بقلم الياس بجاني
الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية
الجنرال المقيم في الرابية هو غير الجنرال الذي عرفه السياديون، والذي لا يزال في باريس. هذه حقيقة دامغة تتحسسها ضمائر وعقول وقلوب شرفاء كثر في الوطن الأم كما في بلاد الانتشار. فمع كل يوم يمر، ومع كل حدث مفصلي يواجهه لبنان يتأكد باليقين القاطع جميع من ناضلوا طوال حقبة الاحتلال تحت لواء حركة التيار الوطني الحر إيماناً منهم بقضية وحقوق وكرامات أن القائد الذي عرفوه وأحبوه ووثقوا بأحكامه وقراراته لم يعد له وجود، وأنه بات هناك طلاق بائن بينه وبين القضية والحقوق.
هذا الإحساس الصادق الشفاف بالطبع لا يشمل أسرى ماضي مضى وانقرض ولا ربع "الكنعانيين والنقوليين" (نسبة إلى ابراهيم كنعان ونبيل نقولا)، ولا أولئك غير المفطومين بعد عن هالة ولت، وعن تاريخ أفرغ من محتواه.
إن الذين عرفوا العماد ميشال عون عن قرب فكراً وثوابت، قناعات وممارسات، صدقاً وشفافية ومواقف، يجزمون بأن شبيهه المقيم حالياً في الرابية الملتحق بحزب ولاية الفقيه والمتحالف مع كل رموز سوريا في لبنان بدءاً من القومي وانتهاء بزاهر الخطيب، هو بعيد جداً عن كل ما يمت بصلة لعون القائد والرمز الذي حمل بتفاني وفروسية قضية الحريات والسيادة والاستقلال وكان طوال فترة نفيه في فرنسا زاهداً بالمصالح والمنافع الذاتية، مترفعاً بإباء عن تعاطي السياسة بمفهومها المساوماتي والمناوراتي، ومكتفياً بالشأن الوطني الصرف، أو هكذا شبه لمؤيديه.
من هنا فإن قناعتناً تترسخ أكثر وأكثر بفرضيتنا القائلة بوجود جنرالين واحد لا يزال في باريس لم يعد إلى لبنان بعد، وبالتأكيد هو لن يعود أبداً، لأنه أمسى في عهدة التاريخ، وآخر مستنسخ سورياً وإيرانياً بقوالب إلاهية شامية وإيرانية يقيم في الرابية، وأن كل ما يربطه بالجنرال الباريسي المنتقل برحمته تعالى إلى سجلات التاريخ، هو مقتصر على المظهر الخارجي والإسم في الهوية ليس إلا.
في هذه المقالة سنسلط الضوء الكاشف والفاضح على مواقف جنرال الرابية من المحكمة ذات الطابع الدولي بكل موضوعية واستناداً إلى أقواله وبياناته المتناقضة والملتبسة، كما على محتوى تصاريح وبيانات بعض فلتات تياره من النواب والأقرباء "الوهابيي والقنديليي" الفكر واللسان.
لن نخمن ولن نفترض ولن نحاكي النوايا، بل سندع الجنرال اللاهث وراء كرسي بعبدا المخلع يُعلِمنا هو بنفسه عن حقيقة مواقفه الذي أقل ما يقال فيها أنها متذبذبة ومتبدلة وغامضة وملتبسة.
الجنرال يقول إنه سيبصم على مشروع المحكمة يوم يصل إلى مجلس النواب، وهو يعلم علم اليقين أنه وشركاءه الانقلابيين يعطلون هذا المجلس. ويدرك أيضاً أن الملتحق بهم إلاهياً ينفذون رغبات وفرمانات حكام الشام الذين قال رئيسهم الأسد مراراً وتكراراً انه لا يريد سماع أسم المحكمة، وقد أعلن قبل أيام وزير خارجيته وليد المعلم أن سوريا لا تلتزم إلا بالقوانين السورية وأنها ستغلق الحدود مع لبنان في حال تم نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية
في حين أن مندوب الإخوان "الجنرال الفالت ملقه" في قصر بعبدا هدد مؤخراً بأن الإصرار على تمرير المحكمة يعني وقوع حرب أهلية. ونفس الكلام هذا أكده الوزير السوري، المعلم.
أما أوضح موقف علني لحلفاء الجنرال، ايتام الشقيقة عندنا، فقد أدلى به البير منصور الذي قال لإذاعة لبنان الحر أنه يتوجب على اللبنانيين أن يختاروا بين لبنان والمحكمة، ونفس المواقف يعلنها حزب الله يومياً.
من هنا فإن جنرال الرابية المتحالف مع كل ما هو إيراني وسوري في لبنان هو ضد المحكمة، إلا إذا أُفرغت من محتواها، وبالتالي فإن كل ما يشيعه هو وربعه "الكنعانيين والنقوليين" في غير هذا الإتجاه، هو بالواقع ملتبس ومتلون ولا مصداقية له.
دعونا نبدأ من ورقة التفاهم الإلهية بين جنرال الرابية وحزب الله، حزب ولاية الفقيه في لبنان التي كشفت ببنودها العشرة كل عورات "جنرالهم" وبينت بكل وضوح انتقاله المشين من قاطع إلى آخر.
ففي مقابلة أجريتها بتاريخ 6 شباط 2007 مع مسؤول الإعلام السابق في التيار الوطني الحر المحلل السياسي والإعلامي المعروف المحامي الياس الزغبي، ورداً على سؤال عن خلفية عدم تسمية ورقة عون- نصرالله التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وباقي الجرائم التي تلتها بالدولي، بل بالرسمي كما جاء في مقدمة البند السابع الذي حرفيته:
"نشدد على أهمية استمرار التحقيق وفق الآليات المقررة رسميا وصولا إلى معرفة الحقيقة" فيها، التي هي أمر لا يمكن إخضاعه لأي مساومة، باعتباره الشرط الضروري لإحقاق العدالة وإنزالها بحق المجرمين، ولوقف مسلسل القتل والتفجير. لذا، من الواجب إبعاد هذه القضايا عن محاولات التوظيف السياسي التي تسيء لجوهرها، وجوهر العدالة التي يجب أن تبقى فوق أي نزاعات أو خلافات سياسية".
قال الأستاذ الزغبي: "إن عدم تسمية التحقيق بالدولي، بل بالرسمي يوضح بما لا يقبل الشك رفض الورقة لمبدأ تدويل التحقيق، وعبارة "رسمياً" هنا تعني التحقيق الذي تقوم به مراجع لبنانية قضائية رسمية، وليس دولية، مما يفسر موقف حزب الله الحالي الرافض للمحكمة ذات الطابع الدولي، وأيضاً موقف التيار الملتبس في هذا الشأن. كما أن حشر عبارة "الشرط الضروري"، في النص هو في جوهره والغايات ينسحب على مبدأ الناسخ والمنسوخ، أي ربط كل أمر بأخر يعاكسه ليصبح بالإمكان التفلت منه عندما تقتضي الحاجة. نعم، لقد تم تغييب ذكر المحكمة الدولية كلياً عن نص الورقة، وهذا أمر بحد ذاته موقف رافض لها مهما قيل بعكس ذلك من خلال تصريحات شفوية عابرة وغير ملزمة. أشير هنا إلى أن الورقة وُقِعت بعد صدور القرار 1595وبعد أن بدأ المحقق الدولي تحقيقاته في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. يبقى أنه حتى إشعار آخر واستناداً إلى نص ورقة التفاهم الذي ُغيب كلياً ذكر المحكمة الدولية وهو نص سموه تاريخياً، من حقنا القول إن موقف الطرفين الموقعين على الورقة هو موقف مدروس ويتلاقى مع الموقف السوري الرافض لمبدأ المحكمة الدولية".
في بيان صدر عن كتلة جنرال الرابية النيابية قبل يومين من ذكرى اغتيال الحريري السنوية (المركزية بتاريخ 12/2/2007 ) ورد ما يلي:
"أولا: في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري الأليمة، يؤكد التكتل إصراره على كشف الجناة ومعرفة الحقيقة، بل كل الحقائق في كل جرائم الاغتيال وآخرها جريمة اغتيال النائب والوزير بيار الجميل، ويدعو اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والحزبية إلى التحلي بالهدوء والتروي وعدم الانجرار وراء أي محاولة لاستدراجهم إلى أعمال مخلة بالأمن".
وكما في ورقة التفاهم الإلهية كذلك في البيان هذا حيث لم يرد ذكر لا كلمة دولية ولا لجنة تحقيق ولا أي شيء يمت بصلة للمحكمة. بالطبع النص مدروس بدقة وهو قمة في التحايل والديموغوجية العونية.
وفي مقابلة لجنرال الرابية مع ليبانون فايلز بتاريخ 23 شباط 2007 ، قال الجنرال الإلهي:
"يصورون المحكمة كأنها عقدة ولكنها ليست الأساس، المشكلة أنه لم يعد هناك من دولة وحكومة في لبنان، كل المسار الذي تم أتباعه من أجل إقرار المحكمة كان خاطئا، ولكن بالرغم من كل ذلك، عندما يصل مشروع قانون المحكمة إلى مجلس النواب سأكون من المبادرين إلى توقيعه".
السؤال هنا كيف سيصل مشروع قانون المحكمة إلى المجلس وحزب الله الملحق به الجنرال، نعم ملحق به ليس إلا، وبفرمانات صارمة من إيران وسوريا قد عطل دور المجلس، ورئيسه رجل سوريا الأول في لبنان، الأستاذ نبيه بري يرفض انعقاده قبل حصول حزب الله وملحقاته الانقلابية على الثلث المعطل في الحكومة؟
من هنا فإن أي ساذج يدرك أنه في حال دخول حزب الله الحكومة وهو ممسك بالثلث المعطل لن يدع مشروع المحكمة يمر عبر الحكومة إلا بعد تفريغه من محتواه وإبعاد كل البنود التي قد تطاول المجرمين في سوريا وبعبدا وباقي الدويلات القائمة في لبنان، وبالتالي لن يصل المشروع هذا إلى مجلس النواب ليوقعه الجنرال.
إذاً الجنرال ببساطة يبني موقفه المخادع على علمه الأكيد بأن سوريا وإيران لن تسمحا بانعقاد مجلس النواب إلا إذا هُمشت المحكمة وأمست شكليه بمحتواها ليس إلا، وهنا يبصم الجنرال وعملية البصم الإلهية هذه بكل ديموغوجيتها عبر عنها الجنرال في هذا التصريح كما نشر في جريدة المستقبل يوم الاثنين 19 شباط 2007 :
"أعلن رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون انه يوافق على المحكمة الدولية "وأبصم عليها في المجلس النيابي، حتى ولو قالوا لي ليس مسموح لي أن أستفسر عن بعض المواد في مشروع القانون" لكنه استدرك أن "جلسة المجلس النيابي تعقد في حال أحيل إلى المجلس مشروع القانون بطريقة قانونية". ورأى أن "هناك بعض الأطراف الداخلية لديها ارتباطات مع الخارج ولا تستطيع أن تحل مشاكلها إلا بالعودة إلى هذا الخارج"، معتبرا أن "الخروج من لبنان للتفتيش عن حل هو ارتباطات لا أؤيدها".
وفي نفس سياق اللعب على الكلام والمواقف قال النائب سليم عون، الملهم إلاهياً بامتياز والسائر على خطى أحمد نجاد، قال طبقاً للمركزية في 18 شباط 2007 :
"وفي ما يتعلق بموضوع المحكمة الدولية، أكد عون أن التيار الوطني الحر أول من طالب وأيد قيام المحكمة ذات الطابع الدولي وما زلنا وسنبقى، ولكن لماذا يحاولون تمريرها بالقوة في الداخل اللبناني، المحكمة لتساعدنا وليست لزيادة المشاكل بين اللبنانيين، ونكرر أن لديها طريقين الأول طريق داخلي بمعاهدة بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة مع التأكيد على توافر شروط أهمها التوافق الداخلي، ونحن مستعدون لها ونقول لهم: إذا اختاروا هذا الطريق لا يستطيعون رفض التوافق الداخلي لإنجاحها. وأضاف: إذا كانوا لا يريدون طريق التوافق فليأخذوها إلى الفصل السابع وعندئذ نشعر أن هذا الموضوع مفروض دولياً بطريقة يستطيعون القيام بها ونسألهم لماذا يقذفون كرة النار إلى الداخل وليأخذوها تحت الفصل السابع وليوقفوا التهديدات بشأنها وهذا يوفر تكاليفها على الدولة اللبنانية. لكننا نقول لهم إذا أردتم الطريقة الأولى فأهلاً وسهلاً ونحن موافقون".
ونفس الملهم "السليم العوني النجادي" هذا وفي اعتراف بتبعيته وتبعية جنراله لقرار حزب الله جاء في 6 شباط 2007:
"اعتبر النائب سليم عون في حديث لـ وكالة أخبار لبنان أن كلام السيد حسن نصرالله هو كلام مسؤول وكلام سياسي لديه مضمون ومستوى معين. وقال لقد صدر توضيح من حزب الله بأنهم درسوا موضوع المحكمة الدولية ووضعوا ملاحظاتهم وهم على استعداد لبحث هذا الموضوع خارج النطاق الإعلامي لأن لديهم جدية بطرح المواضيع وليس للاستغلال السياسي وحزب الله هو على استعداد لتنفيذ ما يقوله وليس فقط الكلام الإعلامي. وقال: إننا نواجه فريقا في سبيل تمسكه بالسلطة ليس لديه أي محظور وهو يعمل دون أية ضوابط ولا يتردد باستعمال أية وسيلة حتى ولو كانت مسيئة إلى لبنان فقط كي يبقى في السلطة. وأضاف: الأسلوب الذي يتبعه فريق 14 شباط أصبح مكشوفاً لدى الرأي العام، فمثلاً عند وقوع أعمال تفجيرية يحاول استغلالها لمصلحته ونحن بدورنا نطرح علامات استفهام حول وقت وتوقيت هذه الإحداث ولمصلحة من؟
وفي نفس أطار المفردات اللغوية المبهمة والملتبسة التي لا تأتي لا من قريب ولا من بعيد على تسمية المحكمة باسمها الدولي، والتي أيضاً لا تلفظ كلمة التحقيق الدولي نورد مقطعين من كلمتين ألقيتا في لقاء نظمته هيئة التيار الوطني الحر في المنصورية-الديشونية والمكلس لكل من النائب إبراهيم كنعان ومسؤول العلاقات الديبلوماسية في التيار الوطني الحر ميشال دوشدرفيان:
(وطنية 27/12/2006) "وحول موضوع المحكمة الدولية قال كنعان: "نحن مع المحكمة ونؤيدها، وان العدالة الكاملة في لبنان مطلوبة، لأننا لن نقبل أن يذهب دم الشهداء هدرا، ولن نرضى أن يستغله الأجانب, ولا الأشقاء ولا الأعداء, وعلينا محاسبة المجرمين. لكن استغلال هذا الملف غير مسموح, ويجب عدم الربط بين المحكمة الدولية والملفات الداخلية. فحكومة الوفاق الوطني شيء, والمحكمة الدولية شيء آخر يجب أن تأتي وتحاسب وتأخذ طريقها للتنفيذ، وهذا موضوع مبدئي ومقدس ونحن معه وعندما يصل إلى مجلس النواب سنوقع عليه"
(وطنية 27/12/2006) قال ميشال دوشدرفيان: "أن التيار مع المحكمة الدولية ومع معرفة الحقيقة في كل الجرائم التي وقعت على الأراضي اللبنانية". وسأل في حديث إلى محطة ال "ان بي ان"، "كيف نبرهن للأكثرية الوهمية أن التيار مع المحكمة، ومشروعها لم يصل بعد إلى المجلس النيابي ليتم التصويت عليه"، مذكرا أن العماد ميشال عون أول من طالب بها. وأشار دوشدرفيان إلى أن ما تطالب به المعارضة هو توضيح مهمة وصلاحيات هذه المحكمة، سائلا هل يريدون اتفاق قاهرة ثان وما نتج عنه من حرب أهلية دامت ثلاثين عاما؟".
أما موقف الجنرال الحاقد على الرئيس بوش والرئيس شيراك اللذين رفضا تأييده لرئاسة الجمهورية، فهو يموهه بالثلث المعطل والمحكمة. في السياق وطبقاً للوكالة الوطنية قال الجنرال في 28/12/2006 من ضمن نص مقابلة أجرته معه "لاريفي دي ليبان" و"البيرق" و"المونداي مورننغ":
"إن السيد بوش هو الذي يشهر الحرب على المعارضة الوطنية اللبنانية والسيد شيراك يحذو حذوه وقريبا سيأتي دور جميع البلدان العربية. إن السلطة، من وجهتها، تخيفنا من هزة أرضية أو حرب أهلية. والحال أن أي شيء من هنا غير حاصل. أنا شخصيا ارفض الوساطات الغريبة وقد قلت ذلك في الآونة الأخيرة. سئل: يبدو أن قضية المحكمة مستعصية أكثر على الحل وكل ما يجري مرتبط بهذه القضية؟ أجاب: "إنها خدعة كبيرة الغرض منها تعقيد الوضع، أنا جزء من المعارضة ولا أرى أن المشكلة تكمن في المحكمة التي أؤيد. إن "حزب الله" والآخرين لا يستطيعون وحدهم تشكيل الثلث المعطل. في نهاية الأمر ليس لدى الحكومة ما تقوم به سوى المزايدة والمراوغة".
أما قمة التناقض وقمة اللعب على الكلام وإسماع الناس ما يريدون سماعه ولو كان مناقضاً للواقع فقد جاء في كلام للجنرال في مقابلة مع صحيفة الراية القطرية بتاريخ 7/3/2007 :
"أنا مع المحكمة ولست ضدها". "المحكمة يجب ألا تمر دون مناقشة". "فليقروها تحت الفصل السابع ونرتاح".
الواقع المعاش ممارسة وعلى الأرض يقول إن جنرال الرابية الملتحق بالقوى السورية - الإيرانية الإنقلابية هو ضد المحكمة ذات الطابع الدولي، ودون تحفظ، حاله حال كل حلفائه، وموقفه الإستتباعي هذا سيبقى في خانة الرفض، وذلك حتى يقال من قبله كلام مغاير ومقرون بالأفعال.
كندا في 10 أذار 2007
عنوان الكاتب الألكتروني
Phoenicia@hotmail.com
الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية
الجنرال المقيم في الرابية هو غير الجنرال الذي عرفه السياديون، والذي لا يزال في باريس. هذه حقيقة دامغة تتحسسها ضمائر وعقول وقلوب شرفاء كثر في الوطن الأم كما في بلاد الانتشار. فمع كل يوم يمر، ومع كل حدث مفصلي يواجهه لبنان يتأكد باليقين القاطع جميع من ناضلوا طوال حقبة الاحتلال تحت لواء حركة التيار الوطني الحر إيماناً منهم بقضية وحقوق وكرامات أن القائد الذي عرفوه وأحبوه ووثقوا بأحكامه وقراراته لم يعد له وجود، وأنه بات هناك طلاق بائن بينه وبين القضية والحقوق.
هذا الإحساس الصادق الشفاف بالطبع لا يشمل أسرى ماضي مضى وانقرض ولا ربع "الكنعانيين والنقوليين" (نسبة إلى ابراهيم كنعان ونبيل نقولا)، ولا أولئك غير المفطومين بعد عن هالة ولت، وعن تاريخ أفرغ من محتواه.
إن الذين عرفوا العماد ميشال عون عن قرب فكراً وثوابت، قناعات وممارسات، صدقاً وشفافية ومواقف، يجزمون بأن شبيهه المقيم حالياً في الرابية الملتحق بحزب ولاية الفقيه والمتحالف مع كل رموز سوريا في لبنان بدءاً من القومي وانتهاء بزاهر الخطيب، هو بعيد جداً عن كل ما يمت بصلة لعون القائد والرمز الذي حمل بتفاني وفروسية قضية الحريات والسيادة والاستقلال وكان طوال فترة نفيه في فرنسا زاهداً بالمصالح والمنافع الذاتية، مترفعاً بإباء عن تعاطي السياسة بمفهومها المساوماتي والمناوراتي، ومكتفياً بالشأن الوطني الصرف، أو هكذا شبه لمؤيديه.
من هنا فإن قناعتناً تترسخ أكثر وأكثر بفرضيتنا القائلة بوجود جنرالين واحد لا يزال في باريس لم يعد إلى لبنان بعد، وبالتأكيد هو لن يعود أبداً، لأنه أمسى في عهدة التاريخ، وآخر مستنسخ سورياً وإيرانياً بقوالب إلاهية شامية وإيرانية يقيم في الرابية، وأن كل ما يربطه بالجنرال الباريسي المنتقل برحمته تعالى إلى سجلات التاريخ، هو مقتصر على المظهر الخارجي والإسم في الهوية ليس إلا.
في هذه المقالة سنسلط الضوء الكاشف والفاضح على مواقف جنرال الرابية من المحكمة ذات الطابع الدولي بكل موضوعية واستناداً إلى أقواله وبياناته المتناقضة والملتبسة، كما على محتوى تصاريح وبيانات بعض فلتات تياره من النواب والأقرباء "الوهابيي والقنديليي" الفكر واللسان.
لن نخمن ولن نفترض ولن نحاكي النوايا، بل سندع الجنرال اللاهث وراء كرسي بعبدا المخلع يُعلِمنا هو بنفسه عن حقيقة مواقفه الذي أقل ما يقال فيها أنها متذبذبة ومتبدلة وغامضة وملتبسة.
الجنرال يقول إنه سيبصم على مشروع المحكمة يوم يصل إلى مجلس النواب، وهو يعلم علم اليقين أنه وشركاءه الانقلابيين يعطلون هذا المجلس. ويدرك أيضاً أن الملتحق بهم إلاهياً ينفذون رغبات وفرمانات حكام الشام الذين قال رئيسهم الأسد مراراً وتكراراً انه لا يريد سماع أسم المحكمة، وقد أعلن قبل أيام وزير خارجيته وليد المعلم أن سوريا لا تلتزم إلا بالقوانين السورية وأنها ستغلق الحدود مع لبنان في حال تم نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية
في حين أن مندوب الإخوان "الجنرال الفالت ملقه" في قصر بعبدا هدد مؤخراً بأن الإصرار على تمرير المحكمة يعني وقوع حرب أهلية. ونفس الكلام هذا أكده الوزير السوري، المعلم.
أما أوضح موقف علني لحلفاء الجنرال، ايتام الشقيقة عندنا، فقد أدلى به البير منصور الذي قال لإذاعة لبنان الحر أنه يتوجب على اللبنانيين أن يختاروا بين لبنان والمحكمة، ونفس المواقف يعلنها حزب الله يومياً.
من هنا فإن جنرال الرابية المتحالف مع كل ما هو إيراني وسوري في لبنان هو ضد المحكمة، إلا إذا أُفرغت من محتواها، وبالتالي فإن كل ما يشيعه هو وربعه "الكنعانيين والنقوليين" في غير هذا الإتجاه، هو بالواقع ملتبس ومتلون ولا مصداقية له.
دعونا نبدأ من ورقة التفاهم الإلهية بين جنرال الرابية وحزب الله، حزب ولاية الفقيه في لبنان التي كشفت ببنودها العشرة كل عورات "جنرالهم" وبينت بكل وضوح انتقاله المشين من قاطع إلى آخر.
ففي مقابلة أجريتها بتاريخ 6 شباط 2007 مع مسؤول الإعلام السابق في التيار الوطني الحر المحلل السياسي والإعلامي المعروف المحامي الياس الزغبي، ورداً على سؤال عن خلفية عدم تسمية ورقة عون- نصرالله التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وباقي الجرائم التي تلتها بالدولي، بل بالرسمي كما جاء في مقدمة البند السابع الذي حرفيته:
"نشدد على أهمية استمرار التحقيق وفق الآليات المقررة رسميا وصولا إلى معرفة الحقيقة" فيها، التي هي أمر لا يمكن إخضاعه لأي مساومة، باعتباره الشرط الضروري لإحقاق العدالة وإنزالها بحق المجرمين، ولوقف مسلسل القتل والتفجير. لذا، من الواجب إبعاد هذه القضايا عن محاولات التوظيف السياسي التي تسيء لجوهرها، وجوهر العدالة التي يجب أن تبقى فوق أي نزاعات أو خلافات سياسية".
قال الأستاذ الزغبي: "إن عدم تسمية التحقيق بالدولي، بل بالرسمي يوضح بما لا يقبل الشك رفض الورقة لمبدأ تدويل التحقيق، وعبارة "رسمياً" هنا تعني التحقيق الذي تقوم به مراجع لبنانية قضائية رسمية، وليس دولية، مما يفسر موقف حزب الله الحالي الرافض للمحكمة ذات الطابع الدولي، وأيضاً موقف التيار الملتبس في هذا الشأن. كما أن حشر عبارة "الشرط الضروري"، في النص هو في جوهره والغايات ينسحب على مبدأ الناسخ والمنسوخ، أي ربط كل أمر بأخر يعاكسه ليصبح بالإمكان التفلت منه عندما تقتضي الحاجة. نعم، لقد تم تغييب ذكر المحكمة الدولية كلياً عن نص الورقة، وهذا أمر بحد ذاته موقف رافض لها مهما قيل بعكس ذلك من خلال تصريحات شفوية عابرة وغير ملزمة. أشير هنا إلى أن الورقة وُقِعت بعد صدور القرار 1595وبعد أن بدأ المحقق الدولي تحقيقاته في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. يبقى أنه حتى إشعار آخر واستناداً إلى نص ورقة التفاهم الذي ُغيب كلياً ذكر المحكمة الدولية وهو نص سموه تاريخياً، من حقنا القول إن موقف الطرفين الموقعين على الورقة هو موقف مدروس ويتلاقى مع الموقف السوري الرافض لمبدأ المحكمة الدولية".
في بيان صدر عن كتلة جنرال الرابية النيابية قبل يومين من ذكرى اغتيال الحريري السنوية (المركزية بتاريخ 12/2/2007 ) ورد ما يلي:
"أولا: في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري الأليمة، يؤكد التكتل إصراره على كشف الجناة ومعرفة الحقيقة، بل كل الحقائق في كل جرائم الاغتيال وآخرها جريمة اغتيال النائب والوزير بيار الجميل، ويدعو اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والحزبية إلى التحلي بالهدوء والتروي وعدم الانجرار وراء أي محاولة لاستدراجهم إلى أعمال مخلة بالأمن".
وكما في ورقة التفاهم الإلهية كذلك في البيان هذا حيث لم يرد ذكر لا كلمة دولية ولا لجنة تحقيق ولا أي شيء يمت بصلة للمحكمة. بالطبع النص مدروس بدقة وهو قمة في التحايل والديموغوجية العونية.
وفي مقابلة لجنرال الرابية مع ليبانون فايلز بتاريخ 23 شباط 2007 ، قال الجنرال الإلهي:
"يصورون المحكمة كأنها عقدة ولكنها ليست الأساس، المشكلة أنه لم يعد هناك من دولة وحكومة في لبنان، كل المسار الذي تم أتباعه من أجل إقرار المحكمة كان خاطئا، ولكن بالرغم من كل ذلك، عندما يصل مشروع قانون المحكمة إلى مجلس النواب سأكون من المبادرين إلى توقيعه".
السؤال هنا كيف سيصل مشروع قانون المحكمة إلى المجلس وحزب الله الملحق به الجنرال، نعم ملحق به ليس إلا، وبفرمانات صارمة من إيران وسوريا قد عطل دور المجلس، ورئيسه رجل سوريا الأول في لبنان، الأستاذ نبيه بري يرفض انعقاده قبل حصول حزب الله وملحقاته الانقلابية على الثلث المعطل في الحكومة؟
من هنا فإن أي ساذج يدرك أنه في حال دخول حزب الله الحكومة وهو ممسك بالثلث المعطل لن يدع مشروع المحكمة يمر عبر الحكومة إلا بعد تفريغه من محتواه وإبعاد كل البنود التي قد تطاول المجرمين في سوريا وبعبدا وباقي الدويلات القائمة في لبنان، وبالتالي لن يصل المشروع هذا إلى مجلس النواب ليوقعه الجنرال.
إذاً الجنرال ببساطة يبني موقفه المخادع على علمه الأكيد بأن سوريا وإيران لن تسمحا بانعقاد مجلس النواب إلا إذا هُمشت المحكمة وأمست شكليه بمحتواها ليس إلا، وهنا يبصم الجنرال وعملية البصم الإلهية هذه بكل ديموغوجيتها عبر عنها الجنرال في هذا التصريح كما نشر في جريدة المستقبل يوم الاثنين 19 شباط 2007 :
"أعلن رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون انه يوافق على المحكمة الدولية "وأبصم عليها في المجلس النيابي، حتى ولو قالوا لي ليس مسموح لي أن أستفسر عن بعض المواد في مشروع القانون" لكنه استدرك أن "جلسة المجلس النيابي تعقد في حال أحيل إلى المجلس مشروع القانون بطريقة قانونية". ورأى أن "هناك بعض الأطراف الداخلية لديها ارتباطات مع الخارج ولا تستطيع أن تحل مشاكلها إلا بالعودة إلى هذا الخارج"، معتبرا أن "الخروج من لبنان للتفتيش عن حل هو ارتباطات لا أؤيدها".
وفي نفس سياق اللعب على الكلام والمواقف قال النائب سليم عون، الملهم إلاهياً بامتياز والسائر على خطى أحمد نجاد، قال طبقاً للمركزية في 18 شباط 2007 :
"وفي ما يتعلق بموضوع المحكمة الدولية، أكد عون أن التيار الوطني الحر أول من طالب وأيد قيام المحكمة ذات الطابع الدولي وما زلنا وسنبقى، ولكن لماذا يحاولون تمريرها بالقوة في الداخل اللبناني، المحكمة لتساعدنا وليست لزيادة المشاكل بين اللبنانيين، ونكرر أن لديها طريقين الأول طريق داخلي بمعاهدة بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة مع التأكيد على توافر شروط أهمها التوافق الداخلي، ونحن مستعدون لها ونقول لهم: إذا اختاروا هذا الطريق لا يستطيعون رفض التوافق الداخلي لإنجاحها. وأضاف: إذا كانوا لا يريدون طريق التوافق فليأخذوها إلى الفصل السابع وعندئذ نشعر أن هذا الموضوع مفروض دولياً بطريقة يستطيعون القيام بها ونسألهم لماذا يقذفون كرة النار إلى الداخل وليأخذوها تحت الفصل السابع وليوقفوا التهديدات بشأنها وهذا يوفر تكاليفها على الدولة اللبنانية. لكننا نقول لهم إذا أردتم الطريقة الأولى فأهلاً وسهلاً ونحن موافقون".
ونفس الملهم "السليم العوني النجادي" هذا وفي اعتراف بتبعيته وتبعية جنراله لقرار حزب الله جاء في 6 شباط 2007:
"اعتبر النائب سليم عون في حديث لـ وكالة أخبار لبنان أن كلام السيد حسن نصرالله هو كلام مسؤول وكلام سياسي لديه مضمون ومستوى معين. وقال لقد صدر توضيح من حزب الله بأنهم درسوا موضوع المحكمة الدولية ووضعوا ملاحظاتهم وهم على استعداد لبحث هذا الموضوع خارج النطاق الإعلامي لأن لديهم جدية بطرح المواضيع وليس للاستغلال السياسي وحزب الله هو على استعداد لتنفيذ ما يقوله وليس فقط الكلام الإعلامي. وقال: إننا نواجه فريقا في سبيل تمسكه بالسلطة ليس لديه أي محظور وهو يعمل دون أية ضوابط ولا يتردد باستعمال أية وسيلة حتى ولو كانت مسيئة إلى لبنان فقط كي يبقى في السلطة. وأضاف: الأسلوب الذي يتبعه فريق 14 شباط أصبح مكشوفاً لدى الرأي العام، فمثلاً عند وقوع أعمال تفجيرية يحاول استغلالها لمصلحته ونحن بدورنا نطرح علامات استفهام حول وقت وتوقيت هذه الإحداث ولمصلحة من؟
وفي نفس أطار المفردات اللغوية المبهمة والملتبسة التي لا تأتي لا من قريب ولا من بعيد على تسمية المحكمة باسمها الدولي، والتي أيضاً لا تلفظ كلمة التحقيق الدولي نورد مقطعين من كلمتين ألقيتا في لقاء نظمته هيئة التيار الوطني الحر في المنصورية-الديشونية والمكلس لكل من النائب إبراهيم كنعان ومسؤول العلاقات الديبلوماسية في التيار الوطني الحر ميشال دوشدرفيان:
(وطنية 27/12/2006) "وحول موضوع المحكمة الدولية قال كنعان: "نحن مع المحكمة ونؤيدها، وان العدالة الكاملة في لبنان مطلوبة، لأننا لن نقبل أن يذهب دم الشهداء هدرا، ولن نرضى أن يستغله الأجانب, ولا الأشقاء ولا الأعداء, وعلينا محاسبة المجرمين. لكن استغلال هذا الملف غير مسموح, ويجب عدم الربط بين المحكمة الدولية والملفات الداخلية. فحكومة الوفاق الوطني شيء, والمحكمة الدولية شيء آخر يجب أن تأتي وتحاسب وتأخذ طريقها للتنفيذ، وهذا موضوع مبدئي ومقدس ونحن معه وعندما يصل إلى مجلس النواب سنوقع عليه"
(وطنية 27/12/2006) قال ميشال دوشدرفيان: "أن التيار مع المحكمة الدولية ومع معرفة الحقيقة في كل الجرائم التي وقعت على الأراضي اللبنانية". وسأل في حديث إلى محطة ال "ان بي ان"، "كيف نبرهن للأكثرية الوهمية أن التيار مع المحكمة، ومشروعها لم يصل بعد إلى المجلس النيابي ليتم التصويت عليه"، مذكرا أن العماد ميشال عون أول من طالب بها. وأشار دوشدرفيان إلى أن ما تطالب به المعارضة هو توضيح مهمة وصلاحيات هذه المحكمة، سائلا هل يريدون اتفاق قاهرة ثان وما نتج عنه من حرب أهلية دامت ثلاثين عاما؟".
أما موقف الجنرال الحاقد على الرئيس بوش والرئيس شيراك اللذين رفضا تأييده لرئاسة الجمهورية، فهو يموهه بالثلث المعطل والمحكمة. في السياق وطبقاً للوكالة الوطنية قال الجنرال في 28/12/2006 من ضمن نص مقابلة أجرته معه "لاريفي دي ليبان" و"البيرق" و"المونداي مورننغ":
"إن السيد بوش هو الذي يشهر الحرب على المعارضة الوطنية اللبنانية والسيد شيراك يحذو حذوه وقريبا سيأتي دور جميع البلدان العربية. إن السلطة، من وجهتها، تخيفنا من هزة أرضية أو حرب أهلية. والحال أن أي شيء من هنا غير حاصل. أنا شخصيا ارفض الوساطات الغريبة وقد قلت ذلك في الآونة الأخيرة. سئل: يبدو أن قضية المحكمة مستعصية أكثر على الحل وكل ما يجري مرتبط بهذه القضية؟ أجاب: "إنها خدعة كبيرة الغرض منها تعقيد الوضع، أنا جزء من المعارضة ولا أرى أن المشكلة تكمن في المحكمة التي أؤيد. إن "حزب الله" والآخرين لا يستطيعون وحدهم تشكيل الثلث المعطل. في نهاية الأمر ليس لدى الحكومة ما تقوم به سوى المزايدة والمراوغة".
أما قمة التناقض وقمة اللعب على الكلام وإسماع الناس ما يريدون سماعه ولو كان مناقضاً للواقع فقد جاء في كلام للجنرال في مقابلة مع صحيفة الراية القطرية بتاريخ 7/3/2007 :
"أنا مع المحكمة ولست ضدها". "المحكمة يجب ألا تمر دون مناقشة". "فليقروها تحت الفصل السابع ونرتاح".
الواقع المعاش ممارسة وعلى الأرض يقول إن جنرال الرابية الملتحق بالقوى السورية - الإيرانية الإنقلابية هو ضد المحكمة ذات الطابع الدولي، ودون تحفظ، حاله حال كل حلفائه، وموقفه الإستتباعي هذا سيبقى في خانة الرفض، وذلك حتى يقال من قبله كلام مغاير ومقرون بالأفعال.
كندا في 10 أذار 2007
عنوان الكاتب الألكتروني
Phoenicia@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق