الجمعة، يوليو 25، 2008

بين سعدات والبرغوثي

راسم عبيدات
......بين فينة وأخرى عتدما تتجدد المفاوضات،حول صفقة التبادل بين اسرائيل وحماس،تكثر التسريبات والتكهنات،حول مصير القادة الفلسطينيين وتحديداً سعدات والبرغوثي،وهل هم من ضمن صفقة التبادل أم لا؟،وفي الفترة الأخيرة كانت هناك تسريبات مصدرها الصحافة الاسرائيلية،بأن اسرائيل توافق مبدئياً على اطلاق سراح البرغوثي،وهي بصدد دراسة ملف الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات،وكذلك راجت تكهنات أخرى بأن اسرائيل قد تقدم على اطلاق سراح القائد البرغوثي،قبل اتمام صفقة"شاليط" كبادرة حسن نية تجاه الرئيس الفلسطيني عباس،ولتقوية ما يسمى معسكر الاعتدال في الساحة الفلسطينية، ولأن من شأن اطلاق سراح البرغوثي ضمن صفقة"شاليط" تقوية حماس وتيار المقاومة،وهو بمثابة شهادة نعي ووفاة للسلطة الفلسطينية،وللعملية السلمية والمفاوضات، والتي تلفظ أنفاسها الأخيرة،ناهيك عن أن هناك أحاديث يجري تداولها بأن بعض الأطراف الفلسطينية غير متحمسة أو راغبة في أن يطلق سراح البرغوثي في هذه الفترة بالذات، في اطار الخوف على مراكزها ومصالحها وامتيازاتها.
وما يعنينا قوله هنا أنه رغم أن القيادة الاسرائيلية، سارعت الى نفي مثل هذه الأخبار،فمن السذاجة الاعتقاد أن الحكومة الاسرائيلية،يهمها أمر السلطة الفلسطينية ووجودها ومصيرها،بالقدر الذي تضع فيه مصالحها وامنها فوق كل هذه الاعتبارات،وهي تدعم هذه السلطة وتقف الى جانبها فقط بالقدر الذي تحفظ لها أمنها وتلبي اشتراطاتها،وما دون ذلك فلتذهب السلطة الى الجحيم،وهذا ليس مجرد شعارات أو مزايدات أو أقوال،فرغم تسلم السلطة الفلسطينية لمهام الأمن في نابلس وبأشراف مباشر من الجنرال الأمريكي"دايتون"إلا أن اسرائيل أصرت على اذلال السلطة وأقتحمت نابلس واغتالت واعتقلت ودمرت وأغلقت وصادرات،دون أن تقيم أي اعتبار أو قيمة لا لسلطة ولا لأجهزة أمنية،وكذلك ما يجري على الأرض من تسريع لوتائر الاستيطان وبأرقام خيالية وفلكية،بل وقبل يومين فقط تقدمت مجموعة من المستوطنين بشكوى أمام المحكمة المركزية الاسرائيلية في القدس ضد البرغوثي وسبعة مناضلين آخرين معتقلين من فتح،مطالبين بتعويضات قدرها 450 مليون شيكل،من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية،لتسببهم في قتل اثنين من المستوطنين وجرح آخرين على حد زعمهم وقولهم،ونحن واثقون أن القيام بهذا العمل في هذه الفترة بالذات، لم يأتي من فراغ،بل هو مدعوم ومبارك من وزراء وأعضاء كنيست،ناهيك عن أن رئيس الوزراء الاسرائيلي"يهود أولمرت" المثقل بالفضائح،والذي وصل الى نهاية طريقه السياسي،لا يمتلك القدرة والقرار على اطلاق سراح مروان البرغوثي،"وأولمرت"غير قادر على مد طوق النجاة لنفسه وليس لأبو مازن وسلطته، وكيف لو جرى حديث عن اطلاق سراح الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات،والذي "أولمرت"اتخذ قراراً شخصياً بهدم سجن أريحا على رأسه ورأس رفاقه بتواطؤ أمريكي- بريطاني وسلوك مريب وغير مبرر من السلطة الفلسطينية.
"فأولمرت" وكل أولوان الطيف السياسي الاسرائيلي لو أصبح حبل الود بينهم وبين السلطة الفلسطينية وحسب المأثور الشعبي"حشيش" لن يطلقوا سراح الأمين العام للجبهة الشعبية،ضمن ما يسمى ببوادر حسن نيتهم او صفقات تبادلهم،فهم أولاً يعتبرونه المسؤول الأول عن قتل أكثر وزرائهم تطرفاً"رحابئم زئيفي"،ناهيك عن أن اطلاق سراحه سيشكل دعماً لخيار ونهج المقاومةالفلسطينية،وهي تعلم جيداً أن سعدات ليس سين أو صاد من القيادات الفلسطينية،والذي قد يساعد اطلاق سراحه على تغير في مواقف الجبهة الشعبية من المفاوضات والتسوية بصيغها ومرجعياتها الحالية،وطرح اطلاق سراحه لو أثير،فقد يتسبب بانتحار سياسي لأي حزب أو حكومة يتجرأ أحد فيها على طرح مثل هذا الموضوع.ناهيك عن أنه قد يتم محاكمته،بتهم دعم ومساندة"الارهاب"وخيانة الدولة.
انه بمعرفتنا وخبرتنا بطبيعة الحكومة الاسرائيلية،وبكل ألوان طيفها السياسي،وبالعقلية التي تحكمها والقائمة على الغطرسة والعنجهية،ونفي الآخر وتعمد اذلاله وتحقيره،لن نلحق السراب والأوهام ،ونعلق الآمال على اطلاق سراح قادتنا ضمن بوادر حسن النية وصفقات الأفراج الاسرائيلية،فنتائج حسن النوايا وصفقات الافراج ماثلة أمامكم جيداً،وهي لم تنجح في تحرير أسير واحد خارج اطار ما يسمى التصنيفات والتقسيمات الاسرائيلية،رغم أننا نعتبر أن اطلاق سراح أي أسير فلسطيني ،دون أي ثمن سياسي أو ابتزاز،هو مكسب للشعب الفلسطيني.
الا أنني على قناعة تامة بأن الفرصة المتاحة والمتوفرة،لأطلاق سراح سعدات والبرغوثي وغيرعم من الأسرى الفلسطينيين،والذين تصنفهم اسرائيل"بالملطخة أيديهم بدماء الاسرائيليين"، لن تكون خارج اطار صفقة التبادل بالجندي الاسرائيلي المأسور"شاليط"،وأنا على ثقة وقناعة تامة بأن الأخوة في حركة حماس والذين يتولون عملية ادارة المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي،رغم الحجم الهائل من الضغوطات التي تمارس عليهم،وما يتعرض له شعبنا في القطاع من قتل وتدمير وحصار وتجويع زادت وتائرة،بعد أسر الجندي الاسرائيلي، سيبقون متمسكين بشروطهم من أجل اتمام صفقة التبادل،لأن هناك عدد لا بأس به من الأسرى،ان تم تجاوزهم في صفقة التبادل تلك،فانهم سيتحولون من شهداء مع وقف التنفيذ الى شهداء فعليين،وكذلك فاطلاق سراح القادة الفلسطينين من وزراء ونواب وقادة فصائل وأحزاب،له قيمة رمزية ومعنوية عاليتين في أوساط شعبنا الفلسطيني،كما أن من شأن ذلك ،ان يعزز من نهج وثقافة المقاومة والصمود في أوساط شعبنا الفلسطيني،والذي خمسة عشر عاما من المفاوضات المارثونية والعقيمة،لم تجلب وتحقق له سوى المزيد من الدمار والتراجع والانكسار وتبديد الحقوق والمنجزات،وتعميق حالة الانقسام والضعف الداخلي.
ومن هنا فإن الرهان الوحيد على اطلاق سراح القادة الفلسطينيين سعدات والبرغوثي،هو فقط من خلال صفقة"شاليط"،لأن أية وسائل أخرى غير كفيلة باطلاق سراحهم وخاصة،ان اسرائيل تجد الدعم والرعاية والمساندة والضمانة والحصانة والقفز عن الشرعية الدولية وقرارتها ،من قبل أمريكيا وأوروبا الغربية،وما وصلت اليه الحالة العربية من ضعف وانكسار وانهيار.

ليست هناك تعليقات: