بقلم رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض
مقدمة لا بدّ منها
أمر جيِّد ان يتوافق طرفان لبنانيان أساسيان على مبادىء وطروحات وطنية، فكيف بالأحرى إذا ما وقع هذا التوافق على فصيلين لبنانيين كبيرين بمستوى وحجم حزب الله المختزل للطائفة الشيعية وبين التيار الوطني الحرّ الذي يمثِّل الأكثرية المسيحية في البرلمان اللبناني.
وللوهلة الأولى وعند قراءتك لبنود وثيقة التفاهم مع ما حملته من جمل وعبارات بالشكل منمقة تستدّر عطف اللبنانيين إنما المشكلة مع هذه الوثيقة لا بل نقول الخطورة فيها عند الدخول في تفاصيل ما تضمنته الوثيقة، وفي التفاصيل كمنت الشياطين، وإذا كان العماد ميشال عون من أبرز رافضي إتفاق الطائف لا سيما لجهة عدم تحديده لجدولة زمنية للإنسحاب السوري من لبنان، كيف له إذاً أن يوقّع على وثيقة ربطت بقاء سلاح حزب الله بالدفاع عن لبنان الى ما لا نهاية؟ وبموضوعية نقول إن الوثيقة كعملة واحدة ولكن ذو وجهتين متناقضتين مختلفتين، الوجه الأول وهو إستعمال بعض العبارات والمفردات المستهلكة في المجتمع المدني اللبناني كالديمقراطية ومكافحة الفساد والإصلاح وجدلية العلاقات اللبنانية _ السورية ...
أما الوجه الثاني وهو ما تحمله الوثيقة من خطورة، خاصة على الواقع المسيحي الذي لم يعرف في تاريخه إنقلاباً جذرياً في المفاهيم والمبادىء كتلك التي إجتاحت مجتمعه عبر الوثيقة، ولعلّ أخطر ما في الوثيقة إعتبار الفريق المسيحي الموقّع عليها بأنّ سلاح حزب الله هو وسيلة مقدّسة، وهذا الفريق المسيحي نفسه الذي وقّع على الوثيقة سبق له أن قال وعلى لسان زعيمه : «أنّ مشروعية العمل المسلح لحزب الله تلاشت بعد الإنسحاب الإسرائيلي». (في 3كانون الثاني 2005)
وهو نفسه العماد ميشال عون سبق له أن قال :
«لا أستطيع أن أحاور حزب الله وهو يحمل البندقية، فليضع البندقية جانياً عندها نجلس معاً ونتحاور» (في 5 نيسان 2003)
إنطلاقاً من هذه الإزدواجية في الموقف يمكن التأشير على مدى وعمق خطورة الوثيقة، هذه الخطورة تقع على الفريق المسيحي الذي وقّع على الوثيقة وعبره على المسيحيين بشكل عام ..
ولولا وجود مثل هكذا مستند بين يدي حزب الله لما أقدم على شن الحرب في تموز 2006، ولما تعطلت الحكومة، ولما عاد وإستنشط كلّ المحسوبين على سوريا حتى اليوم ويتحركون بالتنسيق مع قيادتها ...
إذاً وثيقة التفاهم بين الحزب والتيار رسَّخت مفهوم «الألوهية» «والتقديس» لسلاح حزب الله في وقت لم يتمكن التيار من لبننة حزب الله..
وثيقة التفاهم ضمنت للطرف الشيعي المتمثل بحزب الله إستمرارية وجوده المسلَّح عبر الإستحصال على توقيع زعيم الأكثرية المسيحية في البرلمان بينما لم يتمكن العماد عون من الحصول على أي مستند ممهور لمعالجة السلاح أو على الأقلّ لتسليمه الى الدولة وهكذا قدَّم العماد عون خدمة مجانية مسيحية الى حزب الله عبر ربط مصير السلاح بالدفاع، وإنّ حجة «الدفاع عن لبنان» كما وردت العبارة في الوثيقة ليتمسك بسلاحه الى أجلٍ غير مسمى، وهي حجة دامغة بالنسبة اليه، إنطلاقاً مما كرَّره قياديوا حزب الله وفي أكثر من مناسبة : «السلاح باق باق طالما بقي القرآن والانجيل»
وهنا يطرح السؤال التالي:
هل يتحمل أي مسؤول أياً كان مسؤولية ما سوف يجرّه بقاء سلاح خارج إطار الشرعية؟
ومن بإمكانه بعد اليوم المسّ بهذا السلاح خاصة بعدما صدرت تهديدات من قبل قيادات حزب الله «بقطع ايدي ورقاب كلّ من يمسّ هذا السلاح»
إذاً وثيقة التفاهم التي أعطت شرعية مسيحية حصرية لحزب الله «للدفاع عن لبنان» منعت بالمقابل على أي لبناني آخر في الدفاع عن لبنان كون الوثيقة لم تتحدث عن سلاح المقاومة بشكل عام بل حدّدت هذا السلاح بسلاح حزب الله وبالتالي لا وجود لأي مقاومة أخرى بعدما أصبح هذا الحزب الشيعي، مطلقة يداه في تقرير مصير لبنان إنطلاقاً من الإستراتيجية الدفاعية التي هي حكر على طرف واحد.
ولشرح مدى خطورة وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ لا بدّ من توضيح ما تضمنته هذه الوثيقة من بنود خطيرة تؤشّر الى مستقبل غير مستقرّ سوف يؤدي بالنهاية الى إعتبار المسيحيين أهل ذمَّة بالمفهوم السياسي كما سيؤدي الى نقل المسيحيين من واقعهم وتاريخهم الحضاري العريق الممتلىء بالإنفتاح على العالم أجمع مع ما حمله هذا التاريخ من قيم ومبادىء إنسانية أرسى معالمها عدد من قادة المسيحيين أمثال شارل مالك وفؤاد إفرام البستاني وسعيد عقل وبشير الجميّل...
فهل يعقل أن ينتقل المسيحيون في لبنان الى قاموس ومفردات لم يعرفوها طوال حياتهم ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما جاء على لسان أحد النواب الموارنة في كتلة العماد عون حيث أورد حرفياً: «الإستكبار العالمي، الصهاينة ذابحي الأطفال، حرب العدوان، المقاومة الشريفة الطاهرة والنظيفة»(النائب سليم عون في حسينية الإمام علي في حوش حالا _ رياق). (الوكالة الوطنية للإعلام 28/ كانون الأول 2006)
وهنا يكمن السؤال : هل وردت مثل هذه العبارات في يوم من الأيام ببيانات أو مقالات أو مؤتمرات التيار الوطني الحرّ؟
أولاً : سلاح حزب الله وسيلة مقدّسة.
وصفت الوثيقة في البند العاشر منها سلاح حزب الله بأنه «وسيلة مقدسة» وهذا الوصف لم نعرفه من قبل، ولم نستعمله من قبل، وهذا الوصف ميّز حزب الله دون سواه من الميليشيات اللبنانية طوال سنوات الحرب، فالأحزاب المسيحية مثلاً لم تصرّح يوماً بأن سلاحها هو سلاح مقدّس،
ولا الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون يوم أعلن حرب التحرير على الإحتلال السوري في 14 آذار 1989 أعطى هذا الوصف لسلاحه على الرغم من أن سلاح الجيش هو شرعي ورسمي وقانوني،
بينما سلاح حزب الله هو سلاح ميليشيوي غير قانوني.
إذاً لأول مرة نسمع فيها طرف مسيحي يقدّس السلاح ويعتبره وسيلة مقدّسة، وهذا فكر رجعي متخلّف لا يمت الى تاريخنا باي شكل من الأشكال،
هذا من جهة،
ومن جهة أخرى،
إذا كان هذا السلاح مقدّس أو وسيلة مقدسة فهذا يعني أننا أصبحنا أمام علاقة إلهية دينية مع هذا السلاح، مما يعني أن لا نقاش ولا جدل في موضوع السلاح، فكيف لفريق الأكثرية المسيحية أن يعطي موافقة على موضوع خطير جداً بمستوى وحجم خطورة بقاء سلاح غير شرعي بين يدي فريق هو بالنهاية حزب وليس دولة ؟!
وكيف لفريق مسيحي سبق له أن تسلّم قيادة الحكومة الشرعية منذ أيلول 1988 وحتى تشرين الأول 1990، كيف لرمز مثّل الشرعية والدستور والقانون وسعى «لتوحيد البندقية» إنطلاقاً من مبدأ جيش واحد شرعي لا أحد سواه يحمل السلاح... كيف له أن يقع في هذا المستنقع عبر لغة قدّست سلاحاً ميليشيوياً وألَّهت سبب وجوده وكرَّست بقاءه الى ما لا نهاية ؟؟
إن الورقة التفاهمية التي تمَّ تظهيرها للبنانيين على أنها ورقة مبادىء حق بينما الواقع أنه يراد منها باطل، والباطل ربط مصير إستقرار لبنان بقرار حزبي أحادي بإمكانه وحده أن يأخذ الجمهورية اللبنانية الى المجهول وهو ما حصل إبان حرب تموز الماضي.
وطالما أن حزب الله لم يعد حزباً بمستوى الناس ولا باقي الأحزاب والتيارات، كما أنه لم يعد حتى بمستوى الدولة اللبنانية إنطلاقاً من تأليه كلّ نشاطاته وتقديس وجود سلاحه، وهذا الأمر تجلَّى بأبهى حلله يوم إحتفل هذا الحزب «بالنصر الالهي» بمشاركة رسمية من قبل شريكه في ورقة التفاهم عبر وفد نيابي عريض.
إذاً الشريك المسيحي في وثيقة التفاهم تنازل عن حق المسيحيين في طرح موضوع تحديد زمنية ومعالجة سلاح حزب الله.
الشريك المسيحي قدّم لحزب الله مستقبل مسلَّح دائم وأبدي دون افق ودون حدود وهذا الأمر تجلّى بوضوح من خلال الربط بين مصير السلاح بمصير الدفاع عن لبنان.
إن عبارة «الدفاع عن لبنان» جاءت بمثابة تمييع مسألة من له الحق بالدفاع عن لبنان والسؤال : إذا كان لحزب الله وحده حق الدفاع عن لبنان فما هو دور الجيش اللبناني؟؟ وعبارة «الدفاع عن لبنان» تناقض مفهوم السيادة اللبنانية وبسط سلطة الشرعية وحدها على كامل التراب اللبناني، أم أننا أمام دولة غير مسؤولة بالكامل عن حماية الأرض والشعب وأن لها شريك في تأمين أمن وسلامة اللبنانيين ..
وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن حزب الله أيضاً شريك أساسي للدولة اللبنانية في تطبيق القوانين وخاصة منها القرارات الدولية المتعلّقة بلبنان.
ولم يعد لأحد حق التمسك بالبند المتعلق بسلاح حزب الله والمذكور في البيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، كون أحداث تموز المنصرم تخطت هذا البند وتالياً ما صدر عن المنظّمة الدولية ومن أهمها على الإطلاق القرار 1701، إذاً البيان الوزاري أو تحديداً بند سلاح حزب الله في البيان الوزاري سقط ولم يعد ذي جدوى لا بل يمكن إعتباره كأنه لم يكن خاصة وأن حزب الله خالف ونقض هذا البيان الوزاري عبر عدم إلتزامه بمضمونه من دون أن نتجاهل أن الحزب ضرب عرض الحائط بكل مفاعيل طاولة الحوار.
والأهم من كلّ ذلك أن حزب الله وافق على القرار 1701 وهو قرار دولي حصر أمر السلاح بين يدي القوى العسكرية الشرعية اللبنانية، ومسألة الحدود في الجنوب مع اسرائيل تحدّدها إتفاقية الهدنة.
وإذا كان حزب الله تحت سقف الطائف فمن باب أوْلى أن يفقه هذا الحزب أن الطائف نصَّ على تجريد الميليشيات من سلاحها.
إن البند العاشر من وثيقة التفاهم بدّل رأي الشريك المسيحي بمسألة مزارع شبعا حيث أنَّ هذه المزارع لم تكن لبنانية بالنسبة اليه، فالعماد عون قال :
«قضية مزارع شبعا كذبة، وأنا مسؤول عما أقول لا يمكننا تعديل الخريطة على مزاجنا مزارع شبعا ليست لبنانية»(العماد عون في حديث لمحطة MTV 9 نيسان 2002)
إذاً ما الذي حدا بالعماد عون ليعود ويوقّع على وثيقة تجيز لحزب الله «بتحرير مزارع شبعا من الإحتلال الاسرائيلي».
أكثر من ذلك فإنّ خطورة البند العاشر من الوثيقة جاء ليقول بأنه حتى ولو تحررت المزارع وعادَ الأسرى اللبنانيون في السجون الاسرائيلية تبقى مسألة «حماية لبنان» من صلاحية وهدفية حزب الله المعلنة، وهذه الحماية محصورة به دون سواه.
إن مسألة بقاء السلاح بين يدي حزب الله ذهبت الى أبعد من كل تصوّر حيث أنّ سلاح حزب الله: «باقٍ طالما إن اسرائيل بإمكانها أن تطلق ولو طيارة ورق فوق الأراضي اللبنانية».
إذاً لا يوجد أفق للسلاح ولا يوجد من يضمن تسليم هذا الحزب لسلاحه..
فشريكه في الوثيقة لم ينظر حتَّى الى أبعد من التحالف، ولو أنه فعل لكان على الأقلّ إستبدل عبارة سلاح حزب الله بسلاح المقاومة مثلاً، إلاَّ أنه من الواضح أنَّ الوثيقة كتبت بقلم أصفر دون اي تطعيم بلون برتقالي.
من هنا يمكن التأكيد أن حزب الله إستدرج الشريك المسيحي حتى يوقّع على الوثيقة عبر ايراد بعض العبارات التي لا تقدم ولا تؤخّر في منهجية الحزب منذ قيامه، ولن يكون بإمكان الطرف العوني إنتزاع أي تعهّد بتحديد المصطلحين «الظروف الموضوعية» و «حماية لبنان».
إذاً سلاح دائم، سلاح باق الى مدة غير محدّدة الأهداف والزمنية، ويكفي أن نشير أخيراً الى أن البند العاشر وهو البند الذي تناول سلاح حزب الله لا ذكر فيه للمؤسسة العسكرية اللبنانية.
فكيف لأحزاب ضمن دولة قائمة عبر مؤسساتها أن ترسم «استراتيجية دفاع وطني» دون أن يكون للدولة ولمؤسساتها أي رأي بموضوع هذه الاستراتيجية.
وطالما أن اللبنانيين لم يتوصلوا الى توافق حول مسألة السلاح، مما يعني أنّ تصرّف حزب الله الأحادي وجرّه لشريكه المسيحي في الوثيقة التسليم بمشروعه الاستراتيجي الذي هو من دون أفق أو حدود،
كيف له أن يفرض مشيئته هذه على باقي اللبنانيين ؟ كون شريكه في الوثيقة لا يختزل كل المسيحيين!!
وحقيقة الأمر، أنّ الفريقين عبر الورقة لم يحددا طريقة التعاطي والتعامل مع السلاح، بل جلّ ما في الأمر أن هذه الوثيقة سلَّمت بالمخطط الاستراتيجي للدفاع المعدّ من قبل حزب الله وحده، والكلام عن هذه الاستراتيجية التي جرى بحثها على طاولة الحوار كان بمثابة ذرّ الرماد في العيون، ومضيعة للوقت،
لا بل تضليل من قبل حزب الله لباقي الأطراف.
لا يعقل في زمن العولمة La Mondialisation مع ما تحمل معها من تقدّم وتطور، أن يطلّ علينا فصيل لبناني يقدّس السلاح ويربطه بالشرف والكرامة والعرض، والأخطر، أنّ شريكه المسيحي وقّع على هذه الورقة المتضمنة لتلك العبارات والألفاظ، ولا يغرّنكم ايراد بعض المفاهيم الكونية كشرعة حقوق الانسان والقرارات الدولية، حيث أن الوثيقة حتماً لم تستلهم بنودها من أي من هذه المفاهيم، خاصة وأن حزب الله لا يعنيه أبداً مسألة المنظمة الدولية، كما هو لا يعترف أساساً بقرارات الأمم المتحدة، وقد شهدنا على هذا الحزب كيف أنه يتعامل مع قرارات الأمم المتحدة بإنتقائية بحيث أنه يوافق على القرارات التي يرى فيها مصالح قضاياه الخاصة بينما يرفض الأخرى التي لها علاقة بمصالح لبنان.
ثانياً : البند السادس ومسألة اللبنانيين في اسرائيل.
كيف وقع الشريك المسيحي الموقّع على الوثيقة في مطب إعتبار حزب الله لدعوته الى اللبنانيين اللاجئين الى اسرائيل كأنها إنتصار للفريق المسيحي، كيف ذلك والحزب لم يتنكر يوماً لحق هؤلاء في أن يعودوا الى لبنان، إلاَّ أنه يريد محاكمتهم، فإذاً على ماذا يطبلون ويزمرون بالبند السادس الذي تناول الهاربين الى اسرائيل، هؤلاء الذين قال عنهم العماد ميشال عون: «لماذا خافت النساء وهربت الأمهات مع أطفالهن الى المخيمات الاسرائيلية؟ أليس الذي حدث هو نتيجة خطابات بقر البطون في الأسرة» (العماد عون في 2حزيران 2000)
وها قد مضى عام على توقيع الورقة بين حزب الله والعماد عون، فهل عاد أحد من أهلنا الهاربين الى اسرائيل خوفاً من «بقر البطون في الأسرة»؟؟ والسؤال لماذا لم يعودوا ؟
الجواب جاءنا من تصرفات حزب الله على أرض الجنوب وطريقة تعاملهم ومعاملتهم لمن بقي منهم ولمن لم يلجأ الى اسرائيل ..
الجواب جاءنا من محاكمة النوايا التي أقامها الحزب، وهنا يظهر جلياً كيف أن هذا الحزب يقيم دويلة ضمن الدولة عبر الأمن الذاتي .. المربعات الأمنية.. المال النظيف ...
إذاً على الشريك المسيحي أن لا يتباهى كثيراً بما أنجزه عبر وثيقة التفاهم، لأنه في الواقع لم يقدّم سوى إنقلاب على الذات وعلى التاريخ النضالي الطويل، كون كلّ ما ورد في الورقة يتناقض بشكل كبير مع الطروحات والمبادىء العامة التي تميّز بها التيار الوطني زهاء خمسة عشر عاماً.
إذاً التيار لم يبدّل أبداً في سلوكية حزب الله، ولا في مواقفه، كما أنه أبقى على الملفات القديمة لا بل عزّزها بتوقيع مسيحي ممهور، شذّب حزب الله آلته العسكرية لينطلق من جديد كحزب الهي مرتبط دينياً بولاية الفقيه، مدعوم عبر مستند ممهور بزعيم مسيحي يمثل الأكثرية البرلمانية المسيحية.
وبعد مضي سنة على الوثيقة يجب تقديم ما أنجزته وما حققته هذه الوثيقة، وبلمحة سريعة نقول :
بالنسبة للعلاقات السورية _ اللبنانية إزدادت الأمور تعقيداً، كما إزداد التعنّت السوري والإعتداءات السورية الكلامية على لبنان، في وقت كانت سوريا وقبل الإعلان عن الوثيقة مفرغة اليدين عبر تهميش كلّ جماعاتها العاملة في لبنان، أما اليوم ومع الوثيقة عادت هذه المجموعات تنشط وتتمادى، لا بل باتت في مرحلة تتحدى القوى السيادية، وتتباهى بعلاقتها مع النظام السوري، حتى أنها تحتمي به.
وبالعودة الى موضوع عائلاتنا اللاجئة الى اسرائيل، فإنّ وثيقة التفاهم نصَّت أيضاً بدورها على ضرورة محاكمة هؤلاء ، وفي حال سلّمنا جدلاً بأن هؤلاء عادوا ، فأين سيُقيم هؤلاء ؟ هل سيقيمون في دويلة حزب الله أي الجنوب، أم داخل المربعات الأمنية التي يُسيطر عليها حزب الله بشكل كامل؟
بالإضافة الى مسألة من سيضمن أمن وسلامة هؤلاء العائدون !!
من هنا يمكن القول أن الوثيقة أبعدت كلّ أمل أو بارقة أمل عند أهلنا الهاربين الى اسرائيل، وبالتالي هي لن تساعدهم على العودة بل أنها قطعت عليهم الطريق لكي لا يعودوا أبداً، أو على الأقل لن يعودوا قبل قيام الدولة القوية وإنتهاء الحالة الشاذة المتمثّلة بدويلة حزب الله .
وثيقة التفاهم جسّدت إرادة الغالب والمغلوب ... وثيقة التفاهم جسَّدت إرادة القوي على الضعيف...
ثالثاً : العلاقات اللبنانية _ السورية.
لقد بات واضحاً أنّ سوريا تملك ورقة في لبنان، هي ورقة حزب الله، وللتخريب تملك ورقة المخيمات الفلسطينية، عبر بعض الفصائل المؤتمرة بالتعليمات والأوامر السورية...
وقد جاءت وثيقة التفاهم لكي تعقِّد العلاقات اللبنانية السورية، لا بل جاءت تزيدها تعقيداً لجهة إعادة الإعتبار نوعاً ما الى النظام الذي عاثى فساداً وإفساداً ، قتلاً وتخريباً حرقاً وسرقةً في الجمهورية اللبنانية.
وفي وقت كنّا نسمع بعض التصريحات الرسمية السورية حول نوايا غير واضحة لإقامة علاقات طبيعية مع الدولة اللبنانية، والقبول بمسألة ترسيم الحدود بين البلدين، ولكن ما أن تمَّ التوقيع على هذه الوثيقة حتى عادت اللهجة العدائية السورية تجاه لبنان وتجاه الرسميين اللبنانيين، وكأن النظام السوري كان بإنتظار حجة ما لكي يعود وينقضّ على الشرعية اللبنانية حتى جاءته وثيقة التفاهم التي قُدِّمت اليه وعلى طبق من فضة، حيث أنه ما أن تمَّ التوقيع على هذه الوثيقة حتى عادت اللهجة العدائية السورية تجاه لبنان وتجاه المسؤولين الرسميين اللبنانيين، ولعلّ المشهد الأبرز والدال في هذا المجال، الإجراءات القضائية التي تمَّ إتخاذها من قبل النظام السوري بحق النائب وليد جنبلاط، كما والتجريح المتعمّد وإطلاق الإهانات بحق رئيس حكومة لبنان، هذا كله جاء بغطاء من الوثيقة المطعمّة بدعم مسيحي عبر التوقيع عليها من قبل الطرف المسيحي أي العماد عون.
إنّ التواطؤ الواضح بين حزب الله والتيار العوني، وبينهما سوريا، برز ويبرز خاصة وتحديداً من خلال إهمال الفريقين لأي مفردات تتعلّق بكل المسائل التي تمّ طرحها في الوثيقة، وهكذا يمكن الولوج الى حقيقة مفادها أن الحزب والتيار إنما إستعملا بعض العبارات والمفردات لمجرّد دغدغة مشاعر المسيحيين، ولدفعهم الى القبول بما تمَّ التوقيع عليه، ولتسويقه في الشارع المسيحي، ليعودوا بعد ذلك الى التنكّر لكل ما كتباه على إعتبار أنَّ التذكير بما ورد في الوثيقة لا يخدم مصلحة سوريا، وهو ما تمّ التوافق عليه مع النظام السوري المستفيد الأكبر من وثيقة التفاهم.
والسؤال : هل حصل الحزب والتيار على الموافقة السورية قبل التوصل الى صيغة وثيقة التفاهم ؟
الجواب : نعم حصلت الوثيقة برضى سوري، لا بل أكثر من ذلك، فإن وثيقة التفاهم كتبت بقلم سوري وهي تكاد تكون خطورتها بمستوى خطورة الإتفاق الثلاثي الذي تمَّ إسقاطه في المنطقة الشرقية عام 1985.
وطالما أن الوثيقة لم يتحقق منها اي بند، فهذا يعني أنها كانت مجرّد طعم وقعت فيه الفريسة المسيحية، وما لم نتدارك عواقبه فأنه سوف يلحق الأذى والضرر البالغين، ليس فقط على المستوى المسيحي إنما على المستوى اللبناني.
وعندما نقول بأن الوثيقة هي أخطر ما مُنيَ به المسيحيون، فذلك لأنّ المسيحيين إستعملوا كغطاء لمشروع حزب الله القديم _ الجديد،
كما إستعملوا كغطاء ناجح لحرب تموز العبثية،
كما إستعملوا بالأمس القريب كوسيلة ضغط في الشارع عبر خرق القوانين بواسطة حرق الدواليب وقطع الطرقات ومنع الناس من القيام بواجباتهم اليومية...
وبالعودة الى موضوع العلاقات اللبنانية _ السورية يمكن التأكيد على أنّ سوريا التي خرجت من لبنان ضعيفة، مذلولة، منهارة القوى، عبر تأديبها وتلقينها درساً مفاده أنّ إحتلالها للبنان لثلاثين سنة، إنتهى بخيبة أمل كبرى عبر سقوط أزلامها في المستنقع اللبناني، كما ورحيل آخر حكوماتها المتشكلة في عنجر، وأخيراً عبر تأليب الرأي العام اللبناني وتحديداً الشارع السني بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري ...
وما من عاقل لم يتهم سوريا فوراً ولو بشكل عاطفي، وهذا الأتهام يطلقه الشارع اللبناني تجاه سوريا عند كل إغتيال يطال قيادات لبنانية أو عند كل عمل إرهابي تخريبي.
الوثيقة لم تحلّ مشكلة النظرة تجاه سوريا لا بل زادتها سوءً وتعقيداً، وبدل أن يخجل النظام السوري أو على الأقل بدل أن يتقدَّم بالإعتذار مما فعله في لبنان طوال ثلاثين سنة، بدل كل ذلك راح من جديد يزرع الشقاق والفرقة بين اللبنانين، مستفيداً من عامل أدواته في الداخل، حتى وصلنا فيه الى مرحلة لم تعد معه العلاقات بين البلدين مسألة مطروحة على بساط النقاش السياسي، خاصة وأن النظام السوري إستطاع أن ينقل الصراع كما جرت معه العادة الى الداخل اللبناني، وبذلك يكون السوري قد حقق نقطة لصالحه عبر إنفاذ ما وعد به بعيد إنسحابه من لبنان:«نحن ننسحب ولكن رح نفرجيكن شو رح نعمل بلبنان !!»
فأين هي إذاً مفاعيل وثيقة التفاهم لناحية العلاقات اللبنانية _ السورية ؟
ولماذا لعبت دوراً سلبياً في هذا المجال ولم تؤدِ الى تصحيح هذه العلاقات ؟
بالعكس مع الوثيقة إزدادت الأمور تعقيداً لدرجة أن السوري أعلن بشكل واضح وصريح دون أي خجل أو خشية عن رفضه المطلق لموضوع المحكمة ذات الطابع الدولي.
رابعاً : إستبدال عبارة الإحتلال السوري للبنان بعبارة «التجربة».
لقد تخلى الطرف المسيحي في الوثيقة، علىكامل تاريخه النضالي ضدّ الإحتلال السوري زهاء خمسة عشر سنة أمضيناها نحن على الأقل نقاوم الإحتلال وننازعه عبر شتى أنواع وأساليب متنوعة حتى سجن من سجن وضرب من ضرب وخطف من خطف ليأتي موقّع الوثيقة المسيحي ليضرب كلّ هذا التاريخ عبر تسويقه لبرمجة واضحة بهدف خلق معادلة جديدة على مستوى التعاطي مع سوريا، وبدل أن يفتخر الطرف المسيحي بما قام به سابقاً،
وبدل أن يتباهى بتاريخه النضالي،
وبدل أن يتمسك بإعتبار الجيش السوري هو جيش إحتلال ولا شيء سوى ذلك ..
بدل كلّ هذا أطلق وصفاً لا يليق ابداً ولا يُشرّف حياتنا السياسية، فاستبدل بدم بارد عبارة «إحتلال» بعبارة « تجربة».
إذاً ما ورد في وثيقة التفاهم حتماً لا يعني أبداً المسيحيين، كما أنه لا يعني أبداً تاريخهم، ولا السنوات الطويلة التي أمضوها في مقارعة الإحتلال ..
وهل من السهل أن نشوّه التاريخ لنعدِّل على مزاج مصالح بعض القيادات قاموس القضية اللبنانية ؟
وقد جاء وصف الوثيقة بأن ما ارتكبه السوريون يتطلب تنقية هذه العلاقات من الشوائب والأخطار،
وكأن بموقعي الوثيقة أرادوا القول بأن لبنان هو من إعتدى على سوريا وليس العكس ..
وكأن لبنان هو من أساء الى هذه العلاقات وليس العكس ...
إنَّ إستعمال عبارتي «شوائب» و «أخطاء» يحملان في طياتهما نذير سوء إزاء لبنان وتجاه القضية اللبنانية التي سقط من أجلها آلاف الشهداء ..
فهل حرب المئة يوم ..
وهل حصار زحلة ..
وهل التدمير والقتل المتعمدين من قبل جيش الإحتلال السوري لسنوات ثلاثين ..
وهل الإعتداءات ومصادرة الأملاك العامة والخاصة ..
وهل الشبهات حتى الساعة حول سوريا في الإغتيالات السياسية ..
وهل إعتقال وخطف لبنانيين في أقبية سجونها ..
وأخيراً وليس آخراً .. هل مذبحة 13 تشرين الأول 1990
وهل إعتقال نخبة ضباطنا من قلب وزارة الدفاع الوطني وسجنهم في المزّة ..
وهل إعدام 15 مواطناً مدنياً في بلدة بسوس وبدم بارد ..
وهل إعدام ضباط وجنود في ضهر الوحش على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار يوم 13 تشرين ...
هل يمكن وصف ما إرتكبه السوريون بالشوائب والأخطاء ؟
إذاً ما هي الجرائم وكيف تكون بنظر موقعي الوثيقة إذا لم يكن ما ذكرناه جرائم بحد ذاتها ؟
إنَّ إنحراف الطرف المسيحي الموقّع على وثيقة التفاهم عن المسار الطبيعي للقضية اللبنانية وإبتعاده كثيراً، لا بل مغالاته مع تمييع مسألة العلاقات اللبنانية _ السورية، وإعتماده المدروس والمقصود لجعل اللبنانيين يتناسون ما إرتكبه السوريون بحق الشعب اللبناني كما وبحق أرض لبنان، ظهر جلياً وواضحاً من خلال نكران الإحتلال وإستبدال هذا الوصف بعبارة «الوصاية»، حتى أنه أطلق عبارة «الوصاية الخارجية» ولم يستعمل على الأقل عبارة الوصايا السورية،
وللتذكير وللتوضيح فإننا لم نستعمل يوماً عبارة الوصاية بل الإحتلال، فكيف يتمّ اللعب على هذا المستوى، وكيف يجرؤ موقّع الوثيقة المسيحي على نكران الواقع التاريخي وللمعاناة المأساوية التي ذبحت لبنان وقسّمته وأحرقت أرضه ..
إذاً عبر الوثيقة لا يوجد ذكر لإحتلال سوري ..ولا يوجد حتى ذكر لوصاية سورية .. جلّ ما في الأمر إعتماد موّجه لجعل الناس وبأسلوب غسل الدماغ يرمون وراء تاريخهم ما إرتكبه الإحتلال السوري ..
موضوع العلاقات اللبنانية _ السورية لا يمكن المسايرة فيه، كما لا يمكن التهاون في مكاشفة الناس بالحقائق ..
وإذا كانت الفقرة الثامنة من وثيقة التفاهم سعت لايهام اللبنانيين وتحديداً المسيحيين بأنها جاءت لتوضيح العلاقات بين البلدين، ولكن حقيقة الأمر أنّ هذه الفقرة جاءت لتؤكد القول «ستنكرني ثلاث مرات قبل صياح الديك» ، نعم لقد تمَّ نكران التاريخ النضالي عبر الوثيقة وهو بالفعل ما حصل حيث لم يؤتى على ذكر الإحتلال ولا طبيعة «التجربة» كما وصفتها الوثيقة.
إن إختيار الألفاظ والعبارات يخفي من ورائه مؤامرة كبرى تكمن خطورتها في التفسير الحقيقي للمعنى المقصود في صياغة وثيقة التفاهم.
وهنا نقول إنّ من أشرف وأعدَّ على صياغة الوثيقة من الطرف المسيحي الواضح أنه يجهل تماماً معاني الكلمات، خاصة وأنَّ اللغة العربية التي كتبت فيها الوثيقة إنما جرى إعدادها بإتقان، حيث في الظاهر تمّ إختيار نصوص ايهامية بمعنى أنها توهم القارىء بمعنى غير المعنى المقصود في مضمون النصّ، وهذا أمر أتقنه حزب الله جيداً في إعتماده لهذا الأسلوب، بينما سقط فيه الطرف المسيحي شرّ سقوط.
وكم كان الأجدى بالتيار الوطني الحرّ لو أنه أصرّ على إعتماد اللغة الانكليزية أو الفرنسية أو الاثنين معاً بالإضافة الى اللغة العربية في كتابة نص الوثيقة ولو فعل لكان تمّ إفتضاح الأمر وكشف الخفايا وخبايا ما تضمنته الوثيقة، ولكن كان متعمداً من قِبَل موقعي الوثيقة أن تكتب باللغة التي كُتِبت بها لتضييع المعنى الحقيقي ولايهام الناس بغير ما جاء في النوايا الحقيقية للوثيقة.
مسألة المعتقلين في سوريا.
وإستكمالاً لوثيقة التفاهم، ولمزيد من الترجمة العملية من قبل الطرف المسيحي أطلّ العماد عون على اللبنانيين ليعلن على شاشة NEW TV بأن لا معتقلين للتيار الوطني الحرّ في السجون السورية، وعندما سمع إستهجاناً وإستغراباً من قبل اللبنانيين عامة ومن أهالي المعتقلين خاصة عاد ليوضح أنّ حزب التيار ليس له معتقلين، وكأنّه حدَّد بذلك تاريخ التيار الوطني الحرّ ونشأته باليوم والساعة التي حصل فيها حزبه على العلم والخبر من وزارة الداخلية، فهل هذا المنطق يمكن تسويقه لدى الرأي العام المسيحي؟
وهل أن التيار الوطني الحرّ بدأ تاريخه في 7 أيار 2005 يوم عودة الجنرال الى لبنان؟
ليس صحيحاً هذا الكلام كون التيار الوطني بدأت إنطلاقته منذ تولي العماد عون لرئاسة الحكومة الإنتقالية في أيلول 1988..
وهنا تستحضرنا الأسئلة التالية :
إذا لم يكن للتيار الوطني الحرّ معتقلين في السجون السورية فمن هم إذاً شهداء 13 تشرين؟
ومؤيدوا حرب التحرير؟
ومن هم أيضاً أنصار الجيش؟
أوليس «شعب لبنان العظيم» هو نفسه ذاك التيار الجارف الذي له الفضل في قيام وتأسيس ما عُرِفَ لاحقاً بإسم التيار الوطني الحرّ؟
ومن الذي قاطع الحياة السياسية وبالتالي الإنتخابات منذ العام 1992؟
أليس هؤلاء أيضاً من عداد التيار الوطني الحرّ؟
كلّ من قاوم الإحتلال السوري وآمن بالتحرير وبدولة القانون وبالدولة القوية القادرة كان من عداد التيار، إلاَّ إذا أراد الجنرال في تنكره هذا أمران :
الأمر الأول : التيار الوطني الحرّ منذ العام 1988 ولغاية 6 ايار 2005 ماضٍ قد مضى وتاريخ لا يريد له مكاناً في العالم السياسي الجديد الذي أوجده الجنرال كما أوجد له قاموساً ومفردات جديدة.
الأمر الثاني : وهو الأكثر رجحاناً، أن على الفريق المسيحي الموقّع على الوثيقة إلتزامات وموجبات وبالتالي فاتورة يجب تسديدها إنفاذاً لما نصّت عليه الوثيقة.
إن الوثيقة هي التي بدّلت قضية التيار الوطني الحرّ، بحيث أنَّ الموضوع السوري وحلفاء سوريا في لبنان أصبحا العنوان الأبرز في النهج الجديد للزعيم المسيحي، وكفى زعماً وإيهاماً للبنانيين بأنّ تصرفات مجموعة 14 آذار التضييقية هي التي دفعت بالعماد عون لإنتهاج هذا السلوك الجديد القريب والمقرّب من سوريا.. ولكن هذه الجدلية غير مقنعة على مستوى الوطن، كما أنها لم تُقنع العونيين خاصةً من عايش منهم العماد عون منذ وصوله الى السلطة عام 1988.
فالجنرال وعندما تركه العالم أجمع إستمرّ في مسيرته التحريرية ولم يتراجع أبداً عن طروحاته وقد تمَّ نفيه نتيجة مواقفه، وهو الذي أعلن مراراً وتكراراً «تسحقوني ولا تنالوا توقيعي» !! وهنا يستحضرنا موقف الرئيس الراحل كميل شمعون إبّان عملية الصفرا «لينا» حين أعلن الشيخ بشير الجميّل عن بدء معركة توحيد البندقية في المنطقة الشرقية تحت شعار بندقية واحدة مع تعددية سياسية، وعلى الرغم من إنهاء ميليشيا نمور الأحرار فإننا شهدنا الرئيس شمعون يترأس المكتب السياسي الكتائبي مساء اليوم ذاته لعملية الصفرا للدلالة على وحدة المسيحيين وعدم ارتمائه في حضن الأغراب كما فعل غيره في سوابق تاريخية حيث كان الارتماء في أحضان السوري أو غير السوري.
لا شيء يبرر ما فعله الجنرال، وهو له كل الحق في عدم التحالف مع مجموعة 14 آذار، ولكن ما لا يحق له فيه هو أن يحالف ويساند ويعوّم كل المجموعات المحسوبة على سوريا والتي لا تزال حتى الساعة تجاهر بإنتمائها الى الفلك السوري.
ومن دون الدخول في تفاصيل كذبة الحلف الرباعي الذي سنكشف لاحقاً بعضاً من خفاياه ولكن بايجاز نقول أنّ الأمر كان معدّاً سلفاً للوصول الى ما تمَّ التوصل اليه.
خامساً : رفض المحكمة ذات الطابع الدولي بتوقيع ممهور من قبل حزب الله والتيار الوطني الحرّ.
منذ الإعلان عن تدويل التحقيق في قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري بدأت تبرز مواقف جماعة سوريا في لبنان معلنة رفضها للمحكمة ذات الطابع الدولي وتمّ تتويج هذا الرفض بإعلان ممثل الفريق المسيحي في وثيقة التفاهم بأن «المحكمة هي طبخة بحص».
وبالفعل فأن وثيقة التفاهم لم تأت على ذكر التحقيق ذات الطابع الدولي بل هي إكتفت بالإشارة الى إستعمال عبارة «التحقيق الرسمي» مما يعني الأجهزة الرسمية اللبنانية وليس طبعاً الدولية.
إنّ المايسترو السوري في قبول ورفض القرارات الكبرى المتعلّقة لبنان ينسحب في نواياه على إرادة الأحزاب اللبنانية المقربة من سوريا..
فهل سأل أحدنا لماذا هذا التناغم الدائم بين مواقف سوريا ومواقف هؤلاء؟
هل سأل أحدنا هل هي صدفة أن يأتي الرفض السوري الواضح للمحكمة ذات الطابع الدولي مع الرفض المحلي للمحسوبين عليها في لبنان ؟
نعود الى وثيقة التفاهم التي أرست بشكل واضح الخطة والمخطط الراميان الى ضرب الإستقرار اللبناني والتهديم المتعمّد بالشرعية اللبنانية.
ولو أن النوايا طيبة لكلا الطرفين الشيعي والمسيحي صاحبي الوثيقة لما كانت كلّ هذه التحفظات على موضوع المحكمة، ولما كان هذا الخوف من هذه المحكمة.
سادساً : وثيقة التفاهم إنقلاب على الشرعية اللبنانية.
سبق لنا أن وصفنا وثيقة التفاهم بأنها أخطر بكثير من الإتفاق الثلاثي الذي جرى إسقاطه في المنطقة الشرقية، وهذا الأمر يبرز واضحاً من خلال عدم توضيح الورقة لموقف التيار والحزب من إتفاق الطائف، هذا الإتفاق الذي عارضناه ونعارضه نحن وحتى الساعة، ولكن في المقابل إنّ هذا الإتفاق تحوّل الى دستور وبالتالي بات هو من يحكم لبنان ومن خلاله يتم تطبيق القوانين...
ان تكون معترض على موضوع شيء وأن لا تعترف شيء آخر..
حقيقة لقد حيّرنا العماد عون، فهل هو مع الطائف أو ضدّه.. نحن نعلم أنه في العام 1989 وبعد إعلان حرب التحرير.. وبعد التعديلات الدستورية التي جرت في المصيف السعودي «الطائف».. وبعد الحديث عن إنتخابات رئاسية.. حلّ العماد عون المجلس النيابي، وأطلّ من على شرفة «قصر الشعب» ليعلن للبنانيين رفضه لإتفاق الطائف قائلاً«الطائف بميل وأنا بميل آخر وعليكم أن تختاروا» واختاره الشعب إنطلاقاً من رفض الطائف.
إنّ وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ أغفلت موضوع الطائف وهي لم تأتِ على ذكره لا من قريب ولا من بعيد، ولأن الأمر كذلك فهذا يعني هامشاً متعمداً من قبلهما للمناورة في المستقبل حول النظام في لبنان، وحول شكل النظام، فهل نصل الى مرحلة نعود من خلالها الى حكومتين ودولتين؟
نعم هذا ما يتم التخطيط والسعي للوصول اليه، اُعدّت الوثيقة بالشكل والمضمون اللتين أُعدتا فيه لكي نصل الى ما قبل إستحقاق الإنتخابات الرئاسية، وعندها نصل الى الوقوع في فخ الإعتراف وعدم الإعتراف بالطائف وقد بدأت ملامح هذا المخطط منذ إعلان الوزراء الشيعة إستقالتهم من الحكومة والآتي يُبشِّر بمزيد من التصعيد على مستوى الشارع كما على مستوى المؤسسات.
الفريقين لم يعترفا بالطائف ولن يعترفا به ولم يذكراه ابداً في متن الوثيقة حتى لا يُسمح لاحقاً بالمحاسبة على مستوى الشرعية ومؤسساتها حيث الحزب والتيار غير المعترفين أصلاً بالطائف.
نحن فعلاً أمام إنقلاب من نوع آخر شكله قانوني ومضمونه عسكري.
الوثيقة شرّعت السلاح، وعبر السلاح والمال وإستعمال الشعب يمكن زعزعة الإستقرار والقضاء على الشرعية، وهذا ما يؤمنه بشكل مستمر الفريق المسيحي الذي يؤمن الغطاء المسيحي لمشروع حزب الله منذ حرب تموز الماضي وحتى اليوم.
سابعاً : لماذا الوثيقة هي أخطر ما مُني به المسيحيون ؟
هناك سؤال يُطرح دائماً في معرض الجدلية حول الحرب التي ضربت لبنان تموز الماضي، هذه الجدلية مفادها أنه هل كان حزب الله ليقوم بما قام به في تلك المغامرة لولا أنه لم يكن يملك غطاءً مسيحياً ؟
هل كان حزب الله ليتصرّف على الشكل والأسلوب كما هي عليه الحال اليوم لولا حماية مشروعه من قبل من يُمثل 70% من المسيحين ؟
وإلاَّ لماذا سكت على ما سكت عليه زهاء خمسة عشر عاماً، ولماذا تحول من حزب مقاوم على أرض الجنوب الى ميليشيا عسكرية في الداخل اللبناني ؟
وإذا كانت سوريا حتى في زمن إحتلالها العسكري للبنان وايران عبر حراس الثورة الاسلامية، وإذا كان الحزب وهو حليفهما لم يقم بما قام به بغياب الدولتين عسكرياً، فكيف له إذاً أن يبدأ الشروع بمشروعه والذي تجلَّى بأبشع صوره يوم الثلثاء في 23 كانون الثاني 2007 ؟
إنّ حزب الله بدأ بمغالاته ومبالغته بتصرفاته منذ التوقيع على وثيقة التفاهم، وهو إستفاد ويستفيد من السكوت المطبق لشريكه حول كلَّ المخالفات والتجاوزات، وليس أدلّ من صمت شريكه المسيحي عن مصادرة شاحنة السلاح في الحازمية.
وحتى الكلام عن المطالبة الشيعية برئاسة الجمهورية لم تدفع بالشريك المسيحي الى مجرد ولو الإعتراض ولكن على الأقل الى توضيح ما صدر عن وزير شيعي من وزراء حزب الله.
أكثر من ذلك فإنَّ رئيس الجمهورية بات محمياً من قبل حزب الله خاصة بعد الرسالة الشهيرة للسيد البطريرك والتي تمنى من خلالها علىالرئيس التنحّي.
من هنا القول بأن الرئيس الماروني، المفترض به أن يكون مارونياً باتت تتحكم في بقائه وإستمراره في الحكم إرادة منفردة هي إرادة حزب الله!!
والملفت أنَّ رئيس المجلس النيابي وهو جزء من حالة 8 آذار لا يزور القصر الجمهوري لا بل يقاطع الرئيس، وهنا الدلالة على المستوى المتدني في التعاطي مع مسألة رئاسة الجمهورية..
أية معادلة هذه ؟
الفريق الشيعي يحمي رئيس الجمهورية وفي الوقت ذاته الفريق عينه يقاطع الرئيس..
إذاً الموضوع بات واضحاً حماية الشخص وضرب وتهديم المؤسسة، دعم اميل لحود وليس دعم رئاسة الجمهورية.
كان الأجدى بالفريق المسيحي الموقّع على الوثيقة أن ينتج تحالفه الجديد مع حزب الله وبالتالي مع كل حلفاء سوريا مع لبنان قبل الإنتخابات النيابية وليس بعدها، عندها لما كان ليحصد العماد عون هذه النتائج في الساحة المسيحية.
إنّ الوثيقة وبفضلها عاد شبح التصادم والصراع المسيحي، من هنا القول بأن الوثيقة باتت تُشكّل خطراً على وحدة المسيحيين ليس لالتقاء فريق شيعي وفريق مسيحي، بالعكس المطلوب الالتقاء، ولكن ما جرى حتى اليوم هو تأليب فئات مسيحية على بعضها البعض.
ولعلّ مشهد نهر الموت ونهر الكلب وجبيل والحازمية والجديدة والبترون حيث سقط شهيداً مسيحياً... لهو صورة واضحة على ما قدّمته وما سوف تجره هذه الوثيقة على المسيحيين من خراب ووبال.
المطلوب أن يدرك الجميع وتحديداً المسيحيين أن بكركي هي مرجع ومرجعيتها ثابتة لا تتبدل ولا تتلون ولا تتغيَّر..
وإذا كانت بكركي أعلنت وثيقة تاريخية،
وإذا كان الفريق المسيحي وافق عليها كما أنزل توقيعه الفولكلوري لغايات في نفس يعقوب،
ما عليه إذاً إلاَّ أن يوضح خفايا وخبايا وثيقة التفاهم، ولعلّ ما ورد في الفقرة الرابعة من البند الثالث يؤشِّر بشكل واضح الى المرامي الخطيرة لهذه الوثيقة حيث وردت عبارة «المقيمن في الخارج» وليس المغتربين وقد ورد ما حرفيته: «تأمين الوسائل اللازمة لتمكين اللبنانيين المقيمين في الخارج من ممارسة حقهم الإنتخابي»
ونحن نسعى جاهدين لإستعادة جنسية المهاجرين اللبنانيين والمغتربين الذين تركوا لبنان منذ عقودٍ، وليس السعي الى مجرد تمكين المهاجرين الجدد من حق الإنتخاب.
إن قاموس القضية اللبنانية لم ترد في أدبياته ولا في ثقافته عبارة المقيم بل المغترب، وخير دليل أنه لا يوجد وزارة المقيمين في لبنان بل وزارة المغتربين، إذاً المقصود ضرب تاريخ الإغتراب اللبناني ليُصار من خلاله القضاء على القيمة الإرثية لهذا الإغتراب وبالتالي عدم إستثمار هذه الثروة على الصعيد الحضاري.
يبقى أخيراً أن نُشير الى أنّ الفريق المسيحي الموقّع على وثيقة التفاهم بات ملزم بتقديم شروحات وتوضيحات حول ما أقدم عليه وما جرّه على لبنان منذ تاريخ 6 شباط 2006 وحتى اليوم، على العماد عون وهو مسؤول ونائب وزعيم تيار شعبي أن يتحلى بالشجاعة، وأن يقبل ولو لمرة في حياته أن يُطل على اللبنانيين ليُعلن بكل صراحة أنه أخطأ كثيراً في نسج تحالفاته الأخيرة وأخيراً ليُعلن حلّه من الإرتباط بكل جماعات سوريا في لبنان علّه يُنقذ ما تبقى. لبنان أولاً وأخيراً
ملاحظة: من نص محاضرة ألقاها المحامي محفوض في لقاء شعبي موسع عقد في مدينة جبيل في 10 آذار 2007
مقدمة لا بدّ منها
أمر جيِّد ان يتوافق طرفان لبنانيان أساسيان على مبادىء وطروحات وطنية، فكيف بالأحرى إذا ما وقع هذا التوافق على فصيلين لبنانيين كبيرين بمستوى وحجم حزب الله المختزل للطائفة الشيعية وبين التيار الوطني الحرّ الذي يمثِّل الأكثرية المسيحية في البرلمان اللبناني.
وللوهلة الأولى وعند قراءتك لبنود وثيقة التفاهم مع ما حملته من جمل وعبارات بالشكل منمقة تستدّر عطف اللبنانيين إنما المشكلة مع هذه الوثيقة لا بل نقول الخطورة فيها عند الدخول في تفاصيل ما تضمنته الوثيقة، وفي التفاصيل كمنت الشياطين، وإذا كان العماد ميشال عون من أبرز رافضي إتفاق الطائف لا سيما لجهة عدم تحديده لجدولة زمنية للإنسحاب السوري من لبنان، كيف له إذاً أن يوقّع على وثيقة ربطت بقاء سلاح حزب الله بالدفاع عن لبنان الى ما لا نهاية؟ وبموضوعية نقول إن الوثيقة كعملة واحدة ولكن ذو وجهتين متناقضتين مختلفتين، الوجه الأول وهو إستعمال بعض العبارات والمفردات المستهلكة في المجتمع المدني اللبناني كالديمقراطية ومكافحة الفساد والإصلاح وجدلية العلاقات اللبنانية _ السورية ...
أما الوجه الثاني وهو ما تحمله الوثيقة من خطورة، خاصة على الواقع المسيحي الذي لم يعرف في تاريخه إنقلاباً جذرياً في المفاهيم والمبادىء كتلك التي إجتاحت مجتمعه عبر الوثيقة، ولعلّ أخطر ما في الوثيقة إعتبار الفريق المسيحي الموقّع عليها بأنّ سلاح حزب الله هو وسيلة مقدّسة، وهذا الفريق المسيحي نفسه الذي وقّع على الوثيقة سبق له أن قال وعلى لسان زعيمه : «أنّ مشروعية العمل المسلح لحزب الله تلاشت بعد الإنسحاب الإسرائيلي». (في 3كانون الثاني 2005)
وهو نفسه العماد ميشال عون سبق له أن قال :
«لا أستطيع أن أحاور حزب الله وهو يحمل البندقية، فليضع البندقية جانياً عندها نجلس معاً ونتحاور» (في 5 نيسان 2003)
إنطلاقاً من هذه الإزدواجية في الموقف يمكن التأشير على مدى وعمق خطورة الوثيقة، هذه الخطورة تقع على الفريق المسيحي الذي وقّع على الوثيقة وعبره على المسيحيين بشكل عام ..
ولولا وجود مثل هكذا مستند بين يدي حزب الله لما أقدم على شن الحرب في تموز 2006، ولما تعطلت الحكومة، ولما عاد وإستنشط كلّ المحسوبين على سوريا حتى اليوم ويتحركون بالتنسيق مع قيادتها ...
إذاً وثيقة التفاهم بين الحزب والتيار رسَّخت مفهوم «الألوهية» «والتقديس» لسلاح حزب الله في وقت لم يتمكن التيار من لبننة حزب الله..
وثيقة التفاهم ضمنت للطرف الشيعي المتمثل بحزب الله إستمرارية وجوده المسلَّح عبر الإستحصال على توقيع زعيم الأكثرية المسيحية في البرلمان بينما لم يتمكن العماد عون من الحصول على أي مستند ممهور لمعالجة السلاح أو على الأقلّ لتسليمه الى الدولة وهكذا قدَّم العماد عون خدمة مجانية مسيحية الى حزب الله عبر ربط مصير السلاح بالدفاع، وإنّ حجة «الدفاع عن لبنان» كما وردت العبارة في الوثيقة ليتمسك بسلاحه الى أجلٍ غير مسمى، وهي حجة دامغة بالنسبة اليه، إنطلاقاً مما كرَّره قياديوا حزب الله وفي أكثر من مناسبة : «السلاح باق باق طالما بقي القرآن والانجيل»
وهنا يطرح السؤال التالي:
هل يتحمل أي مسؤول أياً كان مسؤولية ما سوف يجرّه بقاء سلاح خارج إطار الشرعية؟
ومن بإمكانه بعد اليوم المسّ بهذا السلاح خاصة بعدما صدرت تهديدات من قبل قيادات حزب الله «بقطع ايدي ورقاب كلّ من يمسّ هذا السلاح»
إذاً وثيقة التفاهم التي أعطت شرعية مسيحية حصرية لحزب الله «للدفاع عن لبنان» منعت بالمقابل على أي لبناني آخر في الدفاع عن لبنان كون الوثيقة لم تتحدث عن سلاح المقاومة بشكل عام بل حدّدت هذا السلاح بسلاح حزب الله وبالتالي لا وجود لأي مقاومة أخرى بعدما أصبح هذا الحزب الشيعي، مطلقة يداه في تقرير مصير لبنان إنطلاقاً من الإستراتيجية الدفاعية التي هي حكر على طرف واحد.
ولشرح مدى خطورة وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ لا بدّ من توضيح ما تضمنته هذه الوثيقة من بنود خطيرة تؤشّر الى مستقبل غير مستقرّ سوف يؤدي بالنهاية الى إعتبار المسيحيين أهل ذمَّة بالمفهوم السياسي كما سيؤدي الى نقل المسيحيين من واقعهم وتاريخهم الحضاري العريق الممتلىء بالإنفتاح على العالم أجمع مع ما حمله هذا التاريخ من قيم ومبادىء إنسانية أرسى معالمها عدد من قادة المسيحيين أمثال شارل مالك وفؤاد إفرام البستاني وسعيد عقل وبشير الجميّل...
فهل يعقل أن ينتقل المسيحيون في لبنان الى قاموس ومفردات لم يعرفوها طوال حياتهم ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما جاء على لسان أحد النواب الموارنة في كتلة العماد عون حيث أورد حرفياً: «الإستكبار العالمي، الصهاينة ذابحي الأطفال، حرب العدوان، المقاومة الشريفة الطاهرة والنظيفة»(النائب سليم عون في حسينية الإمام علي في حوش حالا _ رياق). (الوكالة الوطنية للإعلام 28/ كانون الأول 2006)
وهنا يكمن السؤال : هل وردت مثل هذه العبارات في يوم من الأيام ببيانات أو مقالات أو مؤتمرات التيار الوطني الحرّ؟
أولاً : سلاح حزب الله وسيلة مقدّسة.
وصفت الوثيقة في البند العاشر منها سلاح حزب الله بأنه «وسيلة مقدسة» وهذا الوصف لم نعرفه من قبل، ولم نستعمله من قبل، وهذا الوصف ميّز حزب الله دون سواه من الميليشيات اللبنانية طوال سنوات الحرب، فالأحزاب المسيحية مثلاً لم تصرّح يوماً بأن سلاحها هو سلاح مقدّس،
ولا الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون يوم أعلن حرب التحرير على الإحتلال السوري في 14 آذار 1989 أعطى هذا الوصف لسلاحه على الرغم من أن سلاح الجيش هو شرعي ورسمي وقانوني،
بينما سلاح حزب الله هو سلاح ميليشيوي غير قانوني.
إذاً لأول مرة نسمع فيها طرف مسيحي يقدّس السلاح ويعتبره وسيلة مقدّسة، وهذا فكر رجعي متخلّف لا يمت الى تاريخنا باي شكل من الأشكال،
هذا من جهة،
ومن جهة أخرى،
إذا كان هذا السلاح مقدّس أو وسيلة مقدسة فهذا يعني أننا أصبحنا أمام علاقة إلهية دينية مع هذا السلاح، مما يعني أن لا نقاش ولا جدل في موضوع السلاح، فكيف لفريق الأكثرية المسيحية أن يعطي موافقة على موضوع خطير جداً بمستوى وحجم خطورة بقاء سلاح غير شرعي بين يدي فريق هو بالنهاية حزب وليس دولة ؟!
وكيف لفريق مسيحي سبق له أن تسلّم قيادة الحكومة الشرعية منذ أيلول 1988 وحتى تشرين الأول 1990، كيف لرمز مثّل الشرعية والدستور والقانون وسعى «لتوحيد البندقية» إنطلاقاً من مبدأ جيش واحد شرعي لا أحد سواه يحمل السلاح... كيف له أن يقع في هذا المستنقع عبر لغة قدّست سلاحاً ميليشيوياً وألَّهت سبب وجوده وكرَّست بقاءه الى ما لا نهاية ؟؟
إن الورقة التفاهمية التي تمَّ تظهيرها للبنانيين على أنها ورقة مبادىء حق بينما الواقع أنه يراد منها باطل، والباطل ربط مصير إستقرار لبنان بقرار حزبي أحادي بإمكانه وحده أن يأخذ الجمهورية اللبنانية الى المجهول وهو ما حصل إبان حرب تموز الماضي.
وطالما أن حزب الله لم يعد حزباً بمستوى الناس ولا باقي الأحزاب والتيارات، كما أنه لم يعد حتى بمستوى الدولة اللبنانية إنطلاقاً من تأليه كلّ نشاطاته وتقديس وجود سلاحه، وهذا الأمر تجلَّى بأبهى حلله يوم إحتفل هذا الحزب «بالنصر الالهي» بمشاركة رسمية من قبل شريكه في ورقة التفاهم عبر وفد نيابي عريض.
إذاً الشريك المسيحي في وثيقة التفاهم تنازل عن حق المسيحيين في طرح موضوع تحديد زمنية ومعالجة سلاح حزب الله.
الشريك المسيحي قدّم لحزب الله مستقبل مسلَّح دائم وأبدي دون افق ودون حدود وهذا الأمر تجلّى بوضوح من خلال الربط بين مصير السلاح بمصير الدفاع عن لبنان.
إن عبارة «الدفاع عن لبنان» جاءت بمثابة تمييع مسألة من له الحق بالدفاع عن لبنان والسؤال : إذا كان لحزب الله وحده حق الدفاع عن لبنان فما هو دور الجيش اللبناني؟؟ وعبارة «الدفاع عن لبنان» تناقض مفهوم السيادة اللبنانية وبسط سلطة الشرعية وحدها على كامل التراب اللبناني، أم أننا أمام دولة غير مسؤولة بالكامل عن حماية الأرض والشعب وأن لها شريك في تأمين أمن وسلامة اللبنانيين ..
وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن حزب الله أيضاً شريك أساسي للدولة اللبنانية في تطبيق القوانين وخاصة منها القرارات الدولية المتعلّقة بلبنان.
ولم يعد لأحد حق التمسك بالبند المتعلق بسلاح حزب الله والمذكور في البيان الوزاري لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، كون أحداث تموز المنصرم تخطت هذا البند وتالياً ما صدر عن المنظّمة الدولية ومن أهمها على الإطلاق القرار 1701، إذاً البيان الوزاري أو تحديداً بند سلاح حزب الله في البيان الوزاري سقط ولم يعد ذي جدوى لا بل يمكن إعتباره كأنه لم يكن خاصة وأن حزب الله خالف ونقض هذا البيان الوزاري عبر عدم إلتزامه بمضمونه من دون أن نتجاهل أن الحزب ضرب عرض الحائط بكل مفاعيل طاولة الحوار.
والأهم من كلّ ذلك أن حزب الله وافق على القرار 1701 وهو قرار دولي حصر أمر السلاح بين يدي القوى العسكرية الشرعية اللبنانية، ومسألة الحدود في الجنوب مع اسرائيل تحدّدها إتفاقية الهدنة.
وإذا كان حزب الله تحت سقف الطائف فمن باب أوْلى أن يفقه هذا الحزب أن الطائف نصَّ على تجريد الميليشيات من سلاحها.
إن البند العاشر من وثيقة التفاهم بدّل رأي الشريك المسيحي بمسألة مزارع شبعا حيث أنَّ هذه المزارع لم تكن لبنانية بالنسبة اليه، فالعماد عون قال :
«قضية مزارع شبعا كذبة، وأنا مسؤول عما أقول لا يمكننا تعديل الخريطة على مزاجنا مزارع شبعا ليست لبنانية»(العماد عون في حديث لمحطة MTV 9 نيسان 2002)
إذاً ما الذي حدا بالعماد عون ليعود ويوقّع على وثيقة تجيز لحزب الله «بتحرير مزارع شبعا من الإحتلال الاسرائيلي».
أكثر من ذلك فإنّ خطورة البند العاشر من الوثيقة جاء ليقول بأنه حتى ولو تحررت المزارع وعادَ الأسرى اللبنانيون في السجون الاسرائيلية تبقى مسألة «حماية لبنان» من صلاحية وهدفية حزب الله المعلنة، وهذه الحماية محصورة به دون سواه.
إن مسألة بقاء السلاح بين يدي حزب الله ذهبت الى أبعد من كل تصوّر حيث أنّ سلاح حزب الله: «باقٍ طالما إن اسرائيل بإمكانها أن تطلق ولو طيارة ورق فوق الأراضي اللبنانية».
إذاً لا يوجد أفق للسلاح ولا يوجد من يضمن تسليم هذا الحزب لسلاحه..
فشريكه في الوثيقة لم ينظر حتَّى الى أبعد من التحالف، ولو أنه فعل لكان على الأقلّ إستبدل عبارة سلاح حزب الله بسلاح المقاومة مثلاً، إلاَّ أنه من الواضح أنَّ الوثيقة كتبت بقلم أصفر دون اي تطعيم بلون برتقالي.
من هنا يمكن التأكيد أن حزب الله إستدرج الشريك المسيحي حتى يوقّع على الوثيقة عبر ايراد بعض العبارات التي لا تقدم ولا تؤخّر في منهجية الحزب منذ قيامه، ولن يكون بإمكان الطرف العوني إنتزاع أي تعهّد بتحديد المصطلحين «الظروف الموضوعية» و «حماية لبنان».
إذاً سلاح دائم، سلاح باق الى مدة غير محدّدة الأهداف والزمنية، ويكفي أن نشير أخيراً الى أن البند العاشر وهو البند الذي تناول سلاح حزب الله لا ذكر فيه للمؤسسة العسكرية اللبنانية.
فكيف لأحزاب ضمن دولة قائمة عبر مؤسساتها أن ترسم «استراتيجية دفاع وطني» دون أن يكون للدولة ولمؤسساتها أي رأي بموضوع هذه الاستراتيجية.
وطالما أن اللبنانيين لم يتوصلوا الى توافق حول مسألة السلاح، مما يعني أنّ تصرّف حزب الله الأحادي وجرّه لشريكه المسيحي في الوثيقة التسليم بمشروعه الاستراتيجي الذي هو من دون أفق أو حدود،
كيف له أن يفرض مشيئته هذه على باقي اللبنانيين ؟ كون شريكه في الوثيقة لا يختزل كل المسيحيين!!
وحقيقة الأمر، أنّ الفريقين عبر الورقة لم يحددا طريقة التعاطي والتعامل مع السلاح، بل جلّ ما في الأمر أن هذه الوثيقة سلَّمت بالمخطط الاستراتيجي للدفاع المعدّ من قبل حزب الله وحده، والكلام عن هذه الاستراتيجية التي جرى بحثها على طاولة الحوار كان بمثابة ذرّ الرماد في العيون، ومضيعة للوقت،
لا بل تضليل من قبل حزب الله لباقي الأطراف.
لا يعقل في زمن العولمة La Mondialisation مع ما تحمل معها من تقدّم وتطور، أن يطلّ علينا فصيل لبناني يقدّس السلاح ويربطه بالشرف والكرامة والعرض، والأخطر، أنّ شريكه المسيحي وقّع على هذه الورقة المتضمنة لتلك العبارات والألفاظ، ولا يغرّنكم ايراد بعض المفاهيم الكونية كشرعة حقوق الانسان والقرارات الدولية، حيث أن الوثيقة حتماً لم تستلهم بنودها من أي من هذه المفاهيم، خاصة وأن حزب الله لا يعنيه أبداً مسألة المنظمة الدولية، كما هو لا يعترف أساساً بقرارات الأمم المتحدة، وقد شهدنا على هذا الحزب كيف أنه يتعامل مع قرارات الأمم المتحدة بإنتقائية بحيث أنه يوافق على القرارات التي يرى فيها مصالح قضاياه الخاصة بينما يرفض الأخرى التي لها علاقة بمصالح لبنان.
ثانياً : البند السادس ومسألة اللبنانيين في اسرائيل.
كيف وقع الشريك المسيحي الموقّع على الوثيقة في مطب إعتبار حزب الله لدعوته الى اللبنانيين اللاجئين الى اسرائيل كأنها إنتصار للفريق المسيحي، كيف ذلك والحزب لم يتنكر يوماً لحق هؤلاء في أن يعودوا الى لبنان، إلاَّ أنه يريد محاكمتهم، فإذاً على ماذا يطبلون ويزمرون بالبند السادس الذي تناول الهاربين الى اسرائيل، هؤلاء الذين قال عنهم العماد ميشال عون: «لماذا خافت النساء وهربت الأمهات مع أطفالهن الى المخيمات الاسرائيلية؟ أليس الذي حدث هو نتيجة خطابات بقر البطون في الأسرة» (العماد عون في 2حزيران 2000)
وها قد مضى عام على توقيع الورقة بين حزب الله والعماد عون، فهل عاد أحد من أهلنا الهاربين الى اسرائيل خوفاً من «بقر البطون في الأسرة»؟؟ والسؤال لماذا لم يعودوا ؟
الجواب جاءنا من تصرفات حزب الله على أرض الجنوب وطريقة تعاملهم ومعاملتهم لمن بقي منهم ولمن لم يلجأ الى اسرائيل ..
الجواب جاءنا من محاكمة النوايا التي أقامها الحزب، وهنا يظهر جلياً كيف أن هذا الحزب يقيم دويلة ضمن الدولة عبر الأمن الذاتي .. المربعات الأمنية.. المال النظيف ...
إذاً على الشريك المسيحي أن لا يتباهى كثيراً بما أنجزه عبر وثيقة التفاهم، لأنه في الواقع لم يقدّم سوى إنقلاب على الذات وعلى التاريخ النضالي الطويل، كون كلّ ما ورد في الورقة يتناقض بشكل كبير مع الطروحات والمبادىء العامة التي تميّز بها التيار الوطني زهاء خمسة عشر عاماً.
إذاً التيار لم يبدّل أبداً في سلوكية حزب الله، ولا في مواقفه، كما أنه أبقى على الملفات القديمة لا بل عزّزها بتوقيع مسيحي ممهور، شذّب حزب الله آلته العسكرية لينطلق من جديد كحزب الهي مرتبط دينياً بولاية الفقيه، مدعوم عبر مستند ممهور بزعيم مسيحي يمثل الأكثرية البرلمانية المسيحية.
وبعد مضي سنة على الوثيقة يجب تقديم ما أنجزته وما حققته هذه الوثيقة، وبلمحة سريعة نقول :
بالنسبة للعلاقات السورية _ اللبنانية إزدادت الأمور تعقيداً، كما إزداد التعنّت السوري والإعتداءات السورية الكلامية على لبنان، في وقت كانت سوريا وقبل الإعلان عن الوثيقة مفرغة اليدين عبر تهميش كلّ جماعاتها العاملة في لبنان، أما اليوم ومع الوثيقة عادت هذه المجموعات تنشط وتتمادى، لا بل باتت في مرحلة تتحدى القوى السيادية، وتتباهى بعلاقتها مع النظام السوري، حتى أنها تحتمي به.
وبالعودة الى موضوع عائلاتنا اللاجئة الى اسرائيل، فإنّ وثيقة التفاهم نصَّت أيضاً بدورها على ضرورة محاكمة هؤلاء ، وفي حال سلّمنا جدلاً بأن هؤلاء عادوا ، فأين سيُقيم هؤلاء ؟ هل سيقيمون في دويلة حزب الله أي الجنوب، أم داخل المربعات الأمنية التي يُسيطر عليها حزب الله بشكل كامل؟
بالإضافة الى مسألة من سيضمن أمن وسلامة هؤلاء العائدون !!
من هنا يمكن القول أن الوثيقة أبعدت كلّ أمل أو بارقة أمل عند أهلنا الهاربين الى اسرائيل، وبالتالي هي لن تساعدهم على العودة بل أنها قطعت عليهم الطريق لكي لا يعودوا أبداً، أو على الأقل لن يعودوا قبل قيام الدولة القوية وإنتهاء الحالة الشاذة المتمثّلة بدويلة حزب الله .
وثيقة التفاهم جسّدت إرادة الغالب والمغلوب ... وثيقة التفاهم جسَّدت إرادة القوي على الضعيف...
ثالثاً : العلاقات اللبنانية _ السورية.
لقد بات واضحاً أنّ سوريا تملك ورقة في لبنان، هي ورقة حزب الله، وللتخريب تملك ورقة المخيمات الفلسطينية، عبر بعض الفصائل المؤتمرة بالتعليمات والأوامر السورية...
وقد جاءت وثيقة التفاهم لكي تعقِّد العلاقات اللبنانية السورية، لا بل جاءت تزيدها تعقيداً لجهة إعادة الإعتبار نوعاً ما الى النظام الذي عاثى فساداً وإفساداً ، قتلاً وتخريباً حرقاً وسرقةً في الجمهورية اللبنانية.
وفي وقت كنّا نسمع بعض التصريحات الرسمية السورية حول نوايا غير واضحة لإقامة علاقات طبيعية مع الدولة اللبنانية، والقبول بمسألة ترسيم الحدود بين البلدين، ولكن ما أن تمَّ التوقيع على هذه الوثيقة حتى عادت اللهجة العدائية السورية تجاه لبنان وتجاه الرسميين اللبنانيين، وكأن النظام السوري كان بإنتظار حجة ما لكي يعود وينقضّ على الشرعية اللبنانية حتى جاءته وثيقة التفاهم التي قُدِّمت اليه وعلى طبق من فضة، حيث أنه ما أن تمَّ التوقيع على هذه الوثيقة حتى عادت اللهجة العدائية السورية تجاه لبنان وتجاه المسؤولين الرسميين اللبنانيين، ولعلّ المشهد الأبرز والدال في هذا المجال، الإجراءات القضائية التي تمَّ إتخاذها من قبل النظام السوري بحق النائب وليد جنبلاط، كما والتجريح المتعمّد وإطلاق الإهانات بحق رئيس حكومة لبنان، هذا كله جاء بغطاء من الوثيقة المطعمّة بدعم مسيحي عبر التوقيع عليها من قبل الطرف المسيحي أي العماد عون.
إنّ التواطؤ الواضح بين حزب الله والتيار العوني، وبينهما سوريا، برز ويبرز خاصة وتحديداً من خلال إهمال الفريقين لأي مفردات تتعلّق بكل المسائل التي تمّ طرحها في الوثيقة، وهكذا يمكن الولوج الى حقيقة مفادها أن الحزب والتيار إنما إستعملا بعض العبارات والمفردات لمجرّد دغدغة مشاعر المسيحيين، ولدفعهم الى القبول بما تمَّ التوقيع عليه، ولتسويقه في الشارع المسيحي، ليعودوا بعد ذلك الى التنكّر لكل ما كتباه على إعتبار أنَّ التذكير بما ورد في الوثيقة لا يخدم مصلحة سوريا، وهو ما تمّ التوافق عليه مع النظام السوري المستفيد الأكبر من وثيقة التفاهم.
والسؤال : هل حصل الحزب والتيار على الموافقة السورية قبل التوصل الى صيغة وثيقة التفاهم ؟
الجواب : نعم حصلت الوثيقة برضى سوري، لا بل أكثر من ذلك، فإن وثيقة التفاهم كتبت بقلم سوري وهي تكاد تكون خطورتها بمستوى خطورة الإتفاق الثلاثي الذي تمَّ إسقاطه في المنطقة الشرقية عام 1985.
وطالما أن الوثيقة لم يتحقق منها اي بند، فهذا يعني أنها كانت مجرّد طعم وقعت فيه الفريسة المسيحية، وما لم نتدارك عواقبه فأنه سوف يلحق الأذى والضرر البالغين، ليس فقط على المستوى المسيحي إنما على المستوى اللبناني.
وعندما نقول بأن الوثيقة هي أخطر ما مُنيَ به المسيحيون، فذلك لأنّ المسيحيين إستعملوا كغطاء لمشروع حزب الله القديم _ الجديد،
كما إستعملوا كغطاء ناجح لحرب تموز العبثية،
كما إستعملوا بالأمس القريب كوسيلة ضغط في الشارع عبر خرق القوانين بواسطة حرق الدواليب وقطع الطرقات ومنع الناس من القيام بواجباتهم اليومية...
وبالعودة الى موضوع العلاقات اللبنانية _ السورية يمكن التأكيد على أنّ سوريا التي خرجت من لبنان ضعيفة، مذلولة، منهارة القوى، عبر تأديبها وتلقينها درساً مفاده أنّ إحتلالها للبنان لثلاثين سنة، إنتهى بخيبة أمل كبرى عبر سقوط أزلامها في المستنقع اللبناني، كما ورحيل آخر حكوماتها المتشكلة في عنجر، وأخيراً عبر تأليب الرأي العام اللبناني وتحديداً الشارع السني بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري ...
وما من عاقل لم يتهم سوريا فوراً ولو بشكل عاطفي، وهذا الأتهام يطلقه الشارع اللبناني تجاه سوريا عند كل إغتيال يطال قيادات لبنانية أو عند كل عمل إرهابي تخريبي.
الوثيقة لم تحلّ مشكلة النظرة تجاه سوريا لا بل زادتها سوءً وتعقيداً، وبدل أن يخجل النظام السوري أو على الأقل بدل أن يتقدَّم بالإعتذار مما فعله في لبنان طوال ثلاثين سنة، بدل كل ذلك راح من جديد يزرع الشقاق والفرقة بين اللبنانين، مستفيداً من عامل أدواته في الداخل، حتى وصلنا فيه الى مرحلة لم تعد معه العلاقات بين البلدين مسألة مطروحة على بساط النقاش السياسي، خاصة وأن النظام السوري إستطاع أن ينقل الصراع كما جرت معه العادة الى الداخل اللبناني، وبذلك يكون السوري قد حقق نقطة لصالحه عبر إنفاذ ما وعد به بعيد إنسحابه من لبنان:«نحن ننسحب ولكن رح نفرجيكن شو رح نعمل بلبنان !!»
فأين هي إذاً مفاعيل وثيقة التفاهم لناحية العلاقات اللبنانية _ السورية ؟
ولماذا لعبت دوراً سلبياً في هذا المجال ولم تؤدِ الى تصحيح هذه العلاقات ؟
بالعكس مع الوثيقة إزدادت الأمور تعقيداً لدرجة أن السوري أعلن بشكل واضح وصريح دون أي خجل أو خشية عن رفضه المطلق لموضوع المحكمة ذات الطابع الدولي.
رابعاً : إستبدال عبارة الإحتلال السوري للبنان بعبارة «التجربة».
لقد تخلى الطرف المسيحي في الوثيقة، علىكامل تاريخه النضالي ضدّ الإحتلال السوري زهاء خمسة عشر سنة أمضيناها نحن على الأقل نقاوم الإحتلال وننازعه عبر شتى أنواع وأساليب متنوعة حتى سجن من سجن وضرب من ضرب وخطف من خطف ليأتي موقّع الوثيقة المسيحي ليضرب كلّ هذا التاريخ عبر تسويقه لبرمجة واضحة بهدف خلق معادلة جديدة على مستوى التعاطي مع سوريا، وبدل أن يفتخر الطرف المسيحي بما قام به سابقاً،
وبدل أن يتباهى بتاريخه النضالي،
وبدل أن يتمسك بإعتبار الجيش السوري هو جيش إحتلال ولا شيء سوى ذلك ..
بدل كلّ هذا أطلق وصفاً لا يليق ابداً ولا يُشرّف حياتنا السياسية، فاستبدل بدم بارد عبارة «إحتلال» بعبارة « تجربة».
إذاً ما ورد في وثيقة التفاهم حتماً لا يعني أبداً المسيحيين، كما أنه لا يعني أبداً تاريخهم، ولا السنوات الطويلة التي أمضوها في مقارعة الإحتلال ..
وهل من السهل أن نشوّه التاريخ لنعدِّل على مزاج مصالح بعض القيادات قاموس القضية اللبنانية ؟
وقد جاء وصف الوثيقة بأن ما ارتكبه السوريون يتطلب تنقية هذه العلاقات من الشوائب والأخطار،
وكأن بموقعي الوثيقة أرادوا القول بأن لبنان هو من إعتدى على سوريا وليس العكس ..
وكأن لبنان هو من أساء الى هذه العلاقات وليس العكس ...
إنَّ إستعمال عبارتي «شوائب» و «أخطاء» يحملان في طياتهما نذير سوء إزاء لبنان وتجاه القضية اللبنانية التي سقط من أجلها آلاف الشهداء ..
فهل حرب المئة يوم ..
وهل حصار زحلة ..
وهل التدمير والقتل المتعمدين من قبل جيش الإحتلال السوري لسنوات ثلاثين ..
وهل الإعتداءات ومصادرة الأملاك العامة والخاصة ..
وهل الشبهات حتى الساعة حول سوريا في الإغتيالات السياسية ..
وهل إعتقال وخطف لبنانيين في أقبية سجونها ..
وأخيراً وليس آخراً .. هل مذبحة 13 تشرين الأول 1990
وهل إعتقال نخبة ضباطنا من قلب وزارة الدفاع الوطني وسجنهم في المزّة ..
وهل إعدام 15 مواطناً مدنياً في بلدة بسوس وبدم بارد ..
وهل إعدام ضباط وجنود في ضهر الوحش على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار يوم 13 تشرين ...
هل يمكن وصف ما إرتكبه السوريون بالشوائب والأخطاء ؟
إذاً ما هي الجرائم وكيف تكون بنظر موقعي الوثيقة إذا لم يكن ما ذكرناه جرائم بحد ذاتها ؟
إنَّ إنحراف الطرف المسيحي الموقّع على وثيقة التفاهم عن المسار الطبيعي للقضية اللبنانية وإبتعاده كثيراً، لا بل مغالاته مع تمييع مسألة العلاقات اللبنانية _ السورية، وإعتماده المدروس والمقصود لجعل اللبنانيين يتناسون ما إرتكبه السوريون بحق الشعب اللبناني كما وبحق أرض لبنان، ظهر جلياً وواضحاً من خلال نكران الإحتلال وإستبدال هذا الوصف بعبارة «الوصاية»، حتى أنه أطلق عبارة «الوصاية الخارجية» ولم يستعمل على الأقل عبارة الوصايا السورية،
وللتذكير وللتوضيح فإننا لم نستعمل يوماً عبارة الوصاية بل الإحتلال، فكيف يتمّ اللعب على هذا المستوى، وكيف يجرؤ موقّع الوثيقة المسيحي على نكران الواقع التاريخي وللمعاناة المأساوية التي ذبحت لبنان وقسّمته وأحرقت أرضه ..
إذاً عبر الوثيقة لا يوجد ذكر لإحتلال سوري ..ولا يوجد حتى ذكر لوصاية سورية .. جلّ ما في الأمر إعتماد موّجه لجعل الناس وبأسلوب غسل الدماغ يرمون وراء تاريخهم ما إرتكبه الإحتلال السوري ..
موضوع العلاقات اللبنانية _ السورية لا يمكن المسايرة فيه، كما لا يمكن التهاون في مكاشفة الناس بالحقائق ..
وإذا كانت الفقرة الثامنة من وثيقة التفاهم سعت لايهام اللبنانيين وتحديداً المسيحيين بأنها جاءت لتوضيح العلاقات بين البلدين، ولكن حقيقة الأمر أنّ هذه الفقرة جاءت لتؤكد القول «ستنكرني ثلاث مرات قبل صياح الديك» ، نعم لقد تمَّ نكران التاريخ النضالي عبر الوثيقة وهو بالفعل ما حصل حيث لم يؤتى على ذكر الإحتلال ولا طبيعة «التجربة» كما وصفتها الوثيقة.
إن إختيار الألفاظ والعبارات يخفي من ورائه مؤامرة كبرى تكمن خطورتها في التفسير الحقيقي للمعنى المقصود في صياغة وثيقة التفاهم.
وهنا نقول إنّ من أشرف وأعدَّ على صياغة الوثيقة من الطرف المسيحي الواضح أنه يجهل تماماً معاني الكلمات، خاصة وأنَّ اللغة العربية التي كتبت فيها الوثيقة إنما جرى إعدادها بإتقان، حيث في الظاهر تمّ إختيار نصوص ايهامية بمعنى أنها توهم القارىء بمعنى غير المعنى المقصود في مضمون النصّ، وهذا أمر أتقنه حزب الله جيداً في إعتماده لهذا الأسلوب، بينما سقط فيه الطرف المسيحي شرّ سقوط.
وكم كان الأجدى بالتيار الوطني الحرّ لو أنه أصرّ على إعتماد اللغة الانكليزية أو الفرنسية أو الاثنين معاً بالإضافة الى اللغة العربية في كتابة نص الوثيقة ولو فعل لكان تمّ إفتضاح الأمر وكشف الخفايا وخبايا ما تضمنته الوثيقة، ولكن كان متعمداً من قِبَل موقعي الوثيقة أن تكتب باللغة التي كُتِبت بها لتضييع المعنى الحقيقي ولايهام الناس بغير ما جاء في النوايا الحقيقية للوثيقة.
مسألة المعتقلين في سوريا.
وإستكمالاً لوثيقة التفاهم، ولمزيد من الترجمة العملية من قبل الطرف المسيحي أطلّ العماد عون على اللبنانيين ليعلن على شاشة NEW TV بأن لا معتقلين للتيار الوطني الحرّ في السجون السورية، وعندما سمع إستهجاناً وإستغراباً من قبل اللبنانيين عامة ومن أهالي المعتقلين خاصة عاد ليوضح أنّ حزب التيار ليس له معتقلين، وكأنّه حدَّد بذلك تاريخ التيار الوطني الحرّ ونشأته باليوم والساعة التي حصل فيها حزبه على العلم والخبر من وزارة الداخلية، فهل هذا المنطق يمكن تسويقه لدى الرأي العام المسيحي؟
وهل أن التيار الوطني الحرّ بدأ تاريخه في 7 أيار 2005 يوم عودة الجنرال الى لبنان؟
ليس صحيحاً هذا الكلام كون التيار الوطني بدأت إنطلاقته منذ تولي العماد عون لرئاسة الحكومة الإنتقالية في أيلول 1988..
وهنا تستحضرنا الأسئلة التالية :
إذا لم يكن للتيار الوطني الحرّ معتقلين في السجون السورية فمن هم إذاً شهداء 13 تشرين؟
ومؤيدوا حرب التحرير؟
ومن هم أيضاً أنصار الجيش؟
أوليس «شعب لبنان العظيم» هو نفسه ذاك التيار الجارف الذي له الفضل في قيام وتأسيس ما عُرِفَ لاحقاً بإسم التيار الوطني الحرّ؟
ومن الذي قاطع الحياة السياسية وبالتالي الإنتخابات منذ العام 1992؟
أليس هؤلاء أيضاً من عداد التيار الوطني الحرّ؟
كلّ من قاوم الإحتلال السوري وآمن بالتحرير وبدولة القانون وبالدولة القوية القادرة كان من عداد التيار، إلاَّ إذا أراد الجنرال في تنكره هذا أمران :
الأمر الأول : التيار الوطني الحرّ منذ العام 1988 ولغاية 6 ايار 2005 ماضٍ قد مضى وتاريخ لا يريد له مكاناً في العالم السياسي الجديد الذي أوجده الجنرال كما أوجد له قاموساً ومفردات جديدة.
الأمر الثاني : وهو الأكثر رجحاناً، أن على الفريق المسيحي الموقّع على الوثيقة إلتزامات وموجبات وبالتالي فاتورة يجب تسديدها إنفاذاً لما نصّت عليه الوثيقة.
إن الوثيقة هي التي بدّلت قضية التيار الوطني الحرّ، بحيث أنَّ الموضوع السوري وحلفاء سوريا في لبنان أصبحا العنوان الأبرز في النهج الجديد للزعيم المسيحي، وكفى زعماً وإيهاماً للبنانيين بأنّ تصرفات مجموعة 14 آذار التضييقية هي التي دفعت بالعماد عون لإنتهاج هذا السلوك الجديد القريب والمقرّب من سوريا.. ولكن هذه الجدلية غير مقنعة على مستوى الوطن، كما أنها لم تُقنع العونيين خاصةً من عايش منهم العماد عون منذ وصوله الى السلطة عام 1988.
فالجنرال وعندما تركه العالم أجمع إستمرّ في مسيرته التحريرية ولم يتراجع أبداً عن طروحاته وقد تمَّ نفيه نتيجة مواقفه، وهو الذي أعلن مراراً وتكراراً «تسحقوني ولا تنالوا توقيعي» !! وهنا يستحضرنا موقف الرئيس الراحل كميل شمعون إبّان عملية الصفرا «لينا» حين أعلن الشيخ بشير الجميّل عن بدء معركة توحيد البندقية في المنطقة الشرقية تحت شعار بندقية واحدة مع تعددية سياسية، وعلى الرغم من إنهاء ميليشيا نمور الأحرار فإننا شهدنا الرئيس شمعون يترأس المكتب السياسي الكتائبي مساء اليوم ذاته لعملية الصفرا للدلالة على وحدة المسيحيين وعدم ارتمائه في حضن الأغراب كما فعل غيره في سوابق تاريخية حيث كان الارتماء في أحضان السوري أو غير السوري.
لا شيء يبرر ما فعله الجنرال، وهو له كل الحق في عدم التحالف مع مجموعة 14 آذار، ولكن ما لا يحق له فيه هو أن يحالف ويساند ويعوّم كل المجموعات المحسوبة على سوريا والتي لا تزال حتى الساعة تجاهر بإنتمائها الى الفلك السوري.
ومن دون الدخول في تفاصيل كذبة الحلف الرباعي الذي سنكشف لاحقاً بعضاً من خفاياه ولكن بايجاز نقول أنّ الأمر كان معدّاً سلفاً للوصول الى ما تمَّ التوصل اليه.
خامساً : رفض المحكمة ذات الطابع الدولي بتوقيع ممهور من قبل حزب الله والتيار الوطني الحرّ.
منذ الإعلان عن تدويل التحقيق في قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري بدأت تبرز مواقف جماعة سوريا في لبنان معلنة رفضها للمحكمة ذات الطابع الدولي وتمّ تتويج هذا الرفض بإعلان ممثل الفريق المسيحي في وثيقة التفاهم بأن «المحكمة هي طبخة بحص».
وبالفعل فأن وثيقة التفاهم لم تأت على ذكر التحقيق ذات الطابع الدولي بل هي إكتفت بالإشارة الى إستعمال عبارة «التحقيق الرسمي» مما يعني الأجهزة الرسمية اللبنانية وليس طبعاً الدولية.
إنّ المايسترو السوري في قبول ورفض القرارات الكبرى المتعلّقة لبنان ينسحب في نواياه على إرادة الأحزاب اللبنانية المقربة من سوريا..
فهل سأل أحدنا لماذا هذا التناغم الدائم بين مواقف سوريا ومواقف هؤلاء؟
هل سأل أحدنا هل هي صدفة أن يأتي الرفض السوري الواضح للمحكمة ذات الطابع الدولي مع الرفض المحلي للمحسوبين عليها في لبنان ؟
نعود الى وثيقة التفاهم التي أرست بشكل واضح الخطة والمخطط الراميان الى ضرب الإستقرار اللبناني والتهديم المتعمّد بالشرعية اللبنانية.
ولو أن النوايا طيبة لكلا الطرفين الشيعي والمسيحي صاحبي الوثيقة لما كانت كلّ هذه التحفظات على موضوع المحكمة، ولما كان هذا الخوف من هذه المحكمة.
سادساً : وثيقة التفاهم إنقلاب على الشرعية اللبنانية.
سبق لنا أن وصفنا وثيقة التفاهم بأنها أخطر بكثير من الإتفاق الثلاثي الذي جرى إسقاطه في المنطقة الشرقية، وهذا الأمر يبرز واضحاً من خلال عدم توضيح الورقة لموقف التيار والحزب من إتفاق الطائف، هذا الإتفاق الذي عارضناه ونعارضه نحن وحتى الساعة، ولكن في المقابل إنّ هذا الإتفاق تحوّل الى دستور وبالتالي بات هو من يحكم لبنان ومن خلاله يتم تطبيق القوانين...
ان تكون معترض على موضوع شيء وأن لا تعترف شيء آخر..
حقيقة لقد حيّرنا العماد عون، فهل هو مع الطائف أو ضدّه.. نحن نعلم أنه في العام 1989 وبعد إعلان حرب التحرير.. وبعد التعديلات الدستورية التي جرت في المصيف السعودي «الطائف».. وبعد الحديث عن إنتخابات رئاسية.. حلّ العماد عون المجلس النيابي، وأطلّ من على شرفة «قصر الشعب» ليعلن للبنانيين رفضه لإتفاق الطائف قائلاً«الطائف بميل وأنا بميل آخر وعليكم أن تختاروا» واختاره الشعب إنطلاقاً من رفض الطائف.
إنّ وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ أغفلت موضوع الطائف وهي لم تأتِ على ذكره لا من قريب ولا من بعيد، ولأن الأمر كذلك فهذا يعني هامشاً متعمداً من قبلهما للمناورة في المستقبل حول النظام في لبنان، وحول شكل النظام، فهل نصل الى مرحلة نعود من خلالها الى حكومتين ودولتين؟
نعم هذا ما يتم التخطيط والسعي للوصول اليه، اُعدّت الوثيقة بالشكل والمضمون اللتين أُعدتا فيه لكي نصل الى ما قبل إستحقاق الإنتخابات الرئاسية، وعندها نصل الى الوقوع في فخ الإعتراف وعدم الإعتراف بالطائف وقد بدأت ملامح هذا المخطط منذ إعلان الوزراء الشيعة إستقالتهم من الحكومة والآتي يُبشِّر بمزيد من التصعيد على مستوى الشارع كما على مستوى المؤسسات.
الفريقين لم يعترفا بالطائف ولن يعترفا به ولم يذكراه ابداً في متن الوثيقة حتى لا يُسمح لاحقاً بالمحاسبة على مستوى الشرعية ومؤسساتها حيث الحزب والتيار غير المعترفين أصلاً بالطائف.
نحن فعلاً أمام إنقلاب من نوع آخر شكله قانوني ومضمونه عسكري.
الوثيقة شرّعت السلاح، وعبر السلاح والمال وإستعمال الشعب يمكن زعزعة الإستقرار والقضاء على الشرعية، وهذا ما يؤمنه بشكل مستمر الفريق المسيحي الذي يؤمن الغطاء المسيحي لمشروع حزب الله منذ حرب تموز الماضي وحتى اليوم.
سابعاً : لماذا الوثيقة هي أخطر ما مُني به المسيحيون ؟
هناك سؤال يُطرح دائماً في معرض الجدلية حول الحرب التي ضربت لبنان تموز الماضي، هذه الجدلية مفادها أنه هل كان حزب الله ليقوم بما قام به في تلك المغامرة لولا أنه لم يكن يملك غطاءً مسيحياً ؟
هل كان حزب الله ليتصرّف على الشكل والأسلوب كما هي عليه الحال اليوم لولا حماية مشروعه من قبل من يُمثل 70% من المسيحين ؟
وإلاَّ لماذا سكت على ما سكت عليه زهاء خمسة عشر عاماً، ولماذا تحول من حزب مقاوم على أرض الجنوب الى ميليشيا عسكرية في الداخل اللبناني ؟
وإذا كانت سوريا حتى في زمن إحتلالها العسكري للبنان وايران عبر حراس الثورة الاسلامية، وإذا كان الحزب وهو حليفهما لم يقم بما قام به بغياب الدولتين عسكرياً، فكيف له إذاً أن يبدأ الشروع بمشروعه والذي تجلَّى بأبشع صوره يوم الثلثاء في 23 كانون الثاني 2007 ؟
إنّ حزب الله بدأ بمغالاته ومبالغته بتصرفاته منذ التوقيع على وثيقة التفاهم، وهو إستفاد ويستفيد من السكوت المطبق لشريكه حول كلَّ المخالفات والتجاوزات، وليس أدلّ من صمت شريكه المسيحي عن مصادرة شاحنة السلاح في الحازمية.
وحتى الكلام عن المطالبة الشيعية برئاسة الجمهورية لم تدفع بالشريك المسيحي الى مجرد ولو الإعتراض ولكن على الأقل الى توضيح ما صدر عن وزير شيعي من وزراء حزب الله.
أكثر من ذلك فإنَّ رئيس الجمهورية بات محمياً من قبل حزب الله خاصة بعد الرسالة الشهيرة للسيد البطريرك والتي تمنى من خلالها علىالرئيس التنحّي.
من هنا القول بأن الرئيس الماروني، المفترض به أن يكون مارونياً باتت تتحكم في بقائه وإستمراره في الحكم إرادة منفردة هي إرادة حزب الله!!
والملفت أنَّ رئيس المجلس النيابي وهو جزء من حالة 8 آذار لا يزور القصر الجمهوري لا بل يقاطع الرئيس، وهنا الدلالة على المستوى المتدني في التعاطي مع مسألة رئاسة الجمهورية..
أية معادلة هذه ؟
الفريق الشيعي يحمي رئيس الجمهورية وفي الوقت ذاته الفريق عينه يقاطع الرئيس..
إذاً الموضوع بات واضحاً حماية الشخص وضرب وتهديم المؤسسة، دعم اميل لحود وليس دعم رئاسة الجمهورية.
كان الأجدى بالفريق المسيحي الموقّع على الوثيقة أن ينتج تحالفه الجديد مع حزب الله وبالتالي مع كل حلفاء سوريا مع لبنان قبل الإنتخابات النيابية وليس بعدها، عندها لما كان ليحصد العماد عون هذه النتائج في الساحة المسيحية.
إنّ الوثيقة وبفضلها عاد شبح التصادم والصراع المسيحي، من هنا القول بأن الوثيقة باتت تُشكّل خطراً على وحدة المسيحيين ليس لالتقاء فريق شيعي وفريق مسيحي، بالعكس المطلوب الالتقاء، ولكن ما جرى حتى اليوم هو تأليب فئات مسيحية على بعضها البعض.
ولعلّ مشهد نهر الموت ونهر الكلب وجبيل والحازمية والجديدة والبترون حيث سقط شهيداً مسيحياً... لهو صورة واضحة على ما قدّمته وما سوف تجره هذه الوثيقة على المسيحيين من خراب ووبال.
المطلوب أن يدرك الجميع وتحديداً المسيحيين أن بكركي هي مرجع ومرجعيتها ثابتة لا تتبدل ولا تتلون ولا تتغيَّر..
وإذا كانت بكركي أعلنت وثيقة تاريخية،
وإذا كان الفريق المسيحي وافق عليها كما أنزل توقيعه الفولكلوري لغايات في نفس يعقوب،
ما عليه إذاً إلاَّ أن يوضح خفايا وخبايا وثيقة التفاهم، ولعلّ ما ورد في الفقرة الرابعة من البند الثالث يؤشِّر بشكل واضح الى المرامي الخطيرة لهذه الوثيقة حيث وردت عبارة «المقيمن في الخارج» وليس المغتربين وقد ورد ما حرفيته: «تأمين الوسائل اللازمة لتمكين اللبنانيين المقيمين في الخارج من ممارسة حقهم الإنتخابي»
ونحن نسعى جاهدين لإستعادة جنسية المهاجرين اللبنانيين والمغتربين الذين تركوا لبنان منذ عقودٍ، وليس السعي الى مجرد تمكين المهاجرين الجدد من حق الإنتخاب.
إن قاموس القضية اللبنانية لم ترد في أدبياته ولا في ثقافته عبارة المقيم بل المغترب، وخير دليل أنه لا يوجد وزارة المقيمين في لبنان بل وزارة المغتربين، إذاً المقصود ضرب تاريخ الإغتراب اللبناني ليُصار من خلاله القضاء على القيمة الإرثية لهذا الإغتراب وبالتالي عدم إستثمار هذه الثروة على الصعيد الحضاري.
يبقى أخيراً أن نُشير الى أنّ الفريق المسيحي الموقّع على وثيقة التفاهم بات ملزم بتقديم شروحات وتوضيحات حول ما أقدم عليه وما جرّه على لبنان منذ تاريخ 6 شباط 2006 وحتى اليوم، على العماد عون وهو مسؤول ونائب وزعيم تيار شعبي أن يتحلى بالشجاعة، وأن يقبل ولو لمرة في حياته أن يُطل على اللبنانيين ليُعلن بكل صراحة أنه أخطأ كثيراً في نسج تحالفاته الأخيرة وأخيراً ليُعلن حلّه من الإرتباط بكل جماعات سوريا في لبنان علّه يُنقذ ما تبقى. لبنان أولاً وأخيراً
ملاحظة: من نص محاضرة ألقاها المحامي محفوض في لقاء شعبي موسع عقد في مدينة جبيل في 10 آذار 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق