أهلنا في إسرائيل: إلى متى ظلمهم والتجني عليهم؟

الياس بجاني



غريبة وعجيبة وهجينة ومستنكرة أحكام المحكمة العسكرية الدائمة في لبنان، فهي وكأن لا عمل للقيمين عليها ولا همَ عندهم غير الاضطهاد الممنهج والحاقد لأهلنا الأشراف والأتقياء والوطنيين بامتياز الذين لجأوا إلى إسرائيل في شهر أيار سنة ألفين. فهي تجهد باستمرار ودون رادع أو رحمة لعرقلة عودتهم وإبقائهم خارج لبنان بإرهابهم وضرب كراماتهم وتشويه سمعتهم والتجني عليهم وقتل أي أمل بعودتهم اللائقة، علماً أن عدداً لا يستهان به منهم غادروا إسرائيل منذ عدة سنوات ويقيمون في كندا وأستراليا وفي العديد من الدول الأوروبية والأميركية وهم يتوقون للعودة إلى وطنهم.



هذه المحكمة كما تبين أحكامها المتسرعة والجائرة مكلفة مهمة "تطفيش" أهلنا وسد كل السبل التي تؤمن عودتهم المشرّفة، وفي هذا السياق الذي يتوالى فصولاً منذ سنتين أتحفتنا يوم الاثنين بتاريخ 02 شباط/2010 بإصدارها أحكاماً غيابة بحق 34 جنوبياً هم جميعاً خارج الأراضي اللبنانية.



فقد قضى حكم غيابي أصدرته هذه المحكمة برئاسة العميد الركن نزار خليل بوضع 14 مواطناً جنوبياً في الأشغال الشاقة مدة خمسة عشر عاماً، بتهمة إقدامهم على التعامل مع إسرائيل والدخول إليها، كما قررت تجريد 20 جنوبياً آخرين محكومين من كل حقوقهم المدنية، ووضعت مذكرات إلقاء القبض الصادرة بحقهم موضع التنفيذ.



بالله عليكم يا حكام لبنان، أين هو عدل الأرض والسماء، وأين هي مخافة الله سبحانه وتعالى، وأين هي المساواة والحقوق والشرائع؟

لماذا هذا الظلم القاسي، ولماذا هذا التجني القاتل، ولماذا هذا الإصرار على الحؤول دون عودة أهلنا إلى وطنهم معززين مكرمين؟

من هو المسؤول عن هذه الأحكام المستنكرة، ومن يقف وراءها، ويحمي من يصدرها، وما هي أهدافها الحقيقة؟



أيعقل أن يلوذ بالصمت حكام لبنان بمن فيهم الرؤساء الثلاثة، و128 نائباً، والطاقم السياسي والأحزاب كافة وهم يرون 34 عائلة لبنانية سدت المحكمة العسكرية الدائمة سبل عودت أبنائها إلى وطنهم "بشطحة قلم"، وشردتهم عن سابق تصور وتصميم في أصقاع الدنيا الأربعة؟



كيف تسمح كرامات وضمائر ونفوس هؤلاء المسؤولين والسياسيين جميعاً أن تكون إسرائيل التي ينعتونها ليلاً نهاراً "بالعدوة" أرحم وأحن وأكثر احتضاناً لأهلنا منهم ومن دولتنا؟

�

يا فخامة الرئيس ميشال سليمان هل هذا هو حضن الوطن اللبناني الذي يتسع للجميع كما جاء في خطاب قسمّكم؟

لقد وعدتم على مسمع من الجميع باستعادة أهلنا الموجودين في إسرائيل إلى حضن الوطن الأبوي الدفيء؟

ها قد مرت سنتين على توليكم سدة الرئاسة والوعد لا يزال وعداً، فهل شرحتم للبنانيين الأسباب الحقيقية التي تمنعكم من تنفيذ ما وعدتم به وتحول دون إصداركم عفواً رئاسياً عنهم أو تقديم مشروع عفو طبقاً للقوانين المرعية الشأن إلى مجلس الوزراء وتحويله إلى مجلس النواب؟

نسأل هل أن الأحكام التي تتوالى بحق أهلنا تستهدفهم هم فقط، أم أنها تستهدف الوعد وصاحبه؟ من حق اللبناني أن يعرف الحقيقة مهما كانت قاسية وصادمة!!



ليخجل من نفسه الطاقم السياسي والحزبي الذي يحمل راية استعادة جنسية المغتربين "بالكلام فقط"، وينادي دون فعل حقيقي بمطلب تسهيل آلية اقتراع المغتربين الذين لا يزالون يحتفظون بجنسيتهم في البلدان المتواجدين فيها، فيما هذا الطاقم "كأبو الهول" صامت ومطأطأ الرأس بما يتعلق بعملية تهجير المسيحيين من الجنوب بأطر منظمة وممنهجة. إن صمته الجبان والقاتل يجعل منه عملياً شريكاً مع حزب الله في عملية تفريغ الجنوب من مسيحييه.



إن مصداقية رجال الدين والنواب والسياسيين والأحزاب والمسؤولين اللبنانيين كافة الذين يرفعون شعارات السيادة والحرية والاستقلال، ويدّعون حمل رايات الحريات والقانون والسلم الأهلي والديموقراطية والهوية والتاريخ، مصداقية هؤلاء جميعاً ستبقى سراباً ووهما وكذبة كبيرة ما لم يحسموا أمرهم ويتبنوا قضية أهلهم الموجودين في إسرائيل والخارج بشجاعة ويقفلون ملفهم بما يحفظ كراماتهم ويحترم تضحياتهم دون محاكمات هرطقية هي عبارة عن مسرحيات رسبوتينية لا أكثر ولا أقل.



نلفت من سكنت قلوبهم شياطين الحقد، وأعمت بصائرهم مركبات الكراهية، وخدرت وجدانهم نزعات الحقد، وتورمت عقولهم بعاهات الاستكبار بأنهم أبالسة لا يسعون للخير ويعطلون كل جهود عودة أهلنا، وقد قال الإمام علي في أمثالهم: "الساعي بالخير كفاعله، أما الساعي بالشر ومحاربة الخير، فهو عدوّ الله والبشر".