السفير
صورة: لينا مرهج
ليال حداد
صورة: لينا مرهج
ليال حداد
ـ «شو عامل الليلة؟
«. ÷ «نازل عالضاحية»!
انتهى الحديث بين الرفيقين.
النزلة على الضاحية ليست للعمل ولا لرؤية الدمار الذي خلّفه العدوان الاسرائيلي وإنما للسهر. والساهرون هم من «الحلفاء» أي من شباب «التيار الوطني الحر» الذي وجد في الضاحية ملاذاً جديداً له بعيداً عن الأماكن المعتادة للسهر.
يلتهم أوليفر طعامه بلذة، ويتكلم بفم يملأه الطعام، فتأتي اللهجة غير مفهومة: «ما في أحلى من الضاحية، أكل رخيّص وكويس، أركيلة، وجو لذيذ».
هكذا يختصر سهرته هنا، أي في أحد مقاهي منطقة الليلكي. ينهي طعامه، يمسح فمه بمحرمة، ويخوض في حديثه المفضل: «حزب الله والجنرال عون خلوا يصير في تفاهم بين العالم».
ويستفيض بما يبدو أنه حفظه غيباً عن فوائد وحسنات ورقة التفاهم بين الطرفين. أوليفر هو عينة عن قسم من الشباب الذي شجّع «السياحة الداخلية» بين المناطق «العونية» والمناطق «الحزباللاوية» كما يقول طارق: «أنا من برمانا في المتن الشمالي، وأتعلم في الجامعة اللبنانية في الحدث، وكنت كل يوم آتي لأتغدى هنا في الضاحية. لكن، بعد التفاهم، أصبحت آتي إلى هنا في السهرات مع بعض أصدقائي».
يشرح طارق عن الطريقة التي تغيرت فيها نظرة العونيين الى الضاحية بعد تحالف الطرفين، وينتقد هذه الظاهرة، فرفاقه، بحسب قوله، كانوا يسخرون من الضاحية ومن أهلها قبلها، وبسبب «ضرورات السياسة» أصبح أهل الضاحية «أقرب عالم إليهم»، وينتهي بالقول: «اللبناني من يوم يومو هيك، ولو بمية سنة ما بيتغير».
يتحدث صاحب أحد المقاهي عن «المسيحيين» الذين يأتون إلى مقهاه، حتى أن بعضهم أصبح «زبون دوّيم» يقصد المقهى كل جمعة وسبت للسهر. نوع السهرة؟ لا احتمالات في الجواب، فنوع السهرة واحد: طعام ونراجيل وإن كان المقهى «مودرن» وغير متدين فيسمح ببعض الموسيقى. لكن لا مشروبات روحية: «في المرة الأولى التي أتينا فيها إلى هنا، تضايقنا قليلاً، فالسهرة لا تحلو بلا كأس، ولكن أصبح الأمر عادياً لاحقا».
ببساطة وجد جورج الحل: عندما يريد ان يشرب الكحول يسهر في الجميزة، وعندما يريد أن يتعشى يسهر في الضاحية.
أمر الاختلاط يبدو جميلاً لوهلة أولى، إلا أن كلام أصحاب المقاهي يترك باب القلق مفتوحاً. فيقول عباس المولى، صاحب أحد المقاهي: «في الماضي، كانوا شباب المستقبل والاشتراكي ما ينهزوا من عنا، هلق ليكي وين صرنا».
يتخوف المولى من أن تتغير التحالفات السياسية ويغادر العونيون طاولات مقهاه: «ما في ألذ من هيك زبونات، ما بعرف ليش هلقد بنبسط بس يجي حدا عوني لعنا».
ويتحدث بمرح عن بعض المواقف المضحكة التي صادفته مع «الزبائن الجدد»: «في إحدى المرات أتى إليّ 4 شباب من الأشرفية، وطلبوا بيرة. أخبرتهم أننا لا نقدم المشروبات الكحولية، فأعطاني أحدهم عشرين دولاراً ليبرطلني. عندما فهم الأمر، اعتذر بشدة وأخبرني أنه كان يسمع أن هذه المقاهي تقدم عصيراً ملغوماً عند الطلب». يضحك المولى على الحادثة ويضيف: «من يومها والشباب زبونات المحل، صاروا يسكروا على شراب التوت». أغلب الزبائن من الشباب، أما نوع الأحاديث فله طابع خاص هنا. كل طرف يصر على المزايدة في مدى حبه للطرف الأخر، وفي شتمه «للفريق الآخر»، أي الحكومة.
والذم بسمير جعجع ووليد جنبلاط يبدو من أكثر الأحاديث نجاحاً بين الشباب. ولا يخلو الحديث من بعض التهكمات على عادات الطائفة الأخرى. فيطرح دوري وطوني الأسئلة على حسين كمن يستكشف كائناً فضائياً. تعدد الزوجات، الحجاب، الوضوء قبل الصلاة، وطبعاً الخواتم التي يلبسها حسين بيده... كلها تبدو أموراً يصعب على العونييْن فهمها.
ومن ناحيته، يحاول حسين أن يفهم الخلاف بين الكنيستين الشرقية والغربية في العالم ويطرح أسئلة «يصعب على البطريرك أن يجاوب عليها»، بحسب تعليق دوري.
وينتهي الحديث بنشوة شعور عارم بالوطنية وبالتعايش بين الشباب الثلاثة. ماريو وزهراء «كوبل دويم» في أحد المقاهي: «نحن رحنا بورقة التفاهم على الآخر»، وتملأ زهراء المقهى بصوت ضحكتها.
يعترف ماريو بأنه لا يستطيع أن يتصرف على راحته في هذا المقهى، إلا أنه قريب من بيت زهراء ولذلك يأتون إليه يومياً: «هيداك النهار، كنت ماسكلها إيدها، قامت عملتلي مية قصة، قال شو، هول الحركات مش للضاحية».
يتلقى ضربة سريعة من زهراء على يده: «ولك هلق بفكرو إنو برات الضاحية آخد كتير راحتك». يهز ماريو رأسه بأسف ساخر: «هيدي آخرتي، حب شيعية!».
ويبدأ المزاح مجدداً على نسق: «صايرلك تحب شيعية»، و«ولولا المسيحية لكنتو نمتو على الطرقات بحرب تموز»، وغيرها من العبارات التي غالباً ما تكون متداولة في «غيتو» كل طائفة.
خط «الضاحية ـ الشرقية» هو، حتى الآن، باتجاه واحد. فشباب الضاحية لا يتعودون بسهولة على السهر خارجها: «إذا كان بدي اضهر برات «المنطقة»، بروح ع الروشة أو الحمرا، أما باقي المناطق فلا أرتاح فيها».
يتكلم حيدر بصراحة عن إحساسه، وورقة التفاهم؟ والعونيين الذين «ينشطون اقتصاد الضاحية»؟
يبتسم حيدر بتكلف ويجيب: «ما تشدي إيدك كتير، العونيون الذين يقصدون الضاحية هم من القسم الذي هو أساساً غير طائفي، إلا أن قسماً كبيراً منهم ما زال يرتاب حين يسمع الحرف الأول من كلمة ضاحية، بس إن شاء الله بيمشي الحال إذا ظل عون والسيد حسن متفقين».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق