د. أفنان القاسم
نحو مؤتمر بال فلسطيني (27)
كيف نفهم قوى العقل في العالم العربي؟ هل نفهمها على أساس انتمائها لديكارت أم على أساس كونها ممارسة وفعلا وتأثيرا في الحدث؟ نظريا آه ما أشطرها وعمليا لا شيء أو أنها رفل من أرفال القوى الغيبية، فمن يترك القوى الظلامية تجول وتصول بلا رادع هو بشكل من الأشكال ذيل ثوب تجره من ورائها، ومن يرى الحلول من زاوية أن لا حل هناك تحت ادعاء الموضوعية التاريخية أو التاريخية الواقعية يسعى بإرادته إلى تكريس تلك القوى النقيضة القوى الغيبية، ويعمل على إدخال العقل معها في قمقم الميتافيزيقيا، فتصبح الأنظمة العربية أنظمة لا يمكن المساس بها، والاقتصاد العربي قيمة فائضة من قيم الرأسمال الغربي، وإسرائيل نجمة من ملايين النجمات التي مصيرها إلى الزوال مصير غيرها كما يقول علماء الفلك، متى وكيف؟ حتى بعد مليون سنة سيكون حتما زوالها، تجيب قوى العقل العربية. أنا لا أنتمي إلى هذه القوى، ولا أنتمي إلى هذا العقل، أنا لا أنتمي إلى دغل العلم الغيبي، لأني أرى في الواقع رؤية المتبصر لا الضرير، وأجد للصراع السياسي مع إسرائيل أفضل الحلول لا أسوأها، أرى أن إسرائيل اليوم تفرض نفسها عليّ بوجودها وغدا فأتعامل مع فرضها لنفسها عليّ اليوم وغدا أما بعد غد فهذا ليس من شأني، هنا يمكنني القول إن هذا لمن شأن الواقع التاريخي الآتي لأن حتى إسرائيل نفسها لا تعرف ما سيكون مصيرها مثلما لا أحد يعرف ما سيكون مصيره. اليوم تفرض كل الشروط الموضوعية على فلسطين وإسرائيل والعالم العربي التعامل مع ظروف الجميع الموضوعية بما تمليه هذه الظروف على الجميع، وعند مقاربة العقل لهذه الظروف يرى أن إسرائيل تقضي على غيرها وتقضي على نفسها، إسرائيل اليوم هي شمشون عصرنا شاءت ذلك أم أبت، القوة التي لها ليست الحل، والدسيسة ليست الطريقة، وسياسة الخطط والمخططات سياسة الضعيف والخرع والفاقد للبوصلة، لقد فَهِمَتْ هذا من عندهم بعض قوى العقل أمثال أبراهام بورغ وإيلان بابيه ويوسي سريد وغيرهم، ولا أحد من عندنا –نسيبة وعبد ربه وعباس يمثلون في التحليل السياسي والألسني قوى العقل الرثة وأعلام براز الوعي ومطايا التسليم والاستسلام- فطالبوا بإسرائيل جديدة لا بإسرائيل توراتية غيبية وغبية غيبت الإنسان إنسانهم وإنساننا، وجعلت منها مختبرا تجريبيا لهتلرية استيطانية تتعدى المستوطنات في الأراضي الفلسطينية إلى استيطان الإسرائيلي نفسه لنفسه وهذه أعظم كارثة بأنفسهم من كارثتنا بهم.
لنأخذ نقطة نقطة من خطتي للسلام ولنر كيف تصل ليس إلى حلول فهي جاءت من أجل الحلول ولكن إلى الحيلولة دون كوارث ستلحق بإسرائيل أول ما تلحق إذا لم تعمل بها وليس بفلسطين فقط ودول المنطقة:
عدم فتح الحدود على بعضها كالاتحاد الأوروبي حدود 4 حزيران 67 أو حدود اليوم سيؤدي ذلك إلى انكفاء على الذات وتراجع قومي إن لم يكن تقهقرا جوهريا في بنية المجتمع والزمن اليوم وخاصة غدا زمن إزالة الحدود نهائيا فهو شرط الحياة لدول تريد أن تحيا –غربا وشرقا وخاصة شرقا- لمواجهة الانحسار والجمود والركود، لمواجهة الانهيار كما حصل في الغرب في الشهور القريبة الماضية، وعلى الخصوص إسرائيل التي لا تنتمي بخصوصياتها إلى هذا الشرق، وستتحول هذه الخصوصيات في حال عدم فتح الحدود بل وإزالتها نهائيا إلى كارثة حقيقية لها.
عدم تعريب القدس الشرقية –المقصود هنا تهويدها- وعدم الاعتراف بها عاصمة لفلسطين –المقصود هنا القدس الموحدة- سيؤديان إلى انهيار لاهوتي للمدينة لأن وجودها يعتمد أول ما يعتمد على التوازن بين السلطات الدينية الثلاث والوجود السياسي بالتالي على سلطات ثلاثية فلسطينية إسرائيلية ودولية، الدولية هي أقرب إلى السلطة المعنوية، وإذا ما تم تهويد كل القدس الشرقية أقول كلها ما عدا الأماكن الإسلامية المقدسة، القدس الشرقية تبقى قدسا شرقية للفلسطينيين، وبقاء هذه الأماكن المقدسة تحت السلطة الدينية الفلسطينية يبقى إلى الأبد تهديدا لعاصمة إسرائيل الأبدية كما يشاع، واشتعال لهب انتفاضة فلسطينية عربية إسلامية هذه المرة حتى من متر مربع لم يتم تهويده ممكن في أية لحظة، أضف إلى ذلك أن الفاتيكان سوف يفرض حضوره الديني والسياسي، وتكون حربا صليبية ولكن بشكل آخر وبتحالفات أخرى يكون فيها المسيحيون والمسلمون في خندق واحد معا ضد الإسرائيليين –لا أريد أن أقول ضد اليهود لأن اليهود في العالم لن يقفوا إلى جانب من صهينوا دينهم وهم على كل حال ليسوا كلهم متدينين-.
عدم عودة لاجئي 48 إلى ديارهم لن يحل المسألة الفلسطينية-الإسرائيلية إلى الأبد وكل وجود إسرائيل يتوقف على هذا الحق الجوهري والحياتي للشعب الفلسطيني، وخطتي للسلام قلبت هذا الأمر على قفاه لتصل إلى حل يرضي الطرفين، فقالت بحق العودة دون حق المواطنة تحت شروط التعويض المغري، وضمنيا هذا الحق كما هو عليه لسائر شعوب الاتحاد الأوروبي مرتبط بالعمل مثل كل من يعمل في إسرائيل من كل الجنسيات. عدم الإقرار بحق العودة يعني عدم الإقرار بحق إسرائيل في الوجود لأن وجودها متوقف على عودة اللاجئين وليس العكس كما يدعي المتطرفون وشاربو ويسكي التوراة ومنظرو الأضرحة الصهيونية.
عدم حل المستوطنات والمستوطنين وحقهم اللاهوتي المجنون على أساس الحل الذي قدمته لعودة لاجئي 48 بمعنى أن يكون لهم حق الإقامة تحت السلطة الفلسطينية دون حق المواطنة لن يصل بالجميع فلسطينيين وإسرائيليين إلى قناعة سياسية –لأن القناعة السياسية شيء والقناعة الميثية شيء آخر وهي الأساسي في السياق التاريخي والاجتماعي والاقتصادي- أن كل فلسطين التاريخية لكل الإسرائيليين ولكل الفلسطينيين. دون الاعتراف بحق الكل على الكل لن يكون اعتراف بإسرائيل. تبادل الأراضي لعبة سياسية سافلة لن تحل هذه المسألة أبدا.
والضامن لهذه الحلول كلها والدينمو والامتداد الأفقي على كل المستويات الاقتصادية أولها هو الاتحاد المشرقي، به تنهض جميع شعوب المنطقة وتدخل في المستقبل، تصنع مستقبلها، فلا مستقبل لإسرائيل دونها، بقوتها وعلمها وتطورها وكله لا مستقبل لها دون الرفع من شأن شعوب المنطقة وليس إذلالها، ودون العمل معها عمل الفرنسيين والألمان بعد أن رموا بإرث الحرب من ورائهم، وحققوا ما لا يمكن للواحد أو الآخر تحقيقه. في الاتحاد المشرقي التكافلات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية للجميع وخاصة الاقتصادية وكل المؤشرات الموضوعية تشير إلى الضعف التدريجي للإمبراطورية الأميركية، حليفة كهذه يجب التفكير جديا بالاستقلال عنها، والترقيع السياسي التصفوي للقضية الفلسطينية عن طريق حل يرمي إلى استحداث دولة فلسطينية في صحراء سيناء هو جزء أيضا من لعبة سياسية سافلة، لأننا بإمكاننا في ظروف الاتحاد المشرقي الطبيعية أن نعمل من غزة سنغافورة جديدة تعود بالفائدة على الجميع.
ramus105@yahoo.fr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق