د. صلاح عودة الله
صادفت يوم 13 تموز الحالي الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان،بل الحرب الاسرائيلية ضد المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله الذي يقوده الشيخ حسن نصرالله, وانتهت هذه الحرب، في حين ازدادت حدة الأزمة اللبنانية، دون أن تظهر معالم حل "لا غالب ولا مغلوب" الذي تتحدث عنه جميع الأطراف، ولا يغيب في ذلك عنصر ما صنعته الحرب نفسها داخليا، وكان الجدال أثناءها وبعدها محتدما، شديد السخونة، كسخونة الحرب نفسها؛ فهل يمكن بعد عامين على اندلاعها أن تتضح الرؤية من جديد وهل بالامكان الخروج من الأزمة اللبنانية المستعصية؟ لا سيما وان الإسرائيليين أقروا بهزيمتهم واتخذوا ما اتخذوا من إجراءات داخلية تأكيدا لذلك وذلك من خلال لجنة التحقيق الذي ترأسها القاضي فينوغراد وسميت باسمه؟وهل يكون بوسع قادة الطوائف والأحزاب اللبنانية تشكيل لجنة فينوغراد لبنانية للاستفادة من دروس هذه الحرب؟ لقد ادعت اسرائيل في حينه ان سبب هذه الحرب هو تحرير الجنديين الأسيرين الإسرائيليين اللذين قام حزب الله باختطافهما يومين قبل اندلاع هذه الحرب، والمعروف انه تم ارسال جثثهم الى اسرائيل ضمن صفقة التبادل مع حزب الله(16 تموز الحالي). ان هذه الحرب لم تكن ردة فعل على أَسر، ولم تكن ردة فعل مقررة من سنة أو من سنتين. القرار بحرب على لبنان تم اتخاذه في شهر ايار عام 2000 عندما تم الانسحاب الاسرائيلي بل الفرار والهروب من الجنوب اللبناني.
وفي هذا السياق يقول احد ضباط الجيش اللبناني والذي كان عضوا في لجنة التفاوض مع الجانب الاسرائيلي وباشراف قوات الطوارئ الدولية: عندما كنت اصارع على السنتيمتر وعلى المتر وعلى المترين، في أحد المواقع، وبعد حدة من الجدل، تقدّم مني ضابط من قوات الطوارئ الدولية الذي كان في اللجنة وقال لي "ما الذي سيغير بالنسبة لكم تقدم متر أو مترين طالما أنها لن تُستعمل لا في الزراعة ولا يوجد بترول؟ قلت: "هذه أرضنا أولا.. ولكن لماذا لا توجه هذا السؤال إلى العدو الإسرائيلي؟" قال: "سألتهم وأجابوا إننا بحاجة لهذين المترين؛ لأن علينا أن ننتقم فيما بعد.
القرار بحرب ضد لبنان بعد الانسحاب عام 2000 كان قرارا إسرائيليا نهائيا،وكان ينتظر أمرين:
التحضير والظروف المكانية والزمانية. والذي يؤكد هذا القول أن لجنة فينوجراد، عندما حققت، لم تبدأ في التحقيق بتاريخ أسر الجنديين لترى كيف كان الأداء، بل انطلقت بتاريخ بداية التحقيق من 25 أيار عام 2000، وحاسبت الحكومات ورؤساء الأركان منذ ذلك التاريخ.لقد قامت هذه اللجنة بمحاسبة كل من قصر في التحضير للحرب، وهذا الذي صدر في القسم الأول من تقريرها. أما بالنسبة لإدارة الحرب ونتائجها،فكان القرار غير واضحا تماما, وبالتالي، لجنة فينوجراد قطعت بشكل لا يقبل الالتباس ولا الشك ولا الجدل بأن الحرب مقررة على لبنان من حيث المبدأ منذ العام 2000
أما الحرب كحصر في الزمن،فقد تم اقرارها على لبنان بقرار أمريكي وبعد نهاية العام 2005، والجميع يذكر ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة لوزيرة خارجية أمريكا رايس في كانون الأول عام 2006عندما جاءت إليه تعاتبه لماذا لم ينفذ وعده بنزع سلاح حزب الله. فقال لم نستطع...! ثم سمح لنفسه بشيءٍ مقيت أمام الإعلام، فقال "نشكر صبرك علينا"، والكل يعلم، وذلك لأنها قبلت عذره بأنه لم يستطع أن ينفذ المهمة بنزع سلاح حزب الله. وعندما اعتذر وقال إننا لن نستطيع أن ننزع السلاح كان العمل على خطين، خط داخلي للإلهاء، وهذا ما سمي الحوار، ومنذ أن انطلق الحوار كان هدفه القبض على قائد المقاومة وارغامه على الجلوس على طاولة المفاوضات وإلزامه بالاعتراف بوجوب التجريد من السلاح. ولكن لأنه استطاع بحجته المقنعة وبحكمته العميقة أن يحوّل النقاش من سلاح مقاومة إلى إستراتيجية دفاعية، تمّ تقريب موعد الحرب. أما أسر الجنديين فاتخذ سببا سخيفا لشن حرب مقررة ومحضرة ويعلم بها الجميع. وللأسف، يؤلمني أن أقول، ويمولها بعض العرب.
عندما حصلت عملية أسر الجنديين، انطلقت إسرائيل لتقول إنها تريد تحرير الأسيرين. لا يمكن للمحلّل إغفال أن الوسائل التي تستخدم في الحرب لا تتناسب مع الهدف المعلن، وبالتالي يجب البحث عن الهدف المضمر.. نعود إلى التاريخ القريب والمتوسط لنجد القرار 1559. إذًا الهدف ليس تحرير الأسيرين، هناك تطبيق القرار... ثم نرتدّ إلى إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس عن الشرق الأوسط الجديد، ونستنتج: هي إذًا ليست حرب الأسيرين ولا تطبيق الـ 1559 فقط، إنما حرب إقليمية لإعادة صياغة المنطقة. التحليل في هذه الحالة لا يعود إلى مجرد توقعات بل معلومات: هناك قرار أمريكي إسرائيلي بالتخلّص من المقاومة في لبنان للانطلاق إلى تغيير في الشرق الأوسط، وهذا القرار وضع تنفيذيا بموجب خطة موضوعة مسبقا.
تلك الحرب كانت في نظر جهات كثيرة أقرب إلى "نزهة" حسب التعبير الشائع، وهو ما فسّر في حينه تسرّع رايس في الإعلان غير المباشر عن الهدف بطرحها شعار "الشرق الأوسط الجديد"، وقد مات الشعار في هذه الأثناء، فقد ظهر للعيان أن الحرب انتهت بهزيمة، وأن المقاومة لم تكن لقمة سهلة المنال على الدبابات والطائرات الإسرائيلية، فما سر قوّة المقاومة اللبنانية؟؟
حتى نقول بوجود مقاومة ناجحة، يجب أن نقول بثلاثة عناصر:
العنصر الأول هو الإنسان، والعنصر الثاني هو السلاح، والعنصر الثالث هو نمط القتال والإمرة.
لو استعرضنا أسباب وعناصر نجاح المقاومة بوجه إسرائيل لوجدنا أن الإنسان الذي قاتل قاتل بعقيدة جوهرها العقيدة الإسلامية، النصر أو الشهادة. وبالتالي عندما يدخل مقاتل المقاومة الإسلامية في الميدان يضع نصب عينيه هذا العنوان، النصر أو الشهادة، والآية: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ} وبالتالي المقاتل في المقاومة الإسلامية رغم التدريب ورغم كل الكفاءات، الأهم من التدريب ومن الكفاءات هو الشحن المعنوي العقائدي الذي لا مثيل له. لو جئنا بهذا المقاتل ودُمج في الجيش هو نفسه، الجيش اللبناني ليس كله من المسلمين، وإرادة القتال عند غير المسلمين قد تكون متفاوتة، ولكن لكل شخص فكره العقائدي وطريقته في الدفاع عن حقوقه. والذي اختُبر حتى الآن أن الفكر العقائدي الإسلامي بهذه الصيغة هو الأرقى.
ثانيا، بالنسبة للسلاح، السلاح الذي ينبغي أن يمتلكه الجيش هو السلاح المناسب لتنظيمات وتشكيلات تقليدية مناسبة. هذه الأسلحة والطاقات غير متوفرة إمكاناتها للجيش اللبناني. لا متوفرة بالمال ولا متوفرة في السوق. وبالتالي إذا ربط الجيش بالمقاومة بمسألة السلاح، فسنأتي بسلاح خفيف ويذهب إلى تشكيلات تقليدية، فننهي دور السلاح.
الأمر الأهم والأخطر هو نمط القتال. المقاومة تقوم بنمط قتال غير تقليدي، قتال العصابات والمجموعات الصغيرة التي تستطيع أن تنهك قدرات العدو دون الحد الأدنى من الضرر. كان لإسرائيل حق تدمير غزّة ولبنان لإطلاق أسرى جنود بينما لا يحقّ لمقاتلين فلسطينيين ولبنانيين حقّ القيام بعملية عسكرية فوق أراضيهم ضدّ قوات محتلّة من أجل الإفراج عن آلافٍ من المعتقلين المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين!. لم تكن حتماً الأطراف العربية، التي سارت أكثر من اللازم في خطوات العلاقة والتطبيع مع إسرائيل رغم عدم التسوية الشاملة، هي المسؤولة عن كل ذلك التصعيد العسكري في المنطقة.. فالمسؤول الأوّل عن ذلك هو الإدارة الأميركية الحالية التي اختارت منذ مجيئها أولويّة الحرب على العراق ثمّ استخدام جماعات التطرّف والعنف العشوائي كأعذار مناسبة لبدء أجندتها الحربية في العالم كلّه..!وكان تهميش الإدارة الأميركية الحالية لمسألة الصراع العربي/الإسرائيلي، بمثابة ضوء أخضر لحكمٍ آخر متطرّف في إسرائيل مارس أبشع أنواع العدوان على الشعب الفلسطيني مستغلاً اهتمام العالم ب"الحرب على الإرهاب" وانشغال أميركا بالأولوية العراقية ..! وكانت أولويات سياسة واشنطن في لبنان التحريض الدولي والعربي واللبناني على تنفيذ القرار 1559 لجهة الإصرار على نزع سلاح "حزب الله". وكانت المراهنة الإسرائيلية المدعومة أميركياً أن يؤدّي ذلك في لبنان إلى صراع لبناني داخلي مع "حزب الله" حتى لو مرّ طريق هذا الصراع في دهاليز فتنة مذهبية أدرك مخاطرها اللبنانيون والأطراف المعنيّة فعملوا على تجنّب دفع التأزّم السياسي إلى فوضى أمنية. فالفتنة كانت مطلوبةً قبل تلك التطوّرات، كما كانت مطلوبة خلالها وبعدها. الفتنة بين الفلسطينيين أنفسهم، وبين اللبنانيين أنفسهم، وبين العرب كلّهم.. فتنة تنهي أيّ مقاومة لأيّ احتلال وتجعل العدوّ هو "المواطن العربي الآخر". لقد راهنت إسرائيل، ومعها الإدارة الأميركية، على جعل صورة حربهما على لبنان في صيف العام 2006 وكأنّها حرب على النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة، وبالتالي على إمكانيّة تجميع القوى والصفوف اللبنانية والعربية والدولية خلف هذا العدوان. وكانت واشنطن قد نجحت في استقطاب أوروبا إلى جانبها في كيفيّة التعامل مع "حركة حماس" بعد وصولها إلى السلطة الفلسطينية، وفي الضغط على أطراف عربية عديدة لوقف دعمها لقطاع غزة. وقبل هذا وذاك، نجحت واشنطن في إقامة حلف أميركي/فرنسي بشأن لبنان صنَعَ القرار 1559 ثمّ القرار 1680، وأقام تحالفاً من القوى اللبنانية الداعمة لهذين القرارين وما فيهما من استهدافٍ واضح لسلاح المقاومة اللبنانية وللعلاقات السورية/اللبنانية. أيضاً شجّعت واشنطن على مناخٍ مذهبيٍّ حادٍّ في العراق وفي المنطقة العربية زاد الحديث فيه عن الدور الإيراني في الأحداث الدامية العراقية وفي تطوّرات مستقبل العراق. هكذا أرادت واشنطن وتل أبيب تصوير حرب صيف العام 2006 بأنها حرب على إيران وعلى نفوذها في بيروت ودمشق وغزّة، وليست على اللبنانيين والفلسطنيين والعرب. كانت إذن حرب أميركية/إسرائيلية ضدَّ إيران شكلاً، لكنّها عملياً حرب على الأرض العربية لإنهاء أيّة مقاومة عربية مسلّحة للاحتلال الإسرائيلي، حربٌ تؤدّي إلى فرض التطبيع والعلاقات بين العرب وإسرائيل بغضّ النَّظر عن فشل التسوية السياسية للصراع وعن مصير القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلّة. كانت شكلاً معركة واشنطن وتل أبيب مع طهران، لكنّها ضمناً هي معركة تركيع كامل للبلاد العربية بما عليها من حكومات وما فيها من شعوب ومنظمات..! لكنّ العدوان على لبنان، كما هو في تجارب الشعوب أينما كان، هزم نفسه بنفسه.
وحينما تنتصر المقاومة في لبنان، يكون الانتصار لكلِّ لبنان وللقضية الفلسطينية وللحلّ العادل لها. وستضطرّ واشنطن، عاجلاً أم آجلاً، كما اضطرّت لذلك الحكومة الإسرئيلية، إلى إدراك خطأ سياساتها وحساباتها ومراهناتها، والتوصّل إلى الرؤية السليمة لأسباب أزمات المنطقة: مشكلة الاحتلال الإسرائيلي والدعم الأميركي له.
وبمناسبة الافراج عن جثة عميدة الشهيدات دلال المغربي نقول: انه لمن المؤسف وفي ايام النصر للمقاومة وتراجع المشروع الصهيوني والأمريكي وفي اعراس الشهداء والأسرى أن يتجول من خانوا مسيرة الدرب والاخوة والعهد والقسم على الكفاح المسلح أن يتجول هؤلاء في شوارع تل أبيب ببطاقات الفي.اي. بي الاسرائيلية وكذلك في شوارع القدس التي تشهد اوسع هجمة همجية على هويتها الاسلامية والعربية وتنقل وكالات الانباء التمازج واللقاء والقبلات وكلمات الاطراء ومحافل العشاء مع الغزاة تحت خديعة اسمها التسوية وأي تسوية يا "دلال" مع خدعة اسمها التسوية وأي تسوية مع القتلة والمغتصبين للأرض اي تسوية مع من ابتلع الارض ومارس الاجتياح والحصار للشعب الفلسطيني لاخوتك وعشيرتك. بالتأكيد روحك يا دلال تلعنهم كما تلعنهم حجارة القدس وأسوارعكا..انها تلعنهم من غزة هاشم ونابلس والخليل وتلعنهم من نهر البارد إلى عين الحلوة وكل مخيماتنا في الضفة الغربية وغزة.
وفي النهاية نقول:
لو كان الذي يواجه إسرائيل هو جيش تقليدي لكانت استعادت إسرائيل هيبتها كما فعلت في العام 67. ولكن بما أن الشعب هو الذي واجه إسرائيل، وبمقاومة عقائدية كما ذكرنا، وبنمط القتال المذكور، فإن إسرائيل لا تستطيع أن تنتصر على شعب، وانني على ثقة تامة بأن إسرائيل دخلت طريق نهايتها عندما بدأت تواجه الشعوب مباشرة ولا تواجه الأنظمة, لأن الأنظمة للأسف يمكن أن تخضع باتصال هاتفي أو بوعد مصلحي, أما الشعوب فلا تسيرها إلا مصالحها الحقيقية وعقائدها الحقيقية، هذا إذا توفر لها القائد المخلص الذي يقدم ابنه في الميدان قبل أن يقدم أبناء الناس..!
***تم الرجوع لبعض المصادر.
وفي هذا السياق يقول احد ضباط الجيش اللبناني والذي كان عضوا في لجنة التفاوض مع الجانب الاسرائيلي وباشراف قوات الطوارئ الدولية: عندما كنت اصارع على السنتيمتر وعلى المتر وعلى المترين، في أحد المواقع، وبعد حدة من الجدل، تقدّم مني ضابط من قوات الطوارئ الدولية الذي كان في اللجنة وقال لي "ما الذي سيغير بالنسبة لكم تقدم متر أو مترين طالما أنها لن تُستعمل لا في الزراعة ولا يوجد بترول؟ قلت: "هذه أرضنا أولا.. ولكن لماذا لا توجه هذا السؤال إلى العدو الإسرائيلي؟" قال: "سألتهم وأجابوا إننا بحاجة لهذين المترين؛ لأن علينا أن ننتقم فيما بعد.
القرار بحرب ضد لبنان بعد الانسحاب عام 2000 كان قرارا إسرائيليا نهائيا،وكان ينتظر أمرين:
التحضير والظروف المكانية والزمانية. والذي يؤكد هذا القول أن لجنة فينوجراد، عندما حققت، لم تبدأ في التحقيق بتاريخ أسر الجنديين لترى كيف كان الأداء، بل انطلقت بتاريخ بداية التحقيق من 25 أيار عام 2000، وحاسبت الحكومات ورؤساء الأركان منذ ذلك التاريخ.لقد قامت هذه اللجنة بمحاسبة كل من قصر في التحضير للحرب، وهذا الذي صدر في القسم الأول من تقريرها. أما بالنسبة لإدارة الحرب ونتائجها،فكان القرار غير واضحا تماما, وبالتالي، لجنة فينوجراد قطعت بشكل لا يقبل الالتباس ولا الشك ولا الجدل بأن الحرب مقررة على لبنان من حيث المبدأ منذ العام 2000
أما الحرب كحصر في الزمن،فقد تم اقرارها على لبنان بقرار أمريكي وبعد نهاية العام 2005، والجميع يذكر ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة لوزيرة خارجية أمريكا رايس في كانون الأول عام 2006عندما جاءت إليه تعاتبه لماذا لم ينفذ وعده بنزع سلاح حزب الله. فقال لم نستطع...! ثم سمح لنفسه بشيءٍ مقيت أمام الإعلام، فقال "نشكر صبرك علينا"، والكل يعلم، وذلك لأنها قبلت عذره بأنه لم يستطع أن ينفذ المهمة بنزع سلاح حزب الله. وعندما اعتذر وقال إننا لن نستطيع أن ننزع السلاح كان العمل على خطين، خط داخلي للإلهاء، وهذا ما سمي الحوار، ومنذ أن انطلق الحوار كان هدفه القبض على قائد المقاومة وارغامه على الجلوس على طاولة المفاوضات وإلزامه بالاعتراف بوجوب التجريد من السلاح. ولكن لأنه استطاع بحجته المقنعة وبحكمته العميقة أن يحوّل النقاش من سلاح مقاومة إلى إستراتيجية دفاعية، تمّ تقريب موعد الحرب. أما أسر الجنديين فاتخذ سببا سخيفا لشن حرب مقررة ومحضرة ويعلم بها الجميع. وللأسف، يؤلمني أن أقول، ويمولها بعض العرب.
عندما حصلت عملية أسر الجنديين، انطلقت إسرائيل لتقول إنها تريد تحرير الأسيرين. لا يمكن للمحلّل إغفال أن الوسائل التي تستخدم في الحرب لا تتناسب مع الهدف المعلن، وبالتالي يجب البحث عن الهدف المضمر.. نعود إلى التاريخ القريب والمتوسط لنجد القرار 1559. إذًا الهدف ليس تحرير الأسيرين، هناك تطبيق القرار... ثم نرتدّ إلى إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس عن الشرق الأوسط الجديد، ونستنتج: هي إذًا ليست حرب الأسيرين ولا تطبيق الـ 1559 فقط، إنما حرب إقليمية لإعادة صياغة المنطقة. التحليل في هذه الحالة لا يعود إلى مجرد توقعات بل معلومات: هناك قرار أمريكي إسرائيلي بالتخلّص من المقاومة في لبنان للانطلاق إلى تغيير في الشرق الأوسط، وهذا القرار وضع تنفيذيا بموجب خطة موضوعة مسبقا.
تلك الحرب كانت في نظر جهات كثيرة أقرب إلى "نزهة" حسب التعبير الشائع، وهو ما فسّر في حينه تسرّع رايس في الإعلان غير المباشر عن الهدف بطرحها شعار "الشرق الأوسط الجديد"، وقد مات الشعار في هذه الأثناء، فقد ظهر للعيان أن الحرب انتهت بهزيمة، وأن المقاومة لم تكن لقمة سهلة المنال على الدبابات والطائرات الإسرائيلية، فما سر قوّة المقاومة اللبنانية؟؟
حتى نقول بوجود مقاومة ناجحة، يجب أن نقول بثلاثة عناصر:
العنصر الأول هو الإنسان، والعنصر الثاني هو السلاح، والعنصر الثالث هو نمط القتال والإمرة.
لو استعرضنا أسباب وعناصر نجاح المقاومة بوجه إسرائيل لوجدنا أن الإنسان الذي قاتل قاتل بعقيدة جوهرها العقيدة الإسلامية، النصر أو الشهادة. وبالتالي عندما يدخل مقاتل المقاومة الإسلامية في الميدان يضع نصب عينيه هذا العنوان، النصر أو الشهادة، والآية: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ} وبالتالي المقاتل في المقاومة الإسلامية رغم التدريب ورغم كل الكفاءات، الأهم من التدريب ومن الكفاءات هو الشحن المعنوي العقائدي الذي لا مثيل له. لو جئنا بهذا المقاتل ودُمج في الجيش هو نفسه، الجيش اللبناني ليس كله من المسلمين، وإرادة القتال عند غير المسلمين قد تكون متفاوتة، ولكن لكل شخص فكره العقائدي وطريقته في الدفاع عن حقوقه. والذي اختُبر حتى الآن أن الفكر العقائدي الإسلامي بهذه الصيغة هو الأرقى.
ثانيا، بالنسبة للسلاح، السلاح الذي ينبغي أن يمتلكه الجيش هو السلاح المناسب لتنظيمات وتشكيلات تقليدية مناسبة. هذه الأسلحة والطاقات غير متوفرة إمكاناتها للجيش اللبناني. لا متوفرة بالمال ولا متوفرة في السوق. وبالتالي إذا ربط الجيش بالمقاومة بمسألة السلاح، فسنأتي بسلاح خفيف ويذهب إلى تشكيلات تقليدية، فننهي دور السلاح.
الأمر الأهم والأخطر هو نمط القتال. المقاومة تقوم بنمط قتال غير تقليدي، قتال العصابات والمجموعات الصغيرة التي تستطيع أن تنهك قدرات العدو دون الحد الأدنى من الضرر. كان لإسرائيل حق تدمير غزّة ولبنان لإطلاق أسرى جنود بينما لا يحقّ لمقاتلين فلسطينيين ولبنانيين حقّ القيام بعملية عسكرية فوق أراضيهم ضدّ قوات محتلّة من أجل الإفراج عن آلافٍ من المعتقلين المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين!. لم تكن حتماً الأطراف العربية، التي سارت أكثر من اللازم في خطوات العلاقة والتطبيع مع إسرائيل رغم عدم التسوية الشاملة، هي المسؤولة عن كل ذلك التصعيد العسكري في المنطقة.. فالمسؤول الأوّل عن ذلك هو الإدارة الأميركية الحالية التي اختارت منذ مجيئها أولويّة الحرب على العراق ثمّ استخدام جماعات التطرّف والعنف العشوائي كأعذار مناسبة لبدء أجندتها الحربية في العالم كلّه..!وكان تهميش الإدارة الأميركية الحالية لمسألة الصراع العربي/الإسرائيلي، بمثابة ضوء أخضر لحكمٍ آخر متطرّف في إسرائيل مارس أبشع أنواع العدوان على الشعب الفلسطيني مستغلاً اهتمام العالم ب"الحرب على الإرهاب" وانشغال أميركا بالأولوية العراقية ..! وكانت أولويات سياسة واشنطن في لبنان التحريض الدولي والعربي واللبناني على تنفيذ القرار 1559 لجهة الإصرار على نزع سلاح "حزب الله". وكانت المراهنة الإسرائيلية المدعومة أميركياً أن يؤدّي ذلك في لبنان إلى صراع لبناني داخلي مع "حزب الله" حتى لو مرّ طريق هذا الصراع في دهاليز فتنة مذهبية أدرك مخاطرها اللبنانيون والأطراف المعنيّة فعملوا على تجنّب دفع التأزّم السياسي إلى فوضى أمنية. فالفتنة كانت مطلوبةً قبل تلك التطوّرات، كما كانت مطلوبة خلالها وبعدها. الفتنة بين الفلسطينيين أنفسهم، وبين اللبنانيين أنفسهم، وبين العرب كلّهم.. فتنة تنهي أيّ مقاومة لأيّ احتلال وتجعل العدوّ هو "المواطن العربي الآخر". لقد راهنت إسرائيل، ومعها الإدارة الأميركية، على جعل صورة حربهما على لبنان في صيف العام 2006 وكأنّها حرب على النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة، وبالتالي على إمكانيّة تجميع القوى والصفوف اللبنانية والعربية والدولية خلف هذا العدوان. وكانت واشنطن قد نجحت في استقطاب أوروبا إلى جانبها في كيفيّة التعامل مع "حركة حماس" بعد وصولها إلى السلطة الفلسطينية، وفي الضغط على أطراف عربية عديدة لوقف دعمها لقطاع غزة. وقبل هذا وذاك، نجحت واشنطن في إقامة حلف أميركي/فرنسي بشأن لبنان صنَعَ القرار 1559 ثمّ القرار 1680، وأقام تحالفاً من القوى اللبنانية الداعمة لهذين القرارين وما فيهما من استهدافٍ واضح لسلاح المقاومة اللبنانية وللعلاقات السورية/اللبنانية. أيضاً شجّعت واشنطن على مناخٍ مذهبيٍّ حادٍّ في العراق وفي المنطقة العربية زاد الحديث فيه عن الدور الإيراني في الأحداث الدامية العراقية وفي تطوّرات مستقبل العراق. هكذا أرادت واشنطن وتل أبيب تصوير حرب صيف العام 2006 بأنها حرب على إيران وعلى نفوذها في بيروت ودمشق وغزّة، وليست على اللبنانيين والفلسطنيين والعرب. كانت إذن حرب أميركية/إسرائيلية ضدَّ إيران شكلاً، لكنّها عملياً حرب على الأرض العربية لإنهاء أيّة مقاومة عربية مسلّحة للاحتلال الإسرائيلي، حربٌ تؤدّي إلى فرض التطبيع والعلاقات بين العرب وإسرائيل بغضّ النَّظر عن فشل التسوية السياسية للصراع وعن مصير القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلّة. كانت شكلاً معركة واشنطن وتل أبيب مع طهران، لكنّها ضمناً هي معركة تركيع كامل للبلاد العربية بما عليها من حكومات وما فيها من شعوب ومنظمات..! لكنّ العدوان على لبنان، كما هو في تجارب الشعوب أينما كان، هزم نفسه بنفسه.
وحينما تنتصر المقاومة في لبنان، يكون الانتصار لكلِّ لبنان وللقضية الفلسطينية وللحلّ العادل لها. وستضطرّ واشنطن، عاجلاً أم آجلاً، كما اضطرّت لذلك الحكومة الإسرئيلية، إلى إدراك خطأ سياساتها وحساباتها ومراهناتها، والتوصّل إلى الرؤية السليمة لأسباب أزمات المنطقة: مشكلة الاحتلال الإسرائيلي والدعم الأميركي له.
وبمناسبة الافراج عن جثة عميدة الشهيدات دلال المغربي نقول: انه لمن المؤسف وفي ايام النصر للمقاومة وتراجع المشروع الصهيوني والأمريكي وفي اعراس الشهداء والأسرى أن يتجول من خانوا مسيرة الدرب والاخوة والعهد والقسم على الكفاح المسلح أن يتجول هؤلاء في شوارع تل أبيب ببطاقات الفي.اي. بي الاسرائيلية وكذلك في شوارع القدس التي تشهد اوسع هجمة همجية على هويتها الاسلامية والعربية وتنقل وكالات الانباء التمازج واللقاء والقبلات وكلمات الاطراء ومحافل العشاء مع الغزاة تحت خديعة اسمها التسوية وأي تسوية يا "دلال" مع خدعة اسمها التسوية وأي تسوية مع القتلة والمغتصبين للأرض اي تسوية مع من ابتلع الارض ومارس الاجتياح والحصار للشعب الفلسطيني لاخوتك وعشيرتك. بالتأكيد روحك يا دلال تلعنهم كما تلعنهم حجارة القدس وأسوارعكا..انها تلعنهم من غزة هاشم ونابلس والخليل وتلعنهم من نهر البارد إلى عين الحلوة وكل مخيماتنا في الضفة الغربية وغزة.
وفي النهاية نقول:
لو كان الذي يواجه إسرائيل هو جيش تقليدي لكانت استعادت إسرائيل هيبتها كما فعلت في العام 67. ولكن بما أن الشعب هو الذي واجه إسرائيل، وبمقاومة عقائدية كما ذكرنا، وبنمط القتال المذكور، فإن إسرائيل لا تستطيع أن تنتصر على شعب، وانني على ثقة تامة بأن إسرائيل دخلت طريق نهايتها عندما بدأت تواجه الشعوب مباشرة ولا تواجه الأنظمة, لأن الأنظمة للأسف يمكن أن تخضع باتصال هاتفي أو بوعد مصلحي, أما الشعوب فلا تسيرها إلا مصالحها الحقيقية وعقائدها الحقيقية، هذا إذا توفر لها القائد المخلص الذي يقدم ابنه في الميدان قبل أن يقدم أبناء الناس..!
***تم الرجوع لبعض المصادر.
- القدس المحتلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق