محمد عبد اللـه
لبنان أحد ثلاث دول عربية استثنائية تعيش الهامش الأوسع من الديموقراطية في منطقتنا إلى جانب فلسطين و العراق ، و لا تختلف لبنان كثيراً عن نظيرتيها العربيتان في استغلال الديموقراطية على الطريقة العربية الأصيلة ، حيث الأحزاب العائلية المتوارثة و الحوار بالسلاح و قتل بني البشر المدعوم و المبارك من القادة المقدسين.
و لأن ما يحكم لبنان هو العوائل و ليس الديموقراطية الحقيقية فقد عاش الحوار الوطني اللبناني (حوار السلاح و حوار الكلام معاً) خارج البرلمان ، و بما أن الحوار قائم أساساً خارج البرلمان فإنه من البديهي أن تأتي الحلول غير دستورية ، بل توافقية ، و كأن البلد قد وُلد بالأمس و ليس له دستور يحكمه ، فتقوم الحكومات و يأتي الرؤساء بلا دستورية و لا شرعية.
جاء الرئيس اللبناني الجديد ميشيل سليمان بعد أن كان فريق الموالاة يطعن في شرعية رئيس الجمهورية السابق اميل لحود ، و فريق المعارضة يطعن في شرعية رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ، و غداً سوف لن يكون من الصعب على من يريد أن يعكر الأجواء السياسية أو الأمنية في لبنان لأي سبب من الأسباب أن يطعن في شرعية الرئيس ميشيل سليمان و هناك من الدواعي الدستورية ما يؤمّن ذلك.
يقول المناوؤن للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية أن الخصوصية العربية لا تتماشى مع الديموقراطية الغربية ، و ربما حريٌ بنا أن نقول أن الخصوصية العربية لا تتماشى مع الديموقراطية غربية كانت أو هندية أو يابانية أو روسية أو أياً كانت. و لأن الديموقراطية بعيدة عن الثقافة العربية و خصوصياتها بل هي دخيلة عليها فقد تجلى ذلك واضحاً عندما دُعي إلى إنتخاب الرئيس ميشيل سليمان ، حيث لم يكن الأمر انتخاباً البتة ، بل كان أقرب ما يكون الى التعيين أو التزكية منه إلى أي شئ آخر.
لماذا فرح اللبنانيون بهذا الشكل العارم لإنتخاب "على الأصح تزكية" سليمان رئيساً؟ هل ما حصل يستدعي كل هذه الإحتفالات التي توحي و كأن مشاكل لبنان قد حُلت؟ و هل سوف يفرح اللبنانيون و بهذه الطريقة مرة أخرى عند تشكيل الحكومة؟
لم تطفأ أنوار الزينة في بيروت حتى اشتعل الشارع من جديد و عادت الإصطدامات ، و الرئيس الذي فرح الناس بقدومه لم يحل أو يربط ، و كان موقفه هذا تماماً كموقفه من الإصطدامات عندما اجتاح حزب الله بيروت و هو على رأس الجيش ، بدعوى الوقوف على الحياد ، فلماذا الفرح؟ هل سيوقف الرئيس تقاتل اللبنانيين؟ هل سيسحب سلاح المليشيات و يعزز دولة القانون؟ أين الحل في وصول الرئيس سليمان إلى سدة الحكم؟ و ما الذي استدعى هذه الفرحة؟ و هل سوف تنفع هذه الحيادية "الحادة" اللبنانيين في شئ؟
كان خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس سليمان يمثل شخصية الرئيس الى درجة كبيرة ، فهو خطاب بلا لون و لا رائحة و لا طعم ، ولأنه كذلك فقد أرضى أذواق جميع اللبنانيين ، و كما كانت الفرحة الكبيرة مستغربة و غير مبررة فقد كان استحسان الخطاب التوافقي الذي لا يحرك ساكناً أيضا مستغرباً ، و كأن الجميع لا يهمه الحلول الجذرية الدائمة و يكتفون بالحلول المؤقتة التي تضمن المصالح الآنية و الفورية لكل فريق.
الأحد، يوليو 27، 2008
هـنـيـئـاً لـكـم الـرئـيـس الـتـوافـقـي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق