وجيهــة الحويــدر
أتاني وهو يحمل في ملامحه أسى وحزن، أكاد أرى بريقاً شاحباً في عينين لم ترحمهما قط مشاعر الانكسار والهزائم، وبصوت متسم بنبرة ذل ممتد عبر عشرات السنين..تسأل بذوق وهدوء:
-وماذا عن الظلم الواقع على الرجل السعودي؟؟ انا اعاني بشكل يومي، اصارع أصناف مختلفة من الذل والمهانة، لكي أتمكن من تمرير يومي بدون أن اصطدم برجل دين او برجل دولة...
نظرتُ إلى وجهه ذي الملامح العربية الصابرة على القهر، وتعجبت كيف تمكنت تقاسيمه من المحافظة على كل ذاك السكون المفتعل...فقلت له:
-اخبرني عما تجابه من ظلم يا سيدي..
حينها اجتاحت معالمه موجة من الخوف والتوجس واجاب:
- لو أخبرتك عن ظلمهم لي من سيحميني منهم؟؟ أنا اخرج كل صباح من بيتي وامشي وانا اتلفت يمينا ويسارا خوفا منهم..أتحسس رقبتي كلما تفاقمت حمى الاضطهاد في المكان.. سلامة رقبتي اعني بها لقمة عيشي..فأنا اعرف تماماً ان قطع ارزاق العباد في هذه الديار مثل الاعتقال، لا يحتاج لقانون كي يـُنفذ..
لملم ذاك الرجل السعودي الأنيق نفسه، ليداري أوجاع الضيم في أحشائه وصمت..
لكني لم استجب لصمته بادرته بنفس الطلب مرة اخرى:
- اخبرني عما تجابه من ظلم يا سيدي..
تنفس الصعداء وكأنه أدركَ انه ليس ثمة ساحة رمادية بيننا كي يحاول فيها المراوغة أو الهروب...
أشعل سيجارته وامتصها بشدة ليحرق شيئا ما لا يستطيع البوح به، ثم اعتدل في جلسته وقال:
- النساء السعوديات ممنوعات من دخول الدوائر الحكومية لأنهن محظوظات!أتدرين أن الرجال السعوديين يتمنون ان يُفرض عليهم نفس القانون؟؟ لا تتصوري مدى الاستخفاف بالحقوق الذي يواجهه كل رجل سعودي عادي يدخل في مكاتب المسئولين الحكوميين. إنهم يتعاملون معنا، بسوء وكأننا حثالة الأرض. حتى الموظف الحكومي البسيط يتباهى بزهو، ويتحدث مع المراجعين بنبرة فوقية، وكأنه يتحدث الى عبيد اقتناهم بأرخص الأثمان من سوق النخاسة.. تصوري المعاملة التي تحتاج لانجازها دقائق، تبقى أيام وأسابيع في الأدراج، وإذا كانت في المحاكم تحتاج لسنوات وسنوات.. كل شيء متروك لأمزجة الموظفين الحكوميين..لا شيء يُنجز في أروقة الدوائر الحكومية بدون ذل.. اليس هذا فيه قهر لنا نحن الرجال السعوديين؟؟
هززتُ رأسي وأجبته بألم:
-أنت تعلم يا سيدي أن هذا قهر يعيشه كل مواطن عربي ليس مسنودا من قبل حاشية الحاكم أو أسرته أو حزبه.
وبسرعة خاطفة اجاب:
- لا يوجد في اي بلد عربي مواطنين سُرقت منهم رقابتهم الذاتية، ونُصّب عليهم مجموعة من الدينين المخولين من السلطة، يتابعون تحركاتهم ويحاسبونهم. يمتهنون نسائهم ويتهمونهن في عرضهن وشرفهن بشكل يومي. يلاحقون البشر في كل مكان وكأنهم لصوص فارين من العدالة.. تسببوا في إزهاق أرواح رجال ولم يُحاكموا على جرائمهم..هم مجموعة محصنة، ارتدوا عباءة الدين فصاروا فوق القانون، وبترخيص من الدولة أصبحوا جبابرة الأرض..
صمت لبرهة وواصل القول:
- هذا ليس كل ما هنالك ...تـُركت البلد للذئاب أصحاب رؤوس الاموال.. سرقوا ونهبوا ببيع اسهم وهمية..تسببوا في إفقار أناس كُثر.. المعيشة صارت صعبة هنا في هذا البلد، ثمة رجال بالكاد يجمعون القرش ليصرفوه على رغيف الخبز..
بعدها اخذ نفس طويل من سيجارته حتى امتلأت رئتاه البائستان بالنيكوتين.. ثم أكمل حديثه..
- أنتِ تعلمين جيدا أن الرجل السعودي هو الذي حُمـّل كل مسؤولية الأسرة..ثمة رجال كثيرون أفلسوا بسبب لعبة الأسهم الوسخة..وثمة أُسر بكاملها تعيش اليوم في بيوت من صفيح.. كيف ينظر اب لنفسه حين يكون غير قادر على حماية أفراد أسرته من ذئاب البلد المسعورين؟؟ هؤلاء "الهوامير" لا يكفون عن سلب أموال الناس الكادحين برفع أسعار المواد الاستهلاكية والإيجارات والعقارات.. توفير حياة كريمة مهمة الرجل وحده في هذا البلد.. انه ضغط نفسي مضاعف علينا نحن الرجال..
هنا وجدتُ انه لا بد ان ارد عليه فقلت:
-نعم هذا صحيح...لذلك لا بد من فسح مجالات عمل للنساء، لكي يساندن رجالهن على تحمل أعباء متطلبات الأسرة..
لم يبدي اي اهتمام لما قلته..فواصل كلامه بصوت اتسم بغضب اكثر:
-انظري الى السجناء الذين تمتلئ بهم السجون، بعضهم صار لهم سنوات طويلة قابعين في الحبس بدون ان تتم محاكمتهم.. والبعض الآخر لا يعلم احد عنهم... كلهم رجال...أتدرين أن تلك الممارسات مخالفة لقانون البلد..؟؟ أيضا تلفتي حولك وستجدين العشرات من الإصلاحيين الذين كٌممت أفواههم، وحرِمُوا من حقهم في السفر والتنقل.. أيضا كلهم رجال..
فجأة صمت، وكأنه للتو شعر بأنه مسّ كثير من الخطوط الحمراء التي قد تؤدي به إلى غياهب الزنزانات في سجن "الحائر"...
نهض من المكان وبدا وجهه مصّفر الملامح فقال:
- أنا متعب جدا.. أنا متعب جدا.. يجب أن اذهب الآن..
غادر المكان بسرعة حتى كادت أقدامه تلتهم فرش الأرض، بعد أن لاكه مرة أخرى صمتُ ممزوج بقهر..
الخميس، يوليو 17، 2008
وماذا عن الظلم الواقع على الرجل السعودي؟؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق