الكولونيل شربل بركات
قي خطاب السيد حسن بمناسبة إطلاق "الأسرى" واستعادة جثث "الشهداء" ظهرت لهجة الاستقواء واضحة، فحزب الله ليس من النوع المهادن ولا ذلك الذي يمكن أن يتراجع أمام أية "تضحية" أو ثمن لتحقيق أهدافه، وهذا واقع ليس بالجديد ولكنه توضيح آخر لمواقف متكررة يتخذها هذا الحزب ويعمل على تنفيذها. من هنا تخوفنا بأن إنهاء ملف الأسرى هذا قد لا يكون نهاية لمآسي لبنان ولا بالطبع موضوع شبعا الذي، ولو اتخذ طابعا وطنيا مدة ثماني سنوات، إلا أنه من الأمور التي يجب أن تسوّى مع سوريا في إطار ترسيم الحدود بين البلدين قبل أن يتم ضمها نهائيا للبنان حتى بعد أن تتخلى عنها إسرائيل. وما يثير المخاوف فعلا هو عدم وضوح الموقف الإيراني بعد من الأمور الحساسة التي وضعته بمواجهة العالم الحر وفي مقدمها البرنامج النووي، ولو أننا استبشرنا خيرا بتجدد المحادثات.
قد يقول البعض أن الموقف اللبناني الرسمي في استقبال الأسرى، والذي قوبل في دول العالم المتحضر والجاليات اللبنانية بنوع من الاستهجان كون "القنطار" لم يكن "مقاوما لبنانيا" ولا كان عمله مما يشرّف ليحاط بهذه الهالة من القدسية والتكريم، هو فرحة ليس بعودة هؤلاء بقدر ما هو بانتزاع المبررات والأسباب التي طالما استعملها حزب الله ليزج لبنان في مواقف وصراعات هو بغنى عنها. ولكن هل سيقبل حزب الله بعد طوي هذا الملف بالتساوي مع اللبنانيين وتسليم سلاحه؟ أم أنه سيزيد من تصلبه وادعائه بأنه هو الوحيد الذي يحمي الوطن ويفهم لغة "العدو" ويستطيع أن يؤمن الاستقرار؟
الكل يعرف بأن حزب الله لا تنقصه الذرائع والمبررات يوم يريد افتعال الأسباب للقيام بتوتير الأجواء وإدخال المنطقة في دورة جديدة من العنف. فالسيد حسن مثلا كان أعلن الحرب المفتوحة على "العدو"، ليس فقط على أرض "فلسطين المحتلة" بل وفي العالم أجمع، ردا على اغتيال أحد مسؤوليه (عماد مغنية) في دمشق، وهو لم يسحب كلامه هذا بعد. والشيخ قاووق أعلمنا في أثناء استقبال الأسرى بأنه ولو تم تحرير الأرض فإن سلاح حزب الله سيكون الرادع لأي تصور مستقبلي للعدوان، وهذا يفتح الباب على مصراعيه لكافة الاحتمالات. من هنا نفهم أن حزب الله ليس جادا في موضوع التفاهم على تسليم سلاحه والتساوي مع اللبنانيين في الحقوق والواجبات، ولما يفعل وهو يمسك الآن بالحل والربط في كافة المواضيع والأمور الوطنية، وقد منع الأكثرية من الحكم، ثم أجبرها على التسليم له بشروطه، وأعاد ترتيب السيطرة على الأرض لصالحه، بالقوة، ومنع الجيش من القيام بواجبه عندما حاول فرض نفسه سلاحا شرعيا حاميا للمجتمع المدني، بعد تحقيقه نصر نهر البارد الذي استبشر به اللبنانيون خيرا، لا بل استعادة لدوره الطبيعي، ثم حصره بدور المتفرج، أو في أقصى الحالات، الفاصل بين المتقاتلين، هذا الدور الذي أراده له الاحتلال خلال 30 سنة.
يقول قائل لماذا إذا هلل الرؤساء لعودة الأسرى ولماذا أذعنت إسرائيل لمطالب حزب الله هذه من أجل جثتين فأعادت الوهج لهذا الحزب بعد أن كان خسر مصداقيته في هجومه في بيروت والجبل، وانتشاره في جبال كسروان وعكار، ومحاولته السيطرة على البقاع والشمال بنقل المعارك إليهما؟ وهنا يختلف الجواب باختلاف الجهات المشاركة في العملية؛ فقلما أظهر القادة اللبنانيون الحاليون بعد نظر كاف وثبات في مواقف أساسية في شتى الأمور، ولذا ليس بالغريب إن لم يظهروا اليوم؟ أما الطرح الإسرائيلي الذي رافق نشوء الدولة العبرية وشعار عدم مفاوضة الإرهابيين، فهو قد يكون دفن مع الزعماء الذين طرحوه منذ بنغوريون وغولدا مئير ودايان وبيغن ورابين وغيرهم، وقد يكون الطرح الجديد، بعد الاعتراف بالدولة العبرية والقبول بالتعاون معها من قبل الدول العربية الكبرى، أنه لم يعد هناك من داع للمعاناة إذا كان هناك أمل من خلال التفاوض. ولكن هل يفهم حزب الله وأمثاله هذا الطرح؟ أم أنه يفسره ضعفا وتخاذلا وبالتالي قصر نظر؟ ومع هذا فلن نضع أنفسنا مكان الإسرائيليين لأنهم يعرفون مصالحهم ويعرفون كيف يدافعون عنها دون شك، ولكن ما يهمنا هو كيف ستنعكس هذه التصرفات على لبنان وما سيكون الموقف اللبناني وتأثيراته على مستقبل البلد؟
بالحقيقة كان يمكن تفهم التصرف الشيعي العام في بداية الأحداث؛ وهو فسر يومها كردة فعل على عدم الشعور بالفخر بالانتماء للوطن أو بالمشاركة في نهضته أو ثرائه على السواء. فالطائفة الشيعية صورت بالأغلب كطائفة محرومة ومقهورة نوعا ما (مع أن ناصيف النصار كان أثبت في القرن الثامن عشر دورا لبنانيا أستقلاليا يمكن أن يفاخر به هؤلاء)، ومن هنا كان انضمام أبنائها إلى كل ثورة منذ الشريفيين في1920 مرورا بحركة عبد الناصر في 1958 وانتهاء بثورة عرفات في 1975 وما تلاها من إستلحاق بكل الفئات المتقاتلة وانضمام إلى أكثر من تيار. ولكن وبعد أن تمكن الشيعة بقيادة المغفور له الإمام الصدر من فرض وجودهم كجزء من لبنان، ثم اعترف لهم اللبنانيون، كما سمح لهم الجيران، بلعب دور "المقاوم" وبالتالي "المحرر" ومن ثم "الحامي للحدود" والمشارك في الحكم بفعالية، لم يعد مفهوما التصرف الانعزالي والمنغلق الذي يرافق مواقفهم اليوم.
كان الأحرى بمن صادر القرار الشيعي، وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على خروج الإسرائيليين وسيطرة ميليشياتهم على ساحة الجنوب بشكل منفرد بالرغم من مشاركتهم في الحكم بقوة، أن يسعوا للتعاون مع بقية اللبنانيين للتحرر من السوريين. وهذا ما شكل نقطة ضعفهم الأساسية، فهم لم يظهروا عن ثقة بالنفس كافية لمشاركة اللبنانيين هذه المطالبة، وكأنهم اعتقدوا بأنهم أصبحوا بالفعل أدوات سورية. وإذا بالسيد، يوم قام اللبنانيون ينادون بخروج السوريين في ما سمي بثورة الأرز، يسارع إلى شكرهم والترحيب ببقائهم.
رب قائل بأن القرار الدولي 1559 الذي تكلم عن خروج السوريين هو نفسه قد طالب بإلقاء هؤلاء سلاحهم وهذا ما جعلهم يأخذون المنحى المعارض للقرار، ومن ضمنه خروج سوريا، اعتقادا بأن سلاحهم هو ضمانة تأثيرهم في مجرى الأمور. ولكنهم لو ركبوا تلك الموجة المطالبة بالسيادة والاستقلال ودعموا التحرك الوطني في هذا الاتجاه، كما كان دعمهم الآخرون في محاولتهم إخراج الإسرائيليين ولو بدون وجه حق، وسارعوا هم إلى الاستعداد لتنفيذ القرارات الدولية والتساوي مع كافة اللبنانيين في موضوع السلاح، لكانوا وصلوا إلى قمة الوطنية وعلّموا الكل كيف تكون التضحية واستحقوا الشكر والاحترام وثبّتوا وضع طائفتهم في القرار الوطني المستقل كما كان برز دور الدروز مع الأمراء المعنيين والسنة مع الشهابيين والموارنة عبر عدة محطات من تاريخهم الطويل وخاصة في النصف الأول من القرن الماضي.
الخطأ المميت الذي ارتكبه قادة المليشيات الشيعية وعلى رأسها حزب الله بأنه ارتهن لإيران وربط قراراته بقيادتها واتكل على دعمها المادي والمعنوي فإذا به يصبح، ليس فقط قوة حليفة للحرس الثوري الإيراني في لبنان، بل فرقة عسكرية إيرانية ترابط على سواحل المتوسط، ومن هنا الخطورة على مستقبل العلاقات الشيعية في لبنان مع بقية مركبات المجتمع اللبناني.
اليوم وحتى لو ظهر بأن حزب الله فرض رأيه بقوة السلاح وصرف "المال الحلال" لتأمين ولاء أكثرية من أبناء الطائفة الشيعية له، إلا أنه خسر الرهان لتشكيل جزء من وطن تتعاون فيه كل الفئات مع احتفاظها بخصوصياتها وتساويها في الحصول على الحقوق والواجبات، والخوف من أن تعمم النظرة إليه لتشمل طائفة من كبريات طوائف البلد.
لبنان اليوم ينتظر الحكومة ومشروع بيانها الوزاري وسوف ينتظر غدا الانتخابات، وهو ينتظر أيضا المفاوضات بين سوريا وإسرائيل وبين إيران والغرب، وسينتظر كثيرا لأن الأحداث لن تتوقف وسيبقى هناك من يفتش عن دور له من خلال معاناة الناس. ولكن هل سيتمكن اللبنانيون من اجتياز مرحلة التقاتل وشعاراتها وإهدار طاقاتهم فيها، أو هل سيفهمون بأن التعاون من أجل البناء أجدى، والحديث عن السلام أهم، وأحلام العمران والرفاه أقرب إلى القلب من كوابيس الشقاء والبؤس ومشاهد القتل والانتحار ومسلسلات الإرهاب والدمار؟
ملف الأسرى في إسرائيل أغلق فمتى يغلق ملف الأسرى في سوريا؟ وهل سيفتح ملف جديد وقضية أخرى تشغل اللبنانيين عن اللحاق بالركب والتوصل إلى السلام الداخلي والخارجي؟ أم أن الغشاء قد سقط عن العيون إلى غير رجعة والحقائق باتت واضحة لا تقبل الشك والجهد سيوضع هذه المرة في إعادة بناء الوطن على أسس أثبت تأخذ بالحسبان تجارب الأمم ومآسي اللبنانيين وتجاربهم ولا تبني على القهر والتخلف والشعارات البائدة؟
قي خطاب السيد حسن بمناسبة إطلاق "الأسرى" واستعادة جثث "الشهداء" ظهرت لهجة الاستقواء واضحة، فحزب الله ليس من النوع المهادن ولا ذلك الذي يمكن أن يتراجع أمام أية "تضحية" أو ثمن لتحقيق أهدافه، وهذا واقع ليس بالجديد ولكنه توضيح آخر لمواقف متكررة يتخذها هذا الحزب ويعمل على تنفيذها. من هنا تخوفنا بأن إنهاء ملف الأسرى هذا قد لا يكون نهاية لمآسي لبنان ولا بالطبع موضوع شبعا الذي، ولو اتخذ طابعا وطنيا مدة ثماني سنوات، إلا أنه من الأمور التي يجب أن تسوّى مع سوريا في إطار ترسيم الحدود بين البلدين قبل أن يتم ضمها نهائيا للبنان حتى بعد أن تتخلى عنها إسرائيل. وما يثير المخاوف فعلا هو عدم وضوح الموقف الإيراني بعد من الأمور الحساسة التي وضعته بمواجهة العالم الحر وفي مقدمها البرنامج النووي، ولو أننا استبشرنا خيرا بتجدد المحادثات.
قد يقول البعض أن الموقف اللبناني الرسمي في استقبال الأسرى، والذي قوبل في دول العالم المتحضر والجاليات اللبنانية بنوع من الاستهجان كون "القنطار" لم يكن "مقاوما لبنانيا" ولا كان عمله مما يشرّف ليحاط بهذه الهالة من القدسية والتكريم، هو فرحة ليس بعودة هؤلاء بقدر ما هو بانتزاع المبررات والأسباب التي طالما استعملها حزب الله ليزج لبنان في مواقف وصراعات هو بغنى عنها. ولكن هل سيقبل حزب الله بعد طوي هذا الملف بالتساوي مع اللبنانيين وتسليم سلاحه؟ أم أنه سيزيد من تصلبه وادعائه بأنه هو الوحيد الذي يحمي الوطن ويفهم لغة "العدو" ويستطيع أن يؤمن الاستقرار؟
الكل يعرف بأن حزب الله لا تنقصه الذرائع والمبررات يوم يريد افتعال الأسباب للقيام بتوتير الأجواء وإدخال المنطقة في دورة جديدة من العنف. فالسيد حسن مثلا كان أعلن الحرب المفتوحة على "العدو"، ليس فقط على أرض "فلسطين المحتلة" بل وفي العالم أجمع، ردا على اغتيال أحد مسؤوليه (عماد مغنية) في دمشق، وهو لم يسحب كلامه هذا بعد. والشيخ قاووق أعلمنا في أثناء استقبال الأسرى بأنه ولو تم تحرير الأرض فإن سلاح حزب الله سيكون الرادع لأي تصور مستقبلي للعدوان، وهذا يفتح الباب على مصراعيه لكافة الاحتمالات. من هنا نفهم أن حزب الله ليس جادا في موضوع التفاهم على تسليم سلاحه والتساوي مع اللبنانيين في الحقوق والواجبات، ولما يفعل وهو يمسك الآن بالحل والربط في كافة المواضيع والأمور الوطنية، وقد منع الأكثرية من الحكم، ثم أجبرها على التسليم له بشروطه، وأعاد ترتيب السيطرة على الأرض لصالحه، بالقوة، ومنع الجيش من القيام بواجبه عندما حاول فرض نفسه سلاحا شرعيا حاميا للمجتمع المدني، بعد تحقيقه نصر نهر البارد الذي استبشر به اللبنانيون خيرا، لا بل استعادة لدوره الطبيعي، ثم حصره بدور المتفرج، أو في أقصى الحالات، الفاصل بين المتقاتلين، هذا الدور الذي أراده له الاحتلال خلال 30 سنة.
يقول قائل لماذا إذا هلل الرؤساء لعودة الأسرى ولماذا أذعنت إسرائيل لمطالب حزب الله هذه من أجل جثتين فأعادت الوهج لهذا الحزب بعد أن كان خسر مصداقيته في هجومه في بيروت والجبل، وانتشاره في جبال كسروان وعكار، ومحاولته السيطرة على البقاع والشمال بنقل المعارك إليهما؟ وهنا يختلف الجواب باختلاف الجهات المشاركة في العملية؛ فقلما أظهر القادة اللبنانيون الحاليون بعد نظر كاف وثبات في مواقف أساسية في شتى الأمور، ولذا ليس بالغريب إن لم يظهروا اليوم؟ أما الطرح الإسرائيلي الذي رافق نشوء الدولة العبرية وشعار عدم مفاوضة الإرهابيين، فهو قد يكون دفن مع الزعماء الذين طرحوه منذ بنغوريون وغولدا مئير ودايان وبيغن ورابين وغيرهم، وقد يكون الطرح الجديد، بعد الاعتراف بالدولة العبرية والقبول بالتعاون معها من قبل الدول العربية الكبرى، أنه لم يعد هناك من داع للمعاناة إذا كان هناك أمل من خلال التفاوض. ولكن هل يفهم حزب الله وأمثاله هذا الطرح؟ أم أنه يفسره ضعفا وتخاذلا وبالتالي قصر نظر؟ ومع هذا فلن نضع أنفسنا مكان الإسرائيليين لأنهم يعرفون مصالحهم ويعرفون كيف يدافعون عنها دون شك، ولكن ما يهمنا هو كيف ستنعكس هذه التصرفات على لبنان وما سيكون الموقف اللبناني وتأثيراته على مستقبل البلد؟
بالحقيقة كان يمكن تفهم التصرف الشيعي العام في بداية الأحداث؛ وهو فسر يومها كردة فعل على عدم الشعور بالفخر بالانتماء للوطن أو بالمشاركة في نهضته أو ثرائه على السواء. فالطائفة الشيعية صورت بالأغلب كطائفة محرومة ومقهورة نوعا ما (مع أن ناصيف النصار كان أثبت في القرن الثامن عشر دورا لبنانيا أستقلاليا يمكن أن يفاخر به هؤلاء)، ومن هنا كان انضمام أبنائها إلى كل ثورة منذ الشريفيين في1920 مرورا بحركة عبد الناصر في 1958 وانتهاء بثورة عرفات في 1975 وما تلاها من إستلحاق بكل الفئات المتقاتلة وانضمام إلى أكثر من تيار. ولكن وبعد أن تمكن الشيعة بقيادة المغفور له الإمام الصدر من فرض وجودهم كجزء من لبنان، ثم اعترف لهم اللبنانيون، كما سمح لهم الجيران، بلعب دور "المقاوم" وبالتالي "المحرر" ومن ثم "الحامي للحدود" والمشارك في الحكم بفعالية، لم يعد مفهوما التصرف الانعزالي والمنغلق الذي يرافق مواقفهم اليوم.
كان الأحرى بمن صادر القرار الشيعي، وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على خروج الإسرائيليين وسيطرة ميليشياتهم على ساحة الجنوب بشكل منفرد بالرغم من مشاركتهم في الحكم بقوة، أن يسعوا للتعاون مع بقية اللبنانيين للتحرر من السوريين. وهذا ما شكل نقطة ضعفهم الأساسية، فهم لم يظهروا عن ثقة بالنفس كافية لمشاركة اللبنانيين هذه المطالبة، وكأنهم اعتقدوا بأنهم أصبحوا بالفعل أدوات سورية. وإذا بالسيد، يوم قام اللبنانيون ينادون بخروج السوريين في ما سمي بثورة الأرز، يسارع إلى شكرهم والترحيب ببقائهم.
رب قائل بأن القرار الدولي 1559 الذي تكلم عن خروج السوريين هو نفسه قد طالب بإلقاء هؤلاء سلاحهم وهذا ما جعلهم يأخذون المنحى المعارض للقرار، ومن ضمنه خروج سوريا، اعتقادا بأن سلاحهم هو ضمانة تأثيرهم في مجرى الأمور. ولكنهم لو ركبوا تلك الموجة المطالبة بالسيادة والاستقلال ودعموا التحرك الوطني في هذا الاتجاه، كما كان دعمهم الآخرون في محاولتهم إخراج الإسرائيليين ولو بدون وجه حق، وسارعوا هم إلى الاستعداد لتنفيذ القرارات الدولية والتساوي مع كافة اللبنانيين في موضوع السلاح، لكانوا وصلوا إلى قمة الوطنية وعلّموا الكل كيف تكون التضحية واستحقوا الشكر والاحترام وثبّتوا وضع طائفتهم في القرار الوطني المستقل كما كان برز دور الدروز مع الأمراء المعنيين والسنة مع الشهابيين والموارنة عبر عدة محطات من تاريخهم الطويل وخاصة في النصف الأول من القرن الماضي.
الخطأ المميت الذي ارتكبه قادة المليشيات الشيعية وعلى رأسها حزب الله بأنه ارتهن لإيران وربط قراراته بقيادتها واتكل على دعمها المادي والمعنوي فإذا به يصبح، ليس فقط قوة حليفة للحرس الثوري الإيراني في لبنان، بل فرقة عسكرية إيرانية ترابط على سواحل المتوسط، ومن هنا الخطورة على مستقبل العلاقات الشيعية في لبنان مع بقية مركبات المجتمع اللبناني.
اليوم وحتى لو ظهر بأن حزب الله فرض رأيه بقوة السلاح وصرف "المال الحلال" لتأمين ولاء أكثرية من أبناء الطائفة الشيعية له، إلا أنه خسر الرهان لتشكيل جزء من وطن تتعاون فيه كل الفئات مع احتفاظها بخصوصياتها وتساويها في الحصول على الحقوق والواجبات، والخوف من أن تعمم النظرة إليه لتشمل طائفة من كبريات طوائف البلد.
لبنان اليوم ينتظر الحكومة ومشروع بيانها الوزاري وسوف ينتظر غدا الانتخابات، وهو ينتظر أيضا المفاوضات بين سوريا وإسرائيل وبين إيران والغرب، وسينتظر كثيرا لأن الأحداث لن تتوقف وسيبقى هناك من يفتش عن دور له من خلال معاناة الناس. ولكن هل سيتمكن اللبنانيون من اجتياز مرحلة التقاتل وشعاراتها وإهدار طاقاتهم فيها، أو هل سيفهمون بأن التعاون من أجل البناء أجدى، والحديث عن السلام أهم، وأحلام العمران والرفاه أقرب إلى القلب من كوابيس الشقاء والبؤس ومشاهد القتل والانتحار ومسلسلات الإرهاب والدمار؟
ملف الأسرى في إسرائيل أغلق فمتى يغلق ملف الأسرى في سوريا؟ وهل سيفتح ملف جديد وقضية أخرى تشغل اللبنانيين عن اللحاق بالركب والتوصل إلى السلام الداخلي والخارجي؟ أم أن الغشاء قد سقط عن العيون إلى غير رجعة والحقائق باتت واضحة لا تقبل الشك والجهد سيوضع هذه المرة في إعادة بناء الوطن على أسس أثبت تأخذ بالحسبان تجارب الأمم ومآسي اللبنانيين وتجاربهم ولا تبني على القهر والتخلف والشعارات البائدة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق