بقلم : نبيل عودة
كتب المحرر الاقتصادي لصحيفة " يديعوت أحرونوت " ، سيبر بلوتسكر ، مقالا حادا وقاسيا، يكشف فيه عمق أزمة حكومة أولمرت – بيرتس وبكونها أضحت حكومة منعزلة انعزالا كاملا وشاملا عن المواطنين في اسرائيل ، ويدعو بلوتسكر الحكومة ووزرائها لتسليم المفاتيح والذهاب الى البيت ، فورا .. حتى لا ينعكس بقاء هذه الحكومة ، الفاشلة سياسيا ، والتي تلاحق رئيسها ووزرائه اتهامات بعدم الأمانة والفساد السياسي والشخصي والقصور في القيام بمهامهم الوزارية في الحرب اللبنانية الأخيرة ، سلبا على الأقتصاد الأسرائيلي الذي يشهد نهوضا اقتصاديا ممتازا .
يقول بلوتسكر : " تحكم اسرائيل حكومة يرضى عنها 5% فقط من المواطنين ." ويواصل : " 3% فقط من المواطنين يعتقدون أن رئيس الحكومة أولمرت مناسب لمنصب رئاسة الحكومة ، و98% لا يثقون به ، مقابل 2% فقط يعتقدون انه محل ثقة ، ويعتقد 76% من المواطنين انه فشل في منصبه كرئيس للحكومة ".
وضع وزير الدفاع عمير بيرتس ليس أفضل ، حصل على نسبة قريبة من الصفر في رضاء المواطنين عن قيامه بمهامه ، وهي نسبة أقل حتى من حاشية الخطأ الأحصائي لأستطلاعات الرأي . والذين يعتقدون أن بيرتس مناسب لرئاسة الحكومة ، لم يتجاوزوا 1% . أما مكانة وزير المالية هيرشزون فهي لا شيء .. لا وجود له في الأستطلاع لأن الجمهور غيبه !!
لا نذكر وضعا مشابها لحكومات اسرائيل عبر العقود الستة الماضية . بلوتسكر يقارن وضع رئيس الحكومة الحالي ايهود أولمرت مع وضع رئيس الحكومة السابق اريئيل شارون ، الذي حصل على ثقة واسعة من الجمهور بلغت 75% وكان 65% يعتقدون أنه رئيس حكومة مناسب .
الأستنتاج المهم والرئيسي الذي يصل اليه بلوتسكر هو انه توجد في اسرائيل دولتان ، دولة الحكومة المشلولة ، ودولة المواطنين التي تحقق انجازات متواصلة في الاقتصاد ، وتوسعا وامتدادا كبيرين . ويشير الى ان الحكومة الفاشلة لم تنجح بعد في تخريب الأنطلاقة الأقتصادية .. المؤسسات تربح ، مستوى الحياة يرتفع بقفزات ،التصدير ثابت ، العملة مستقرة ، التضخم المالي اختفى ، صندوق المالية وبنك اسرائيل لديهما فائض كبير في الأموال ،النمو يتجدد بكل الطاقة وفي الشهرين الأولين من عام 2007 كان للحكومة فائض في الميزانية بلغ 5.5 مليارد شيكل ، ورصيد العملات الأجنبية تجاوز مستوى ال 30 مليارد دولار ، البطالة انخفضت ، الخصخصة تنطلق للأمام ، المستثمرين الأجانب يتدفقون ، والبورصة لا تتخلف عن الركب ، ولكن حتى متى ؟! وهل من الطبيعي ان يتواصل هذا الوضع مع حكومة مأزومة وفاشلة ؟!
هذا هو في الواقع المضمون الذي يطرحة بلوتسكر ، بشيء من الحيرة أيضا في تفسير هذه النهضة الأقتصادية في ظروف سلطة فاشلة ولا يثق بها الجمهور . ويطرح ما يعتبرة نقطة الضعف في هذه الطفرة التي يشهدها الأقتصاد الأسرائيلي ، ويسميها على لسان مستثمر يهودي " بالتناقض الكبير " بين وضع يواصل فيه المواطنين الأسرائيليين النقد لغياب قيادة قومية ، ووجود سلطة فاشلة وفاسدة، وبين ما يسميه "أعياد الأستثمارات والمشتريات " التي يشهدها المجتمع الأسرائيلي .. وتساءل المستثمر اليهودى ، اذا كانت دولتكم بهذا الوضع المربك وغير الواضح ، كيف يمكن ان يكون اقتصادكم بمثل هذه الانطلاقة ؟! هل يمكن لمجتمع طبيعي ان يكون غارقا بعمق بالتشاؤم السياسي وفي نفس الوقت التحليق للسماء السابعة بالتفاؤل الأقتصادي ؟
بلوتسكر يستنتج أن استمرار هذه الحالة مستحيلة ، وأن المستثمرون سيتأثرون من الأنطباع الذي بدأ يسود العالم عن الواقع الأسرائيلي . وان استطلاعا دوليا نشر في الأسبوع الأخير برزت فيه اسرائيل بأعين سكان العالم " كأكثر دولة مضرة ، بلاد منفرة ومقرفة ، أسوأ من ايران وشمال كوريا ".
ويقول بلوتسكر : يخطئ كل من يظن أن تدريج اسرائيل السلبي – المتطرف في الرأي العام الدولي ، لن يؤثر على تدفق المستثمرين من الخارج . وأن واقع دولة بلا شعبية في نظر العالم وحكومة بلا شعبية في نظر سكانها ، لا يدفع أحدا للمجيء والأستثمار في اسرائيل .
ويقول ان المعادلة بين حكومة في الحضيض ، واقتصاد في مد كبير لن تستمر الى وقت طويل . . وستنفجر في وجوهنا بشكل من شكلين : اما أن يبدأ الأقتصاد بالتقوقع والخراب ، أو أن تتغير الحكومة . وأن الشكل الثاني أنسب وأفضل . وأن عدم الثقة بالحكومة سيصل لأزمة عدم ثقة بالأقتصاد .
السؤال لم يعد كم تجند الحكومة من أصوات الى جانبها في الكنيست ، المستهجن انها حكومة تعتمد على قاعدة برلمانية واسعة جدا ، ومع ذلك في اسرائيل كل يوم يمر هو حقبة سياسية يحدث فيها ما لا يحدث في دولة عادية خلال عقد من السنين . اسرائيل مجتمع دمقراطي ليبرالي ،هذه حقيقة ، للجمهور حرية نقد واسعة للغاية ، والصحافة لا تتردد في "تشليح" أي مسؤول مهما كان مركزه كبيرا ، ونقده وتحويله الى مسخرة اعلامية في برامج سخرية تدخل الى امعاء المسؤولين وتمزقها . لا توجد في المجتمع الأسرائيلي بقرات مقدسة لا يجوز المساس بها . الذي يقع لا يرحمه أحد مهما كان منصبه كبيرا ، ولا ضرورة لتقديم نماذج ، لأنها نشرت في كل وسائل الاعلام الدولية . حقيقة قد تتناقض الرؤية بين الجمهور من مختلف القضايا ، ولكن لم يحدث مثل هذا الأجماع الشعبي شبه الكامل من فساد وفشل حكومة أولمرت ووزرائها .
أجهزة السلطة في دولة اسرائيل تستطيع أن تدير الدولة ، وتديرها بالفعل ، بوجود حكومة أو بغيابها ، بقصور الحكومة ، او بفاعليتها . وهذا في صميم القوة التي يتمتع بها المجتمع الأسرائيلي مهما واجه من أزمات . ولكني شعرت أن ما عبر عنه المحرر الاقتصادي لصحيفة "يديعوت أحرونوت " بلوتسكر ، مليء هذه المرة بخوف حقيقي من انعكاس سلبي ليس من السهل اصلاحه بمدى قريب ، اذا لم يجر تدارك الأمر بذهاب هذه الحكومة الى البيت فورا .ويبدو أن المهم ، ليس من يجلس على كرسي رئاسة الحكومة ، وما هي افكارة السياسية والاجتماعية ، انما مدى ما يبثه من ثقة لدى الرأي العام المحلي والخارجي الدولي من طهارة اليد وعدم الوقوع في الفساد ، وتغيير الصورة السلبية عن اسرائيل في العالم ، وعدم الاعتماد فقط على مدى تغزل المرشحين الأمريكيين للرئاسة بدولة اسرائيل ، بل اضافة شيء من القطران لتنظيف الجرب السياسي والعدواني الذي ميز سياسات اسرائيل في العقود الستة الماضية . لأن الحب الأمريكي ليس تصريحا الهيا للثقة الدولية وتدفق الاستثمارات .
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني
الناصرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق