صبحي غندور
هذه الأيام ستكون مناسبة "للحزن والذل" في إسرائيل، كما وصفت الحكومة الإسرائيلية ذلك بعد إقرارها لاتفاق تبادل الأسرى مع "حزب الله" في لبنان، وذلك يعني أنها مناسبة "للفرح والكرامة" لدى المقاومة وعموم اللبنانيين. فتزامن الذكرى الثانية للحرب الإسرائيلية على لبنان مع اتفاقية تبادل الأسرى يؤكّد فشل العدوان الإسرائيلي ورضوخ إسرائيل لشروط المقاومة التي أعلنتها عقب احتجازها لجنديين إسرائيليين يوم 12 تموز/يوليو 2006.
لقد كانت عملية عسكرية في موقع حدودي بين بلدين حالة الحرب بينهما ما زالت قائمة، وكان هناك معتقلون لبنانيون في السجون الإسرائيلية، وما زالت هناك أرض لبنانية محتلّة، كما كانت هناك شبكات تخريب وإرهاب إسرائيلية جرى الإعلان عنها من قبل السلطات اللبنانية قبل أسابيع قليلة من صيف العام 2006.
إذن، ما قام به "حزب الله" آنذاك كان في سياق الصراع المفتوح بين لبنان وإسرائيل منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي ولم ينتهِ بالانسحاب الإسرائيلي الذي حدث في العام 2000.
فانسحاب إسرائيل من لبنان، كما انسحابها من غزّة، كان قراراً من طرف واحد دون أيّ اتفاق مع الطرف الخاضع للاحتلال، وهذا الأمر يعني استمرار حرّية الحركة للعدوّ المحتلّ أينما شاء ومتى وكيف شاء.
لكن ما الذي دفع ب"حركة حماس" في غزّة و"حزب الله" في لبنان، صيف العام 2006، إلى اتخاذ قرار بعمليات عسكرية وأسر جنود إسرائيليين رغم إدراك المنظمتين لاحتمالات ردود الفعل الإسرائيلية؟
المشترك بين "حماس" و"حزب الله" ليس فقط أسلوب المقاومة المسلّحة والعلاقات الخاصّة مع دمشق وطهران، بل أيضاً الظروف الصعبة التي قرّرت الإدارة الأميركية وضعهما فيها.
فالإدارة الأميركية تبنّت المفهوم الإسرائيلي للإرهاب الذي يضع أيّة مقاومة مسلّحة للاحتلال الإسرائيلي في خانة الأعمال الإرهابية، وبالتالي أصبحت حركة "حماس" في الأراضي الفلسطينية المحتلّة و"حزب الله" في لبنان منظمتين إرهابيتين بالتصنيف الأميركي.
كذلك، فإنّ إزدواجية المواقف التي اعتمدتها واشنطن وعدد من الدول الكبرى ظهرت جليّة في القول بأنّ من حقّ إسرائيل الدفاع عن نفسها ضدّ (الإرهاب)، بينما أدانت هذه المواقف ما حدث في غزّة وجنوب لبنان من عمليات عسكرية للمقاومة ضدّ إسرائيليين عسكريين فقط وأسر بعضهم، ثم جاء الردّ الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزّة وعلى اللبنانيين وأرض لبنان كلّه مطابقاً تماماً للتعريف الدولي للإرهاب من حيث استهدافه للمدنيين ولمنشآت مدنية!
كان لإسرائيل حق تدمير غزّة ولبنان لإطلاق أسرى جنود بينما لا يحقّ لمقاتلين فلسطينيين ولبنانيين حقّ القيام بعملية عسكرية فوق أراضيهم ضدّ قوات محتلّة من أجل الإفراج عن آلافٍ من المعتقلين المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين!.
لم تكن حتماً الأطراف العربية، التي سارت أكثر من اللازم في خطوات العلاقة والتطبيع مع إسرائيل رغم عدم التسوية الشاملة، هي المسؤولة عن كل ذلك التصعيد العسكري في المنطقة.. فالمسؤول الأوّل عن ذلك هو الإدارة الأميركية الحالية التي اختارت منذ مجيئها أولويّة الحرب على العراق ثمّ استخدام جماعات التطرّف والعنف العشوائي كأعذار مناسبة لبدء أجندتها الحربية في العالم كلّه..
وكان تهميش الإدارة الأميركية الحالية لمسألة الصراع العربي/الإسرائيلي، بمثابة ضوء أخضر لحكمٍ آخر متطرّف في إسرائيل مارس أبشع أنواع العدوان على الشعب الفلسطيني مستغلاً اهتمام العالم ب"الحرب على الإرهاب" وانشغال أميركا بالأولوية العراقية ..
وكانت أولويات سياسة واشنطن في لبنان التحريض الدولي والعربي واللبناني على تنفيذ القرار 1559 لجهة الإصرار على نزع سلاح "حزب الله". وكانت المراهنة الإسرائيلية المدعومة أميركياً أن يؤدّي ذلك في لبنان إلى صراع لبناني داخلي مع "حزب الله" حتى لو مرّ طريق هذا الصراع في دهاليز فتنة مذهبية أدرك مخاطرها اللبنانيون والأطراف المعنيّة فعملوا على تجنّب دفع التأزّم السياسي إلى فوضى أمنية.
فالفتنة كانت مطلوبةً قبل تلك التطوّرات، كما كانت مطلوبة خلالها وبعدها. الفتنة بين الفلسطينيين أنفسهم، وبين اللبنانيين أنفسهم، وبين العرب كلّهم.. فتنة تنهي أيّ مقاومة لأيّ احتلال وتجعل العدوّ هو "المواطن العربي الآخر".
لقد راهنت إسرائيل، ومعها الإدارة الأميركية، على جعل صورة حربهما على لبنان في صيف العام 2006 وكأنّها حرب على النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة، وبالتالي على إمكانيّة تجميع القوى والصفوف اللبنانية والعربية والدولية خلف هذا العدوان. وكانت واشنطن قد نجحت في استقطاب أوروبا إلى جانبها في كيفيّة التعامل مع "حركة حماس" بعد وصولها إلى السلطة الفلسطينية، وفي الضغط على أطراف عربية عديدة لوقف دعمها لقطاع غزة. وقبل هذا وذاك، نجحت واشنطن في إقامة حلف أميركي/فرنسي بشأن لبنان صنَعَ القرار 1559 ثمّ القرار 1680، وأقام تحالفاً من القوى اللبنانية الداعمة لهذين القرارين وما فيهما من استهدافٍ واضح لسلاح المقاومة اللبنانية وللعلاقات السورية/اللبنانية.
أيضاً شجّعت واشنطن على مناخٍ مذهبيٍّ حادٍّ في العراق وفي المنطقة العربية زاد الحديث فيه عن الدور الإيراني في الأحداث الدامية العراقية وفي تطوّرات مستقبل العراق .
هكذا أرادت واشنطن وتل أبيب تصوير حرب صيف العام 2006 بأنها حرب على إيران وعلى نفوذها في بيروت ودمشق وغزّة، وليست على اللبنانيين والفلسطنيين والعرب.
كانت إذن حرب أميركية/إسرائيلية ضدَّ إيران شكلاً، لكنّها عملياً حرب على الأرض العربية لإنهاء أيّة مقاومة عربية مسلّحة للاحتلال الإسرائيلي، حربٌ تؤدّي إلى فرض التطبيع والعلاقات بين العرب وإسرائيل بغضّ النَّظر عن فشل التسوية السياسية للصراع وعن مصير القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلّة.
كانت شكلاً معركة واشنطن وتل أبيب مع طهران، لكنّها ضمناً هي معركة تركيع كامل للبلاد العربية بما عليها من حكومات وما فيها من شعوب ومنظمات..
لكنّ العدوان على لبنان، كما هو في تجارب الشعوب أينما كان، هزم نفسه بنفسه.
وحينما تنتصر المقاومة في لبنان، يكون الانتصار لكلِّ لبنان وللقضية الفلسطينية وللحلّ العادل لها. وستضطرّ واشنطن، عاجلاً أم آجلاً، كما اضطرّت لذلك الحكومة الإسرئيلية، إلى إدراك خطأ سياساتها وحساباتها ومراهناتها، والتوصّل إلى الرؤية السليمة لأسباب أزمات المنطقة: مشكلة الاحتلال الإسرائيلي والدعم الأميركي له.
هذه الأيام ستكون مناسبة "للحزن والذل" في إسرائيل، كما وصفت الحكومة الإسرائيلية ذلك بعد إقرارها لاتفاق تبادل الأسرى مع "حزب الله" في لبنان، وذلك يعني أنها مناسبة "للفرح والكرامة" لدى المقاومة وعموم اللبنانيين. فتزامن الذكرى الثانية للحرب الإسرائيلية على لبنان مع اتفاقية تبادل الأسرى يؤكّد فشل العدوان الإسرائيلي ورضوخ إسرائيل لشروط المقاومة التي أعلنتها عقب احتجازها لجنديين إسرائيليين يوم 12 تموز/يوليو 2006.
لقد كانت عملية عسكرية في موقع حدودي بين بلدين حالة الحرب بينهما ما زالت قائمة، وكان هناك معتقلون لبنانيون في السجون الإسرائيلية، وما زالت هناك أرض لبنانية محتلّة، كما كانت هناك شبكات تخريب وإرهاب إسرائيلية جرى الإعلان عنها من قبل السلطات اللبنانية قبل أسابيع قليلة من صيف العام 2006.
إذن، ما قام به "حزب الله" آنذاك كان في سياق الصراع المفتوح بين لبنان وإسرائيل منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي ولم ينتهِ بالانسحاب الإسرائيلي الذي حدث في العام 2000.
فانسحاب إسرائيل من لبنان، كما انسحابها من غزّة، كان قراراً من طرف واحد دون أيّ اتفاق مع الطرف الخاضع للاحتلال، وهذا الأمر يعني استمرار حرّية الحركة للعدوّ المحتلّ أينما شاء ومتى وكيف شاء.
لكن ما الذي دفع ب"حركة حماس" في غزّة و"حزب الله" في لبنان، صيف العام 2006، إلى اتخاذ قرار بعمليات عسكرية وأسر جنود إسرائيليين رغم إدراك المنظمتين لاحتمالات ردود الفعل الإسرائيلية؟
المشترك بين "حماس" و"حزب الله" ليس فقط أسلوب المقاومة المسلّحة والعلاقات الخاصّة مع دمشق وطهران، بل أيضاً الظروف الصعبة التي قرّرت الإدارة الأميركية وضعهما فيها.
فالإدارة الأميركية تبنّت المفهوم الإسرائيلي للإرهاب الذي يضع أيّة مقاومة مسلّحة للاحتلال الإسرائيلي في خانة الأعمال الإرهابية، وبالتالي أصبحت حركة "حماس" في الأراضي الفلسطينية المحتلّة و"حزب الله" في لبنان منظمتين إرهابيتين بالتصنيف الأميركي.
كذلك، فإنّ إزدواجية المواقف التي اعتمدتها واشنطن وعدد من الدول الكبرى ظهرت جليّة في القول بأنّ من حقّ إسرائيل الدفاع عن نفسها ضدّ (الإرهاب)، بينما أدانت هذه المواقف ما حدث في غزّة وجنوب لبنان من عمليات عسكرية للمقاومة ضدّ إسرائيليين عسكريين فقط وأسر بعضهم، ثم جاء الردّ الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزّة وعلى اللبنانيين وأرض لبنان كلّه مطابقاً تماماً للتعريف الدولي للإرهاب من حيث استهدافه للمدنيين ولمنشآت مدنية!
كان لإسرائيل حق تدمير غزّة ولبنان لإطلاق أسرى جنود بينما لا يحقّ لمقاتلين فلسطينيين ولبنانيين حقّ القيام بعملية عسكرية فوق أراضيهم ضدّ قوات محتلّة من أجل الإفراج عن آلافٍ من المعتقلين المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين!.
لم تكن حتماً الأطراف العربية، التي سارت أكثر من اللازم في خطوات العلاقة والتطبيع مع إسرائيل رغم عدم التسوية الشاملة، هي المسؤولة عن كل ذلك التصعيد العسكري في المنطقة.. فالمسؤول الأوّل عن ذلك هو الإدارة الأميركية الحالية التي اختارت منذ مجيئها أولويّة الحرب على العراق ثمّ استخدام جماعات التطرّف والعنف العشوائي كأعذار مناسبة لبدء أجندتها الحربية في العالم كلّه..
وكان تهميش الإدارة الأميركية الحالية لمسألة الصراع العربي/الإسرائيلي، بمثابة ضوء أخضر لحكمٍ آخر متطرّف في إسرائيل مارس أبشع أنواع العدوان على الشعب الفلسطيني مستغلاً اهتمام العالم ب"الحرب على الإرهاب" وانشغال أميركا بالأولوية العراقية ..
وكانت أولويات سياسة واشنطن في لبنان التحريض الدولي والعربي واللبناني على تنفيذ القرار 1559 لجهة الإصرار على نزع سلاح "حزب الله". وكانت المراهنة الإسرائيلية المدعومة أميركياً أن يؤدّي ذلك في لبنان إلى صراع لبناني داخلي مع "حزب الله" حتى لو مرّ طريق هذا الصراع في دهاليز فتنة مذهبية أدرك مخاطرها اللبنانيون والأطراف المعنيّة فعملوا على تجنّب دفع التأزّم السياسي إلى فوضى أمنية.
فالفتنة كانت مطلوبةً قبل تلك التطوّرات، كما كانت مطلوبة خلالها وبعدها. الفتنة بين الفلسطينيين أنفسهم، وبين اللبنانيين أنفسهم، وبين العرب كلّهم.. فتنة تنهي أيّ مقاومة لأيّ احتلال وتجعل العدوّ هو "المواطن العربي الآخر".
لقد راهنت إسرائيل، ومعها الإدارة الأميركية، على جعل صورة حربهما على لبنان في صيف العام 2006 وكأنّها حرب على النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة، وبالتالي على إمكانيّة تجميع القوى والصفوف اللبنانية والعربية والدولية خلف هذا العدوان. وكانت واشنطن قد نجحت في استقطاب أوروبا إلى جانبها في كيفيّة التعامل مع "حركة حماس" بعد وصولها إلى السلطة الفلسطينية، وفي الضغط على أطراف عربية عديدة لوقف دعمها لقطاع غزة. وقبل هذا وذاك، نجحت واشنطن في إقامة حلف أميركي/فرنسي بشأن لبنان صنَعَ القرار 1559 ثمّ القرار 1680، وأقام تحالفاً من القوى اللبنانية الداعمة لهذين القرارين وما فيهما من استهدافٍ واضح لسلاح المقاومة اللبنانية وللعلاقات السورية/اللبنانية.
أيضاً شجّعت واشنطن على مناخٍ مذهبيٍّ حادٍّ في العراق وفي المنطقة العربية زاد الحديث فيه عن الدور الإيراني في الأحداث الدامية العراقية وفي تطوّرات مستقبل العراق .
هكذا أرادت واشنطن وتل أبيب تصوير حرب صيف العام 2006 بأنها حرب على إيران وعلى نفوذها في بيروت ودمشق وغزّة، وليست على اللبنانيين والفلسطنيين والعرب.
كانت إذن حرب أميركية/إسرائيلية ضدَّ إيران شكلاً، لكنّها عملياً حرب على الأرض العربية لإنهاء أيّة مقاومة عربية مسلّحة للاحتلال الإسرائيلي، حربٌ تؤدّي إلى فرض التطبيع والعلاقات بين العرب وإسرائيل بغضّ النَّظر عن فشل التسوية السياسية للصراع وعن مصير القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلّة.
كانت شكلاً معركة واشنطن وتل أبيب مع طهران، لكنّها ضمناً هي معركة تركيع كامل للبلاد العربية بما عليها من حكومات وما فيها من شعوب ومنظمات..
لكنّ العدوان على لبنان، كما هو في تجارب الشعوب أينما كان، هزم نفسه بنفسه.
وحينما تنتصر المقاومة في لبنان، يكون الانتصار لكلِّ لبنان وللقضية الفلسطينية وللحلّ العادل لها. وستضطرّ واشنطن، عاجلاً أم آجلاً، كما اضطرّت لذلك الحكومة الإسرئيلية، إلى إدراك خطأ سياساتها وحساباتها ومراهناتها، والتوصّل إلى الرؤية السليمة لأسباب أزمات المنطقة: مشكلة الاحتلال الإسرائيلي والدعم الأميركي له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق