بقلم : نبيل عودة
"رئيس الشاباك : تطرف خطير للعرب في اسرائيل " - تحت هذا العنوان الصارخ والتحريضي على العرب في اسرائيل أطلت علينا صحيفة " معريف" الأسرائيلية ، فجر الثلاثاء ( 07-03-13 ). وحيثيات الخبر انه في جلسة مشاورات خاصة مع رئيس الحكومة ، حذر رئيس جهاز الأمن ( الشاباك ) من أن " تطرف المواطنين العرب في اسرائيل هو خطر استراتيجي على بقاء دولة اسرائيل " .
زوبعة رئيس الشاباك مبنية على استطلاع للرأي أجراه بروفسور سامي سموحة ، رئيس كرسي العلوم الاجتماعية في جامعة حيفا ,
وكان رئيس الحكومة ايهود اولمرت قد عقد مشاورات مغلقة مع قائد الشاباك يوفل ديسكين ، ومع مسؤولين كبار آخرين في أجهزة الأمن حول موضوع الأقلية العربية في اسرائيل ، واستمرار تراجع تماثلها مع الدولة ، وارتفاع مكانة "الأوساط المتآمرة"، حسب نص الخبر .. من الوسط العربي ، وما يشكله هذا من مخاطر . قدمت خلال المشاورات توصيات ، لم يكشف عنها ، وبعض الأوساط الأمنية المسؤولة ، وصفت في "الأحاديث المغلقة " ما يجري في الوسط العربي ب: " الخطر الاستراتيجي الحقيقي على المدى البعيد ،على طابع الدولة اليهودي ،وعلى مجرد وجودها كدولة يهودية ".
لا شيء جديد في هذه الزوبعة التحريضية المنفلتة . ولكن قراءة متأنية لبعض التفاصيل تكشف جوانب أخرى ، طبعا لا تثير قلق الشاباك وزلم الأمن الاسرائيلي ، ما دام التطرف والرفض للمواطنين العرب يجيء من الوسط اليهودي ، من السلطة ، ومن المواطنين اليهود المتأثرين بالتحريض العنصري الذي يزاد حدة وعنفا ورفضا لمجرد وجود المواطنين العرب في وطنهم .
السلطة غير قلقة ، والشاباك غير قلق من تنامي الفاشية والترانسفيرية اليهودية ، ومن وصول وزراء فاشيين الى الحكومة . السلطة لا ترى الأنعكاسات السلبية للتشريعات العنصرية التي تمس في الصميم الحقوق المدنية للمواطنين العرب في اسرائيل .واستطيع تقديم نماذج عدة ، باتت مفضوحة في انها شرعت لمنع جمع شمل العائلات العربية ، وهو القانون المعروف باسم التشريع بصدد المواطنة وقانون الجنسية والدخول الى اسرائيل ، وقانون المكوث غير القانوني ، وقانون تخليد ذكرى الجنرال رحبعام زئيفي ، مؤسس حزب الترانسفير .. وقوانين الأراضي المتعددة التي جاءت لتقضي على المساحات المتبقية من الأرض بملكية عربية فلسطينية ، وهناك عشرات القوانين ومشاريع القوانين التي تهدف التضييق على المواطنين العرب .
في المجال الأقتصادي نجد حرمان وقصور سلطوي في تخصيص مساحات لتطوير مسطحات البلدات العربية ، والضائقة السكنية تتفاقم ، والمناطق الصناعية شبه معدومة ، والمدن والقرى العربية تتحول الى فنادق للعمال ، الذين يخرجون يوميا للعمل في المصانع والورشات اليهودية ، الى جانب مستوى الأجور المتدني للوسط العربي بالمقارنة مع مستوى الأجور في الوسط اليهودي لنفس العمل . والبطالة بالتالي في الوسط العربي هي أضعاف نسبة البطالة في الوسط اليهودي ، وليس سرا أن البلدات العربية المنكوبة بالبطالة ، تحتل رأس القائمة للبلدات المنكوبة بالبطالة في اسرائيل .
أكثر من أربعين بلدة عربية غير معترف بها ولا تتلقى أي خدمات ، رغم انها قائمة قبل قيام الدولة . وأوامر الهدم تطول آلاف البيوت العربية ، التي بنيت على اراضي بملكية اصحاب البيوت ، بسبب المماطلات في الترخيص والشروط التعجيزية لمكاتب التنظيم والبناء ، والتضييق المتواصل في مسطحات البلدات العربية ... ومأساة بدو النقب واتلاف مزروعاتهم بالسموم التي ترش من الجو .. ومحاولات تركيزهم في بلدات بلا مستقبل وبلا أمل بالتطور والرقي ، من أجل نهب بقية أراضيهم .. وخطط تهويد النقب والجليل على حساب المواطنين العرب وبهدف اخراج آخر دونم أرض من أيديهم .
وهل سرا أن نسبة الموظفين العرب في الوظائف الحكومية لا تتجاوز عشر نسبة المواطنين العرب في الدولة ؟
من الصعب في مقال مهما طال ، أن استعرض ملف التمييز العنصري ، والاجحاف الصارخ بالحقوق المدنية والقومية الذي يعاني منه العرب في اسرائيل . ولكني أشير الى أن ثقافة الكراهية التي تربت عليها أجيال يهودية ، هي المأساة التي تواجه الدولة ، وهي الاشكال الكبير لأسرائيل دوليا ايضا .
كل حكومات اسرائيل المتعاقبة ،حسب تعليق في صحيفة "هآرتس" ( 07-03-13) ضيعت كل الفرص للتفاهم مع جيران اسرائيل العرب ، ومنذ احتلال كامل فلسطين وسيناء والجولان ، شاهد العالم حكم احتلالي مدمر، مارس القمع والفساد ، وقامت مجموعات صغيرة ومنفلتة بحماية حكومات اسرائيل ، بفرض احتكارها على الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة ، بل وأحتكرت ، حسب ما جاء في تعليق "هآرتس" ، الهوية اليهودية وقلعت الصهيونية الليبرالية وفرضت مكانها يهودية العنف الدينية الأصولية المتطرفة ( اليهودية المسيحية – مشيحيت ) المنعزلة وغير الانسانية .
وكتبت هآرتس : " يبدو اننا نسينا الهدف من اقامة دولة اسرائيل ، حسب ما سجلته وثيقة الاستقلال ، باقامة وطن قومي للشعب اليهودي وجعله عضو متساوي الحقوق والواجبات في عائلة الشعوب الحديثة، وبدل ذلك.. " تواصل الصحفية : " فضلت اسرائيل ان تستغل الكارثة كسبب وحيد لأقامتها وأورثت أجيال من الشباب المولودين في البلاد افكار غريبة مستهجنة بتوجيه الأتهامات لكل العالم وكراهية الأغيار ."
وموقف الشاباك ، حسب تصريح رئيسه ، كما جاء في " معريف " يقع في باب استمرار التضليل وتشويه الحقائق ، وزرع الأفكار المستهجنة .
ان اتهام الجماهير العربية بالتطرف ، لا يتناسب مع المعطيات على أرض الواقع ، ايضا تتناقض مع معطيات الأستطلاع نفسه الذي بنى عليه قائد الشاباك هجمته "البونوبارتية" الجديدة . واقول انه رغم ما نواجهه من عنصرية وكراهية حيوانية من الأوساط الفاشية ، ألا أننا استطعنا أن نحافظ على اتزاننا السياسي والأنساني في ردودنا وفي فعلنا . وكل الوقائع توجه المسؤولية بكاملها للسلطة وقصورها الفاضح في تعاملها مع القضايا الملحة للجماهير العربية .
ومن فمكم ندينكم :
بروفسور شمعون شمير ، الذي كان عضوا في لجنة اور التي حققت في أحداث انتفاضة اكتوبر 2000 التي قتل فيها 13 مواطن عربي قال فترة قصيرة ان " التوصيات الهامة للجنة اور من أجل تحسين مكانة اللمواطنين العرب ظلت حبرا على ورق " . وانتقد بحدة السلطات على تدهور أوضاع الجماهير العربية في المجالات المختلفة والحيوية . واعطى نماذج عن حالة الفقر الذي يتسع من سنة الى أخرى بشكل مخيف ، والبطالة الواسعة خاصة بين خريجي المدارس الثانوية والجامعيين وأشار الى تدهور الخدمات المتواصل . وأضاف : " ان تحسين معاملة الدولة للعرب قانونيا وعمليا ، وتحسين مستوى حياتهم ، وتعميق مشاركتهم في حياة الدولة ، وقبولهم للوظائف في جهاز الدولة بكل المستويات ، سيعمق شعور الانتماء "... وحذرمن استمرار الغضب وامكانية تحوله الى قنبلة موقوتة خطرة على الجماهير العربية ودولة اسرائيل بنفس الوقت .
ماذا فعلت حكومات اسرائيل المتعاقبة منذ صدور توصيات لجنة أور ؟؟الجواب : لا شيء، والوضع يسير من سيء الى أكثر سوءا!!
صحيح ان المشاورات بين رئيس الحكومة اولمرت ورجال الأمن تناولت "التطرف العربي ".. وماذا مع التطرف اليهودي ، الذي أقام لنفسه أحزابا فاشية وترانسفيرية ، سيدي رئيس الحكومة ومسؤولي الأجهزة الأمنية ؟
المعطيات التي اعتمدتموها في مشاوراتكم عن تطرفنا ، تشير الى تطرف أكثر خطورة في الشارع اليهودي . هل التطرف العربي يشكل خطرا على الدولة والتطرف اليهودي يشكل خيرا وتقدما للعرب أيضا؟!
الأستطلاع الذي اقلقكم يشير الى ان 73% من اليهود يشكون باخلاص العرب للدولة . و63% من اليهود يمتنعون عن الدخول الى البلدات العربية ، 64% من اليهود قلقين من نسبة الولادة العالية للعرب .
في يوم ما أنشد محمود درويش : " سجل أنا عربي/ ورقم بطاقتي خمسون ألف / وأطفالي ثمانية / وتاسعهم سيأتي بعد صيف / فهل تغضب ؟!" هل من ضرورة لتكرار السؤال ؟!
ماذا مع العرب، كما جاء في الأستطلاع ؟
80% من العرب قلقون من مصادرة اراضيهم . هل قلقهم مشروع ؟.. أم يشكل خطرا استراتيجيا على الدولة وطابعها اليهودي ؟
77.4% من المواطنين العرب متخوفون من الحاق الضرر بحقوقهم كمواطنين . ما الخطر على اسرائيل من هذا التخوف ؟! ألا يعبر هذا التخوف على الرغبة في المساواة كمواطنين ؟! هل المساواة بين البشر خطر على طابع الدولة اليهودي ؟!
60% من العرب يخافون من الترانسفير ( التهجير من الوطن ) . هل في هذا الخوف دعما لأيران أو لحزب الله ، وتهديدا استراتيجيا للكيان اليهودي المتمثل بدولة اسرائيل ؟؟ هل الأصرار على مواجهة الفاشية والترانسفيرية تجعلنا متطرفين خطرين ؟! هل تجنيدنا اوساط يهودية عقلانية ضد الترانسفيريين والفاشيين ، لتنظيف المجتمع اليهودي أيضا من العنصريين واقصائهم الى مكانهم الطبيعي ، حيث يحجز أعداء الأنسان ، يجعلنا متطرفين ، نشكل خطرا على بقاء اسرائيل ؟!
عن أي اسرائيل تتحدثون ، اسرائيل أفيغدور ليبرمان ، أم اسرائيل دافيد غروسمان؟!
62% من العرب متخوفون من ضم المثلث للدولة الفلسطينية ، أي ببساطة فسروها كما شئتم ، متمسكون ببقائهم مواطنين في دولة اسرائيل .. ربما لذلك اشتدت حدة الصراخ والقلق ...
هذه هي "الأخطار الأستراتيجية " الوحيدة التي استطعت الوصول اليها ، رغم الواقع غير الانساني الذي تعاني منه الجماهير العربية .
والنقطة الأخيرة في الخطر الأستراتيجي الذي أطلق لسان قائد الشاباك بتصريحه الصارخ والتحريضي هو ما ذكره الأستطلاع من انه سجل انخفاض جدي في نسبة العرب الذين ينفون حق اسرائيل في الوجود كدولة يهودية صهيونية .. وازدياد نسبة المواطنين العرب المقتنعين بامكانية التعايش بين الشعبين ، بالطبع هذا النتائج لم تحصل حتى على على عنوان فرعي وحشرت في نهاية الخبر ،لأنها لا تخدم التصريح "الشمشومي" لقائد الشاباك . النتائج التي يكشفها الأستطلاع مثيرة وتنسف كل المبنى المزيف للتحريض على العرب في اسرائيل : 74% من المواطنين العرب يؤيدون صيغة دولتان لشعبين كطريق لحل النزاع الفلسطيني – الأسرائيلي ، وانتبهوا لهذه النسبة : 75.4% من المواطنين العرب يقبلون وجود دولة اسرائيل مستقلة داخل حدود الخط الأخضر، حيث يعيش فيها العرب واليهود سوية . و67.5% يؤمنون بحق اسرائيل بالوجود داخل الخط الأخضر ، كدولة يهودية دمقراطية يعيش فيها العرب واليهود سوية . والمقارنة مع استطلاعات سابقة ( اجريت خلال ال 30 سنة الأخيرة ) تظهر اتجاه نحو التقارب وليس التطرف ، في الوسط اليهودي وفي الوسط العربي . اما نسبة العرب الذين ينفون حق اسرائيل بالوجود فانخفض من نسبة 20.5% عام 1976 الى نسبة 15% عام 2006 .
65% من اليهود يعتقدون انه على الدولة أن تتخذ خطوات عملية لسد الثغرات بين المواطنين العرب واليهود ، هل قرأ اولمرت ورجال الأمن ذلك ؟ّ!
كنت أتوقع من محرر صحيفة "معريف" أن يحسن قراءة الاستطلاع والواقع الذي يعيشه العرب في اسرائيل ، ولكنه منذ جلس على كرسي رئاسة التحرير ، اصبح صقرا ويبحث عن العناوين التي تجلب القراء ، حتى لو تبين انها مبنية على رمال سرعان ما تذروها الرياح .
وهناك استطلاع للرأي أجراه معهد يافا في الناصرة الذي يديرة الدكتور عاص أطرش ، لحساب جامعة تل ابيب ، يدعم عمليا استنتاجات استطلاع البروفسور سموحة ، يبين ان 83,3% من العرب في اسرائيل ، وبأشكال مختلفة ومستويات مختلفة ، يؤيدون حل النزاع القومي على اساس دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل المستقلة . وتبين أن 25,5% يؤيدون مبدأ دولتين لشعبين ، ويقبلون باسرائيل دولة يهودية ودمقراطية بمواصفاتها الراهنة . و38,7% يريدون أن تكون اسرائيل دولة كل مواطنيها من حيث المساواة . وبجمع الرقمين نجد أن 64,2% يقبلون بدولة اسرائيل كما تسمي نفسها ( يهودية دمقراطية) مقابل حل النزاع واقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل وتحقيق المساواة للعرب في اسرائيل .
ما لفت نظري أيضا أن سائر الصحف الاسرائيلية لم تعط أهمية للتصريح الصارخ والتحريضي على الجماهير العربية في اسرائيل . حتى مساء هذا اليوم الثلاثاء .. آمل ان لا يتغير الوضع !!
"رئيس الشاباك : تطرف خطير للعرب في اسرائيل " - تحت هذا العنوان الصارخ والتحريضي على العرب في اسرائيل أطلت علينا صحيفة " معريف" الأسرائيلية ، فجر الثلاثاء ( 07-03-13 ). وحيثيات الخبر انه في جلسة مشاورات خاصة مع رئيس الحكومة ، حذر رئيس جهاز الأمن ( الشاباك ) من أن " تطرف المواطنين العرب في اسرائيل هو خطر استراتيجي على بقاء دولة اسرائيل " .
زوبعة رئيس الشاباك مبنية على استطلاع للرأي أجراه بروفسور سامي سموحة ، رئيس كرسي العلوم الاجتماعية في جامعة حيفا ,
وكان رئيس الحكومة ايهود اولمرت قد عقد مشاورات مغلقة مع قائد الشاباك يوفل ديسكين ، ومع مسؤولين كبار آخرين في أجهزة الأمن حول موضوع الأقلية العربية في اسرائيل ، واستمرار تراجع تماثلها مع الدولة ، وارتفاع مكانة "الأوساط المتآمرة"، حسب نص الخبر .. من الوسط العربي ، وما يشكله هذا من مخاطر . قدمت خلال المشاورات توصيات ، لم يكشف عنها ، وبعض الأوساط الأمنية المسؤولة ، وصفت في "الأحاديث المغلقة " ما يجري في الوسط العربي ب: " الخطر الاستراتيجي الحقيقي على المدى البعيد ،على طابع الدولة اليهودي ،وعلى مجرد وجودها كدولة يهودية ".
لا شيء جديد في هذه الزوبعة التحريضية المنفلتة . ولكن قراءة متأنية لبعض التفاصيل تكشف جوانب أخرى ، طبعا لا تثير قلق الشاباك وزلم الأمن الاسرائيلي ، ما دام التطرف والرفض للمواطنين العرب يجيء من الوسط اليهودي ، من السلطة ، ومن المواطنين اليهود المتأثرين بالتحريض العنصري الذي يزاد حدة وعنفا ورفضا لمجرد وجود المواطنين العرب في وطنهم .
السلطة غير قلقة ، والشاباك غير قلق من تنامي الفاشية والترانسفيرية اليهودية ، ومن وصول وزراء فاشيين الى الحكومة . السلطة لا ترى الأنعكاسات السلبية للتشريعات العنصرية التي تمس في الصميم الحقوق المدنية للمواطنين العرب في اسرائيل .واستطيع تقديم نماذج عدة ، باتت مفضوحة في انها شرعت لمنع جمع شمل العائلات العربية ، وهو القانون المعروف باسم التشريع بصدد المواطنة وقانون الجنسية والدخول الى اسرائيل ، وقانون المكوث غير القانوني ، وقانون تخليد ذكرى الجنرال رحبعام زئيفي ، مؤسس حزب الترانسفير .. وقوانين الأراضي المتعددة التي جاءت لتقضي على المساحات المتبقية من الأرض بملكية عربية فلسطينية ، وهناك عشرات القوانين ومشاريع القوانين التي تهدف التضييق على المواطنين العرب .
في المجال الأقتصادي نجد حرمان وقصور سلطوي في تخصيص مساحات لتطوير مسطحات البلدات العربية ، والضائقة السكنية تتفاقم ، والمناطق الصناعية شبه معدومة ، والمدن والقرى العربية تتحول الى فنادق للعمال ، الذين يخرجون يوميا للعمل في المصانع والورشات اليهودية ، الى جانب مستوى الأجور المتدني للوسط العربي بالمقارنة مع مستوى الأجور في الوسط اليهودي لنفس العمل . والبطالة بالتالي في الوسط العربي هي أضعاف نسبة البطالة في الوسط اليهودي ، وليس سرا أن البلدات العربية المنكوبة بالبطالة ، تحتل رأس القائمة للبلدات المنكوبة بالبطالة في اسرائيل .
أكثر من أربعين بلدة عربية غير معترف بها ولا تتلقى أي خدمات ، رغم انها قائمة قبل قيام الدولة . وأوامر الهدم تطول آلاف البيوت العربية ، التي بنيت على اراضي بملكية اصحاب البيوت ، بسبب المماطلات في الترخيص والشروط التعجيزية لمكاتب التنظيم والبناء ، والتضييق المتواصل في مسطحات البلدات العربية ... ومأساة بدو النقب واتلاف مزروعاتهم بالسموم التي ترش من الجو .. ومحاولات تركيزهم في بلدات بلا مستقبل وبلا أمل بالتطور والرقي ، من أجل نهب بقية أراضيهم .. وخطط تهويد النقب والجليل على حساب المواطنين العرب وبهدف اخراج آخر دونم أرض من أيديهم .
وهل سرا أن نسبة الموظفين العرب في الوظائف الحكومية لا تتجاوز عشر نسبة المواطنين العرب في الدولة ؟
من الصعب في مقال مهما طال ، أن استعرض ملف التمييز العنصري ، والاجحاف الصارخ بالحقوق المدنية والقومية الذي يعاني منه العرب في اسرائيل . ولكني أشير الى أن ثقافة الكراهية التي تربت عليها أجيال يهودية ، هي المأساة التي تواجه الدولة ، وهي الاشكال الكبير لأسرائيل دوليا ايضا .
كل حكومات اسرائيل المتعاقبة ،حسب تعليق في صحيفة "هآرتس" ( 07-03-13) ضيعت كل الفرص للتفاهم مع جيران اسرائيل العرب ، ومنذ احتلال كامل فلسطين وسيناء والجولان ، شاهد العالم حكم احتلالي مدمر، مارس القمع والفساد ، وقامت مجموعات صغيرة ومنفلتة بحماية حكومات اسرائيل ، بفرض احتكارها على الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة ، بل وأحتكرت ، حسب ما جاء في تعليق "هآرتس" ، الهوية اليهودية وقلعت الصهيونية الليبرالية وفرضت مكانها يهودية العنف الدينية الأصولية المتطرفة ( اليهودية المسيحية – مشيحيت ) المنعزلة وغير الانسانية .
وكتبت هآرتس : " يبدو اننا نسينا الهدف من اقامة دولة اسرائيل ، حسب ما سجلته وثيقة الاستقلال ، باقامة وطن قومي للشعب اليهودي وجعله عضو متساوي الحقوق والواجبات في عائلة الشعوب الحديثة، وبدل ذلك.. " تواصل الصحفية : " فضلت اسرائيل ان تستغل الكارثة كسبب وحيد لأقامتها وأورثت أجيال من الشباب المولودين في البلاد افكار غريبة مستهجنة بتوجيه الأتهامات لكل العالم وكراهية الأغيار ."
وموقف الشاباك ، حسب تصريح رئيسه ، كما جاء في " معريف " يقع في باب استمرار التضليل وتشويه الحقائق ، وزرع الأفكار المستهجنة .
ان اتهام الجماهير العربية بالتطرف ، لا يتناسب مع المعطيات على أرض الواقع ، ايضا تتناقض مع معطيات الأستطلاع نفسه الذي بنى عليه قائد الشاباك هجمته "البونوبارتية" الجديدة . واقول انه رغم ما نواجهه من عنصرية وكراهية حيوانية من الأوساط الفاشية ، ألا أننا استطعنا أن نحافظ على اتزاننا السياسي والأنساني في ردودنا وفي فعلنا . وكل الوقائع توجه المسؤولية بكاملها للسلطة وقصورها الفاضح في تعاملها مع القضايا الملحة للجماهير العربية .
ومن فمكم ندينكم :
بروفسور شمعون شمير ، الذي كان عضوا في لجنة اور التي حققت في أحداث انتفاضة اكتوبر 2000 التي قتل فيها 13 مواطن عربي قال فترة قصيرة ان " التوصيات الهامة للجنة اور من أجل تحسين مكانة اللمواطنين العرب ظلت حبرا على ورق " . وانتقد بحدة السلطات على تدهور أوضاع الجماهير العربية في المجالات المختلفة والحيوية . واعطى نماذج عن حالة الفقر الذي يتسع من سنة الى أخرى بشكل مخيف ، والبطالة الواسعة خاصة بين خريجي المدارس الثانوية والجامعيين وأشار الى تدهور الخدمات المتواصل . وأضاف : " ان تحسين معاملة الدولة للعرب قانونيا وعمليا ، وتحسين مستوى حياتهم ، وتعميق مشاركتهم في حياة الدولة ، وقبولهم للوظائف في جهاز الدولة بكل المستويات ، سيعمق شعور الانتماء "... وحذرمن استمرار الغضب وامكانية تحوله الى قنبلة موقوتة خطرة على الجماهير العربية ودولة اسرائيل بنفس الوقت .
ماذا فعلت حكومات اسرائيل المتعاقبة منذ صدور توصيات لجنة أور ؟؟الجواب : لا شيء، والوضع يسير من سيء الى أكثر سوءا!!
صحيح ان المشاورات بين رئيس الحكومة اولمرت ورجال الأمن تناولت "التطرف العربي ".. وماذا مع التطرف اليهودي ، الذي أقام لنفسه أحزابا فاشية وترانسفيرية ، سيدي رئيس الحكومة ومسؤولي الأجهزة الأمنية ؟
المعطيات التي اعتمدتموها في مشاوراتكم عن تطرفنا ، تشير الى تطرف أكثر خطورة في الشارع اليهودي . هل التطرف العربي يشكل خطرا على الدولة والتطرف اليهودي يشكل خيرا وتقدما للعرب أيضا؟!
الأستطلاع الذي اقلقكم يشير الى ان 73% من اليهود يشكون باخلاص العرب للدولة . و63% من اليهود يمتنعون عن الدخول الى البلدات العربية ، 64% من اليهود قلقين من نسبة الولادة العالية للعرب .
في يوم ما أنشد محمود درويش : " سجل أنا عربي/ ورقم بطاقتي خمسون ألف / وأطفالي ثمانية / وتاسعهم سيأتي بعد صيف / فهل تغضب ؟!" هل من ضرورة لتكرار السؤال ؟!
ماذا مع العرب، كما جاء في الأستطلاع ؟
80% من العرب قلقون من مصادرة اراضيهم . هل قلقهم مشروع ؟.. أم يشكل خطرا استراتيجيا على الدولة وطابعها اليهودي ؟
77.4% من المواطنين العرب متخوفون من الحاق الضرر بحقوقهم كمواطنين . ما الخطر على اسرائيل من هذا التخوف ؟! ألا يعبر هذا التخوف على الرغبة في المساواة كمواطنين ؟! هل المساواة بين البشر خطر على طابع الدولة اليهودي ؟!
60% من العرب يخافون من الترانسفير ( التهجير من الوطن ) . هل في هذا الخوف دعما لأيران أو لحزب الله ، وتهديدا استراتيجيا للكيان اليهودي المتمثل بدولة اسرائيل ؟؟ هل الأصرار على مواجهة الفاشية والترانسفيرية تجعلنا متطرفين خطرين ؟! هل تجنيدنا اوساط يهودية عقلانية ضد الترانسفيريين والفاشيين ، لتنظيف المجتمع اليهودي أيضا من العنصريين واقصائهم الى مكانهم الطبيعي ، حيث يحجز أعداء الأنسان ، يجعلنا متطرفين ، نشكل خطرا على بقاء اسرائيل ؟!
عن أي اسرائيل تتحدثون ، اسرائيل أفيغدور ليبرمان ، أم اسرائيل دافيد غروسمان؟!
62% من العرب متخوفون من ضم المثلث للدولة الفلسطينية ، أي ببساطة فسروها كما شئتم ، متمسكون ببقائهم مواطنين في دولة اسرائيل .. ربما لذلك اشتدت حدة الصراخ والقلق ...
هذه هي "الأخطار الأستراتيجية " الوحيدة التي استطعت الوصول اليها ، رغم الواقع غير الانساني الذي تعاني منه الجماهير العربية .
والنقطة الأخيرة في الخطر الأستراتيجي الذي أطلق لسان قائد الشاباك بتصريحه الصارخ والتحريضي هو ما ذكره الأستطلاع من انه سجل انخفاض جدي في نسبة العرب الذين ينفون حق اسرائيل في الوجود كدولة يهودية صهيونية .. وازدياد نسبة المواطنين العرب المقتنعين بامكانية التعايش بين الشعبين ، بالطبع هذا النتائج لم تحصل حتى على على عنوان فرعي وحشرت في نهاية الخبر ،لأنها لا تخدم التصريح "الشمشومي" لقائد الشاباك . النتائج التي يكشفها الأستطلاع مثيرة وتنسف كل المبنى المزيف للتحريض على العرب في اسرائيل : 74% من المواطنين العرب يؤيدون صيغة دولتان لشعبين كطريق لحل النزاع الفلسطيني – الأسرائيلي ، وانتبهوا لهذه النسبة : 75.4% من المواطنين العرب يقبلون وجود دولة اسرائيل مستقلة داخل حدود الخط الأخضر، حيث يعيش فيها العرب واليهود سوية . و67.5% يؤمنون بحق اسرائيل بالوجود داخل الخط الأخضر ، كدولة يهودية دمقراطية يعيش فيها العرب واليهود سوية . والمقارنة مع استطلاعات سابقة ( اجريت خلال ال 30 سنة الأخيرة ) تظهر اتجاه نحو التقارب وليس التطرف ، في الوسط اليهودي وفي الوسط العربي . اما نسبة العرب الذين ينفون حق اسرائيل بالوجود فانخفض من نسبة 20.5% عام 1976 الى نسبة 15% عام 2006 .
65% من اليهود يعتقدون انه على الدولة أن تتخذ خطوات عملية لسد الثغرات بين المواطنين العرب واليهود ، هل قرأ اولمرت ورجال الأمن ذلك ؟ّ!
كنت أتوقع من محرر صحيفة "معريف" أن يحسن قراءة الاستطلاع والواقع الذي يعيشه العرب في اسرائيل ، ولكنه منذ جلس على كرسي رئاسة التحرير ، اصبح صقرا ويبحث عن العناوين التي تجلب القراء ، حتى لو تبين انها مبنية على رمال سرعان ما تذروها الرياح .
وهناك استطلاع للرأي أجراه معهد يافا في الناصرة الذي يديرة الدكتور عاص أطرش ، لحساب جامعة تل ابيب ، يدعم عمليا استنتاجات استطلاع البروفسور سموحة ، يبين ان 83,3% من العرب في اسرائيل ، وبأشكال مختلفة ومستويات مختلفة ، يؤيدون حل النزاع القومي على اساس دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل المستقلة . وتبين أن 25,5% يؤيدون مبدأ دولتين لشعبين ، ويقبلون باسرائيل دولة يهودية ودمقراطية بمواصفاتها الراهنة . و38,7% يريدون أن تكون اسرائيل دولة كل مواطنيها من حيث المساواة . وبجمع الرقمين نجد أن 64,2% يقبلون بدولة اسرائيل كما تسمي نفسها ( يهودية دمقراطية) مقابل حل النزاع واقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل وتحقيق المساواة للعرب في اسرائيل .
ما لفت نظري أيضا أن سائر الصحف الاسرائيلية لم تعط أهمية للتصريح الصارخ والتحريضي على الجماهير العربية في اسرائيل . حتى مساء هذا اليوم الثلاثاء .. آمل ان لا يتغير الوضع !!
**
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني –
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني –
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق