الجمعة، يوليو 11، 2008

صح النوم يا وزير الصحة

سامي الأخرس
لم يثيرني أبداً الخبر الذي تناقلته الوسائل الإعلامية عن وفاة عدد من الأطفال بقسم الخداج بمشفي رام الله ، لأنه جزء يسير جداً مما يحدث في مستشفياتنا ، ومن إدارتها ، وأطبائها ، وممرضيها ، والعالمين فيها ، بل وجزء لا يذكر أمام حالة اللامبالاة والفساد والفشل التي تعتري المؤسسة الصحية الفلسطينية .
هذا الأمر يعيدني إلى ما قبل عام عندما تناولت بعدة مقالات موضوع مستشفياتنا وما يحدث فيها من أمور إهمال وفساد ضحيتها المريض ، وإمبراطورها هذا الطبيب الفاشل الذي يبتسم وهو يقتل مريض بإهماله ولا مبالاته ، وكل ما يشغل تفكيره وهمومه عملية حسابية لما سيحصله يومياً من عيادته الخاصة ، ومن خلفه وزارة لا يؤرق ضميرها شيئاً سوي التخطيط بحرفية لعملية التوظيف السنوية باعتمادية الواسطة والمحسوبية ، والنتيجة فساد ينتشر في ربوع مؤسساتنا الصحية ، تحول لثقافة اجتماعية عامة تغض النظر عن أهم احتياجات بقاءها ألا وهي الصحة العامة ، هذه الثقافة التي حولت مستشفياتنا لغرف إعدام بطء يدرك الطبيب من خلالها إنه لن يخضع للحساب والعقاب ، أو المسائلة والمراجعة سواء من جهات الاختصاص أو من عائلة المريض التي لا تقوي على ذرف دموع الوداع بلحظة ألم ومن ثم الانصراف لتقبل العزاء والتسليم بالقضاء والقدر .
ويبقي الطبيب يتمتع بآهات مريضه وأنين موجوع وهو يرقد في غرفة مناوبته لا يكلف نفسه بالمرور لتفقد ضحيته .
هذه اللامبالاة لم تعد شيئاً غريباً في واقع أصبح قانونه يحتكم لمنهجية همجية بشريه لا تبالي بالإنسان وقيمته ، التي على ما يبدو إنها أصبحت في مجتمعنا بمرتبة متدنية ، ولم يعد يشغل سلاطين الخزائن سوي جباية الضرائب ، والسير بمواكب سلاطين آخر زمان ، وإلا فماذا يفسر هذا الصمت حول انتحار غزة التي تستخدم (زيت الطعام ) كوقود للسيارات رغم تحذيرات كل المؤسسات الصحية وغير الصحية من خطورة هذا الأمر ؟ وماذا يفسر التغاضي عن طبيب يهمل مريضه حتى يتوفي ؟
الإثارة هنا ليس مقتل الأطفال أو وفاتهم بل هو دعوة وزير الصحة بتشكيل لجنة تحقيق وإغلاق قسم الخداج ، ورغم إدراكي ويقيني أن هذه اللجنة ما هي سوي أمر شكلي لن يصل لشيء ولن تفعل شيء ، إلا إنها فعلاً تشكل إثارة ومكمن الإثارة أن السيد وزير الصحة في حكومة الشمال المستقلة وصل إلى مسامعه أن هناك أطفال توفوا بحالة غير طبيعية ، وهذا القرار جاء بعد وفاة الطفل التاسع في قسم الخداج . وهنا الإثارة .
فالقضية ليست قضية قسم أطفال بل هي قضية إهمال ولامبالاة ، مصحوبة بلا إنسانية تعم حياتنا الصحية عامة ومستشفاتنا خاصة من أشباه الأطباء الذين لا ينتمون للطب سوي بردائهم الأبيض ، حتى شهاداتهم وتحصيلهم العلمي موضع شك بما أن أفواج الحمام الأبيض العائدة من روسيا وغيرها لا تعرف سوي وضع البيض في الأعشاش ولكنها حمامات تجهل عملية التفريخ ، فهي حمامات لم تتلق تدريب وتأهيل وتعليم لأن ترقد على البيض فعقولها خاوية ، وضمائرها مشوشة تحكمها معدلات الربح والخسارة المادية .
فكم عملية وفاة حدثت نتيجة الإهمال واللامبالاة ؟ فلنسأل القبور عن تلك الجثامين المسجاة فيها من ضحايا أصحاب السماعات .
إن مجتمعنا الفلسطيني أصبح أمام خيار الفساد عاجز يعيشه برضاه ، مستمتعاً ببلائه سواء في إقليم الشمال المستقل ، أو الولايات الجنوبية المحررة المطهرة ، فأصبحنا مجتمع فاسد صحياً ، وثقافياً ، واجتماعياً .
وأخشى ما أخشاه أن تتحول دمائنا وقوداً لمعالي الوزراء والسادة المدراء وأصحاب السمو ليشبعوا منها عقولهم وكروشهم على حد سواء .
وفي هذا المقام أتمني وأرجو من أهالي الأطفال عدم الصمت والسكون بل بالمطالبة بمحاكمه ومحاسبة كل من تثبت مسئوليته عن قتل هؤلاء الأطفال سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ، وملاحقتهم قضائياً وعشائرياً ، والوقوف في وجه هذه المذبحة الصحية .
غزة - فلسطين

ليست هناك تعليقات: