الثلاثاء، يوليو 15، 2008

المطلوب ميزانية خاصة للأعراس والمناسبات الاجتماعية الأخرى

راسم عبيدات

......في فترة ليست بعيدة وعندما كانت الأعراس تقام في البيوت،ولم تكن القاعات منتشرة،كانت مواسم الأعراس تقتصر على فترة الصيف وفي أيام محددة من الأسبوع، ولم تكن بعد الثقافة الاستهلاكية ثقافة "البهرجة" وأعمال "الفشخرة"منتشرة على نحو واسع وكبير،وكانت الدعوات توجه لعدد معقول من الناس،ومن الذين أهل العروسين تربطهم معهم وشائج القرابة والصداقة، ولم تكن مسألة "تنقيط"العرسان تشكل عبئاً على جيوب الناس،بل كانوا يعتبرونها نوع من المساعدة للعرسين لشق طريقهما وحياتهما، وكانت الناس تقدم هذا الواجب وهي تشعر بفرح وغبطة غامرتين،أما اليوم وفي عصر العولمة "وغربنة" الأعراس وانتشار سياسة النفاق الاجتماعي،وتعدد وكثرة المناسبات،باتت الناس في ضائقة كبيرة،وتجد التذمر والسخط على ألسنة كل الناس،من كثرة هذه المناسبات والممتدة على مدار العام،دون توقف أو مراعاة لا لظروف الناس ولا أحوالها وأوضاعها المادية وغير المادية،ودون أن يعلق أحد منهم الجرس،خوفاً من أن يوجه له اللوم والاتهام بالبخل أو عدم حب الفرح للناس، وأصبحت وأنت تقرأ الدعوة الموجهة لك لحضور العرس، تتذكر أيام الانتفاضة الأولى وبياناتها،فالدعوة تشتمل على عدة أبيات شعرية وبعضها قصيدة عصماء،ومن ثم يوم للحناء ،ويوم سهرة للنساء وآخر للرجال،ويوم لتناول طعام الغداء،ويوم للفرح في إحدى القاعات،والتي ربما تضيف لأعباء الناس عبئا على عبء،إذا ما كانت خلف الجدار،وطبعاً إذا ما تخلفت عن الحضور،فأنت غير معذور،وتسجل في القائمة السوداء،ناهيك عن سيل من عبارات الذم والنميمة والقدح التي ستطالك وتلحق بك.
والمسألة هنا ليتها مقصورة على الأعراس،والتي في إطار التباهي،أصبحت تتلقى الدعوات من أشخاص ربما لا تتعدى علاقتك بهم الجوانب السطحية والعلاقات العامة،وإذا ما "أتعسك" الله وكنت شخصية عامة سياسية،اجتماعية، اقتصادية،فالبعض يفسر ذلك على أن دعوته لك مكسب أو نوع من "البرستيج"،أما الأعباء المترتبة على هذه الدعوات، فكان الله في عون صاحبها ،فأنت تجد كل يوم ابتداع لأشكال وأنواع جديدة من المناسبات، والتي ربما لكثرتها أصبح الإنسان يحتاج لأجندة أو سكرتيرة خاصة ،تساعده على ترتيب هذه المواعيد،فهناك مناسبات المعتمرين،وأخرى لحجاج بيت الله، وللناجحين في التوجيهية العامة، وللمتخرجين من المعاهد والجامعات، والأعياد الدينية ،والأعياد القومية والوطنية، وأعياد الميلاد للكبير قبل الصغير وأعياد الزواج و"العقيقة" ،أي ذبح الأغنام ابتهالاً واحتفالاً بقدوم مولود جديد،وعيادة المرضى في المستشفيات والبيوت،وسكن بيت جديد، والمباركة في المواليد الجدد، والتهنئة بالعودة من السفر والغربة.....الخ.
وطبعاً هذا ما أسعفتني به الذاكرة،وكل ما ذكرته بحاجة الى موازنة خاصة،والكثير من هم في وضعي أو حالتي يضطر للاستدانة والاقتراض، أو تقليل مصاريفه العائلية،من أجل لا يقصر في هذه المناسبات،وهو يقول حسبي الله ونعم الوكيل.
والمأساة والطامة الكبرى،إننا في طبعنا نحن العرب ،خبراء ومختصين في التنظير والتشخيص والشجب والإدانة والاستنكار،ولكن في الحلول ترانا نرفض التطبيق والالتزام،وخصوصاً إذا ما تعلق الأمر بما يخصنا،فعلى سبيل المثال إذا كان العريس ابن أبو شادي،فلا حراجة أو غضاضة ،أن لم يلتزم ودعا أكبر عدد من الأهل والأصدقاء والمعارف وغير المعارف،ورغم أنه قد يكون من الأشخاص القائمين على وضع الوثيقة أو الميثاق المتعلق بهذه المناسبات،وهنا تكمن المفارقة العجيبة الغريبة ،وتتجلى سياسة النفاق الاجتماعي والمعايير المزدوجة،،وأنت قد لا تجد الخلل أو الخرق وعدم الالتزام، من جهة "ابو شادي" فقط،بل في الناس أنفسهم،والذين ترسخت عندهم ثقافة المداهنة والنفاق الاجتماعي،وخصوصاً لمن يعتبرونهم في موقع أو مركز وجاه بغض النظر عن نوعه سياسي،اقتصادي ،اجتماعي ،ديني ....الخ.
وفي هذا الجانب فعلى الجميع،أن يتحمل مسؤولياته،فالمراجع الدينية والتي تجهد نفسها في الكثير من الفتاوي،والتي في بعض الأحيان كانت لها ردود فعل وانعكاسات سلبية ،بل وتنطوي على إساءات للإسلام والمسلمين.
،فلماذا لا تلتفت الى مثل هذه المسائل الحيوية والهامة في حياة الناس؟،وكذلك القوى والعشائر ومؤسسات المجتمع المدني،مطلوب منها المبادرة لكي تعمل على رسم خطوط عامة وضوابط لمثل هذه الأمور،وعدم تركها على غاربها،فما يجري ويحدث ليس له علاقة بالتعاضد والتكاتف الاجتماعي بين أبناء المجتمع،بل استفحال هذه الظواهر والمظاهر من شأنه تعزيز مظاهر وعادات غير صحية في المجتمع، تدفع المجتمع به نحو المزيد من الشرذمة التفكك والتحلل.
أن الدعوة الى قنونة وترشيد الإسراف والتبذير في هذه المناسبات، لا يعني بأي حال مصادرة ورفض لحق الناس،بأن تفرح وتحتفل، ولكن هذه الاحتفالات ومظاهر البذخ و"الفشخرة "والصرف غير المبرر، والخروج عن المألوف وعن منظومة القيم والأعراف السائدة،هي موضع نقدنا ودعوتنا الى إيجاد حلول وضوابط لها،وكثير من الأموال التي تصرف في العديد من هذه المناسبات، وكذلك ما يلقي في حاويات القمامة من أطعمة كفيلة بإطعام شعب الصومال بأكمله،بعد مجازر ذبح الخرفان والجديان في تلك المناسبات والحفلات.
فلماذا لا يجرى التفكير باستغلالها في أوجه عمل اجتماعي مفيد؟،من شأنه أن يحل كثير من القضايا الاجتماعية عند الكثير من الأسر المحتاجة،أو يتم رصد جزء من هذه الأموال لمساعدة الطلبة الفقراء والمحتاجين،أو التبرع بها لإقامة أندية ومؤسسات ومراكز شبابية ومجتمعية،فبمثل هذه الأعمال نساهم في تعزيز قيم التعاضد والتكافل في المجتمع،ونساهم في خلق وعي جديد بالإضافة الى إحداث تغير في الواقع الاجتماعي ،أما استمرار الحال على ما هو عليه، وما نراه وفي ظل غياب أي دور وطني وديني وعشائري ومؤسساتي للتوعية والتحريض على ومواجهة وإيجاد حلول للمظاهر المرافقة والمصاحبة لهذه المناسبات،فإن الأمور ستأخذ منحى واتجاه أكثر سلبية في المجتمع ،ونحن على أبواب نتائج امتحانات التوجيهية العامة،وسنشاهد المظاهر المرافقة للاحتفالات بالنجاح،والحجم الكبير من الأموال التي تصرف عليها،كم من الطلبة الفقراء والمحتاجين تستطيع أن تعلم؟،حيث ترى أساطيل السيارات التي تطلق أبواق "زواميرها" في الشوارع والحفلات الموسيقية الصاحبة ،وإطلاق الفتاش والأعيرة النارية والتي قد تتسبب في العديد من الإصابات والمآسي،وإقامة الولائم والعزائم ونشر مئات إعلانات التهنئة في الجرائد ووسائل الأعلام .
إن حالة السخط والتذمر وعدم الرضا،عن كثرة المناسبات الاجتماعية، وما يرافقها من ظواهر ومظاهر بذخ و"فشخرة " ونفاق اجتماعية ومداهنة وغيرها،يجب التوقف أمامها،ونقل حالة التذمر والسخط تلك،الى ترجمات عملية رافضة لذلك،من خلال العمل على وضع ورسم خطوط تفصيلية وضوابط،تكون بمثابة مواثيق يجري الالتزام والتقيد بها من المجموع الموافق والموقع عليها،على أن تصبح لاحقاً بمثابة لوائح ناظمة ودساتير لها قوة القانون.

ليست هناك تعليقات: