته وإجراءاته على الأرض،مع نقد خجول هنا أو هناك لهذا الأجراء الإسرائيلي أو ذاك،وبدون أن تصل الأمور إلى حد ممارسة أي ضغط جدي على إسرائيل،والمأساة هنا وكأن العرب والفلسطينيين لا يقرؤون التاريخ أو ليس لهم علاقة بالسياسة،فإسرائيل فريق اغتيالها من الموساد وصل الى دبي واغتال المبحوح القيادي في حركة حماس،بجوازات سفر أوروبية ومن شبه المؤكد بعلم الدول التي استخدمت جوازات مواطنيها،وبما يفضح ويعري الدور المتواطئ والمشارك في الجريمة لتك الدول،ولكم أن تتصورا لو أن أي عربي أو فلسطيني قام باغتيال أي مسؤول أو حتى مواطن إسرائيلي واستخدم جواز سفر لأي دولة أوروبية،لقامت الدنيا ولم تقعد،حول ضرورة قيام البلد الذي ينتمي اليه من قام بالعملية باعتقاله وتسليمه،ناهيك عن ما سيفرض على ذلك البلد من عقوبات،فيما لو رفض تسليمه،أو ربما يدعى مجلس الأمن الدولي للانعقاد تحت الفصل السابع،لمعاقبة الدولة التي ينتمي اليها المنفذ.
واليوم عندما تمر جريمة السطو على المعالم الأثرية الفلسطينية مرور الكرام،ودن أية مواقف عملية فلسطينية عربية،فالمتوقع أن يتمادى الطرف الإسرائيلي في ممارساته وإجراءاته،ومرشحة معالم أثرية فلسطينية أخرى لنفس الأجراء،وبالتحديد قبر يوسف في مدينة نابلس،والذي زاد حجيج المستوطنين اليه بشكل كبير ولافت مؤخراً،والأخطر من كل هذا وذاك،هذه الإجراءات ستكون مقدمة لما يدبر ويخطط بحق المسجد الأقصى،حيث أن العمل على تقسيمه في أحسن الحالات وهدمه في أسوئها،يجري على قدم وساق،فالمنظمات الاستيطانية المتطرفة زادت من اقتحاماتها لساحاته بشكل شبه يومي،بل وأصبحت تتجرأ على إقامة طقوس تلمودية وتوراتية في باحاته،وكذلك أعمال الحفر تحيط به من كل حدب وصوب أسفله وجوانبه،وكنس تبنى بالقرب منه،وأيضاً البلدة القديمة يجري إغلاقها لمدة عامين تحت حجج وذرائع الترميمات،بمعنى شل شريان الحياة الاقتصادية في البلدة القديمة،وحينها تكون الفرصة مؤاتية للهدم أو التقسيم وبناء الهيكل المزعوم،فإسرائيل تدرك جيداً بأن هذا المسجد الذي تعرض للحرق على يد أحد المتطرفين الصهاينة في أب 1969،وكانت رئيسة الوزراء الإسرائيلي آنذاك غولدا مائير تتصور أن رد الفعل العربي والإسلامي على تلك الجريمة،سيكون بالزحف على تل أبيب،لكي تكتشف أن ردة الفعل العربي والإسلامي،لم تخرج عن إطار السيمفونية المعهودة شجب واستنكار ومسيرات ومظاهرات مطوعة ومدجنة في العواصم العربية والإسلامية،وهذا أعطى مؤشراً لها ولغيرها من قادة إسرائيل اللاحقين،بأن ردة الفعل العربية والإسلامية على أي جريمة تنفذها إسرائيل،حتى لو كانت بحجم هدم الأقصى، لا تتعدى فترة العزاء عند العرب ثلاثة أيام.
اذا كانت جرائم بحجم ضم الحرم الأبراهيمي ومسجد بلال بن رباح واعتبارها معالم تراثية إسرائيلية، لا تحرك شيئاً في هذه الأمة لا قادة ولا شعوب،وكأن ما يقوله الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب عن ليس فقط قادة الأمة يا مظفر بل وشعوبها "تتحرك دكة غسل الموتى// أما أنتم فلا تهتز لكم قصبة" هو صحيح مائة بالمائة،فهذه الأمة هل هي التي تحدث عنها الرسول محمد (صلعم) بأنها "خير أمة أخرجت للناس"؟،أم أن هذه الأمة كفت عن الأنجاب وأصبح يحكمها من محيطها الى خليجها مجموعة من المخاصي،وشعوب مدوخة ومطوعة من القمع والجوع والفقر والحرمان،وهل دخلت هذه الأمة قادة وشعوب مرحلة الإستنقاع ولا أمل بشفائها؟،فأمة لم يحركها لا اغتصاب عاصمة الرشيد واحتلالها،ولا قصف قطاع غزة بالأسلحة المحرمة دولياً،ولا قصف بيروت وتدميرها،فهل سيحركها هدم المسجد الأقصى أو ضمه كمعلم تراثي إسرائيلي؟.
أنا أجزم أن الإجابة لا قاطعة فهذه أمة تستمري الذل وتستدخل الهزائم وتنظر لها على أنها انتصارات،لا يحركها لا أقصى مهدوم ولا وطن محتل،وما يحركها فقط هو ثورة اجتماعية شاملة،تطيح بكل الأنظمة والأبنية القائمة،وتخلق عرباً يغارون على أرضهم وعرضهم ومقدساتهم،ويثارون لكرامتهم المسلوبة وعزتهم المثلومة،ويمتلكون الأرادة والثقة بالأمة وطاقاتها وخياراتها،فأمة فاقدة للإرادة والخيار،لن تكون سوى خارج التاريخ،وموغلة في الذل والعار والهزيمة،تستجدي على أعتاب البيت الأبيض وقصر الأليزيه والمؤسسات الدولية وغيرها.
الخميس، فبراير 25، 2010
ضم الحرم الإبراهيمي، ضم مسجد بلال، ضم قبر يوسف، ضم الأقصى
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق