سعيد الحمد
اعلامي وكاتب من البحرين
ليس عنوان قصيدة وليس عنوان اغنية ولكنه اسم مدونة الكترونية للشاب الجزائري »رحمة« الذي استقطبت مدونته الجزائريين وراحوا يتابعونها باهتمام لافت كونها مدونة ادبية ابداعية، وليس مدونة سياسية كباقي المدونات التي يشهدها عالمنا العربي المسيس حتى العظم وحتى النخاع. هل نحن ضد السياسة؟؟
ليس عنوان قصيدة وليس عنوان اغنية ولكنه اسم مدونة الكترونية للشاب الجزائري »رحمة« الذي استقطبت مدونته الجزائريين وراحوا يتابعونها باهتمام لافت كونها مدونة ادبية ابداعية، وليس مدونة سياسية كباقي المدونات التي يشهدها عالمنا العربي المسيس حتى العظم وحتى النخاع. هل نحن ضد السياسة؟؟
لسنا كذلك ولن نكون، لكنها »السياسة« قضت على كل ما لدينا وعلى كل ما فينا من احساس بالجمال بالابداع بالحب بالاشراق بالتفتح بالبهجة بالفرح، بالقدرة على الضحكة من القلب.. فقدنا كل قدرة انسانية على ذلك والتهمتنا السياسة بل وطحنتنا بين انيابها.
»ايقظوا الحلم اريد ان انام« ربما شكلت فسحة للجزائريين لاستعادة ما فاتهم او على الاقل لاستعادة شيء مما فاتهم في تذوق وتلمس ومعايشة الابداع والجمال واللغة الشاعرية والكتابة الروائية الانسانية، »فرحمة« امتداد لـ »حسنة« تلك الكاتبة الجزائرية المجهولة التي عرف الناس هناك اسمها من مدونة ادبية وقرأوا لها نصوصا وقصصا اعادت لهم زمن الاسطورة وزمن الحب الذي افتقدوه عندما اخترقتهم السياسة، وعندما تسيسوا في زمن القتل على الهوية، وهو الزمن الاسود الذي شهدته الجزائر في التسعينات حيث ولد جيل كامل لا يزال يبحث عن الحب.
انا اكتب اذن انا موجود، هو شعار مدونة »علاوة حاجي« الجزائري الآخر الذي فتح مدونته لحوارات ادبية ونقدية ولنصوص ابداعية اخرى فانهالت التعليقات هناك وكأن الجزائريين كانوا يبحثون عن مأوى بعيدا عن السياسة واختناقاتها واختطافاتها التي خطفت منهم الاحساس بالجمال. فضاؤنا العربي وعالمنا العربي عالم سياسة..
ننام على السياسة ونصحو على السياسة.. نتغدى سياسة ونفطر سياسة ونتعشى على السياسة ويا ليتها سياسة منتجة ولكنها سياسة عاطلة بكل المقاييس.. فالمعارضة العربية هي ان تقول »لا« وان تصرخ بـ »لا« لكل المشاريع ولكل المبادرات ولكل ما هو موجود تحت شعار ولدت لاكون معارضا..
والمعارض يرفض كل ما هو قائم وغير مطلوب منه امتلاك البديل. في عالمنا العربي السياسي المعارض هو من يقول »لا« ويعارض كل ما هو موجود وليس مسؤولا ولا معنيا بتقديم البدائل كما هو موجود في كل معارضات العالم الآخر. وفي عالمنا العربي السياسي »الموالي« هو من يقول »نعم« كبيرة لكل ما هو موجود ولا يملك ان ينتقد اي شيء مما هو قائم »فكله تمام« هو شعاره..
وما بين هكذا وعي وهكذا فهم للمعارضة وللموالاة ضاعت الطاسة السياسية واصبحنا جميعا مسكونين بسياسة عرجاء عاطلة كسولة قادرة على الثرثرة المملة وعاجزة عن الفعل. ومعها فقدنا القدرة على تذوق الفن والابداع والاحساس بالبهجة والاحساس بالفرح والاحساس بالحياة، حيث شعارنا السياسي المفضل الآن في هذا العالم العربي هو ان تكون مسيسا بمعنى مخاصم لكل شكل من اشكال الفرح والابتسام والاحساس بالحياة خارج دائرة التسيس التي غرقنا فيها.
لسنا ضد السياسة.. ولكن اين مدوناتنا ومواقعنا الالكترونية التي فتحت فضاءها المعرفي ووضعت مساحات للأشكال الاخرى من الفن من الابداع من الحوار الانساني من النقاش اليومي في امور كثيرة، منها قضايا الشباب ومشاكلهم مع واقع مجتمعاتهم التي راحت مثلا تفرض عليهم خياراتها وقراراتها حتى في الملبس والمأكل والمسلك.. فالشاب نريده نسخة منا وان حاول او حتى فكر ان يخرج قليلا عن خطنا في ملبسه او مأكله ناهيك عن تفكيره واسلوبه رميناه بحجارة من سجيل، واخرجناه من الملة والدين وطردناه شر طردة من بيت طاعتنا واصبح ملوما منبوذا مهمشا. هل نسمح للشاب ان يستمع لما يريد وان يشاهد ما يريد وان يقرأ ما يريد وان يكتب ما يريد؟!
لماذا لا تطرح المدونات مثلا مثل هذه القضايا وتفتح حولها حوارا ونقاشا مستفيضا وواسعا ونترك للشباب حرية النقاش والسجال في مثل هذه القضايا التي تشكل العمود الفقري لحياتهم ومع ذلك لا يستطيعون بل قل لا يجرأون وغير مسموح لهم مناقشتها بأمر من اصحاب الوصايا العشر الذين يعتبرون التفكير خارج اسلوبهم »كفرا« دائما.
مدوناتنا ومواقعنا على الشبكة العنكبوتية يديرها الشباب بروح وبعقلية الشيوخ الذين تجاوزوا السبعين والثمانين بل بروح ماضوية من آلاف السنين، يسترجعون طروحات وآراء من غابر الازمان ويسقطونها بلغة مسيسة على واقع القرن الحادي والعشرين، شبابنا بلغوا مرحلة الشيخوخة وكلما غرقوا فيها نالوا الرضا والقبول من اصحاب الوصايا، فتحول شبابنا الى صدى صوت كهؤلاء وفقدوا اصواتهم الحقيقية المعبرة عنهم وعن تفكيرهم وهواجسهم ودواخلهم وهمومهم اليومية الصغيرة التي دفنوها هناك في اعماق التراب وخبأوها عن العيون الوصائية من ان ترصدها ليمارسوا ازدواجية وانشطارا فظيعا بين ما يعلنون امام الملأ وبين ما يمارسون وما يفكرون فيه في الخفاء.
هذا الشاب يريد ان يغني ان يعزف ان يرسم ان يرقص ان يمثل ان يبدع لكن اصحاب الوصايا يفرضون عليه »التابو« فيتظاهر بالطاعة والولاء وبداخله يمور ويثور بركان شاب ابداعي وفني وما بين ما يتظاهر به وما يشعر وما يرغب فيه مسافة احتراق وانشطار وازدواجية تنعكس فيما نراه وفيما نلاحظه على مجموعة شبابنا من تطرف وتزمت وغلو وتشدد في كل ميدان ومن انحياز لأصحاب الوصايا وكأن هؤلاء الشباب يعاقبون انفسهم بمعاقبة مجتمعهم.
ما نريد قوله وباختصار شديد اطلقوا الشباب من اسركم ومن قيدكم ودعوهم يمارسون ذاتهم ويفكرون بعقولهم ودعونا نسمع صوتهم الحقيقي لا صدى اصواتكم، وشجعوهم على فتح المدونات والمواقع التي تعبر عن ابداعهم في الفن في القصة في الغناء في الموسيقى في الشعر في الحب في الجمال.
البريد الالكتروني للكاتب:
البريد الالكتروني للكاتب:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق