محمد فوزي عبد الحي
حاول العديد من كتاب الدراما المصرية الضحك على عقول المصريين خاصة والعرب عامة خلال العقدين الماضيين منذ بداية عقد التسعينات وحتى الآن، ولا يسعني أن أنكر دهاء صناع الدراما في مصر خلال العقدين الأخيرين في تنبؤهم بسرقة الحلم من الأغلبية واحتكار الأقلية له بكافة مفرداته، فجاءت أهم المسلسلات الدرامية تحكي قصص نجاح الفقراء والتعساء والكادحين في رسالة لمزيد من الأمل والحلم حتى الموت، فزاهية تتحول من فلاحة أمية إلى نائبة في البرلمان الدرامي عام 1992 رغم تزوير انتخابات 1995 في الدراما الواقعية، والخادم شخلول يتحول إلى رجل أعمال وكبير من كبار الفلاحين ليبتاع أرض وممتلكات سادته ويتزوج من عقيلتهم رغم أنفها، والحاج عبد الغفور البرعي يتحول من "الواد عبده الشيال" إلى رجل أعمال وصهر الوزير وتحية لمن لا يعيش في جلباب أبيه، والحاج متولي يصبح أشهر من تزوج من أربع زوجات في التاريخ العربي..
هذه نماذج قليلة، ويمكن لأي متابع جيد للدراما أن يزيد القراء من هذه الأعمال التنويمية، حيث أنني وللأسف متابع غير جيد وغير مقتنع بعملية التخدير والتنويم المغنطيسي التي يتكفل بها سدنة الفن والأدب المرضي عنهم في البلاط الأموي العربي بمختلف ممالكه الطائفية..
على أي حال، الفاضح في هذه الأعمال أنها لا حقيقة لها في الواقع ولا دليل على صدقها حيث كان الجد والعمل والتعلم هو السبيل إلى الرفعة والمكانة.. وهذه حقيقة لا ينكرها أحد ولكنها حقيقة ماتت بموت جمهورية العلم والعمل وقيام سياسة النهب في مملكة الطماطم..
من المفهوم للغاية أن ترقي أصحاب العلم في السلم المالي والاجتماعي أمر طبيعي ومستحق بل يجب ضمانه في كل ثقافات العالم، وهو نقيض ما يجري اليوم في مصر خلال العقود الأخيرة؛ حيث إن الترقي يقوم على أساس استراتيجية النهب، ومملكة الطماطم وقصة الصابون والصامولة الذهبية..
أعرف أن القاريء أوشك أن تفلت أعصابه من أحاديث مملكة الطماطم المجرمة واستراتيجية النهب، عموما حتى أحل لك اللغز.. عندما يصير أحد العلماء مستور الحال بعد سنوات من الغربة أو يشتري أحد الكادحين بعض الممتكات بعد سنوات الكدح هذا أمر طبيعي، أما ما يحدث في مصر فهو غير الطبيعي، وعلى سبيل المثال
البعض سرقوا أرض مصر فدفعوا للمتر وربما للفدان من الأرض جنيها واحدا أو جنيهات قليلة على الورق ثم أخذوا قروضا من المصارف بضمان القيمة الحقيقية بل والمبالغ فيها لهذه الأرض التي حازوها بوثائق ملكية صحيحة بحسب استراتيجية الصابون – زحلق لي وأزحلق لك ووالحقيقة أسفل الرغوة - وذلك بعد تثمين هذه الأرض من قبل المصارف ومن خلال هذه المليارات اشتروا مصانع مصر وابتنوا القرى السياحية وأصبحوا يمثلون مصر في المحافل الدولية باعتبارهم رجال المال والأعمال وكبار الاقتصاديين ، وذلك دون أن نراهم يدعمون مركز أبحاث أو يخرجون بابتكار صناعي أو يغزون فضاء عالميا أو يقيمون مشروعا قوميا يسترعي الاحترام وهذه هي استراتيجية الصابون!
أما حديث الصامولة فهو ذو شجون وخاصة بعدما أسس المعلم البرعي لامبراطوية الصامولة، حيث يعمل الأجير الفقير بإحدى المهن كخادم أو تابع، وهو في ذلك يتطلع إلى حياة أفضل بحكم قصص العاشقين في الأفلام والمسلسلات المصرية التي تحاول فك لغز الحب منذ ظهور السينما وقد حاولت مرارا وتكرارا كلاما وغزلا وشعرا وعريا ولا زالت تحاول.. ولن تصل فيما يبدو في القريب ..
يقوم هذا الطامح بالتعرف على تجار المخدرات أو تجار السلاح أو تهريبات الجمارك أو مافيا نهريب العمالة للخارج أو غسيل الأموال، وبعد شهر فعام يتغير الحال والمثل المصري يقول: "ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب"، أما شرطة من أين لك هذا فهي شرطة تفصيل حسب المقاس، وحيث لا زالت مصر تتميز بحياة أسرية وعائلية يعرف فيها الناس بعضهم البعض، فإن هؤلاء الطامحين يختارون النزوح إلى مدن أخرى تبعد عن موطنهم وبعد عام أو عامين يعودون إلى موطنهم ليحكوا لنا قصة الكفاح والنجاح وحكاية الصامولة الذهبية والرغوة الفضية وحديث الجد والاجتهاد والكد والسداد وتوفيق رب العباد، ومغامرات الزئبق في مدينة الذهب، ومن خلال استيراد الصامولة وربما الزيتونة تركوا عشش الطيور وطاروا للقصور، وهجروا أكل الفول واتجهوا للحمام أبو زغلول وحنيذ العجول.. وربنا يقيهم عيون كل بهلول!
أما مملكة الطماطم فلها قصة أجمل من هذه وأطرف بكثير، فعندما شاعت المعرفة وانتشر التلفزيون وعرف المصريون - بفضل وزارة الثقافة وهئية الآثار - أن الآثار التاريخية لها قيمة عظيمة وهي موجودة في معظم القرى القديمة على أرض مصر بل وقامت هيئة الآثار بتحدبد أماكن أثرية في مئات بل آلاف المواقع الريفية، قام العديد من الأهالي بمحاولة فك شفرة خوفو ومحاولة الحظوة بحضرة رمسيس وأمثاله، وبعد أن كانت القطع الأثرية يتم التخلص منها بالكسر والرمي نتيجة الجهل بقيمتها أصبح العثور عليها واحدا من أعظم أماني العارفين..
انتشرت عمليات البحث عن الآثار وأسعد الحظ الكثير من المصريين، فوجدوا آثار الأجداد وباعوها بأبخس الأثمان، ولكن أبخس الاثمان هذه تعني الملايين، فلا جرم أن تحول كثير من الفقر المدقع إلى الغنى الفاحش، وعندما فتشوا ونقبوا عن سبب وجيه لهذا الغنى وقع بعضهم على المجرمة الطماطم، فالطماطم عندما تصيبها نوبة جنون ويصير الكيلو الواحد بخمسة جنيهات مثلا هي التي تجلب الملايين وتقلب الموازين، ويصير المواطن سرحان أبو العينين مليونيرا في غمضة عين، بينما كان الشعب في سابع نومة... مظلومة الطماطم يا ناس، والسر عند الملك خوفو!!
عموما أمراء مملكة الطماطم ومنظرو استراتيجية الصابون يعدون الآن العدة لانتخابات البرلمان بينما تقف جمهورية العمل في ذهول تنتظر جود أمراء مملكة الطماطم وماذا عسى أن يقدموه لمواطني الجمهورية من مساعدات في مقابل الهيمنة على حاضرهم ومستقبلهم، وعموما هم أولى بذلك من أصحاب مساعدات عمو سام وإن كان الجميع من أولاد الحرام!
أخيرا، ألا تدركون معي التشابه الكبير بين صناع الدراما في مصر وبين دراما الواقع المصري حيث تنسج القصص الخيالية لتبرير عمليات الصعود المفاجيء وغير المستحق، الفارق الوحيد أن أبطال الدراما التلفزيونية يضحكون علينا بقصص وهمية دون أن يسرقونا أما صناع دراما الواقع فيضحكون علينا بعد أن يأخذوا كل شيء في طريقهم ويتركونا لحلم شخلول والمعلم البرعي..
كاتب مصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق