الخميس، يوليو 31، 2008

ملامح القرار 1559 .. عرب يقرأون إشارات أميركا

شوقي مسلماني
خروج القوّات السوريّة من لبنان .. كان يحظى بتأييد غالبيّة اللبنانيين، ولو لغايات مختلفة .. منها لتحقيق أجندة إسرائيليّة أو أميركيّة، ومنها سياديّة بامتياز، ومنها للحفاظ على علاقات وديّة أمتن .. في محيط متغيّرات لا بدّ أن تُحتَسب.. ومنها أخيراً وليس آخراً نعيق خلف كلّ ناعق.
وما من حاجة للتفصيل في تاريخ الوجود العسكري السوري على الأراضي اللبنانيّة، ومَن غطّاه، وروّج له، ومَن ناهضه، ومَن التحق به في ما بعد منتفعاً ..
إنّما الحاجة للتأكيد أن القرار 1559 الذي قضى بإخراج القوّات السوريّة من لبنان كان لحساب غرب إمبريالي له مخطّطاته .. فعندما يبدو أنّ لبنان ـ المزرعة على مشارف أن يلفظ أنفاسَه كما في بدايات الحرب الأهليّة اللبنانيّة .. سرعان ما تبادر أميركا ومعها أنظمة عربيّة تدور في فلكها لنجدة لبنان ـ المزرعة.
وعندما تطلب أميركا من سوريا التعاون في العراق (تفيد معلومات أن الإدارة الأميركيّة طلبت من سوريا أن تزوّدها 60 ألف جندي) على شاكلة التعاون الباكستاني في أفغانستان .. وأقلّه التعاون الذي تبديه السعوديّة ومصر والأردن تسهيلاً للإحتلال في العراق .. وعندما تعلن سوريا أنّ "الجيش السوري ليس في خدمة الإحتلال" ..
وعندما يُعلن الرئيس السوري صراحة: "إنّ العراق أرض عربيّة، وعلى الإحتلال أن يخرج منها" ويضيف: "وعلى كل إحتلال في أي أرض عربيّة أن يرحل" ..
يبدأ المخطّط المعادي لسوريا في الظهور إلى العلن. المطلوب من سوريا هو أن تكون أداة .. وإلاّ فالعقاب. وكلّ مراقب يتذكّر تصريح الرئيس الباكستاني برويز مشرّف حيث قال أنّ الإدارة الأميركيّة حذّرته، إذا لم يتعاون، ستعيد باكستان إلى العصر الحجري.
ويصرّح الرئيس الأميركي جورج بوش قائلاً أنّه والرئيس الفرنسي إشتركا في صياغة القرار 1559 (ويتحدّثون عن المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتّحدة) وبالطبع يقضي هذا القرار أن تنسحب سوريا من لبنان ..
إنّما لا بدّ من إنفجار تخرج من بين دخانه وجوه أيقنت أنّه لا رادّ لمشيئة البيت الأبيض .. ولا بدّ من الإحتفاظ بمقعد .. وستجد في أميركا وعرب سنداً .. وهو ما حدث بعد أشهر من إستصدار هذا القرار الذي قتل النائب رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق .. وقتل المزيد من القيادات .. في المراحل التالية .. وأدخل لبنان في نفق وسط أجواء مشحونة بطائفيين وعنصريين.
وبغطاء من هذه الأجواء المشبعة بالتآمر أرتكبت إسرائيل جريمتها الجديدة بغزو لبنان .. وفي حساباتها أنّها ستصفّي الحساب مع المقاومة التي دحرتها سنة ألفين بعد إحتلال دام عقدين من السنين لأراضٍ في الجنوب تمتد مع حدود فلسطين المحتلّة إلى أكثر من مئة كلم، وفي الداخل اللبناني إلى عمق 20 كلم.
وعلى رغم الدعم الذي تلقّته إسرائيل في حرب تمّوز 2006 من "المجتمع الدولي" والدول العربيّة "المعتدلة" أو المعدّلة جينيّاً .. ومن اللبنانيين المستيقظين على "حبّ الحياة" .. والذين أسرعوا إلى السفارة الأميركيّة مذهولين من إحتمال إندحار إسرائيل في هذه الحرب أيضاً .. وإجتمعوا إلى مأدبة مع وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كونداليزا رايس .. التي برّرت لهذه الحرب باعتبارها "آلام مخاض الشرق الأوسط الجديد".
إندحرت إسرائيل في هذه الحرب أيضاً، وكذلك انفضح أنصار القرار 1559 .. باعتبارهم أدوات في مشروع هيمنة إمبرياليّة تتّخذ منحى أكثر فظاظة ..
أبرز عناوينها ما تعرّض ويتعرّض له العراق من مغول القرن الواحد والعشرين، واستمرار نهب فلسطين، وتجويع غزّة، والتآمر على سلاح المقاومة، وعلى القوى الممانعة في لبنان، كذلك التآمر على إستقرار سوريا ووحدة شعبها وأراضيها، وانفضحت أنظمة عربيّة متحالفة مع إسرائيل (مصر كامب دايفيد، وأردن وادي عربة) وأنظمة لعبت تاريخيّاً دور رأس حربة ضدّ اليسار والقوميين العرب والناصريّة .. وفي طليعة هذه الأنظمة السعوديّة التي تغذّي لفتنة من أجل حرف الصراع وتحويله من صراع عربي ـ إسرائيلي، أو عربي ـ أميركي .. باعتبار أن إسرائيل تفصيل في المشروع الإمبريالي، إلى صراع طائفي سنّي ـ شيعي لا يسلم منه مسيحيّو لبنان وسوريا إلاّ بقدر ما سلم منه مسيحيّو العراق .. الذين انخفض عددهم إلى أقل من الربع، كما انخفض عدد مسيحيي القدس إلى أقل من واحد بالمئة، أو بتعبير النهار البيروتيّة إلى "حمولة طائرتي جامبو" .. ما حدا بالراحل جوزيف سماحة للقول أنّ التاريخ قلّما عرف رؤساء يتآمرون على وحدة شعوبهم كما يفعل قادة عرب.
أمّا البديل عن الصراع الطائفي الداخلي حرفاً للصراع الأصلي فهو الصراع العربي ـ الإيراني إنطلاقاً من تعابير عنصريّة تستحضر "الفرس" و"الخطر الفارسي" .. بالإضافة إلى "خطر المفاعل النووي الإيراني" حيث إستهجن محمّد حسنين هيكل في مؤتمر له هذا الإستعداء العربي الرسمي للجمهوريّة الإيرانيّة وخصّ النظام المصري مستغرباً هذا العداء لإيران "بذريعة أنّها قد تمتلك قنبلة ذريّة في غضون عشر سنوات" وهي البعيدة فيما يتناغم مع إسرائيل الرابضة على حدودة "وتمتلك أكثر من 150 قنبلة ذريّة". وفي المؤتمر ذاته لقضاة مصر ذكر هيكل أن أجهزة مخابرات ثلاث دول عربيّة إشتركت في إغتيال القائد عماد مغنيّة صانع يوم التحرير سنة ألفين، وصانع إنتصار حرب تمّوز 2006.
لم يذكر أسماء الدول العربيّة التي تتبع إليها هذه الأجهزة موقناً أن المستمعين لمحاضرته لا تنقصهم الفطنة. وإذا تعرّض صانعو وأنصار القرار 1559 لنكسات إلى الآن تجلّت أخيراً بانتفاضة بيروت وإزاحة العقبات التي كانت مانعة لإنتخاب رئيس جمهوريّة وحكومة ومتمنّعة ضدّ "الثلث الضامن" أو "المعطّل" للقرارات الحكوميّة المشبوهة ومنها السعي لبيع شبكة الإتّصالات الهاتفيّة من قبل المروِّج للخصخصة .. وزير الإتّصالات السابق، علماً أنّ هذه الشبكة هي "نفط لبنان" بتعبير رئيس مجلس النوّاب، ومنها القرارين المشؤومين القاضيين بإبعاد العميد شقير عن المطار الدولي على نحو عمل عصابات، وتفكيك "شبكة الإتّصالات" أو "سلاح الإشارة" التابع للمقاومة، وهو السلاح الذي أشار إليه تقرير فينوغراد الإسرائيلي أنّه لا يمكن هزيمة حزب الله إلاّ بتفكيك نظام اتّصالاته أوّلاً (البعض يستفظع تهمة العمالة، وكأنّ العمالة هي فقط أن تكون على جدول مدفوعات الموساد الإسرائيلي أو الإستخبارات الأميركيّة، وليست أيضاً أن تتبادل الخدمات مع أجهزة معادية) فهذه الإنتكاسات لا تعني مطلقاً أن المخطّط الأميركي الإسرائيلي الرجعي العربي العميل قد إنكفأ إلى مرحلة ثانية تحتاج ترتيبات أكثر تعقيداً وأكثر ملاءمة .. وإشارات هذا الإنكفاء يمكن إستبيانها من تصاريح، وتغيير في تحالفات .. سيكون لها رصد آخر.

ليست هناك تعليقات: