المستقبل - فادي ريحان
"التحقيقات التي قامت بها لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حققت تقدماً مهماً في العديد من المجالات، والخطوة المنطقية التالية بعد التحقيق هي تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي". كلام رئيس اللجنة القاضي البلجيكي سيرج براميرتس خلال مناقشته اول من امس تقرير اللجنة السابع امام مجلس الأمن، يفتح الباب امام اجراء قراءة سريعة لنقاط عدة تضمنها هذا التقرير، لجهة التركيز على الدوافع السياسية لاغتيال الرئيس الحريري ودورها الاساسي في تحديد المشتبه بهم في ارتكاب الجريمة والمشاركين والمخططين والمحرضين عليها من خارج اطار المنفذين المباشرين. وحول ضبط الاتصالات الهاتفية التي اجريت قبل تنفيذ الجريمة وبعدها.
في السنتين الماضيتين اشيع ان المحقق الدولي السابق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد الحريري القاضي الالماني ديتليف ميليس يقوم بتسييس التحقيق، ويتخذ من الاسباب السياسية سبيلا للكشف عن دوافع اغتياله وصولا الى اكتشاف قتلته. وبالطبع فإن هذه المقولات كانت وما زالت تصدر عن الفريق الذي يريد تعديل مشروع المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الشهيد الحريري ورفاقه وكل الذين اغتيلوا من بعده. وكانت ملاحظات رئيس الجمهورية الممددة ولايته على مشروع المحكمة واحدة من بوادر الرغبة بإرساء مشروع محكمة تحاكم قلة قليلة من المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة، ومن خلفه الفريق الذي اعتكف وزراؤه حين ارادت الاكثرية في الحكومة ضم جريمة اغتيال النائب جبران تويني والجرائم الاخرى الى مهام لجنة التحقيق الدولية، من ثم استقالوا عند الشروع بالموافقة على تشكيل المحكمة الدولية، وما زالوا مستقيلين حتى اليوم.
الكلام على "التسييس" الذي كان ينطق به منظّرو هذا الفريق لم يكن عبثياً او من دون طائل يرتجى منه. فقد كان يهدف الى الطعن بحياد المحقق الذي عينه الامين العام للامم المتحدة وفريق عمله، والى زعزعة ثقة المواطنين، الى اي فريق انتموا، بأهداف لجنة التحقيق الدولية. فكان الاتهام بالتسييس سبيلاً لإشاعة دور للجنة التحقيق يختلف عن دورها الحقيقي. وهو ان اللجنة الدولية لا تهدف الى كشف قتلة الرئيس الحريري، بل الى زعزعة الاستقرار في المنطقة عبر اتهام النظام السوري بإرتكاب جريمة الاغتيال وكل الجرائم اللاحقة عليها والسابقة لها. وهي بتحقيقاتها المنصبّة على جهة واحدة اي النظام السوري وحلفائه في لبنان تعمل على مساندة السياسية الاميركية الطامحة الى استعمار المنطقة وسرقة ثرواتها ومساندة حليفتها اسرائيل. هذا هو الهدف من اتهام لجنة التحقيق الاولى بتسييس التحقيقات. وكان المحقق ميليس محل تهجمات اعلامية لا حصر لها يمكن لاي باحث في ارشيف الصحافة في السنتين الماضيتين ان يكتشف كنهها ومصادرها واهدافها، وقد طالته هذه الاتهامات حتى بعد استنكافه عن التحقيق وعودته الى بلاده واحلال القاضي البلجيكي سيرج براميرتس محله.
ثم ان رافضي تسييس التحقيقات كانوا يلعبون على وتر الصورة المتخيلة لدى الناس حول التحقيقات كما يعرفونها من خلال القصص البوليسية او الافلام الاميركية التي تتناول الجرائم والتحقيق فيها. كانوا يحاولون اقناع اللبنانيين ان التحقيقات الجنائية تتناول البصمات والفحوص المخبرية والفاعل المباشر اي الذي فجر نفسه ليقتل الشخص المطلوب قتله. هذه هي التحقيقات بنظرهم، اما عن الدوافع التي ادت الى ارتكاب الجريمة والمحرضين على ارتكابها وداعمي مرتكبها والذين امنوا له كل احتياجاته اللوجستية لارتكاب جريمته، فهذا كله يدخل في اطار "التسييس" لانه سيطال اشخاصاً اخرين غير الشخص المرتكب نفسه، اي الذي نفذ الجريمة مباشرة. ذلك الذي انهى المخطط بتفجير نفسه بعد الانتهاء من جميع الخطوات السابقة على عملية التفجير هذه، وفي هذا السياق يفرّق فؤاد شبقلو بين تسييس التحقيق وبين الدوافع السياسية لارتكاب الجريمة. فالتسييس يعني اصطناع خلاف سياسي او شبهة سياسية لأخذ التحقيق نحو اهداف اخرى. اما الدوافع السياسية فهي التي تتعلق بالاسباب السياسية التي دفعت الفاعل الى ارتكاب جريمته، والفرق بين العبارتين كبير.
ثم حلّ القاضي البلجيكي سيرج براميرتس مكان سلفه الالماني ميليس، فإشتغل في تحقيقاته على الادلة الاجرائية والجنائية بمعناها الآنف الذكر. فعمل على الكشف عن هوية الانتحاري الذي فجر شاحنة "الميتسوبيشي". وحاول اكتشاف مصدر تلك الشاحنة ومصدر المتفجرات، ونوعية التفجير اذا ما كان من فوق الارض او من تحتها، واذا ما وقع تفجيران او تفجير واحد. وعمل على التحقيق حول شخصية احمد ابو عدس الذي تبنى عملية اغتيال الرئيس الحريري من دون ان يعلن قيامه بها بنفسه. عندها لقي المحقق الجديد قبولا ورضى عليه من قبل المعترضين على التسييس، وراحت السلطات السورية تغدق عليه المدائح وتؤمن له "المساعدة" التي يطلبها والتي وصفها في تقاريره الثلاثة، التي رفعها الى الامين العام للامم المتحدة، بالمرضية. المهم في الامر انه لم يلجأ الى السياسة لتحليل جريمة اغتيال الرئيس الشهيد. الا انه لم يبق على اصراره بأن السياسة لا علاقة لها بالجريمة. فهو رغم اصراره على التحقيق في المواضيع الميدانية كان يعمل على خط مواز على الامور السياسية تلك التي ابرزها في تقريره الاخير الذي رفعه اواسط هذا الشهر الى الامين العام للامم المتحدة.
في هذه النقطة يقول شبقلو ان "الدوافع بشكلها العام هي اهم ما يبحث عنه المحقق في جريمة ما. والبحث عن الدوافع في اي جريمة يهدف الى تضييق دوائر الاتهام وتضييق حقل الشبهة حول الفاعل. حين تعرف الدوافع يوجه الاتهام الى بعض الناس ولا يبقى الجميع متهمين.
الدافع السياسي للاغتيال
في القسم المعنون بـ"الدافع لاغتيال الحريري"، حسم القاضي براميرتس امره حول اهمية الجانب السياسي في كونه دافعا لارتكاب الجريمة. لذا قام بجمع المعلومات المتعلقة بالرئيس رفيق الحريري خلال الاشهر الـ15 الأخيرة من حياته. ويقول في الفقرة 52 من تقريره: "ان الصورة التي جمعت معقدة ومتعددة المستويات، وتقدم جزءاً من خلفية الدافع وراء قرار اغتياله".
ثم يحدد القاضي براميرتس في الفقرة 53 من التقرير حتى الفقرة 63 الاجواء السياسية التي كان يعيش فيها الرئيس رفيق الحريري خلال الـ15 شهرا الاخيرة والتي وصفها في الفقرة السابقة بأنها تقدم جزءا من خلفية الدافع وراء عملية الاغتيال. ويمكن جمع تلك الفقرات معا لتشكل ما يشبه فصلاً في رواية الحياة السياسية للرئيس الحريري قبل اغتياله، كالآتي: "إصدار قرار مجلس الأمن 1559 (2004) والتبعات السياسية لتنفيذه، وتمديد ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود، والديناميات السياسية والشخصية التي كانت موجودة بين الحريري وبين أحزاب سياسية وقيادات أخرى في لبنان وسوريا ودول اخرى، والتحضير والاستعدادات المتقدمة للانتخابات النيابية التي كان مقرراً اجراؤها في ايار 2005، فضلاً عن قضايا تتعلق بالأعمال التي كان مشاركاً فيها".
ويعلق شبقلو على موضوع البحث عن الاجواء السياسية التي كان يعيشها الرئيس رفيق الحريري خلال 15 شهرا السابقة على اغتياله، بالقول انه لو تبين ان دافع القتل هو دافع سياسي، يصير حينها من الواجب البحث عن الامور السياسية التي سبقت الجريمة. فمثلا حين يقال انه تم تهديد الرئيس الحريري من اجل التمديد لرئيس الجمهورية، او انه كان يراد منه الموافقة على قانون انتخاب يقسم الدوائر الانتخابية بشكل يمنعه من ايصال اكثرية الى المجلس النيابي، او انه اجبر على تشكيل لائحة انتخابية من اشخاص لا يريدهم ويكونون بمثابة ودائع لديه من النظام السوري، ثم بعد هذا كله تقع جريمة الاغتيال، حينها تجبر الدوافع المحقق على البحث عن اعداء الرئيس رفيق الحريري السياسيين، وهذا ما يجعل من تحديد الدوافع بكونها سياسية ذات اهمية في تقرير سيرج برامرتس الاخير.
اذا يعدد براميرتس في تقريره المفاصل السياسية التي مرت بها البلاد قبيل اغتيال الرئيس الحريري. تلك المجريات التي يعرفها جميع اللبنانيين وكانوا جميعا سياسيين ومواطنين، يعرفون مدى اهميتها على صعيد السياسة الداخلية اللبنانية ومدى مفصليتها.
وكان اللبنانيون يعرفون ان قرار مجلس الامن 1559 كان قرارا مفصليا في الحياة السياسية اللبنانية لانه يطلب انسحاب الجيش السوري من لبنان ويطالب بنزع سلاح الميليشيات ويؤشر الى رفع الغطاء السياسي الدولي عن نظام الوصاية السوري في لبنان الذي امتد منذ حرب الخليج الثانية. وينهي القاضي البلجيكي تلك الفقرة بجملة ذات ابعاد واضحة لها علاقة وطيدة بالـ"تسييس" الذي كان يتهم به سلفه. "ترجح اللجنة احتمال ان يكون تضافر هذه العوامل قد خلق الأجواء التي برز فيها الدافع والنية لقتله (الرئيس رفيق الحريري)".
ثم انهى النقاش حول التسييس في الفقرة 54، حين اعتبر ان تبني اللجنة لمجموعة واسعة من الاحتمالات حول الدوافع وراء اغتيال الرئيس الحريري، قد انحصر في هذه المرحلة بـ"التحقيقات المتعلقة بنشاطات الحريري السياسية".
الفقرات 56 و57 و63 تكرس نظرية المحقق الدولي الجديدة، وتجعل من الدوافع السياسية أحد اهم المستندات التي تسيّر التحقيق للكشف عن هوية قتلته، "تواصل اللجنة تطوير الفرضية بأن اجواء التهديد للحريري كانت خطيرة بشكل كاف بالنسبة الى الإجراءات التي يجب إتخاذها في محاولة لتحسين الوضع القائم في كل من المؤسسة السياسية اللبنانية والمجتمع الدولي.
في الاشهر الاخيرة من حياة الحريري، كان مركزا على انتخابات 2005 المقبلة. ان طبيعة نياته بالنسبة الى الانتخابات المخطط لها وامكانية نجاحه المتوقع، فضلا عن علاقاته السياسية والشخصية مع الاحزاب الاخرى وقياداتها، هي على وجه الخصوص الجوانب المهمة لعمل اللجنة في هذا المجال، خصوصا بسبب المنافسة الموجودة بين بعض الشخصيات السياسية حينها.
من الفرضيات العملية أن القرار الأساسي باغتيال الحريري كان قد اتخذ قبل المحاولات الأخيرة لتقريب وجهات النظر، وعلى الأرجح قبل بداية شهر كانون الثاني 2005. يؤدي ذلك الى نشوء وضع محتمل خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت الاغتيال، تميز بخطين، ليس بالضرورة مرتبطين ببعضهما البعض، كانا يتقدمّان بالتوازي. في أحد هذين الخطين كان الحريري يقدم على مبادرات تهدف الى التقريب، وفي الخط الثاني كانت تجري التحضيرات لاغتياله".
الكشف عن هوية المشتركين
بعد هذه الاستنتاجات بات العمل الجديد الذي ينتظر لجنة التحقيق الدولية يتمحور حول من يقف وراء منفذي الهجوم. فالتحقيقات حول شخصية مرتكب الجريمة المباشرة والتي تقطع طريقها نحو الكشف عنها بواسطة التحليل الجيني (AND) لمرتكب الجريمة، وكذلك خيوط مصدر الشاحنة والمتفجرات في طريقها الى الحل عبر طرق في التحقيق تطال التحليل المخبري لبقايا جثة الانتحاري، واعادة رسم الطريق الذي قطعته الشاحنة حتى وصولها الى موقع الجريمة قرب السان جورج والقيام بمجموعة من اللقاءات مع شهود ومسؤولين والاطلاع على ارشيف مخابرات الجيش السوري اثناء وجوده في لبنان. ولكن بات اليوم اكثر من اي وقت مضى من المهم الكشف عن هوية المساعدين والمحرضين والداعمين والمشتركين في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد ابدى المحقق براميرتس وجهة نظر اللجنة في هذا الموضوع في الفقرة 48 من التقرير الاخير: "تعتقد اللجنة أنه بالإضافة الى الأشخاص المتورطين مباشرة في الجريمة والأشخاص الذين اتخذوا القرار بارتكابها، ثمة أشخاص آخرون كانوا على علم مسبق بها. ربما لم يتوفّر لبعضهم إلا جزء من المعلومات، كالعلم بالعبوّة مثلاً، دون معرفة من كانت تستهدف، أو معرفة أن الحريري سيغتال، دون تحديد الوقت. كذلك تبحث اللجنة في فرضيات أن يكون البعض على علم بالهدف وبالتوقيت، وأنهم قد أبلغوا بذلك لأسباب خاصة".بعد هذا التقرير للجنة التحقيق الدولية لم يعد بالامكان التمسك بتسييس قضية اغتيال الرئيس الحريري. فالسياسة تدخل في اساس هذه الجريمة وارتكابها. ولم يعد بالامكان القول ان التحقيق في توجهه نحو طرف سياسي واحد هو محاولة لدعم المشروع الاميركي في المنطقة كما يحاول البعض الايحاء، او "من اجل تحقيق انتداب مستقبلي" كما قال الرئيس نبيه بري في مؤتمره الصحافي نهار الثلاثاء الماضي. فحتى لو استنكف القاضي البلجيكي عن اكمال تحقيقه (في حال افتراض الهجوم الاعلامي عليه) فإن اي محقق جديد سيتبع الخيوط نفسها في التحقيق. فدوافع الجريمة واضحة، والمشتركون في ارتكابها يتضحون شيئا فشيئا. وحتى في حال عرقلة قيام المحكمة الدولية لمحاكمة القتلة، فإن اتهام فريق بارتكاب الجريمة سيكون بمثابة محاكمة له. فالمجرم الطليق سيبقى مجرما في نظر التاريخ والمستقبل، ولو كان مجرما مع وقف تنفيذ العقوبة في حقه (في اقصى حالات التهرب من المحاكمة).
يرى فؤاد شبقلو ان "مجريات التحقيق كما وردت في تقرير براميرتس الاخير تؤكد معرفته بهوية مرتكبي الجريمة. فهو مثلا اورد في تقاريره السابقة ان لون بشرة مرتكب الجريمة لا تشبه لون بشرة اللبنانيين"، وبأنه يملك سناً من الفضة وهي عادة من عادات سكان بلاد الشام وليست من عادات اللبنانيين. في هذا التقرير، ودائما بحسب شبقلو، "اعلن القاضي براميرتس بما يشبه التأكيد أن احمد ابو عدس ليس مرتكب الجريمة، وان المجموعة التي تبنت العملية غير موجودة بل صنعها ناس آخرون. هذا كله يعني ان السيد براميرتس يريد تضييق الشبهات حول الفاعلين على ضوء الادلة والقرائن والفحوص وشهادات الشهود الذين اعلنوا عن التهديدات التي تلقاها الرئيس رفيق الحريري". ويكمل الاستاذ فؤاد شبقلو ان المحقق الدولي لا يمكنه اصدار قرار اتهام بمرتكب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حتى لو كان يعرفه. لان هكذا قرار سينقل التحقيق من السرية الى العلنية ما سيشكل خطرا على مجريات التحقيق وعلى الشهود.
وعلى الصعيد القانوني لا يمكن للمحقق ان يصدر قراراً اتهامياً في الجريمة المرتكبة.
لان هذا الامر من اختصاص المحكمة، وطالما انه لا وجود للمحكمة بعد فإن التحقيقات ستبقى سرية.
الاتصالات ودورها في الجريمة
جميع الفقرات الواردة في قسم "الاتصالات" من تقرير لجنة التحقيق الدولية الاخير تشي بوصول التحقيق الى نهاياته حول المرتكبين المباشرين لجريمة الاغتيال. وهذا ما يؤكد ان سياق التحقيق في مراحله المقبلة سيركز على الفرقاء السياسيين المشتركين في عملية الاغتيال، اي الاشخاص او المجموعات الموجودين خارج دائرة التنفيذ المباشر للعملية. وكان خيط الاتصالات التي اجريت من ست بطاقات خلوية قبل ارتكاب الجريمة وبعدها، هو الخيط الاساسي الذي يستند عليه التحقيق للكشف عن هوية المرتكبين المباشرين. ويبدو واضحا في هذا القسم من التحقيق ان هوية هؤلاء المرتكبين قد كشفت ولكن بات التركيز في هذه المرحلة على علاقة اشخاص آخرين بهذه الاتصالات كما جاء في الفقرة 34. ويقول القاضي براميرتس في تعليقه على ما وصلت اليه التحقيقات بخصوص الاتصالات انه قد "ظهرت خيوط ذات اهمية من التحليلات هذه ويجري الآن التأكد منها". والتحليلات التي يقصدها هنا وردت في الفقرة 35 وتتعلق بالفائدة التي توخاها المنفذون قبل تنفيذ العملية، بما في ذلك نشاطات المراقبة المفترضة ونشاطات الاستطلاع، التي رافقت او سبقت الاعتداء على الرئيس رفيق الحريري، ونشاطات اخرى قامت بها المجموعة. وعبارة "المجموعة" تقصد مستخدمي خطوط الهواتف الستة المدفوعة سلفا (الفقرة 35).
وبما انه تم اكتشاف هويات هؤلاء المستخدمين الستة او بعضهم (كما ورد في التقارير السابقة) فقد بات الهدف من التحقيق الآن يتجه نحو امور اخرى، وهذا الهدف رباعي كما اورد ه القاضي البلجيكي في الفقرة 36 من تقريره. أولاً للتأكد من صحة فرضيات ان البطاقات يمكن ان تكون قد استخدمت من قبل فريق التفجير لتنفيذ مهمتها. الثاني للتحقق مما اذا كانت استخدمت اشكال اخرى من الاتصالات بين اعضاء الفريق، وربما مع اشخاص آخرين للتأكد من حصول الهجوم. ثالثا لتمكين اللجنة من ايجاد فهم افضل لكيفية اقتراف الجريمة في 14 شباط. واخيرا لفهم اكبر لنشاط اخر يمكن ان يكون فريق التفجير قام به، والمواقع التي زارها ولماذا، وذلك في الايام التي سبقت الهجوم. الجواب على هذه النقطة يظهر في الفقرة التالية، فالتحقيق يهدف ايضا الى الكشف عن نشاطات الاشخاص خارج فريق التفجير المباشر، وقد اوجد تحليل الاتصالات خيوط تحقيق اضافية زمنية وجغرافية (الفقرة 37).
هذا التحقيق المفصل لنشاطات البطاقات الست والمسبقة الدفع، أنتج عددا من العناصر المهمة في التحقيق الجاري. يتضمن ذلك تعريف مفترض لدور كل مشارك في التحضير والتخطيط والاستطلاع وتنفيذ الهجوم، وتوقع فريق التفجير لنشاطات الحريري وتحركاته، واحتمال محاولات اعتداء سابقة على حياة الحريري (الفقرة 38).
ينهي شبقلو مداخلته بالقول ان "القاضي البلجيكي يبدو عارفا بكل تفاصيل الجريمة ومجرياتها، لكن ليس بإمكانه البوح بهذه التفاصيل لأن ذلك من اختصاص المحكمة. وحتى تشكيل المحكمة، لجعل المحاكمة علنية ووجاهية، ستبقى التحقيقات سرية حماية للشهود وللمعلومات. ويقول الاستاذ شبقلو ان الكشف عن المعلومات هو مطلب الفاعل الذي يريد ان يعطل سير التحقيقات بمعرفته لما يجري في كواليسه".
"التحقيقات التي قامت بها لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حققت تقدماً مهماً في العديد من المجالات، والخطوة المنطقية التالية بعد التحقيق هي تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي". كلام رئيس اللجنة القاضي البلجيكي سيرج براميرتس خلال مناقشته اول من امس تقرير اللجنة السابع امام مجلس الأمن، يفتح الباب امام اجراء قراءة سريعة لنقاط عدة تضمنها هذا التقرير، لجهة التركيز على الدوافع السياسية لاغتيال الرئيس الحريري ودورها الاساسي في تحديد المشتبه بهم في ارتكاب الجريمة والمشاركين والمخططين والمحرضين عليها من خارج اطار المنفذين المباشرين. وحول ضبط الاتصالات الهاتفية التي اجريت قبل تنفيذ الجريمة وبعدها.
في السنتين الماضيتين اشيع ان المحقق الدولي السابق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد الحريري القاضي الالماني ديتليف ميليس يقوم بتسييس التحقيق، ويتخذ من الاسباب السياسية سبيلا للكشف عن دوافع اغتياله وصولا الى اكتشاف قتلته. وبالطبع فإن هذه المقولات كانت وما زالت تصدر عن الفريق الذي يريد تعديل مشروع المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الشهيد الحريري ورفاقه وكل الذين اغتيلوا من بعده. وكانت ملاحظات رئيس الجمهورية الممددة ولايته على مشروع المحكمة واحدة من بوادر الرغبة بإرساء مشروع محكمة تحاكم قلة قليلة من المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة، ومن خلفه الفريق الذي اعتكف وزراؤه حين ارادت الاكثرية في الحكومة ضم جريمة اغتيال النائب جبران تويني والجرائم الاخرى الى مهام لجنة التحقيق الدولية، من ثم استقالوا عند الشروع بالموافقة على تشكيل المحكمة الدولية، وما زالوا مستقيلين حتى اليوم.
الكلام على "التسييس" الذي كان ينطق به منظّرو هذا الفريق لم يكن عبثياً او من دون طائل يرتجى منه. فقد كان يهدف الى الطعن بحياد المحقق الذي عينه الامين العام للامم المتحدة وفريق عمله، والى زعزعة ثقة المواطنين، الى اي فريق انتموا، بأهداف لجنة التحقيق الدولية. فكان الاتهام بالتسييس سبيلاً لإشاعة دور للجنة التحقيق يختلف عن دورها الحقيقي. وهو ان اللجنة الدولية لا تهدف الى كشف قتلة الرئيس الحريري، بل الى زعزعة الاستقرار في المنطقة عبر اتهام النظام السوري بإرتكاب جريمة الاغتيال وكل الجرائم اللاحقة عليها والسابقة لها. وهي بتحقيقاتها المنصبّة على جهة واحدة اي النظام السوري وحلفائه في لبنان تعمل على مساندة السياسية الاميركية الطامحة الى استعمار المنطقة وسرقة ثرواتها ومساندة حليفتها اسرائيل. هذا هو الهدف من اتهام لجنة التحقيق الاولى بتسييس التحقيقات. وكان المحقق ميليس محل تهجمات اعلامية لا حصر لها يمكن لاي باحث في ارشيف الصحافة في السنتين الماضيتين ان يكتشف كنهها ومصادرها واهدافها، وقد طالته هذه الاتهامات حتى بعد استنكافه عن التحقيق وعودته الى بلاده واحلال القاضي البلجيكي سيرج براميرتس محله.
ثم ان رافضي تسييس التحقيقات كانوا يلعبون على وتر الصورة المتخيلة لدى الناس حول التحقيقات كما يعرفونها من خلال القصص البوليسية او الافلام الاميركية التي تتناول الجرائم والتحقيق فيها. كانوا يحاولون اقناع اللبنانيين ان التحقيقات الجنائية تتناول البصمات والفحوص المخبرية والفاعل المباشر اي الذي فجر نفسه ليقتل الشخص المطلوب قتله. هذه هي التحقيقات بنظرهم، اما عن الدوافع التي ادت الى ارتكاب الجريمة والمحرضين على ارتكابها وداعمي مرتكبها والذين امنوا له كل احتياجاته اللوجستية لارتكاب جريمته، فهذا كله يدخل في اطار "التسييس" لانه سيطال اشخاصاً اخرين غير الشخص المرتكب نفسه، اي الذي نفذ الجريمة مباشرة. ذلك الذي انهى المخطط بتفجير نفسه بعد الانتهاء من جميع الخطوات السابقة على عملية التفجير هذه، وفي هذا السياق يفرّق فؤاد شبقلو بين تسييس التحقيق وبين الدوافع السياسية لارتكاب الجريمة. فالتسييس يعني اصطناع خلاف سياسي او شبهة سياسية لأخذ التحقيق نحو اهداف اخرى. اما الدوافع السياسية فهي التي تتعلق بالاسباب السياسية التي دفعت الفاعل الى ارتكاب جريمته، والفرق بين العبارتين كبير.
ثم حلّ القاضي البلجيكي سيرج براميرتس مكان سلفه الالماني ميليس، فإشتغل في تحقيقاته على الادلة الاجرائية والجنائية بمعناها الآنف الذكر. فعمل على الكشف عن هوية الانتحاري الذي فجر شاحنة "الميتسوبيشي". وحاول اكتشاف مصدر تلك الشاحنة ومصدر المتفجرات، ونوعية التفجير اذا ما كان من فوق الارض او من تحتها، واذا ما وقع تفجيران او تفجير واحد. وعمل على التحقيق حول شخصية احمد ابو عدس الذي تبنى عملية اغتيال الرئيس الحريري من دون ان يعلن قيامه بها بنفسه. عندها لقي المحقق الجديد قبولا ورضى عليه من قبل المعترضين على التسييس، وراحت السلطات السورية تغدق عليه المدائح وتؤمن له "المساعدة" التي يطلبها والتي وصفها في تقاريره الثلاثة، التي رفعها الى الامين العام للامم المتحدة، بالمرضية. المهم في الامر انه لم يلجأ الى السياسة لتحليل جريمة اغتيال الرئيس الشهيد. الا انه لم يبق على اصراره بأن السياسة لا علاقة لها بالجريمة. فهو رغم اصراره على التحقيق في المواضيع الميدانية كان يعمل على خط مواز على الامور السياسية تلك التي ابرزها في تقريره الاخير الذي رفعه اواسط هذا الشهر الى الامين العام للامم المتحدة.
في هذه النقطة يقول شبقلو ان "الدوافع بشكلها العام هي اهم ما يبحث عنه المحقق في جريمة ما. والبحث عن الدوافع في اي جريمة يهدف الى تضييق دوائر الاتهام وتضييق حقل الشبهة حول الفاعل. حين تعرف الدوافع يوجه الاتهام الى بعض الناس ولا يبقى الجميع متهمين.
الدافع السياسي للاغتيال
في القسم المعنون بـ"الدافع لاغتيال الحريري"، حسم القاضي براميرتس امره حول اهمية الجانب السياسي في كونه دافعا لارتكاب الجريمة. لذا قام بجمع المعلومات المتعلقة بالرئيس رفيق الحريري خلال الاشهر الـ15 الأخيرة من حياته. ويقول في الفقرة 52 من تقريره: "ان الصورة التي جمعت معقدة ومتعددة المستويات، وتقدم جزءاً من خلفية الدافع وراء قرار اغتياله".
ثم يحدد القاضي براميرتس في الفقرة 53 من التقرير حتى الفقرة 63 الاجواء السياسية التي كان يعيش فيها الرئيس رفيق الحريري خلال الـ15 شهرا الاخيرة والتي وصفها في الفقرة السابقة بأنها تقدم جزءا من خلفية الدافع وراء عملية الاغتيال. ويمكن جمع تلك الفقرات معا لتشكل ما يشبه فصلاً في رواية الحياة السياسية للرئيس الحريري قبل اغتياله، كالآتي: "إصدار قرار مجلس الأمن 1559 (2004) والتبعات السياسية لتنفيذه، وتمديد ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود، والديناميات السياسية والشخصية التي كانت موجودة بين الحريري وبين أحزاب سياسية وقيادات أخرى في لبنان وسوريا ودول اخرى، والتحضير والاستعدادات المتقدمة للانتخابات النيابية التي كان مقرراً اجراؤها في ايار 2005، فضلاً عن قضايا تتعلق بالأعمال التي كان مشاركاً فيها".
ويعلق شبقلو على موضوع البحث عن الاجواء السياسية التي كان يعيشها الرئيس رفيق الحريري خلال 15 شهرا السابقة على اغتياله، بالقول انه لو تبين ان دافع القتل هو دافع سياسي، يصير حينها من الواجب البحث عن الامور السياسية التي سبقت الجريمة. فمثلا حين يقال انه تم تهديد الرئيس الحريري من اجل التمديد لرئيس الجمهورية، او انه كان يراد منه الموافقة على قانون انتخاب يقسم الدوائر الانتخابية بشكل يمنعه من ايصال اكثرية الى المجلس النيابي، او انه اجبر على تشكيل لائحة انتخابية من اشخاص لا يريدهم ويكونون بمثابة ودائع لديه من النظام السوري، ثم بعد هذا كله تقع جريمة الاغتيال، حينها تجبر الدوافع المحقق على البحث عن اعداء الرئيس رفيق الحريري السياسيين، وهذا ما يجعل من تحديد الدوافع بكونها سياسية ذات اهمية في تقرير سيرج برامرتس الاخير.
اذا يعدد براميرتس في تقريره المفاصل السياسية التي مرت بها البلاد قبيل اغتيال الرئيس الحريري. تلك المجريات التي يعرفها جميع اللبنانيين وكانوا جميعا سياسيين ومواطنين، يعرفون مدى اهميتها على صعيد السياسة الداخلية اللبنانية ومدى مفصليتها.
وكان اللبنانيون يعرفون ان قرار مجلس الامن 1559 كان قرارا مفصليا في الحياة السياسية اللبنانية لانه يطلب انسحاب الجيش السوري من لبنان ويطالب بنزع سلاح الميليشيات ويؤشر الى رفع الغطاء السياسي الدولي عن نظام الوصاية السوري في لبنان الذي امتد منذ حرب الخليج الثانية. وينهي القاضي البلجيكي تلك الفقرة بجملة ذات ابعاد واضحة لها علاقة وطيدة بالـ"تسييس" الذي كان يتهم به سلفه. "ترجح اللجنة احتمال ان يكون تضافر هذه العوامل قد خلق الأجواء التي برز فيها الدافع والنية لقتله (الرئيس رفيق الحريري)".
ثم انهى النقاش حول التسييس في الفقرة 54، حين اعتبر ان تبني اللجنة لمجموعة واسعة من الاحتمالات حول الدوافع وراء اغتيال الرئيس الحريري، قد انحصر في هذه المرحلة بـ"التحقيقات المتعلقة بنشاطات الحريري السياسية".
الفقرات 56 و57 و63 تكرس نظرية المحقق الدولي الجديدة، وتجعل من الدوافع السياسية أحد اهم المستندات التي تسيّر التحقيق للكشف عن هوية قتلته، "تواصل اللجنة تطوير الفرضية بأن اجواء التهديد للحريري كانت خطيرة بشكل كاف بالنسبة الى الإجراءات التي يجب إتخاذها في محاولة لتحسين الوضع القائم في كل من المؤسسة السياسية اللبنانية والمجتمع الدولي.
في الاشهر الاخيرة من حياة الحريري، كان مركزا على انتخابات 2005 المقبلة. ان طبيعة نياته بالنسبة الى الانتخابات المخطط لها وامكانية نجاحه المتوقع، فضلا عن علاقاته السياسية والشخصية مع الاحزاب الاخرى وقياداتها، هي على وجه الخصوص الجوانب المهمة لعمل اللجنة في هذا المجال، خصوصا بسبب المنافسة الموجودة بين بعض الشخصيات السياسية حينها.
من الفرضيات العملية أن القرار الأساسي باغتيال الحريري كان قد اتخذ قبل المحاولات الأخيرة لتقريب وجهات النظر، وعلى الأرجح قبل بداية شهر كانون الثاني 2005. يؤدي ذلك الى نشوء وضع محتمل خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت الاغتيال، تميز بخطين، ليس بالضرورة مرتبطين ببعضهما البعض، كانا يتقدمّان بالتوازي. في أحد هذين الخطين كان الحريري يقدم على مبادرات تهدف الى التقريب، وفي الخط الثاني كانت تجري التحضيرات لاغتياله".
الكشف عن هوية المشتركين
بعد هذه الاستنتاجات بات العمل الجديد الذي ينتظر لجنة التحقيق الدولية يتمحور حول من يقف وراء منفذي الهجوم. فالتحقيقات حول شخصية مرتكب الجريمة المباشرة والتي تقطع طريقها نحو الكشف عنها بواسطة التحليل الجيني (AND) لمرتكب الجريمة، وكذلك خيوط مصدر الشاحنة والمتفجرات في طريقها الى الحل عبر طرق في التحقيق تطال التحليل المخبري لبقايا جثة الانتحاري، واعادة رسم الطريق الذي قطعته الشاحنة حتى وصولها الى موقع الجريمة قرب السان جورج والقيام بمجموعة من اللقاءات مع شهود ومسؤولين والاطلاع على ارشيف مخابرات الجيش السوري اثناء وجوده في لبنان. ولكن بات اليوم اكثر من اي وقت مضى من المهم الكشف عن هوية المساعدين والمحرضين والداعمين والمشتركين في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد ابدى المحقق براميرتس وجهة نظر اللجنة في هذا الموضوع في الفقرة 48 من التقرير الاخير: "تعتقد اللجنة أنه بالإضافة الى الأشخاص المتورطين مباشرة في الجريمة والأشخاص الذين اتخذوا القرار بارتكابها، ثمة أشخاص آخرون كانوا على علم مسبق بها. ربما لم يتوفّر لبعضهم إلا جزء من المعلومات، كالعلم بالعبوّة مثلاً، دون معرفة من كانت تستهدف، أو معرفة أن الحريري سيغتال، دون تحديد الوقت. كذلك تبحث اللجنة في فرضيات أن يكون البعض على علم بالهدف وبالتوقيت، وأنهم قد أبلغوا بذلك لأسباب خاصة".بعد هذا التقرير للجنة التحقيق الدولية لم يعد بالامكان التمسك بتسييس قضية اغتيال الرئيس الحريري. فالسياسة تدخل في اساس هذه الجريمة وارتكابها. ولم يعد بالامكان القول ان التحقيق في توجهه نحو طرف سياسي واحد هو محاولة لدعم المشروع الاميركي في المنطقة كما يحاول البعض الايحاء، او "من اجل تحقيق انتداب مستقبلي" كما قال الرئيس نبيه بري في مؤتمره الصحافي نهار الثلاثاء الماضي. فحتى لو استنكف القاضي البلجيكي عن اكمال تحقيقه (في حال افتراض الهجوم الاعلامي عليه) فإن اي محقق جديد سيتبع الخيوط نفسها في التحقيق. فدوافع الجريمة واضحة، والمشتركون في ارتكابها يتضحون شيئا فشيئا. وحتى في حال عرقلة قيام المحكمة الدولية لمحاكمة القتلة، فإن اتهام فريق بارتكاب الجريمة سيكون بمثابة محاكمة له. فالمجرم الطليق سيبقى مجرما في نظر التاريخ والمستقبل، ولو كان مجرما مع وقف تنفيذ العقوبة في حقه (في اقصى حالات التهرب من المحاكمة).
يرى فؤاد شبقلو ان "مجريات التحقيق كما وردت في تقرير براميرتس الاخير تؤكد معرفته بهوية مرتكبي الجريمة. فهو مثلا اورد في تقاريره السابقة ان لون بشرة مرتكب الجريمة لا تشبه لون بشرة اللبنانيين"، وبأنه يملك سناً من الفضة وهي عادة من عادات سكان بلاد الشام وليست من عادات اللبنانيين. في هذا التقرير، ودائما بحسب شبقلو، "اعلن القاضي براميرتس بما يشبه التأكيد أن احمد ابو عدس ليس مرتكب الجريمة، وان المجموعة التي تبنت العملية غير موجودة بل صنعها ناس آخرون. هذا كله يعني ان السيد براميرتس يريد تضييق الشبهات حول الفاعلين على ضوء الادلة والقرائن والفحوص وشهادات الشهود الذين اعلنوا عن التهديدات التي تلقاها الرئيس رفيق الحريري". ويكمل الاستاذ فؤاد شبقلو ان المحقق الدولي لا يمكنه اصدار قرار اتهام بمرتكب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حتى لو كان يعرفه. لان هكذا قرار سينقل التحقيق من السرية الى العلنية ما سيشكل خطرا على مجريات التحقيق وعلى الشهود.
وعلى الصعيد القانوني لا يمكن للمحقق ان يصدر قراراً اتهامياً في الجريمة المرتكبة.
لان هذا الامر من اختصاص المحكمة، وطالما انه لا وجود للمحكمة بعد فإن التحقيقات ستبقى سرية.
الاتصالات ودورها في الجريمة
جميع الفقرات الواردة في قسم "الاتصالات" من تقرير لجنة التحقيق الدولية الاخير تشي بوصول التحقيق الى نهاياته حول المرتكبين المباشرين لجريمة الاغتيال. وهذا ما يؤكد ان سياق التحقيق في مراحله المقبلة سيركز على الفرقاء السياسيين المشتركين في عملية الاغتيال، اي الاشخاص او المجموعات الموجودين خارج دائرة التنفيذ المباشر للعملية. وكان خيط الاتصالات التي اجريت من ست بطاقات خلوية قبل ارتكاب الجريمة وبعدها، هو الخيط الاساسي الذي يستند عليه التحقيق للكشف عن هوية المرتكبين المباشرين. ويبدو واضحا في هذا القسم من التحقيق ان هوية هؤلاء المرتكبين قد كشفت ولكن بات التركيز في هذه المرحلة على علاقة اشخاص آخرين بهذه الاتصالات كما جاء في الفقرة 34. ويقول القاضي براميرتس في تعليقه على ما وصلت اليه التحقيقات بخصوص الاتصالات انه قد "ظهرت خيوط ذات اهمية من التحليلات هذه ويجري الآن التأكد منها". والتحليلات التي يقصدها هنا وردت في الفقرة 35 وتتعلق بالفائدة التي توخاها المنفذون قبل تنفيذ العملية، بما في ذلك نشاطات المراقبة المفترضة ونشاطات الاستطلاع، التي رافقت او سبقت الاعتداء على الرئيس رفيق الحريري، ونشاطات اخرى قامت بها المجموعة. وعبارة "المجموعة" تقصد مستخدمي خطوط الهواتف الستة المدفوعة سلفا (الفقرة 35).
وبما انه تم اكتشاف هويات هؤلاء المستخدمين الستة او بعضهم (كما ورد في التقارير السابقة) فقد بات الهدف من التحقيق الآن يتجه نحو امور اخرى، وهذا الهدف رباعي كما اورد ه القاضي البلجيكي في الفقرة 36 من تقريره. أولاً للتأكد من صحة فرضيات ان البطاقات يمكن ان تكون قد استخدمت من قبل فريق التفجير لتنفيذ مهمتها. الثاني للتحقق مما اذا كانت استخدمت اشكال اخرى من الاتصالات بين اعضاء الفريق، وربما مع اشخاص آخرين للتأكد من حصول الهجوم. ثالثا لتمكين اللجنة من ايجاد فهم افضل لكيفية اقتراف الجريمة في 14 شباط. واخيرا لفهم اكبر لنشاط اخر يمكن ان يكون فريق التفجير قام به، والمواقع التي زارها ولماذا، وذلك في الايام التي سبقت الهجوم. الجواب على هذه النقطة يظهر في الفقرة التالية، فالتحقيق يهدف ايضا الى الكشف عن نشاطات الاشخاص خارج فريق التفجير المباشر، وقد اوجد تحليل الاتصالات خيوط تحقيق اضافية زمنية وجغرافية (الفقرة 37).
هذا التحقيق المفصل لنشاطات البطاقات الست والمسبقة الدفع، أنتج عددا من العناصر المهمة في التحقيق الجاري. يتضمن ذلك تعريف مفترض لدور كل مشارك في التحضير والتخطيط والاستطلاع وتنفيذ الهجوم، وتوقع فريق التفجير لنشاطات الحريري وتحركاته، واحتمال محاولات اعتداء سابقة على حياة الحريري (الفقرة 38).
ينهي شبقلو مداخلته بالقول ان "القاضي البلجيكي يبدو عارفا بكل تفاصيل الجريمة ومجرياتها، لكن ليس بإمكانه البوح بهذه التفاصيل لأن ذلك من اختصاص المحكمة. وحتى تشكيل المحكمة، لجعل المحاكمة علنية ووجاهية، ستبقى التحقيقات سرية حماية للشهود وللمعلومات. ويقول الاستاذ شبقلو ان الكشف عن المعلومات هو مطلب الفاعل الذي يريد ان يعطل سير التحقيقات بمعرفته لما يجري في كواليسه".
**
موقع يا بيروت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق