سعيد علم الدين
هذا وقد استقبلت اسرائيل أحمدي نجاد في زيارته الى دمشق، وهو الذي يهددها بمناسبة ومن دون مناسبة، وفي الذهاب والإياب، وعلى الطلعة والنزلة، بشعار ازالتها عن الخارطة: استقبالا حافلا جدا، وعمليا جدا، وحارا جدا، ومهددا جدا ومن دون رفع أي شعار، ولكن أين؟
في منطقة مخلب ايران الحاد الجارح الذي يحركه كما يشاء الولي الفقيه من قم. أي في الجنوب اللبناني.
فاقضت مضاجع اهل الجنوب، البؤساء بلا مظلة جوية بشارية نجادية الهية تحميهم من الاستكبار الصهيوني الامريكي، مستكبرة عليهم بطيرانها الحربي الاستفزازي الذي لم يكن ليهدأ لا ليلا ولا نهارا، وقام بشكل متواصل على ارهابهم واخافة اطفالهم بضجيجه المرعب، وغاراته الوهمية، وتحليقة المكثف والمنخفض فوق رؤوسهم مذكرهم قبل ان ينسوا، بكارثة تموز التي قتلت وجرحت منهم الالاف وشردت المليون في استعراض واضح ومرئي ومسموع لقوة اسرائيل الضاربة.
وذلك لافهام حسن نصر الله ويزبك وقاووق ونبيه بري ومن ورائهما بشار ونجاد والمرشد الاكبر حامي الحمى خامنئي ومعهم المعلم وليد وزير خارجية النظام الممانع العتيد وصاحب مقولة الزعران، بان هؤلاء الزعران هم اسياد الساحة بضجيج طائراتهم المدمرة الرادعة وليس برفع الشعارات الفارغة والابتهالات الغير واعدة والتهديدات الزائفة.
ومن يركز النظر على عيني نجاد يرى زوغانهما بوضوح، وروغان عقل صاحبهما، في تعبير يقيني عن وكذب ونفاق وزيف ما يرفعه من شعارات مضللة ستينية خشبية اللغة بالية بائدة اثبتت عقمها امام شعوب المنطقة المنكوبة بقادة من امثاله، فغدت حتى ما يدعيه من وعود الهية كلمات فارغة لا تنطلي الا على السذج والجهلة والجموع الغائبة والمغيبة والمخدرة الغوغائية التائهة.
حتى ان صعود نجاد بصاروخ سجيل الى سطح المريخ لفرض ولاية الفقية هناك اسهل للتصديق والتحقيق عند الناس الواعية والعارفة من ثرثراته بازالة اسرائيل.
وبينما اسرائيل منكبة يوميا على بناء الملاجئ المجهزة بكل ما يلزم والمكيفة على اخر طراز لحماية شعبها ورعايته، ووضع الخطط الحربية والتدريبات المستمرة واختراع احدث الطائرات بدون طيار، والقيام بمناورات سرية واخرى علنية تحضيرا لزعرانها في شن الحرب القادمة التي يرفع شعاراتها ويبشر بها يوميا نجاد ونصر الله ونعيم قاسم بدعم من بقية جوقة المحور الايراني السوري في تحرير كل فلسطين، فَقَعَنا الاستيز نبيه بري تصريحا " أخو محلوشي أي اخو اختو" ومن العيار الثقيل فاق به كل رؤساء البرلمانات العرب الأموات منهم قبل الأحياء، والنائمين قبل المستيقظين، والمرددين لشعارات الزعيم قبل المصفقين، والْمُعَيَّنين من قِبل حكامهم قبل المنتَخبين، والديمقراطيين قبل الشموليين.
وهل هناك ديمقراطيون؟
وهل بري ديمقراطي ويحترم التبادل السلمي للسلطة؟
وهو الجالس رئيسا على كرسي البرلمان منذ عقدين من الزمان دون استراحة ودون انقطاع حتى الآن، بفرض من نظام الوصاية السوري سابقا عندما كان حاكم لبنان، والان بقوة سلاح حزب الله أداة ايران.
هذا مع منع وزجر وقمع ترهيب وحتى تهديد أي مرشح شيعي اخر ينافس الاستيز ملك البرلمان على احتلال المكان. ولو حتى على عينك يا ديمقراطية بني فرس او عربان!
وذلك لانه زلمة النظام السوري واداة الملالي المطيعة في تنفيذ اجندتهما الفظيعة في دحر الاستكبار العالمي انطلاقا من بيروت، ونحر الحرية والعقلانية انتصارا لثقافة الاستبداد والموت، وتعطيل وعرقلة وضرب أي خطة لتحقيق السلام طبعا. والمضرة في الوقت نفسه للديمقراطية اللبنانية والمخربة للنظام البرلماني الحر، والمعطلة لنتيجة الانتخابات والمعرقلة لقيام دولة المؤسسات والقانون والشفافية، والمشجعة للفوضى دعما لبسط سلطة الدويلات والميليشيات وحملة السلاح واصحاب المربعات على حساب الدولة الجامعة لمكونات الشعب والجيش اللبناني، والمستباحة من قبل ادوات المحور الايراني السوري لقرار الحرب والسلم وبالتالي للقرار الوطني الحر.
هذا مع العلم انه خلال فترة العقدين التي اشرنا إليهما تم تبادل سلمي للسلطة العديد من المرات على صعيد رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء. أما على صعيد رئاسة مجلس النواب فهي محجوزة للاستيز الى ان يحين موعد الخلخلة الكبرى والاهتزاز للمحور الشمولي المقاوماتي الواقف على قدم واحدة والمبني على رقيق الزجاج.
وهكذا فقد فقعنا الاستيز نبيه بري تصريحا مقاوماتيا ثورجيا ممانعا حربجيا مذكرا بكل القبضايات من الشموليين مكتسحا بضربة استاذ اكثر من 60 سنة من تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي المرير في الرد المناسب على اجرام اسرائيل، وكأننا يا شيخ نعيم:
لا رحنا ولا جينا ولا شِمَّتْنا العِدا فينا،
ولا راحت علينا ولا خسرنا أراضينا!
ولا تسببنا بتدمير لبنان في تموز الحزينا
ولا دعونا جنود بني صهيون الملاعينا
للفتك بغزة فوق رؤوس المساكينا
وكاد القَسَّامُ ان يزلزل العدو ويحمينا
الا انه ويا لاسف الآسِفينا
ساهم في تقسيم أهل فلسطينا
وكفانا مزايداتٍ واستهبالاً للملايينا
واللهم من اطماع الصهاينة الجشعينا
ومن حقد ملالي ايران واذنابها نجينا
وكان الاستيز نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني الى أبد الآبدين قد قال مزايدا على العرب أجمعين وحتى على اصحاب القضية الأصليين:
أن "الرّد على هذه الجرائم الاسرائيلية ضد الانسانية لا يمكن أن يستمر عبر بيانات الإدانة والإستنكار بل يجب أن يستدعي موقفاً عربياً يستعيد قرارات مكتب مقاطعة إسرائيل ويلغي كل عمليات التطبيع ويعيد القضية الفلسطينية الى جذورها التاريخية والسياسية كقضية شعب وحقوق إنطلاقاً من عقد قمة عربية تأسيسية في مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة وليس أي عاصمة أخرى".
هو هنا يغمز وبوضوح من قناة القذافي والقمة العربية التي ستعقد في آذار المقبل في ليبيا. ولا ادري لماذا لا يطالب بري بمحكمة دولية تعمل على حل لغز تغييب الامام موسى الصدر.
وهل ستوافق ايران على محكمة كهذه؟
فالامام المغيب كان يطالب بقيام الدولة اللبنانية لجميع طوائفها، ولبنان كوطن نهائي لابنائه، وهذا ما يخالف مشاريع حزب الله وايران في تحويل لبنان الى ولاية فارسية.
ويتابع بري قائلا: " وذلك بهدف تحقيق إجماع الأمة وحشد طاقاتها وإمكانياتها بمواجهة التحديّ الإسرائيلي العابر لحدود أقطار عربية بالتهديدات بالعدوان وبلغ ذروته في محاولة إقتلاع الشعب الفلسطيني".
عجبا وكأن الشعب الفلسطيني ما زال يعيش معززا مكرما مرتاحا في حيفا ويافا وصفد واللد وبئر السبع وعسقلان وإيلات وكل فلسطين التاريخية ولم يقتلع من ارضه بعد، ولم يشرد في بقاع الارض!
عجبا وكأن الأمة لم تحشد طاقاتها وامكانياتها وجيوشها ومجاهديها وابطالها وجنرالاتها وصواريخها وابواتها وابواقها ومشايخها قبل وخلال حرب 48 وما تبعها من حروب معطوفة على اللاءات الثلاث في مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة حرب 67 : لا للصلح، لا للتفاوض، للاعتراف! الى ان استدرجنا اسرائيل: يلا يلا ! لاحتلال بيروت عام 82 وعيون اساتذة وابوات ومنظري الحرب الشعبية الطويلة الامد على طريقة آل اسد جاحظة، وبقية الهزائم والنكبات والكيلومتر 101 ، والسلام المنفرد، واوسلو واستجداء المفاوضات مع اسرائيل من قبل رئيس النظام السوري لا تحتاج الى ملاحظة !
عجبا وكأن مكتب مقاطعة إسرائيل الطيب الذكر الجليل والذي استمر يقاطعها من جيل الى جيل معلنا الحرب عليها اقتصاديا عشرات السنوات وبشكل صارم من كل الدول العربية والاسلامية ايضا قد ادى الى خنق هذا الكيان المسخ الذليل الى درجة ان اسرائيل اصبحت بنجاحات مكتب المقاطعة تلقب ببنغلادش الشرق الاوسط من شدة الفقر الذي اصابها بسبب حصار العرب الاقتصادي لها.
مع ان العكس هو الذي حصل حيث انه خلال كل سنوات المقاطعة المباركة والتي ما زالت الكثير من الدول العربية تتبع ممارستها، كان تاثير ذلك على الاقتصاد والمجتمع والسياسة في اسرائيل كتأثير ذبابة تغط على ظهر الفيل.
والعجب العجاب، لما سيحمله الضباب عندما يريد بري: "ان يعيد القضية الفلسطينية الى جذورها التاريخية والسياسية كقضية شعب وحقوق"
يريدنا بري ان نعود القهقرى دون حساب لما قدم من تضحيات جسام الى المربع الأول من الصراع:
اي تيتي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي!
أي الى نقطة الصفر التي حولتنا الى اصفار على شمال، بسبب التخبط والعجز وقلة الفعل والحال وانطلاق افة سفك الدماء وثقافة الارهاب بقيادة المجاهدين الابطال.
عجبا وكانه حتى الان لم تنعقد مؤتمرات قمة عربية كرمى لعيون القضية وفي تحرير كامل تراب فلسطين ومواجهة الكيان اللعين.
وماذا كانت نتائج كل المؤتمرات العربية وقراراتها سوى استعراض اعلامي واقوال دون افعال. ولكن المؤتمر الذي يدعو إليه الاستيز سيخرج الزير من البير الذي سيزيل اسرائيل حسب الخطة النجادية الالهية. صح النوم!
ما يقوله بري ما هي سوى مزايدات مضرة جدا وغير عقلانية في هذا الظرف العصيب الذي تتكالب فيه قوى الجهالة والعمالة والنذالة على زعزعة استقرار الدول العربية في تمهيد الطريق للطامعين لتحقيق طموحاتهم في السيطرة على مقدرات الشعوب العربية.
ودعا بري مؤتمر الإتحاد البرلماني العربي الذي ينعقد قريباً في القاهرة الى "إيجاد آليات لتنفيذ قراراته السابقة لدعم الشعب الفلسطيني وليس تكرار بياناته والاكتفاء بالاحتجاج وتأكيد تضامنه مع أشقائنا في الأرض المحتلة بانتخاب فلسطين لرئاسة الاتحاد لإطلاق أوسع حملة برلمانية على المستوى الدولي من أجل حقوق الشعب الفلسطيني وأمانيه".
ان من اغلق البرلمان اللبناني وقمع ارادة الناخب اللبناني، وحارب الاكثرية البرلمانية واحتل بيروت بقوة السلاح والارهاب والابتزاز وشلل الزعران خدمة للمشروع الايراني الشمولي، هو اخر من يحق له الكلام عن الدعوة الى حملة برلمانية وبكلام هو غير مقتنع به وبفائدته.
وعليه قبل أي شيء ان كان صادقا فيما يقول ان يطالب بقيام برلمانات عربية حرة ديمقراطية تعبر عن ارادة الشعوب قبل ان يثرثر بمزايدات يعلو ضجيجها الطيران الحربي الاسرائيلي فوق الجنوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق