سامي الأخرس
مع بدايات القرن الواحد والعشرون الذي أصبح العالم فيه يتكلم بلغة التكنولوجيا والتطورات الهائلة لعصر التكنولوجيا لا زلنا نحن العرب عامة ساسة وأدباء وأكاديميون ومفكرون نبحث عن ملامح التوازن مع ما يحيط بنا من تطور وتقدم هائل سواء ثقافياً ، أو فكرياً ، أو اقتصادياً وجميع هذه الأبحاث تستند إلى الماضي ، وترتكز إليه في القراءة والتحليل ولكنها لم تضع أمامنا أي تفسيرات للحاضر وللمستقبل ، بل عندما تجد أحد هذه الدراسات المستقبلية أو للحاضر الذي نعيش فيه تجد جل مراجعها أجنبية ولباحثين أجانب ، ومعظم ما يبحث عنه المفكرون العرب هو الخطر الديمغرافي الذي يحيط بإسرائيل مثلاً من جيرانها العرب أو من القنبلة الديمغرافية التي توجد في داخل إسرائيل والمتمثلة بفلسطيني فلسطين التاريخية الذين يتزايد عددهم وحجمهم زيادة طبيعية نتيجة إرتفاع نسبة الخصوبة ومعدلاتها ، والعشرات من الدراسات والأبحاث التي أجريت والتي لا زالت تجري حول خطورة وأهمية هذه الظاهرة التي يُعول عليها أن تكون سلاح الحسم في معركة الوجود المستقبلية وهو ما يعيد للذاكرة إستذكار غزوة " حنين " وبدايات الدولة الإسلامية التي كانت تواجه جيوش الفرس والروم والصليبيين حيث كان الاعتماد في ذاك العصر على القوة البشرية أو العنصر البشري كأحد عناصر الحسم وعوامل الانتصار ، وهذا في ظل التوازن في العوامل الأخرى وخاصة الأسلحة منها . في حين أنه في عصر التكنولوجيا والقدرات العسكرية التكنولوجية لم يعد لهذا العنصر البشري الدور الذي كان له بالسابق ولم يعد هو عامل الحسم الأهم فالولايات المتحدة الأمريكية حسمت الحرب العالمية بالسلاح النووي ومن خلال ضربتين جويتين فقط استسلمت على أثرهما اليابان ودول المحور رغم بسالة الجيش والشعب الياباني في المعركة .
هذا بالتأكيد لا ينفي أهمية العنصر البشري ودوره المميز لأنه هو من يبتكر ويقود العنصر التكنولوجي ، ولكن المقصود هنا أي عنصر بشري هو القادر على الحسم والإبداع ؟!
خبر سريع تلقفته الولايات المتحدة الأمريكية فسارعت لبدأ حرب تصريحات وتهديدات ووعيد ضد روسيا الإتحادية ألا وهو نية روسيا بنشر قاذفات من طراز " تي يو – 160" المسماة بالبجعات البيضاء في كوبا كرد على الدرع الصاروخي الدفاعي الذي تعتزم الولايات المتحدة إقامته في أوروبا ، وهذا الخبر لا جديد فيه ولا يثير الحفيظة والانتباه وإنما هو ضمن الأخبار التقليدية التي يمر عليها المواطن والإنسان العربي مرور الكرام ، ولم يكلف نفسه بالسؤال ماذا سننشر نحن أمام المد الاستعماري الأمريكي الذي شارف على إلتهام الوطن العربي قطعة تلو الأخرى ؟!
التقليدية هنا ليست بالعيب أو النقص في هذه الشعوب العربية كونها القوة البشرية التي تعتبر مادة بحث وتحليل للباحثين والأكاديميين العرب بشتي ألوانهم وأطيافهم الفكرية والأيديولوجية والثقافية والمذهبية ، وإنما التقليدية نقص وعيب في الفئة الأخيرة التي لا زالت تعيش في عصر السيف والرمح والمنجنيق ، تريد الاستحمام وتخشي البلبل من المياه ، كما تخشي خوض عملية فرز فكري للبحث عن المستقبل وإنقاذنا من تقليدية فكرية لا زلنا ندور في فلكها رغم أن كل المؤشرات التي تؤكد إننا في طريقنا لسايس – بيكو القرن الواحد والعشرون وبملامح اشد تجزئة وتفتيت ، وأن العوامل الديمغرافية التي تعتبر مادة المراهنة المستقبلية عرضة لعملية تجزئة وتفتيت أشد مما هي عليه وأكثر جرذمة ، وستعاني من عجز وقلة حيلة على فعل أي شيء أمام العالم المتطور والمتحضر والمتقدم .
فالعنصر البشري العربي هذا المخلوق العاجز لا زال يعيش في بدايات القرون البائدة ، حيث اللاهوت والخرافة والبحث عن التحرر من ربق وعبودية الجهل والفقر والأمية والتخلف ، وللقارئ أو الباحث أن يَطلِع على أحد المناهج العربية ليدرك حقيقة وجودنا وتخلفنا وأميتنا الثقافية والعلمية ، وهنا المقصود ليس المناهج الأساسية فقط بل المناهج الأكاديمية التي يُدرس بها طلاب الدراسات العليا الماستر والدكتوراه ونوعية المادة العلمية التي لا تخرج عن نطاق الماضي المتمثل بنشأة الحضارة البابلية ، وقوانين حمورابي ، وأزمة المسلمين في حنين ، وتوحيد مينا للقطرين ، والحركة الوهابية ونضالها ، ومنابع نهر النيل ومصب نهر الفرات ...الخ .
فالقضية المطروحة على بساط البحث العربي هي الأزمة ذلك العنوان الغامض غير واضح المعالم والغير معلوم هل هي الأزمة في البناء الثقافي أم أزمة سياسية تمثلها أنظمة التقسيم والتجزئة التي فرضتها نتائج الحرب العالمية الثانية كنتيجة إنهزام الدولة العثمانية ، أم هي أزمة موروث ؟!
فعند تناول الموروث مثلاً كأحد الأسئلة المطروحة فالجزم هنا أن الموروث براء من الذنب كبراءة الذئب من دم يوسف حيث إنه موروث مُشرق اعتمد في نهضته على العلم والمعرفة والحداثة والنهضة ، استعان بكل ما هو متطور وجديد وتقدمي ، ولم يتبني نظرية المؤامرة ويلفظ كل ما يأتيه من الأخر تحت شعار المؤامرة كما نفعل اليوم ، ولإدراك الفرق بين الموروث والوارث علينا الإطلاع على حجم الكتابات العربية ضد العولمة مثلاً ومقارعتها ومدي الخوف والرعب منها ، في حين إنه يمكن التعامل معها ومقاومتها من خلال أسلحتها ، بل والإستفادة منها ومواجهة مساوئها من خلال إيجابياتها ومثالنا الواضح والجلي بتجربتين تجربة روسيا الإتحادية التي ورثت الإتحاد السوفيتي السابق ، وورثت منه الهزيمة السياسية كما ورثت إقتصاد متهالك ودكتاتورية حزبية متمثلة بشخصنة الفكر والأيدلوجيا لبعض الأحزاب الشيوعية ورغم ذلك احتفظت بوجودها كقوة عظمي ولا زالت تمثل مصدر إزعاج ورعب للولايات المتحدة وتحافظ على جغرافيتها واستقلالية قرارها فمجرد خبر نشر قاذفات البجعات البيضاء شكل مصدر إزعاج وخوف لدي القطبية المنتصره عالمياً ، وهو عكس ما حدث في العراق الذي ما إن سقط نظامه حتى ذابت موروثاته الحضارية والفكرية والتاريخية والثقافية وتقاسمت خيراته وموارده الطبيعية والبشرية وأصبح الإنسان العراقي يخضع لمناطق الاستحواذ والنفوذ لأصحاب العمم والكروش ، سقط النظام فسقط العراق ككيان وماضي وحاضر ومستقبل .
إذن فما أهمية العامل الديموغرافي في المواجهة والتنمية في عصر التكنولوجيا ؟!
لا يمكن نفي أهمية الديمغرافية في عملية الصراع والبناء ، ولا يمكن تجاوزها ، كما لا يمكن نفي قدرة العنصر البشري ودوره وأهميته في عملية الحسم ، ولكن هذا العنصر يجب أن
يُهيأ ويُعد ويُصقل لكي يستطيع خوض غمار عملية الصراع .
لا يمكن لعنصر يخضع لكل عمليات الاضطهاد والظلم والحرمان والتغييب والتغريب والبرمجة وفقاً لمصالح وغايات جزئية ، وتحول كأداة طيعة في أيدي المهندس المستفيد أو صاحب لغة البرمجة ، والمثال هنا متمثل بالشاب المصري كنموذج الذي يعاني من أزمات لا حدود لها ورغم ذلك يخوض غمار معركة شرسة حقيقية تدور رحاها حول الأهلي والزمالك وأصبحت مراكز الإحصاء غايتها قياس مدي شعبية كل نادي في المجتمع المصري ، وهذا ليس نقصاً أو مأخذاً وإنما هو تغييب للمجتمع وحصره في ملهاة نفسية وإغلاق الدائرة عليه.
والمثال الأخر الشاب الفلسطيني الذي أصبح أسير حماس وفتح وكلاً يُملى عليه إملاءاته ، ويبرمجه كالآلة وفقاً لأهوائه ومراميه وغاياته فضاعت فلسطين مرة أخرى بين طاحونة غزة (حماس) ورحى رام الله (فتح) .
أما الشباب العربي الآخر فهو ممزق ومهزوم داخلياً يبحث عن جنوبيته أو هويته الشمالية في اليمن ، والسوداني لم يحسم أمره بعد هل هو دارفوري أم جنوبي أم خرطومي ، وكذلك العراقي المحتار ماذا يدون في بطاقته الشخصية شيعي أم سني أم كردي ... الخ من النماذج العربية . ومع هذه الحالة لا زال الباحث والمفكر والأديب العربي يقضي حياته بين كومات الكتب والدراسات ليضع دراسة عن دور العامل الديموغرافي المستقبلي في حسم الصراع حتى ساد الإعتقاد أن كل جنين برحم أمه يولد ومعه حرفاً من حروف إسرائيل ليلقي بها للبحر ، وفي الوقت الذي أصبح مقر قيادة القوات المركزية الوسطي للولايات المتحدة بين ظهران هذا الوطن يراقبنا بأجهزته الرقابية الفضائية والبحرية والأرضية وكأنها طوق موثوق حول العنق العربي ، وكل يوم يبتلع جزءاً من أجزاء هذه الأمة التي أصبحت في حكم أملاك المشاع التي لا صاحب لها في العقلية الغربية الأمريكية الحديثة .
إضافة لكل ما جاء سابقاً فالناظر والمستطلع للخريطة الجغرافية والسياسية العالمية يجد أن هناك الكثير ما يستحق التأمل والتفكير والسؤال عندما يجد أن المنطقة العربية الأكثر إنتاجاً واحتياطاً للنفط والغاز الطبيعي في العالم هي اليوم في قبضة التكنولوجيا ، كما سيجد أن هناك مناطق ابتلعت وشطبت عنوة ونحن لا نبحث عنها كالاحواز العربية ، ولواء الإسكندرونة ، وجزر طنب الصغري والكبري وأبو موسي رغم أن العامل الديمغرافي في كل هذه الحالات كان لصالح العرب فهل لا زال الرهان عليه قائم ؟!
وخلاصة القول هل سيأتي اليوم الذي يدرس به المواطن العربي ويقرأ عن " البجعات العربية " أم سنبقي أَسري السيوف التي انتصرت في القادسية وحطين ...الخ فالعالم يُشيد قلاع الحضارة ، وينطلق نحو المستقبل ، وأصبح يغزو الفضاء ، فمتي ستقودنا عقول مفكرينا وباحثينا وأدبائنا لمشروع المستقبل العربي ؟!
الإجابة الحتمية مختصره عندما يعود " زويل " والعشرات أمثاله ليجدوا مختبراً عربياً واحداً في دولة عربية ، مختبراً واحداً وليس رفوف مكاتب مليئة بالعشرات من الدراسات عن أَحمس ومينا وحمورابي والهكسوس ، وعندما يدرس الأكاديمي العربي تاريخ المستقبل وليس تاريخ الماضي .
هذا بالتأكيد لا ينفي أهمية العنصر البشري ودوره المميز لأنه هو من يبتكر ويقود العنصر التكنولوجي ، ولكن المقصود هنا أي عنصر بشري هو القادر على الحسم والإبداع ؟!
خبر سريع تلقفته الولايات المتحدة الأمريكية فسارعت لبدأ حرب تصريحات وتهديدات ووعيد ضد روسيا الإتحادية ألا وهو نية روسيا بنشر قاذفات من طراز " تي يو – 160" المسماة بالبجعات البيضاء في كوبا كرد على الدرع الصاروخي الدفاعي الذي تعتزم الولايات المتحدة إقامته في أوروبا ، وهذا الخبر لا جديد فيه ولا يثير الحفيظة والانتباه وإنما هو ضمن الأخبار التقليدية التي يمر عليها المواطن والإنسان العربي مرور الكرام ، ولم يكلف نفسه بالسؤال ماذا سننشر نحن أمام المد الاستعماري الأمريكي الذي شارف على إلتهام الوطن العربي قطعة تلو الأخرى ؟!
التقليدية هنا ليست بالعيب أو النقص في هذه الشعوب العربية كونها القوة البشرية التي تعتبر مادة بحث وتحليل للباحثين والأكاديميين العرب بشتي ألوانهم وأطيافهم الفكرية والأيديولوجية والثقافية والمذهبية ، وإنما التقليدية نقص وعيب في الفئة الأخيرة التي لا زالت تعيش في عصر السيف والرمح والمنجنيق ، تريد الاستحمام وتخشي البلبل من المياه ، كما تخشي خوض عملية فرز فكري للبحث عن المستقبل وإنقاذنا من تقليدية فكرية لا زلنا ندور في فلكها رغم أن كل المؤشرات التي تؤكد إننا في طريقنا لسايس – بيكو القرن الواحد والعشرون وبملامح اشد تجزئة وتفتيت ، وأن العوامل الديمغرافية التي تعتبر مادة المراهنة المستقبلية عرضة لعملية تجزئة وتفتيت أشد مما هي عليه وأكثر جرذمة ، وستعاني من عجز وقلة حيلة على فعل أي شيء أمام العالم المتطور والمتحضر والمتقدم .
فالعنصر البشري العربي هذا المخلوق العاجز لا زال يعيش في بدايات القرون البائدة ، حيث اللاهوت والخرافة والبحث عن التحرر من ربق وعبودية الجهل والفقر والأمية والتخلف ، وللقارئ أو الباحث أن يَطلِع على أحد المناهج العربية ليدرك حقيقة وجودنا وتخلفنا وأميتنا الثقافية والعلمية ، وهنا المقصود ليس المناهج الأساسية فقط بل المناهج الأكاديمية التي يُدرس بها طلاب الدراسات العليا الماستر والدكتوراه ونوعية المادة العلمية التي لا تخرج عن نطاق الماضي المتمثل بنشأة الحضارة البابلية ، وقوانين حمورابي ، وأزمة المسلمين في حنين ، وتوحيد مينا للقطرين ، والحركة الوهابية ونضالها ، ومنابع نهر النيل ومصب نهر الفرات ...الخ .
فالقضية المطروحة على بساط البحث العربي هي الأزمة ذلك العنوان الغامض غير واضح المعالم والغير معلوم هل هي الأزمة في البناء الثقافي أم أزمة سياسية تمثلها أنظمة التقسيم والتجزئة التي فرضتها نتائج الحرب العالمية الثانية كنتيجة إنهزام الدولة العثمانية ، أم هي أزمة موروث ؟!
فعند تناول الموروث مثلاً كأحد الأسئلة المطروحة فالجزم هنا أن الموروث براء من الذنب كبراءة الذئب من دم يوسف حيث إنه موروث مُشرق اعتمد في نهضته على العلم والمعرفة والحداثة والنهضة ، استعان بكل ما هو متطور وجديد وتقدمي ، ولم يتبني نظرية المؤامرة ويلفظ كل ما يأتيه من الأخر تحت شعار المؤامرة كما نفعل اليوم ، ولإدراك الفرق بين الموروث والوارث علينا الإطلاع على حجم الكتابات العربية ضد العولمة مثلاً ومقارعتها ومدي الخوف والرعب منها ، في حين إنه يمكن التعامل معها ومقاومتها من خلال أسلحتها ، بل والإستفادة منها ومواجهة مساوئها من خلال إيجابياتها ومثالنا الواضح والجلي بتجربتين تجربة روسيا الإتحادية التي ورثت الإتحاد السوفيتي السابق ، وورثت منه الهزيمة السياسية كما ورثت إقتصاد متهالك ودكتاتورية حزبية متمثلة بشخصنة الفكر والأيدلوجيا لبعض الأحزاب الشيوعية ورغم ذلك احتفظت بوجودها كقوة عظمي ولا زالت تمثل مصدر إزعاج ورعب للولايات المتحدة وتحافظ على جغرافيتها واستقلالية قرارها فمجرد خبر نشر قاذفات البجعات البيضاء شكل مصدر إزعاج وخوف لدي القطبية المنتصره عالمياً ، وهو عكس ما حدث في العراق الذي ما إن سقط نظامه حتى ذابت موروثاته الحضارية والفكرية والتاريخية والثقافية وتقاسمت خيراته وموارده الطبيعية والبشرية وأصبح الإنسان العراقي يخضع لمناطق الاستحواذ والنفوذ لأصحاب العمم والكروش ، سقط النظام فسقط العراق ككيان وماضي وحاضر ومستقبل .
إذن فما أهمية العامل الديموغرافي في المواجهة والتنمية في عصر التكنولوجيا ؟!
لا يمكن نفي أهمية الديمغرافية في عملية الصراع والبناء ، ولا يمكن تجاوزها ، كما لا يمكن نفي قدرة العنصر البشري ودوره وأهميته في عملية الحسم ، ولكن هذا العنصر يجب أن
يُهيأ ويُعد ويُصقل لكي يستطيع خوض غمار عملية الصراع .
لا يمكن لعنصر يخضع لكل عمليات الاضطهاد والظلم والحرمان والتغييب والتغريب والبرمجة وفقاً لمصالح وغايات جزئية ، وتحول كأداة طيعة في أيدي المهندس المستفيد أو صاحب لغة البرمجة ، والمثال هنا متمثل بالشاب المصري كنموذج الذي يعاني من أزمات لا حدود لها ورغم ذلك يخوض غمار معركة شرسة حقيقية تدور رحاها حول الأهلي والزمالك وأصبحت مراكز الإحصاء غايتها قياس مدي شعبية كل نادي في المجتمع المصري ، وهذا ليس نقصاً أو مأخذاً وإنما هو تغييب للمجتمع وحصره في ملهاة نفسية وإغلاق الدائرة عليه.
والمثال الأخر الشاب الفلسطيني الذي أصبح أسير حماس وفتح وكلاً يُملى عليه إملاءاته ، ويبرمجه كالآلة وفقاً لأهوائه ومراميه وغاياته فضاعت فلسطين مرة أخرى بين طاحونة غزة (حماس) ورحى رام الله (فتح) .
أما الشباب العربي الآخر فهو ممزق ومهزوم داخلياً يبحث عن جنوبيته أو هويته الشمالية في اليمن ، والسوداني لم يحسم أمره بعد هل هو دارفوري أم جنوبي أم خرطومي ، وكذلك العراقي المحتار ماذا يدون في بطاقته الشخصية شيعي أم سني أم كردي ... الخ من النماذج العربية . ومع هذه الحالة لا زال الباحث والمفكر والأديب العربي يقضي حياته بين كومات الكتب والدراسات ليضع دراسة عن دور العامل الديموغرافي المستقبلي في حسم الصراع حتى ساد الإعتقاد أن كل جنين برحم أمه يولد ومعه حرفاً من حروف إسرائيل ليلقي بها للبحر ، وفي الوقت الذي أصبح مقر قيادة القوات المركزية الوسطي للولايات المتحدة بين ظهران هذا الوطن يراقبنا بأجهزته الرقابية الفضائية والبحرية والأرضية وكأنها طوق موثوق حول العنق العربي ، وكل يوم يبتلع جزءاً من أجزاء هذه الأمة التي أصبحت في حكم أملاك المشاع التي لا صاحب لها في العقلية الغربية الأمريكية الحديثة .
إضافة لكل ما جاء سابقاً فالناظر والمستطلع للخريطة الجغرافية والسياسية العالمية يجد أن هناك الكثير ما يستحق التأمل والتفكير والسؤال عندما يجد أن المنطقة العربية الأكثر إنتاجاً واحتياطاً للنفط والغاز الطبيعي في العالم هي اليوم في قبضة التكنولوجيا ، كما سيجد أن هناك مناطق ابتلعت وشطبت عنوة ونحن لا نبحث عنها كالاحواز العربية ، ولواء الإسكندرونة ، وجزر طنب الصغري والكبري وأبو موسي رغم أن العامل الديمغرافي في كل هذه الحالات كان لصالح العرب فهل لا زال الرهان عليه قائم ؟!
وخلاصة القول هل سيأتي اليوم الذي يدرس به المواطن العربي ويقرأ عن " البجعات العربية " أم سنبقي أَسري السيوف التي انتصرت في القادسية وحطين ...الخ فالعالم يُشيد قلاع الحضارة ، وينطلق نحو المستقبل ، وأصبح يغزو الفضاء ، فمتي ستقودنا عقول مفكرينا وباحثينا وأدبائنا لمشروع المستقبل العربي ؟!
الإجابة الحتمية مختصره عندما يعود " زويل " والعشرات أمثاله ليجدوا مختبراً عربياً واحداً في دولة عربية ، مختبراً واحداً وليس رفوف مكاتب مليئة بالعشرات من الدراسات عن أَحمس ومينا وحمورابي والهكسوس ، وعندما يدرس الأكاديمي العربي تاريخ المستقبل وليس تاريخ الماضي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق