محمد داود
غزة
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله سبحانه وتعالى
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " ( الحجرات : 13)
صدق الله العظيم
ويقول صلى الله عليه وسلم :
" الناس سواسية كأسنان المشط . ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى "
مقدمة :
تحتوي معظم دول العالم أقليات كبيرة متنوعة بأصولها أو ثقافتها أو ديانتها، إذ نادراً ما نجد في دولة مجتمعاً أحادي الدين واللغة، ولا يؤدي وجود أقلية دينية أو عرقية أو مذهبية بالضرورة، إلى قيام معضلة سياسية وإلى بداية حرب أهلية، ويعلق غسان سلامة أن:" أقليات نشطة سياسياً وأخرى مستكينة، أقليات تسعى إلى الإبقاء على الشعور"الاقلاوي" وعلى شخصيتها الذاتية وأخرى أكثر استعداداً لمستوى عال من الاندماج الاجتماعي- السياسي"، بمعنى أن الدوائر الإمبريالية انتبهت إلى تلك الحالة، فاعتبرتها من فرصة لتفتت بها جسم الأمة وتصنع من تلك الأقليات مشاكل أزلية لم تتناولها كثير من إدارات الدول العربية بروح عصرية مستفيدة من حالة التآخي القديمة التي استمرت عشرات القرون أو آلاف السنين، وهذا نا طرحه مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق "زبيجنيو بريجنسكي" عندما تحدث عن سيناريو متخيلا مستقبل المنطقة العربية في القرن الحادي والعشرين قائلا: «سيكون هناك شرق أوسط مكون من جماعات عرقية ودينية تتحول إلى كانتونات عرقية يجمعها إطار كونفيدرالي بما يسمح "للكانتون الإسرائيلي" أن يعيش في المنطقة بعد أن تصفى فكرة القومية العربية، وهو ما تعانيه بالفعل الساحة العربية من العراق شرقا إلى السودان جنوبا وغربا في دارفور، والتي تتحرك على إيقاع واحد هو تغذية النعرات الانفصالية للأقليات والمجموعات العرقية والطائفية والدينية لتنسلخ عن بلدانها أو لتثير الاضطراب وعدم الاستقرار في ربوعها، ولم يكن مدهشاً أن نجد هذه الهبة الغربية الاستعمارية التي اعتدنا أن نراها منذ العهد الاستعماري لترفع شعارات «حماية الأقليات» في البلدان العربية لتتخذ من ذلك ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية، ومطية لتنفيذ مخططاتها الرامية إلى تمزيق الكيان العربي وتقوية شوكة إسرائيل في المنطقة.
ويتبين ذلك في الإصرار على صياغة مستقبل هذه المنطقة تحت مسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي طرحته إدارة بوش لتقويض الهوية الثقافية والحضارية الجامعة لهذه المنطقة والمتمثلة في"الهوية العربية" وما تجسده من ثقافة وقومية عربية، ومحاولة استبدال هذه الهوية بهوية فضفاضة وفسيفسائية عنوانها «الشرق الأوسطية»، حيث لا يمكن لها ان تكتمل إلا بتمزيق وتفكيك وتفتيت المنطقة إلى سلسلة لا نهائية من الكيانات القزمية على أسس دينية وعرقية ومذهبية وطائفية واثنيه وحدودية، من خلال العزف المتواصل على وتر "اضطهاد الأقليات" في بلاد العرب والمسلمين، ليكون ذلك مدخلاً لتضخيم قضايا الأقليات وتصبح مسألة «الأقليات» و"الدمقرطة" عنواناً تقتحم به إسرائيل وأمريكا قلاع النظام العربي لتخترقه وتفتته من الداخل، وتمزقه الى كيانات قزمية صغيرة تشكل البيئة الإقليمية المواتية لتحقيق أهداف مشروع «الشرق الأوسط الكبير» في الهيمنة والإخضاع الاستعماري والسياسي والتحكم الاستراتيجي في كل تفاعلات المنطقة الراهنة والمستقبلية.
إن مفهوم الأقلية نفسه يثير كثيراً من الحساسيات سواء لدى الأقلية أم الأغلبية في المجتمع العربي، فالشعور السائد غالباً، لدى الأفراد والجماعات التي يتم تصنيفها على أنها "أقلية أو أقليات" في المجتمع أن ذلك يعني وجود وضعية يتم فيها انتقاص حقوق ومصالح وتطلعات هذه الأقلية في المجتمع والدولة، وبالنسبة للأغلبية فإن طرح مسألة الأقليات يثير الشبهات لأنه يعني التركيز على أمور تقود إلى تقويض الوحدة الوطنية والمساس بالاستقرار والسلام الاجتماعي، وقد كان التصور الاستراتيجي لإسرائيل هو أن تعمل بكل قوة لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب وقد تحدثت وثيقة عوديد بينون قائلة: «في العراق سوف يكون التقسيم الإقليمي والطائفي متاحا، ويمكن أن تقوم ثلاث دول أو أكثر حول المدن العراقية الرئيسية: البصرة (جنوب) وبغداد (وسط) والموصل (شمال) ودور إسرائيل الكبير في الاحتلال الأمريكي للعراق، وفرصتها التاريخية التي انتظرتها طويلاً لتطبيق مخطط تقسيم العراق، فشجعت أمريكا على إتباع سياسات تحرك النزعات العرقية والطائفية كان برهانها تقسيم السلطة على أساس عرقي وطائفي كما حدث في مجلس الحكم الانتقالي ثم في الحكومة الانتقالية، يضاف إلى ذلك، تحريض الطوائف العراقية الأخرى مثل التركمان والكلدان والصابئة على المطالبة بحقوق ثقافية وسياسية في الواقع العراقي الجديد، وقد كشف الصحفي الأمريكي الشهير سيمور هيرش عن خبايا التغلغل الإسرائيلي في منطقة كردستان، والتحالف الصهيوني مع جماعات كردية لتغذية المطالب الكردية الرامية إلى الانفصال، وضلوعها في إثارة الاضطرابات الكردية في سوريا، وتفجير الكنائس المسيحية في العراق بهدف خلق أجواء من الاضطراب تهيئ لتفجير النزعات الطائفية والعرقية والخلافات المذهبية في كل من العراق وسوريا.
أولاًً: مفهوم الأقلية ؟
لا يوجد تعريف متفق علية حول الأقليات في العالم، وينطبق هذا الأمر علي الأقليات في الوطن العربي، ويعرف سعد الدين إبراهيم، في كتابه تأملات في مسالة الأقليات، مجموعة من التعريفات من بينها التعريف المأخوذ من الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية والذي جاء بأن "الأقلية هي جماعة من الأفراد يتميزون عن بقية أفراد المجتمع عرقياً أو دينياً أو لغوياً ". كما واقترح بعد إيراده مجموعة من التعاريف الأخذ بالأقليات كمجموعة بشرية تختلف عن الأغلبية في واحد أو أكثر من المتغيرات التالية : الدين أو اللغة أو الثقافة أو السلالة" العربي" . وهو التعريف يقترب من تعريف الموسوعة البريطانية، كونها تعرف الأقليات بأنهم "جماعة من الأفراد يتمايزون عرقياً أو دينياً أو لغويا أو قومياً عن بقية الأفراد في المجتمع الذي يعيشون فيه" .
وتعرف الأقلية من الناحية السياسية "بأنها جماعة تشترك في واحد أو أكثر من المقومات الثقافية أو الطبيعية أو عدد من المصالح التي تكرسها تنظيمات وأنماط خاصة للتفاعل وينشأ لدى أفرادها وعي بتميزهم في مواجهة الآخرين، نتيجة التمييز السياسي والاجتماعي والاقتصادي ضدهم، مما يؤكد تضامنهم ويدعمهم"، ويمكن إضافة هنا تعريف الموسوعة الأمريكية للأقلية " بأنهم جماعة لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في نفس المجتمع وتمتلك قدرا أقل من النفوذ والقوة وتمارس عددا أقل من الحقوق مقارنة بالجماعة المسيطرة في المجتمع، وغالبا ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بحقوق مواطني الدرجة الأولي، أيضاً .. يعرف البعض الأقلية: بأنها مجموعه قوميه أو اثنيه أو دينيه أو لغويه تختلف عن المجموعات الأخرى الموجودة داخل الدولة ذات سيادة ،.... ومما سبق يتضح لنا صعوبة إيجاد تعريف مرض عموما للأقليات، ولكن هناك مجموعة من المعايير اتفق المجتمع الدولي عليها في تعريف الأقلية نوردها لأهميتها،هذه المعايير تشمل مجتمعه جميع الأقليات "وهي :
*أعدادها:من الواضح أن الأقليات يجب أن تقل عدداً عن بقيه السكان الذين يمثلون الأغلبية، و لكن قد تكون هناك حالات لا تمثل فيها أي جماعه أغلبية، و يحدث أن يكون حجم الأقلية على درجه من الكبر تسمح لها بتكوين خصائصها المميزة، وغني عن القول أنه لا يجوز أن تتعرض أيه أقلية، مهما كان صغر حجمها لأي شكل من أشكال المعاملة السيئة أو التمييز، و أن أفرادها يجب أن يتمتعوا بالأحكام العامة لحقوق الإنسان المنصوص عليها في القانون.* عدم هيمنتها: لا بد من أن تكون الأقلية في وضع غير مهيمن يبرر توفير الحماية لها، فهناك أقليات مهيمنة لا تحتاج إلى حماية، بل أن بعض الأقليات المهيمنة تنتهك بشكل جسيم في بعض الأحيان مبادئ المساواة، من ناحية اختلافها في الهوية الإثنية أو القومية: في اللغة أو الدين، فالأقليات سمات اثنيه أو دينيه أو لغويه ثابتة تختلف عن سمات اغلبيه السكان في الدولة، ومن المتفق عليه عموما أن أفراد الأقلية يجب أن يكونوا من مواطني الدولة التي يعيشون فيها.* مواقفها الفردية : لأفراد الأقلية سبيلان للتعبير عن هويتهم :الأول هو مشاركة الجماعة رغبتها القومية في الحفاظ على خصائصها، الثانية التعبير عن الهوية، " أي ممارسة الاختيار بين الانتماء إلى الأقلية أو عدمه"، فبعض الأفراد قد يفضل الاندماج في أغلبية السكان، و هذا حقه، و لا يجوز للأقلية أو الأغلبية وضع العراقيل في طريقهم، والبعض الآخر يفضل التمتع بحكم ذاتي أو تقرير المصير إذا كانت أوضاعه مهيأة" .
ويشمل الأمر علي مستوي المفكرين العرب والفكر العربي حيث تعددية الاتجاهات، في التعاطي مع مسألة الأقليات بتعدد التيارات الفكرية، فالتيار الإسلامي يقدم صيغة لمعاملة الأقليات في أطار الرؤية الإسلامية، أما المفكرين الليبراليين، فيرون أن مشكلة الأقليات يمكن أن تحل بتطبيق مبادئ المواطنة، ويرفض آخرون، أمثال إسماعيل صبري عبد الله، التوسيع المبالغ فيه لموضوع الأقليات، باعتباره يركز على أن تحقيق الوحدة العربية، سيضمن احترام حقوق الأقليات داخل حدود الدولة العربية الجامعة، ويرى سعد الدين إبراهيم، بان إهمال مسألة الأقليات سيفاقم المشكلة، وسيكون له اثار خطيرة على الهدف العروبي الجامع، ويذهب اتجاه أخر، إلى استحالة حل مشكلة الأقليات بدون ضمان الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية كقسطنطين زريق ومحمد فائق، وعموما يمكن القول بان الفكر العربي عدا استثناءات محدودة يتأرجحون بين وجهات نظر متعددة وإن كانوا يتفقون على أهمية أيجاد معالجات فكرية وقانونية تضمن احتياجات الأقليات من جهة وتماسك المجتمع من جهة أخرى. (1)
أما مفهوم العرق Race أو السلالة أو العنصر فهو يشكل موقعاً هاماً في تحريك مسائل الأقلية، وفي بعض الأحيان يتطابق العرق مع الأقلية.. والعرق كلمة مطاطة مخاتلة ومضللة في كثير من الأحيان، لأنها مثقلة بالانحياز القيمي (Value Laden) وليست محايدة وثابتة. فقد تعطي المعنى حسب الحقبة التاريخية أو الإطار الثقافي أو الموقف السياسي، وإن كان العرق يتحدد ببعض العوامل الوراثية، والسوسيولوجية فإنه لا علاقة له بموضوع الذكاء والتعاطي الذهني وتراكم المعرفة والأداء الحضاري، الذي تحدده عوامل أخرى ليست لها علاقة بموضوع العرق. بل تتدافع الحضارة التي تتحكم فيها قوة حضارية بارزة في عينة من الوقت(2)، وتسير كالنهر الذي يرفد بمسيل روافد فرعية تغذي مجراه، أو يتفرع ليصب في فروع تأخذ نصيبها من زخم النهر الأساس. هذا وقد أقر الدين الإسلامي لأول مرة في التاريخ حق الشعوب الخاضعة لسلطانه في الحفاظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها في زمن كان المبدأ السائد هو إكراه الرعايا على دين ملوكهم*3. وقد رأينا ذلك قبل الإسلام في قضية (أصحاب الأخدود) .. كما رأيناها، في محاكم التفتيش عند الأسبان بعدما طردوا العرب من الأندلس، حيث وصلت الضحايا الى الملايين..(3)
ثانياً : الفلسفة الكردية :
في خضم هذه الإشكاليات فان الكُرد كقومية وكجزء من الحضارة الإسلامية بدءوا يواجهون ملامح هذه الصراعات من حيث أن المجتمعات الإسلامية ترى الحضارة الغربية بمثابة عدو لها وان أطراف سياسية متعددة في هذه المجتمعات قد أخذت على عاتقها مهمة إعطاء الإسلام شكلا جديدا يتناسب مع مهمة تحويله إلى قوة متحدية للحضارة الغربية. (4) وكون حالة من الاستقرار في المجتمع العربي الملئ بفسيفساء من الاثنيات والأقليات، مرهونة بهيمنة هوية وطنية اندماجية، خاصة لدى صناع السياسات العامة، ترى بالفرد – أيا كان انتماؤه العرقي أو الديني أو المذهبي- "مواطنا" متساوياً في الحقوق والواجبات تحت كل الظروف، وبكلمات أخرى، تفترض الولاء للمجتمع أو الأمة، وهذا الولاء كما يشدد حليم بركات:" يقوم على الاقتناع، انطلاقاً من قواعد ومبادئ وقيم تقيم توازناً بين ضرورات الامتثال ومتطلبات الحرية، وتهدف إلى تجاوز التناقضات"، فالمنطقة بحاجة ماسة اليوم لإيجاد حلول خلاقة لمشاكلها الأساسية ترضي جميع الأطراف المعنية، فلم يعد من المقبول استمرار حالة انتهاك حقوق الإنسان في المجتمع العربي وعلي كافة الصعيد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الأمر الذي يوجد مجتمع وإنسان رخو عاجز أمام التحديات الداخلية والخارجية علي حد تعبير سمير أمين.(5)
وتعني كردستان : أنها الأرض التي يؤلف عليها الأكراد أكثرية من السكان، ويقصد بها ديار الكرد بوصفهم مجتمع ذو وحدة قوسيه متجانسة، وهذه المنطقة الكردية لا حدود سياسية لها وهي مجزأة بين تركيا والعراق وإيران فضلاً عن نتوءات داخله في سوريا،.. ففي تركيا يتركز الأكراد على جزء يقدر 30% من مساحتها في الجزء الشرقي منها كما يقطن الأكراد الجزء الشمالي للعراق ومعظمهم يقطن في الويسة السليمانية واربيل وكركوك واقضية الموصل راخو ودهوك وعقرة وفي اقاليم مثل خانقين ومندلى ومن لواء ديالى وفي مدن الكوت وبغداد كما يتركزون في شمال غرب إيران وخاصة حول بحيرة أورميه وسننداج ومهاباد كما يتواجدون في شمال شرق سوريا وفي بعض أجزاء من جمهورية أرمينيا السوفيتية وفي بلاد مثل لبنان والأردن وقد أتى ألأكراد إلى هذه البلاد من تركيا عبر سوريا فراراً من الاضطهاد ولكن بأعداد صغيرة.(6) فاكردستان تعني أرض الكرد (الكورد)، وهي المنطقة الجغرافية التي يقيم فيها الكرد (الكورد) في الشرق الأوسط، وهي المنطقة الموزعة على خمس دول ":العراق، ايران، سوريا،أرمينيا، جورجيا، وتركيا ". بالتالي من الصعب تحديد المنطقة الجغرافية لكردستان لعدم اعتراف الدول آنفة الذكر بهذا الكيان. وتم تقسيم كوردستان علی الدول الأربعة قسرا في اتفاقية لوزان المبرمة بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولی.
أكراد (الكورد) : وهو مصطلح يستخدم للتعبير عن الشعب الكوردي, والذي و حسب المؤرخ الكردي محمد أمين زكي في كتابه "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان" يتألف من طبقتين من الشعوب، الطبقة الأولى التي كانت تقطن كوردستان منذ فجر التاريخ "ويسميها محمد أمين زكي" شعوب جبال زاكروس" وهي وحسب رأي المؤرخ المذكور شعوب "لولو، كوتي، كورتي، جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري، نايري" وهي الأصل القديم جدا للشعب الكردي والطبقة الثانية: هي طبقة الشعوب الهندو- أوربية التي هاجرت إلى كوردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، واستوطنت كردستان مع شعوبها الأصلية وهم "الميديين والكاردوخيين "، وامتزجت مع شعوبها الأصلية ليشكلا معا الأمة الكردية(7) .. ويتفق المستشرقين والمؤرخين والجغرافيين على إعتبار المنطقة الجبلية الواقعة في شمال الشرق الاوسط بمحاذاة جبال زاكروس و جبال طوروس المنطقة التي سكن فيها الأكراد منذ القدم ويطلق الأكراد تسمية كردستان على هذه المنطقة وهذه المنطقة هي عبارة عن أجزاء من شمال العراق وشمال غرب ايران وشمال شرق سوريا و جنوب شرق تركيا ويتواجد الأكراد بالأضافة الى هذه المناطق بأعداد قليلة في جنوب غرب أرمينيا و بعض مناطق اذربايجان و لبنان ويعتبر الأكراد من إحدى أكبر القوميات التي لا تملك وطنا او كيانا سياسيا موحدا معترفا به عالميا، وهناك الكثير من الجدل حول الشعب الكردي إبتداءا من منشأهم وإمتدادا الى تأريخهم وحتى في مجال مستقبلهم السياسي وقد إزداد هذا الجدل التأريخي حدة في السنوات الأخيرة وخاصة بعد التغيرات التي طرأت على واقع الأكراد في العراق عقب حرب الخليج الثانية وتشكيل منطقة حظر الطيران التي أدت الى نشوء كيان اقليم كوردستان في شمال العراق.(8) لكن الاستعمار الغربى بالغ كثيرا فى ترديد كلمة الكرد وعمموها على جميع القبائل الجبلية التى تتكلم لغات مختلفة، وايجاد جذور قومية او استيطانية فى شمال العراق، وهم يعلمون ان التاريخ يجسد حقائق ثابتة لاغبار عليها، ولايمكن التلاعب بنصوصها، وهى مرة كالعلقم بالنسبة لوجودهم الحديث فى شمال العراق المحتل بعد ان كانت الكلمة تعنى المجموعات البشرية التى تعيش فى الجبال، وبمرور الزمن شعرت هذه المجموعات بالغبن وقع عليها، فراحت تكون لنفسها حسا نفسيا مشترك على اساس اجتماعى وسياسى، وشعور واحد متجانس، ومحاولة ايجاد كيانات سياسية لهم بكل الطرق والوسائل ضد الدول التى تعيش فى كنفها.(9)، كما أن الخطاب القومي الكردي يميل إلى تضخيم عدد الأكراد في سوريا إلى المليونين ونصف المليون نسمة، وتذهب بعض الخطابات المتطرفة الكردية إلى القول بوجود 5.3 ملايين كردي في سوريا، في حين أن الدراسات الموضوعية، وأشير إلى دراسة غسان سلامة عن "الدولة والمجتمع في المشرق العربي" كذلك تقديرات جوناثان راندل في كتابه "أمة في شقاق: دروب كردستان كما سلكتها" والذي يبدي فيه حماسة كبيرة للأكراد وقضاياهم، ترى أن عدد الأكراد السوريين يتراوح بين 850 ألف شخص عند غسان سلامة، وما يقارب المليون كما يرى راندل.(10)،..مع العلم أن القيادة الكردية أخذت تمارس الان وبوتيرة عالية عمليات الترحيل للعرب واسكان العوائل الكردية عوضاً عنهم، وراحت تحذر العرب من تغيير الواقع الديموغرافى فى كركوك، لان مايقوم به العرب غير مقبول بالنسبة للقيادة الكردية الانفصالية، لان هذه الاعمال حسب منطقهم العقيم تعتبر تمديدا لسياسة التعريب ضد الشعب الكردى، كأن مدينة كركوك مسجلة بأسم هذه القيادة فى دوائر الطابو منذ الخليقة، وقد اكد بعض السياسين من الاكراد انهم على استعداد تام لاستخدام السلاح ضد اى جهة تحاول بسط سيطرتها على المدينة.(11)، فأظهر الأكراد ميلاً وربما غذته تجربته التي طالت لعقد من الزمان لاستقلال فعلي – لأن يفترضوا بعض المسائل الأساسية التي تبقى إلى اليوم مثيرة للجدال بدرجة عالية بين غير الأكراد وعلى سبيل المثال هناك الإصرار الأولي من جانب بعض قادة الأكراد على أن العراق ينبغي أن لا يكون فقد دولة فدرالية بل دولة تضم ما لايزيد عن منطقتين فدراليتين واحدة عربية وواحدة كردية،(12) والمؤرخين المعاصرين يختلفون في تحديد أصل الكرد، وقد ذكر المؤرخ ماكدويل المختص فى تاريخ الكرد، أن كلمة الكرد لا تعنى اسما للعرق بل كان يطلق على المرتزقة البارتيين الساكنين في جبال زاكروس، وبعض المؤرخين أشاروا إلى أن أصلهم مشتق من الكردوخيين، كما جاء ذلك في كتاب (الأكراد ملاحظات وانطباعات) للباحث مينورسكى الصادر عام 1915، وقد تغير هذا الاعتقاد فى الفترة الأخيرة، لان الكردوخيين ليسوا من اصل ارى، بل يعتبرون الكورتيين الذين يعيشون في القسم الشرقي من بلاد الكردوخيين، جبال زاكوروس، هم من أجداد الكرد (مينورسكى )، اما المؤرخ ماكدويل المختص فى تاريخ الكرد فأنه يرفض هذا الاستنتاج ويقول (أن اصطلاح كورتى كان يطلق على المرتزقة البارثيين والسلوسيين الساكنين فى جبال زاكاروس، وانه ليس أكيدا إذا كانت تعنى لغويا اسما لعرق).(13) وهو استثمره الغرب لترويج لكلمة الكرد في بداية القرن العشرين والشعور القومي الكردي، والغريب أنهم بالغوا كثيرا في تفسيرها، وعمموها إلى جميع القبائل الجبلية التى تتكلم لغات مختلفة، الذين لم تجمعهم لغة واحدة، وعنصر وعرق واحد، فمثلا اللغة السورانية التي يتكلم بها بعض الاكراد تختلف من حيث القواعد والكلمات عن اللغة الباديانية. فاللغة الفارسية اقرب الى السورانية. وهناك ايضا اللغة الكرمانجية والزازاكى فى تركيا تختلف عن باقى اللغات الكورانية والفيلية، وقد نشر الاستعمار البريطانى الافكار القومية بين الشعوب الاسلامية وذلك بهدف خلخلة اركان الامبراطورية العثمانية، ومحاربتها فى نهاية الام، فظهر الشعور القومى عند العرب اولا، كما ظهر عند الكرد، ويقول ماكدويل ان الكرد ظهروا كقومية فى المنتصف الثانى من القرن التاسع عشر، بينما يرى المؤرخ برنارد لويس ان الشعور بالهوية الكردية وثم القومية ظهر فى بداية القرن العشرين، وتطور هذا الشعور عندهم تطورا سريعا لعدة عوامل، منها اعتبار الامبراطورية البريطانية ان الكرد قضية امة متكاملة يستوجب على الغرب الدفاع عنها، وتعاطف الكتاب الغربيين مع الكرد، مما جعل الاكراد يبالغون فى وحدة اصلهم ولسانهم وتاريخهم ووطنهم، وان حداثة ظهور الكرد كقومية تحت الايحاء الغربى المبالغ فيه مما جعل الشعب الكردى يترك الحياة القبلية والبداوة فى المرتفعات والجبال الشاهقة، مما اوجد فى عقلية المثقف الكردى من نشوء تصورات خيالية عندهم حول كمال عرقهم وعظمتها، وان وطنهم التاريخى الخيالى احتله العرب والفرس والاتراك،... ويقول الباحث ماكدويل (انه من المشكوك فيه جدا ان يكون الاكراد يكونون مجتمع عرقى منطقى مترابط من ناحية النسب، عدم وجود ثقافة مدنية كردية وأدب قومى كردى فى بدايات القرن العشرين كانت تعتبر من العوائق القاتلة فى تعريف الكرد كقومية، فى حالة الاكراد الشعور بالتماسك القومى ينبع من فكرة - من المحتمل زائفة - النسب واللغة المشتركة. يواجه الكرد هنا صعوبة عملية المبنية قسما على عدم وحدة اللغة، والحداثة فى نشوء الادب، وعدم استعمال كتابة واحدة). وهذا الشعور القومى الكردى الذى نمى بصورة غير طبيعية جعل من الاكراد يندفعون فى محاربة الدول التى يتواجدون فيها لارجاع مجدهم الضائع بعد ان اقنعهم وكذب عليهم الغرب بوجود وطن اجدادهم (كردستان) واول من اطلق كلمة كردستان وخاصة فى مناطق سكناهم الاصلى فى ايران هو السلطان السلجوقى سنجر(14)
ثالثاً: ببلغورافيا الكرد:
أن سطح كردستان ممزق تحجزه بعضه عن بعض سلاسل جبلية وانهار عديدة تتألف من ينابيع مياهها التي لا يحصى لها عدد ولا ترتبط بخطوط مواصلات حديثة تسهل اتصال الأكراد بعضهم ببعض وحجزتها عن بعض البعض حدود الدول التي اقتسمتها فيما بينها.(15) وقد أدى هذا الواقع الجغرافي إلى قيام الأمارات الكردية الكثيرة التي عرفها التاريخ التي عرفها التاريخ والتي كانت تعتمد على ضعف وانحطاط المراكز الحضارية المجاورة أو أشتداد الصراعات فيما بينها،.. ومن جانب آخر فإن الطبيعة الجبلية التي يصعب التغلغل فيها، مكنت الشعب الكردي من ممارسة حياته الأعتيادية بصورة مستقلة أو شبه مستقل عبر القرون ولكن الحضارات المجاورة حيث ظهرت وتوطدت وقامت على أساس المركزية والتجمعات السكانية الكبيرة شكلت امبراطورية واسعة في فترات مختلفة من التاريخ.. ولذلك أصبحت كردستان مطمحاً لهذه الأمبراطوريات المجاورة وهدفاً للغزاة والفاتحين عبر التاريخ وبدلاً من أن تفلح الأمة الكردية في بناء وحدتها وجدت نفسها مقسمة بين الدول المجاورة وقد ساعد على استمرار تمزقها فقدان الترابط الاقتصادي بسبب وعورة الأرض وصعوبة المواصلات مما أدى إلى خضوع كردستان إلى هذه الدول وقد تحولات إلى تخوم تفصل بينها وقد اثرت هذه الطبيعة التخومية التي فرضت على كردستان في تكوين الطبقات المالكة وفي مجرى الصراع الطبقي والقومي، كما أصبحت كردستان مسرحاُ للأظطربات والفتن وكثيراً ما كان حكامها الأكراد يثور بعضهم على بعض والذي يهزم منهم يفر إلى فارس يميناً أو تركيا يساراً لاجئاً (16)
وتنتمي اللغة الكردية إلى مجموعة اللغات الإيرانية التي تمثل فرعاً من أسرة اللغات الهند وأوربية وهي تضم اللغات الكردية والفارسية والأفغانية والطاجيكية، وعلى ذلك فاللغة الكردية ليست مشتقة عن الفارسية أو محرفه عنها وقد أصبح من الواضح بمكان أن اللغة الكردية ليست ايضاً لهجة فارسية محرفة مضطربة بل هي لغة آريه نقية لها مميزاتها الخاصة وتطوراتها القديمة، بينما يستعمل أكراد تركيا وسوريا الأبجدية ألاتينية وأما أكراد الاتحاد السوفيتي فيستعملون بالطبع الأبجدية الروسية(17).ولكن رغم فشل الحركات الكردية في هذا القرن سواء كانت تسودها الروح العشائرية أو الدينية أو الأقليمية فإنها لم تكن تخلو من فائدة، لأنها كانت توقد نار الحماسة الوطنية في صدور الأكراد في اللأنحاء المختلفة من كردستان، (18) وإذا دققنا النظر في بيان أسباب أخفاق الثورات الكردية في القرن التاسع عشر نجد أنها في الدرجة الأولى داخلية ناشئة عن نفس الأكراد وكردستان ويمكن إيجاد هذه الأسباب والعوامل في:
أ- الأنشقاق الداخلي والتحاسد: وهو الذي مكن الدولة العثمانية والفرس من القضاء على حركتهم في سهولة ويسر بالإستعانة بقوة بعض الأمراء الأكراد لضرب أمارات أقوى وهكذا.(19)
ب-لا ينكران جميع الثورات والمحاولات الكردية في القرن التاسع عشر قد حدثت قبل أوانها، ولم يكن الشعب الكردي قد أستعد لمثل هذه الغاية والتقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي وسائر نواحي النشاط الإنساني هو مدار هذا الاستعداد وكل محاولة بدون هذا الاستعداد لاتوصل إلى الهدف المنشود.(20)
ت-كانت قيادة هذه الثورات عشائرية يمينية وقد فشلت في قيادة الحركة التحررية للشعب الكردي نحو الحصول على الاستقلال بسبب ميل هذه القيادة للمساومة وهجر الثورة والفرار من ميدانها . (21)
ث-أن القائمين على هذه الحركات لم يكونوا يحسنون الاضطلاع بمهام الحكم ولا مدركين العوامل والظروف السياسية التي تحيط بهم.(22) إذ حاولت السلطات العثمانية أن تجد حلا للمتاعب التي كانت تسببها لها القبائل الكردية بنقلها من وطنها الأصلي إلى جهات أخرى وكانت ليبيا من الأماكن التي وقع عليها الاختيار لتوطين بعض القبائل لذلك كانت فكرة توطين الأكراد في ليبيا تهدف إلى كسر حدة ثورات الأكراد ضد السلطة العثمانية(23) لم ينس الأكراد في طرابلس وطنهم الأصلي وزاد الحنين إلى بلادهم، كما لم تنقطع ثوراتهم ضد الدولة العثمانية طوال القرن التاسع عشر وقد حاول السلطان عبد الحميد أن يقضي على هذه الثورات قضاء تاماً بالإضافة إلى ثورات الأرمن (24). وأخيراً يبين تقدير عدد سكان كردستان الأكراد من الصعوبة بمكان بسبب تضارب الإحصائيات وتنوعها للتيارات السياسية السائدة في المناطق التي تضم أكراداً، فالتقديرات الرسمية للتيارات السياسية تختلف عن التقديرات الحقيقية في هذه البلاد بسبب إنكار بعض هذه الدول لحقوق الأكراد أو حتى لوجودهم كقومية لها ما للقوميات من حقوق، وأعتبارها أقلية موجودة على الكرة الأرضيةَ بتعداد أربعين مليونا بشكل دقيق: و هم عبارة عن اناس مجردين من الصفة الشخصية بشكل رسمي و البعض منهم لا يَستطيعونَ حتى الزواج و لا يَستطيعُون التَسجيل كالمواطنين او مزاولة الأغراض العملية، و خدمات ويواجهون عقبات حيازات الملكيةً و امتلاك جوازاتُ السفر و حق الاقتراع أَو الحصول على وظيفة..الخ، مع العلم أن هناك 300,000 كردي في سوريا ( يشكلون حوالي 10 بالمائة مِنْ الشعب السوري) ليس لديهم أي روابطِ قانونيةِ تربطهم مع الدولة وبلا وطنِ عملياً تحت سقف القانونِ الدوليِ، وبينما الوضع الكردي في سوريا رديء، الأكراد في العراق وإيران وتركيا أيضاً يواجهون عداوات و مشاكل كبيرة, فهم أقلّياتَ في كُلّ هذه الأممِ، و رغم ذلك وإلى حد بعيد يعد الأكراد المجموعة العرقية الأكبر على الكرة الأرضيةِ بدون دولة تجمعهم.(25)، وقد جرى نوع من الإجماع بين المستشرقين و المؤرخين و الجغرافيين على اعتبار المنطقة الجبلية الواقعة في شمال الشرق الأوسط بمحاذاة جبال زاكروس و جبال طوروس المنطقة التي سكن فيها الأكراد منذ القدم ويطلق الأكراد تسمية كردستان على هذه المنطقة وهذه المنطقة هي عبارة عن أجزاء من شمال العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا و جنوب شرق تركيا ويتواجد الأكراد بالإضافة إلى هذه المناطق بأعداد قليلة في جنوب غرب أرمينيا و بعض مناطق أذربيجان و لبنان ويعتبر الأكراد من إحدى أكبر القوميات التي لا تملك دولة مستقلة أو كياناً سياسياً موحداً معترفاً به عالمياً. وهناك الكثير من الجدل حول الشعب الكردي إبتداءً من منشأهم، وإمتداداً إلى تأريخهم، وحتى في مجال مستقبلهم السياسي وقد إزداد هذا الجدل التأريخي حدة في السنوات الأخيرة وخاصة بعد التغيرات التي طرأت على واقع الأكراد في العراق عقب حرب الخليج الثانية، وتشكيل منطقة حظر الطيران التي أدت إلى نشوء كيان إقليم كردستان في شمال العراق وهذا ما سنحاول ان نسرده في بحثنا المتواضع.
وللأكراد أحتفالات موسومية بالربيع تصحب الاستعداد للرحيل إلى الجبال ويعدون الولائم لاستقبال الموسم فالمواشي تبدأ بالتكاثر ويتوافر الحليب ومعه الطعام وفرص البيع والمبادلة، وينتهي الشتاء ومعه الانتظار الشبيه بالحبس والبرد وشح الطعام، ويكون الرحيل على هيئة قافلة يقودها كبير القوم "الأوباشي" يتبعه أكبر وأجمل كبش في القطعان "نيري" وفي رقبته جرس، ويعزف كبير الرعاة على مزماره فتتحرك القافلة على إيقاع العزف، وفي أواخر الخريف تعود المجموعة إلى القرية، كما تشكل تربية المواشي أساس الحياة الاقتصادية، فهي توفر الطعام واللباس والنقل والدفاع، ويعملون أيضا بالزراعة الحقلية لتوفير الطعام والعلف، وفي بعض مناطق الأكراد توجد زراعة متقدمة، ولديهم خبرة متقدمة في الري، ويستخدمون الغابات والأعشاب البرية في صناعة الأثاث وجمع الحطب والتداوي والصباغة، ويجمعون الثلج من المرتفعات ويبيعونه في الصيف لأهل مدينتي الموصل والعمادية، ويعتبر من صناعاتهم اليدوية النسيج والسجاد والخناجر وصناعات الجلود والمعادن والأخشاب، ولكن خبرتهم بالتجارة قليلة برغم حاجتهم لبيع منتوجاتهم وتأمين احتياجاتهم الأساسية من السلاح والقماش والطعام، وشهدت كردستان في القرن التاسع عشر فترة ازدهار اقتصادي، فكانت تصدر إلى المناطق المجاورة المواشي والعفص المستخرج من الغابات والحبة الخضراء اللازمة لصناعة الصابون والصوف والعسل والحرير والجلود، ويحب الأكراد القتال والحرية، وعلمتهم الحياة أن "العالم ملك الشجاع" والنظام العشائري يوازن هذه النزعة الفردية بتعليمهم السيطرة على النفس والتضحية وأداء الواجب تجاه المجموع، وكما أن الطبيعة لا ترحم الكردي فإنه لا يرحم خصمه أيضا، وقانون الاخذ بالثأر هو الذي يحكم الصلات بين العشائر، فمن ناحية القبيلة والعشيرة فهي تتكون من مجموعة من الأسر يرأسها أحد أبناء العشيرة ويساعده مجلس من الكبار يلتقي يوميا في بيت الزعيم أو خيمته، وتعتبر العشيرة الكردية عالما خاصا منطويا على نفسه، فهي منظمة دفاعية ومؤسسة تقليدية ومحافظة، ولهذا التجمع شعور بالأفضلية على ماسواه، وتحافظ على العادات والتقاليد وطريقة العيش، أما على صعيد الطبقة الكرية فهي تتكون من طبقتين، إحداهما النبلاء والمحاربون وملاكو الأراضي والمواشي، والطبقة الثانية هم الفلاحون أو العمال الزراعيون والخدم وهم أقرب إلى العبيد وفي الغالب من غير الأكراد ولعلهم من الشعوب الأصلية الذين تغلبوا عليهم وسخروهم الحياة الروحية والثقافية للكرد، ويغلب على الأكراد الإسلام وهم سنة، وبعضهم شيعة، وبينهم أقليات يزيدية وعلوية ومسيحية ونسطورية، ويعيش بين الأكراد يهود يشتغلون بالتجارة والحرف، كما نشأت اليزيدية بين الأكراد في القرن الحادي عشر الميلادي وكانت بدايتها صوفية على يد الشيخ عدي أحد تلاميذ عبد القادر الجيلاني، ثم حولها أتباعه بعد أكثر من مائة سنة إلى مذهب أقرب إلى ديانة جديدة مستمدة من الإسلام والزرادشتية والوثنية والمسيحية النسطورية، ومن أهم مبادئها قداسة الشيخ عدي، وإمامة يزيد بن معاوية وإعادة الاعتبار إلى إبليس، ولعلهم لم يكونوا مسلمين ابتداء أو حديثو عهد بالإسلام.(26)
رابعاً :خلفية تاريخية للأكراد:
يتميز الشعب الكردي بخصاله القومية الخاصة به بتأثير صراعه مع الطبيعة ومع الأعداء، فالصفات المشتركة لهذا الشعب هي استعداد دائم للقتال، فلقد علمت الحياة الكردي أن العالم ملك للشجاعة والأكراد يدينون بالإسلام وهناك مذهبان رئيسيان السنة والشيعة ، فالأكراد الذين يعيشون في العراق وكردستان الإيرانية في غرب أذربيجان وحوالي ثلثي أكراد تركيا هم على المذهب السني بينما الآخرون على المذهب الشيعي، كما توجد عدة مذاهب أخرى كعلى اللهي، وهم الذين يعتقدون أن على أبن أبي طالب فيه نفحة من الإلوهية ويقطن هؤلاء أساساً في جبل سنجار والشيخان في شمال غرب العراق كما توجد جيوب من اليزيديين في إيران وفي تركيا وشمال شرق سوريا. (27) كما ربط معظم الباحثين المعاصرين تاريخ الكرد في بلاد الشام بالحقبة الأيوبية التي شهدت ذروة الهجرات الكردية إلى بلاد الشام، لكن المصادر التاريخية تشير إلى وجود بعض الجزر والتجمعات الكردية في بلاد الشام تسبق الحقبة الأيوبية بعقود من الزمن، فقد أشار البلداني أبو عبيد البكري (ولد قرابة سنة 1010م) في كتابه "المسالك والممالك" إلى وجود الكرد في (أرض الدينور وهمدان وبلاد أذربيجان وبلاد الشام وبأرض الموصل إلى جبل الجودي)(28) ولا يعرف على وجه الدقة أي رقعة من أرض الشام يقصدها المؤلف، خاصة ان المفاهيم الجغرافية كانت عرضة للتغيير وتتأرجح بين مد وجزر وتتبدل بتبدل الأزمنة والبلدانيين .
برز الأكراد في التاريخ الإسلامي من خلال دولة كبرى كانوا هم مؤسسيها، وقامت هذه الدولة بجهود كبيرة في توحيد مصر والشام بينما كانت الخلافة العباسية في حالة ضعفٍ شديد، وتصدت هذه الدولة للصليبيين في مصر والشام، وتمكنت من الانتصار عليهم في معارك عظيمة في (حطين) و(المنصورة)، واستمرت الدولة ما يقرب من مائة عام من 569هـ إلى 661هـ .هذه الدولة هي الدولة الأيوبية التي أسسها القائد المسلم الكردي الفذُّ صلاح الدين الأيوبي، وهو من تكريت بالعراق، وجاء مصر مع عمه أسد الدين شيركوه، وتمكن من إسقاط الدولة العبيدية الإسماعيلية وإقامة دولة سنية، ثم تمكن من توحيد مصر والشام في دولةٍ قوية انتصرت على الصليبيين، وتولت أسرته الكردية الحكم من بعده حتى نهاية الدولة، وقيام دولة المماليك.، ومن أهم العلماء الأكراد في التاريخ الإسلامي، والذين لهم أثر كبير الإمام أحمد بن تيمية، والشيخ بديع الزمان النورسي. (29)
إرهاصات الأزمة الكردية
بدأت المشكلة الكردية بصورة واضحة في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية الشيعية والعثمانية السنية عام (1514م) في معركة جالديران التي كانت كبيرة وغير حاسمة، كان من نتائجها تقسيم كردستان عمليًّا بين الدولتين الصفوية والعثمانية، فقد كانت كردستان قبل سنة (1514م) تسود فيها إمارات مستقلة مشغولة بتنظيم شئونها الداخلية، تغيرت مخططات الأكراد لمستقبلهم، وصاروا يتطلعون إلى الانفصال عن كل الدول التي يعيشون فيها، وإقامة دولة كردية تقوم على وحدة العِرق الكردي، وليس على أية رابطة أخرى، ومن ثَمَّ الانفصال عن الخلافة الإسلامية الكبرى القائمة في عصرهم وهي الخلافة العثمانية، ولكن في عام (1555م) عقدت الدولتان العثمانية والصفوية اتفاقية ثنائية بين السلطان العثماني سليمان القانوني والشاه طهماسب عُرِفت باتفاقية "أماسيا"، وذلك بعد ثلاث حملات عسكرية، تمَّ تقسيم كردستان رسميًّا وفق وثيقة رسمية، نصت على تعيين الحدود بين الدولتين، وخاصة في مناطق شهرزور، وقارص، وبايزيد (وهي مناطق كردية صرفة)، مما شكَّل صفعة لآمال الأكراد في الحصول على استقلالهم، كما أسهمت عدة معاهدات في تكريس تقسيم إقليم كردستان، وقد زاد من حدة مشاعر الغضب الكردية بدء الأفكار القومية في الانتشار في الشرق مع بدايات القرن التاسع عشر؛ حيث بدأت الدول الأوروبية تحتك بكردستان عن طريق الرحّالة الأجانب والإرساليات التبشيرية، وكذلك عن طريق بعض القنصليات، وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأميركية، وقد مارست كل هذه الجهات أدوارًا مهمةً في تحريض العشائر الكردية ضد الدولة العثمانية خاصةً، ثم الإيرانية، لكي يحصلوا على مزيد من الامتيازات، أو يزداد نفوذهم في الدولة العثمانية خاصة، بغية تحقيق هذه الدول الأوروبية مآربها في إثارة القلاقل داخل الدولة العثمانية، لتتمكن من إضعافها عن طريق إثارة المشاكل الداخلية، دخلت القضية الكردية منعطفًا جديدًا مع اشتداد الصراع الدولي في المنطقة، وخاصةً بين بريطانيا وروسيا، إذ أخرج هذا الصراع القضية الكردية من الحيز الإقليمي إلى النطاق الدولي، وفي ذات الوقت التقت رغبات الدول العظمى بمحاولات بعض الأكراد التقرب من الأجانب، من أجل البحث عن حلٍّ للقضية الكردية؛ حيث كانت جهود الدبلوماسي الكردي شريف باشا واضحة ضربت الجهود الكردية للاستقلال، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م لم يكن للأكراد مصلحة فيها، وبرغم ذلك وجد الأكراد أنفسهم وقد جرفتهم أحداث الحرب للاشتراك في القتال على الجبهتين: القوقازية والعراقية، فقد انضم الأكراد إلى جانب تركيا في الحرب، حيث تمكن الأتراك من توجيههم لقتال الأرمن والأثوريين (الأشوريين) الذين خانوا تركيا، وتمردوا عليها، وانضموا إلى جبهة الحلفاء المعادية. وقد أُصيب الأكراد بخسائر فادحة.، (30)
هذا ويتفق أغلب الباحثين على انتماء الأكراد إلى المجموعة الهندوأوروبية، وأنهم أحفاد قبائل الميديين التي استمرت دولة الأكراد التي أسسها صلاح الدين الأيوبي ما يقرب من مائة سنة من 569 إلى 661هـ هاجرت في مطلع الألف الثانية قبل الميلاد واستطاعت أن تنشر نفوذها بين السكان الأقدمين وربما استطاعت إذابتهم لتتشكل تركيبة سكانية جديدة عرفت فيما بعد بالأكراد، وتنتمي اللغة الكردية إلى مجموعة اللغات الإيرانية التي تمثل فرعًا من أسرة اللغات الهندوأوربية وهي التي تضم اللغات الكردية والفارسية والأفغانية والطاجيكية، وقد مال أكراد العراق وإيران إلى اللغة العربية؛ فهجروا الأبجدية الخاصة بهم، وبدأوا يستخدمون الأبجدية العربية في كتابة لغتهم، بينما ظل أكراد تركيا وسوريا يستعملون الأبجدية اللاتينية، وأما أكراد الاتحاد السوفيتي فكانوا يستعملون الأبجدية الروسية. ولم تشكِّل كردستان (الموطن الأساسي للأكراد) بلدًا مستقلاً ذا حدود سياسية معينة في يوم من الأيام، على الرغم من أنه يسكنها شعب متجانس عرقًا. وظهرت كلمة "كردستان" كمصطلح جغرافي أول مرة في القرن الـ12 الميلادي في عهد السلاجقة، عندما فصل السلطان السلجوقي سنجار القسم الغربي من إقليم الجبال وجعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه، وأطلق عليه كردستان، وكانت هذه الولاية تشتمل على الأراضي الممتدة بين أذربيجان ولورستان (مناطق سنا، دينور، همدان، كرمنشاه.. إلخ) إضافة إلى المناطق الواقعة غرب جبال زاجروس، مثل شهرزور وكوي سنجق، وكلمة كردستان لا يُعتَرف بها قانونيًّا أو دوليًّا، وهي لا تُستَعمل في الخرائط والأطالس الجغرافية. كما أنها لا تُستَعمل رسميًّا إلا في إيران.
يعتنق الأكراد الإسلام بأغلبية ساحقة، وذلك على المذهب السني الشافعي، وهناك عدد قليل للغاية من الشيعة يعيشون في جنوب كردستان، والنصرانية شبه معدومة بينهم، فالنصارى في كردستان هم من السريان الذين كانوا يسمون بالأثوريين والآن يسمون أنفسهم أشوريين، وهم يعيشون في النصف الشمالي من كردستان العراق، وكذلك الكلدان وهم أقل من الأشوريين ويعيشون في مدينة السليمانية، كما توجد بعض الملل والعقائد المارقة من الإسلام كالكاكائيَّة وطائفة أهل الحق وأغلبهم يعيشون في الجزء الجنوبي من كردستان العراق وإيران، ولكن بأعداد نادرة، ويشغل الأكراد 19 ولاية من الولايات التركية البالغ عددها 90، تقع في شرقي تركيا وجنوبيها الشرقي، ويعيش الأكراد بشكل متفرق في دول أخرى أهمها أرمينيا وكذلك في أذربيجان وباكستان وبلوشستان وأفغانستان، وتختلف التقديرات بشأن عدد الأكراد بين 27 إلى 40 مليونًا، موزعين بنسبة 46% في تركيا، و31% في إيران، و18% في العراق، و5% في أرمينيا وسوريا، حيث كان الأكراد يعيشون في كنف الإمبراطورية الفارسية كرعايا، ومن هنا بدأت علاقتهم بالإسلام أثناء الفتوحات الإسلامية في فارس في عهد الفاروق عمر، وفي هذا الوقت توالت الانتصارات الإسلامية على القوات الفارسية في معارك القادسية وجلولاء ونهاوند (فتح الفتوح). وكان من نتائجها أن حدث احتكاك بين المسلمين الفاتحين وبين الأكراد، وقد فُتِحَت غالبية المناطق الكردية من مدن وقرى وقلاع في أقاليم الجبال الغربية ومناطق الجزيرة الفراتية وأرمينيا وأذربيجان صُلحًا، ماعدا مناطق قليلة فُتِحَت عنوة، إذ لاقى المسلمون فيها مقاومةً عنيفةً، وبحلول عام 21هـ دخلت غالبية المناطق الكردية في الإسلام، ودخل الأكراد في دين الله أفواجًا، وقد دخل غالبية الأكراد في الإسلام طوعًا، وكان لهم إسهام بارز في الفتوحات، ظلَّ الأكراد يتمثلون روح الإسلام، كما أنهم أصبحوا جنودًا للخلافة الإسلامية في شتى عصورها، ولم تؤثر فيهم الاحتكاكات العقائدية والحزبية والمذهبية التي طغت على العديد من القوميات التي تؤلِّف المجتمع الإسلامي آنذاك، بل أصبحوا سندًا ومُدافعًا أمينًا عن الثغور الإسلامية في وجه الروس والبيزنطينيين وحلفائهم من الأرمن والكرج (الجورجيين)، أما دورهم في مقاومة الصليبيين والباطنيين تحت قيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي فأشهر من أن يُعرَف، وصولاً لللعصور العباسية كان لهم دور مشهود في الدفاع عن حياض الخلافة، وحتى عندما شكَّلوا إمارات خاصة بهم كغيرهم من الأمم أيام تدهور الخلافة العباسية في العصر البويهي (334-447 هـ) فإنهم بقوا على إخلاصهم لرمز الإسلام آنذاك (الخلافة العباسية)، ولم يحاولوا القيام بحركات التمرد والانفصال أو احتلال بغداد مثل أمم أخرى كالفُرس والبويهيين، وكان في استطاعتهم فعل ذلك لو أرادوا، ولكنه الإخلاص للإسلام وللخلافة العباسية لا غير.(31) إلى أن قويت علاقة الأكراد بـ مدينة حلب أيام الدولة الحمدانية التي ارتبطت بالأكراد بأواصر القرابة والأرض، فقد تزوج ابن حمدان من امرأة كردية تدعى فاطمة بنت أحمد الهزارمردي الكردي(32)، كما تزوج حاكم الدولة المروانية الكردية في ميافارقين ودياربكر الأمير سعيد بن مروان الملقب بـ "ممهد الدولة"، من الأميرة الحلبية "ست الناس" حفيدة سيف الدولة الحمداني.(33) ، ثم تباينت دوافع هجرات الكرد إلى بلاد الشام وغيرها من الأماكن على مر القرون، ففي القرن التاسع عشر نزحت بعض الأسر والقبائل الكردية باتجاه المناطق الداخلية لبلاد الشام كالقبيلة البرازية، التي تعد من كبريات القبائل في عموم كردستان، كما ذكرها المؤرخ علي أكبر كردستاني (ت 1899م) في كتابه "الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافية كردستان"(34). كما سكنت أسرة آل برمدا في منطقة حارم (وهي أول أسرة شهيرة في قصبة حارم) وهم (في الأصل أسرة كردية من عشيرة البرازية، كانت متوطنة في نواحي سروج من أعمال مدينة الرها"أورفه") .وفي نحو سنة 1824م، اضطرت بضغط من الحكومة العثمانية إلى الرحيل فتوجهت إلى جهات الجومة، ثم استقرت بشكل نهائي في منطقة حارم (35). أما "آل برازي" في مدينة حماة فيذكر الباحث أحمد وصفي زكريا، أنهم (جاؤوا منذ قرن ونصف من أنحاء الرها). وقد استعربت معظم القبائل والأسر الكردية التي نزحت من موطنها الأصلي، واستوطنت المناطق الداخلية في بلاد الشام، بما فيها بعض الأكراد اليزيدية الذين (جلوا عن بلادهم في أنحاء سروج منذ قرن أو أقل) (36) .وقد قام "آل برازي" في مدينة حماة بدور سياسي بارز بعيد فترة الاستقلال في سورية، ووصل محسن برازي إلى منصب رئيس الوزراء في عهد الرئيس حسني الزعيم، وقد وصفت بعض الصحف العربية خارج سورية آنذاك حكومة محسن برازي بـ "الجمهورية الكردية العسكرية" (37).، واستناداً إلى مصادر عربية أن الكرد وطئوا أرض الشام منذ ألف عام أو أكثر، واندمجوا تدريجياً في محيطهم العربي, والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا بقي أكراد الجزيرة وسهل سروج وجبل الكرد (38) محافظين على هويتهم القومية، ولم ينصهروا في البوتقة العربية؟!!
تبلور الاقلية الكردية
بدأت الأمة الكردية تتبلور مع قيام الدولة الحديثة وعندما تكونت دولتان إسلاميتان مستقلتان ومتنافستان يتوزع الأكراد بينهما وهما تركيا وإيران، وبدأت الحركة الوطنية بالظهور، وقامت ثورات كردية عدة ضد تركيا وإيران بسبب الشعور الوطني والاضطهاد والتمييز الذي كانت تمارسه كل من تركيا وإيران ضد الأكراد، ومن أهم ثوراتهم: ثورة عبدالرحمن باشا بابان عام 1806 ضد تركيا، وثورة بلباس عام 1818 ضد إيران، وثورة بدر الدين خان الذي نفته تركيا إلى جزيرة كريت حتى توفي فيها عام 1818، وثورة يزدان شير بين عامي 1853 و 1855 وثورة الشيخ عبيد الله النهري عام 1880.، ثم تبلورت الحركة الوطنية الكردية في أحزاب وتنظيمات سياسية وصحف تعبر عن المسألة الكردية، ومن صحفهم في القرن التاسع عشر صحيفة كردستان التي كانت تصدر في جنيف ثم في القاهرة، وصحيفة شمس الكرد (هة دي كورد) وتواصلت ثورات الكرد وأنشطتهم السياسية بلا انقطاع ولكنهم لم يحصلوا على دولة مستقلة أو حتى حكم ذاتي ضمن الدول التي يعيشون فيها.(39)
بذل الأكراد جهوداً كبيرة في الحرب إلى جانب العثمانيين ضد القوات البريطانية في العراق فقد سار فرسان القبائل الكردية والعربية لمواجهة القوات البريطانية قبل أن تصل إلى حدود لواء الكوث، إلا أن مقدمات هزيمة الدولة العثمانية تلوح في الأفق مما أدى إلى الاظطراب في صفوف الأكراد وإلى زيادة القلق لدى الشيخ محمود خاصة وأن العلاقات بدأت تسؤ بينه وبين العثمانيين، فقد أخذ العسكريون العثمانيون يتهمون زعماء العشائر الكردية بالسلب والنهب (40)، حتى ضُرِبَت الجهود الكردية للاستقلال في مقتل إثر اتفاقية سايكس بيكو عام (1916م)؛ حيث اجتمع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، ثم تحرك الأكراد لاستثمار الظروف الدولية وهزيمة الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى لنيل مطالبهم والاستفادة من مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون بحق الشعوب في تقرير المصير، وقد تحرك الأكراد وبذلوا جهودًا مضنية لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام (1919م)، ولا سيما بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية ويدرو ويلسون بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة، ولم يكن للأكراد كيان سياسي مستقل حتى يشارك وفدهم رسميًّا في ذلك المؤتمر، شأنهم شأن القوميات والشعوب المضطهدة الأخرى، ولذلك خَوَّل الشعب الكردي من خلال العشائر والجمعيات السياسية شريف باشا لتمثيلهم والمطالبة بالمطالب الكردية المشروعة، إلى أن بدأ الأكراد يركزون جهدهم لمطالبة الهيئات الدولية التي احتلت الأستانة بتوحيد المناطق الكردية ومنحها حكمًا ذاتيًّا؛(41) فراجعوا اللجان الأوروبية والأمريكية التي تكونت لاستفتاء الشعوب التي انفصلت عن الإمبراطورية العثمانية لهذا الغرض، كما رأى مفكرو الأكراد وجوب الاتجاه بمساعيهم الوطنية إلى خارج الدولة العثمانية بعد أن رفضت وزارة فريد باشا منح الاستقلال الذاتي للأكراد، وقد ركز الأكراد اهتمامهم نحو مؤتمر الصلح الذي انعقد في باريس في مارس 1919م، خاصة وأن هذا العام قد حفل بالآمال بالنسبة للأكراد والعرب والأرمن، فقد أقبلت هذه السنة ومعها وعود ويلسون بتقرير مصير الشعوب. وقد أصدر الحلفاء بعد استكمال تحضيراتهم للمؤتمر قرارًا في شهر يناير1919م نص على ما يأتي: "… إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية".(42)
خامساً : الوجود الكردي في سوريا:
يعود الوجود الكردي في سورية الى القديم القديم، ذلك أن الأكراد بين الجماعات الأقدم التي سكنت منطقة شرق الأناضول والمناطق المحيطة بها، والتي تتوزع على دول هي تركيا والعراق وإيران وسورية، كما يتوزع بعض الأكراد في الدائرة الأوسع من شرق الأناضول وجوارها القريب، حيث ينتشر الأكراد في بلدان أخرى، غير أن سكن الأكراد في هذه المناطق لم يكن يعني في يوم من الأيام أنهم وحدهم الذين سكنوها، بل كانوا وعلى الدوام وكحالهم اليوم، يساكنون غيرهم من الجماعات القومية التاريخية الموجود والمتفاوتة العدد مثل العرب والفرس والترك والآشوريين، أو الجماعات التي وفدت إلى المنطقة لاحقا مثل الأرمن والشركس وغيرهم، وبهذا المعنى، فقد كانت مناطق سكن الأكراد وغيرهم، مناطق سكن مشترك لجماعات مختلفة، تبدلت باستمرار أكثرياتها وأقلياتها نتيجة عوامل متعددة على مدار التاريخ، ونادرا ما كانت تلك التغييرات مرهونة بصراعات داخلية بين الجماعات المتساكنة، بل إن ما تم منها في إطار صراعات خاضتها شعوب المنطقة مع غزاة ووافدين على نحو ما كانت عملية الغزو المغولي للمنطقة، ولذلك يرى بعض الباحثين أن تيار مكون من القوميون العرب، وأصحاب حضارة وادي الرافدين القديمة، وبعض المستشرقين و المؤرخين مقتنعون بأن أصول الأكراد هي هندوأوروبية وأنهم قدموا من مناطق خارج البقعة الجغرافية التي يقطنونها حالياً. (43) اما أكراد سوريا فهم يتميزوا في المنطقة الواقعة على الحدود السورية العراقية التركية حيث يقطنون الجزيرة العليا وأقليم دجلة ومدينة القامشلي في لواء الخابور وولاية الحسكة كما يتواجدون في ولاية حلب حيث توجد جبال الأكراد وتعد مدينة أفرين مركز الأكراد هناك كما يتواجدون في المدن العربية الكبرى مثل دمشق فهناك حي خاص بهم هو حي حي الشاحلحية في سوريا نتيجة للهجرات المستمرة الناتجة عن أعمال القمع في تركيا ويستقر المهاجرون الأكراد في دامس العين والدوباس وعامود والقامشلي وقرى شمال منطقة الحسكة وشمال ناحية تل خميس وقد أدت هذه الهجرات إلى انتعاش مدن الحسكة والقامشلي خاصة بعد اندحار حركة الشيخ سعيد بيران في تركيا سنة 1925 والحركات التي تلتها(44).
لغة الاستعمار وتعبير الأكراد
أدت تطورات بداية القرن العشرين وتشكل الكيانات السياسية في شرق المتوسط بصورتها الراهنة إلى توزع شعوب المنطقة وقومياتها ومنهم الأكراد وفق الصورة التي يتوزعون اليها حاليا في البلدان القائمة، وكان من نتائج اتفاق سايكس - بيكو وتداعياته ظهور الكيان السوري في حدوده السياسية الراهنة، وهكذا تشارك عرب وأكراد وشركس وأرمن وآشوريون في الانتماء إلى الكيان السوري في صورته الراهنة، وطوال نحو نصف قرن من الزمان امتد حتى نهاية خمسينات القرن العشرين، لم يكن للأكراد تعبيرات سياسية تخصهم، فقد اندمجوا في الحياة السياسية السورية في حركتها العامة وتنظيماتها القائمة، والتي توزعت ما بين التيارات القومية العربية والإسلامية والشيوعية و"الوطنية السورية" التي كان في إطارها حزب الشعب والحزب الوطني، وبدا اندماج الأكراد السوريين في غالبية التنظيمات السياسية أمرا ممكنا ومفهوما باستثناء الأحزاب القومية العربية الناصرية والبعثية التي أظهرت تشددا قوميا ميز فكرها وممارستها في الخمسينات وما بعدها، بخلاف الجماعات الإسلامية والشيوعية، التي تعارض وتنبذ مبدأ التعصب والتشدد القومي، وتدعو إلى تآخي ومساواة المنضوين في إطارها من دون النظر إلى خلفياتهم القومية، وكان من نتائج ذلك مشاركة كثير من الأكراد في أطر هذه الجماعات، وخصوصا الحزب الشيوعي السوري الذي شارك كثير من الأكراد السوريين في عضويته وتولى بعضهم مناصب قيادية فيه طوال عقود متوالية.
ويشكلوا الأكراد في سوريا ثلاث مجموعات مستقرون، نصف بدو، بدو وقد أستمر البدو أقوياء بسبب عدم تفرقهم عند هجرتهم من تركيا(45)، وأكراد سوريا بتنظيمهم القبلي ينتسبون إلى البرازى امللي ومعظمهم ليس له تبعية سياسية فلا يعرف إلا قبليته ولم تختلف أوضاع أكراد سوريا سوء الاقتصادية منها أو الاجتماعية عن أوضاع سائر الأكراد في البلدان الأخرى، وقبيل الحرب العالمية الثانية وبعدها كان لأكراد سوريا مطبوعاتهم باللغة الكردية غير أن تغييرات عديدة طرأت على أوضاعهم في السنوات التي أعقبت الحرب، وبطبيعة الحال لم يطرأ على أحوال الشعب الكردي أي تحسن جذري ولكن آفاق ضمان حقوقه القومية كانت تتحسن(46)، فبعد الحرب العالمية الأولى وضعت سوريا تحت الانتداب الفرنسي وقد دخلت القوات الفرنسية سوريا لتحل محل القوات البريطانية نتيجة للتسويات التي عقدت بين الدولتين في أعقاب الحرب تم تحديد الحدود السورية التركية بين فرنسا من جانب وتركيا من جانب آخر تطبيقاً لاتفاق (47) أنقرة لتوطيد السلام بين الدولتين والذي وقع في 20 أكتوبر سنة 1921.
كان الفرنسيون ينظرون إلى ألأكراد على أنهم أقلية مفيدة لحفظ التوازن مع باقي الأقليات وقد شجعهم الفرنسيون في فترة متفاوتة على أمكان أنشاء كردستان مستقلة ولكن رغم أن الأكراد سمح لهم بأنشاء منظمات سياسية إلا أن الحرية التي تمتعوا بها نسبياً كانت جزئية فلم يسمح لهم بحمل السلاح(48).غير أن تطورا سياسياً مهماً طرأ على موقف الأكراد السوريين من المشاركة في الحياة السياسية في سورية نهاية الخمسينات، إذ بلورت الحركة القومية الكردية اتجاها سياسيا له طابع قومي، عبر عن نفسه بولادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية العام، 1957 وكان أبرز مؤسسيه عثمان صبري، وكان شعاره "تحرير وتوحيد كردستان"، كما يقول صلاح بدرالدين، وكان ذلك في جملة اسباب أدت إلى حملة اعتقالات طالت قيادات وكوادر الحزب في العام ،1960 أي بعد ثلاث سنوات من تشكيله، في نوفمبر 1962 أعلنت الحكومة السورية إن 100،000 من الأكراد الساكنين في سوريا ليسوا مواطنيين سوريين بسبب عدم توفر بيانات عن اجدادهم في الإحصاءات و سجلات النفوس العثمانية قبيل عام 1920 كما أن إحصاء عام 1962 لمنطقة الحسكة مثيرا للجدل فهدف الحكومة المعلن كان "التعرف على المهاجرين الغير قانونيين من تركيا إلى شمال شرق سوريا" وكان على الشخص ان يمتلك وثائق تبين أنه كان يعيش في سوريا منذ عام 1945 على اقل تقدير ولكن الأكراد اعتبروها سياسة منظمة لما اسموه محاولة لتعريب المنطقة، ويزعم البعض بان الحكومة السورية بدأت في السبعينيات و على يد الرئيس الراحل حافظ الأسد ما أسموه سياسة التعريب ومن الأمثلة على هذه السياسة منع الأكراد من تسمية حديثي الولادة باسماء كردية ومنع إطلاق اسماء كردية على المحلات التجارية(49).. لقد مضى الحزب الديمقراطي الكردستاني يتطور في ظل غياب التجربة وتقاليد العمل السياسي، وضعف نخبتهم ذات التوجهات القومية، لكن ذلك لم يمنع قيام السلطات السورية في العام 1960 باعتقال بعض قيادات وكوادر الحزب لمواجهة نزوع الأكراد نحو تشكيل حزب سياسي قومي يخصهم، وكان هذا الخيار الأمني مقدمة لرسم ملامح سياسة رسمية في التعامل مع الأكراد ينضوي في خطين أولهما الخيار الأمني، والثاني اتباع سياسة "تعريب" حيث يوجد الأكراد، وقد عبرت عن نفسها في إقامة حزام عربي في مناطق التماس مع العراق وتركيا في منطقة الجزيرة السورية، وعدم شمول بعض الأكراد في الإحصاء السكاني الجاري في العام ،1962 إضافة إلى فرض قيود على تداول وتعليم اللغة الكردية، وقد أسست تلك السياسة لاحقا لما يمكن وصفه بـ "المسألة الكردية في سورية"...شددت الدولة السورية قبضتها الأمنية في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية نتيجة حساسيات العلاقة مع دول الجوار، حيث تركيا في الشمال والعراق في الشرق، وهناك واقع معقد من الخلافات السورية مع كل منهما، وطال التشدد الأمني كل سكان المنطقة، التي تعيش فيها الغالبية الكردية، لكنه مال للتركيز على العرب مع مطلع السبعينات بسبب العلاقات المفترضة بين سكان مناطق الجزيرة السورية مع البعث العراقية نتيجة التداخلات العشائرية والاجتماعية عبر الحدود، وقابل التشدد الأمني مع عرب الجزيرة على قاعدة مخاوف ارتباطهم بالنظام العراقي، انفراج في التعامل مع الأكراد مع مطلع السبعينات، وقد منحت السلطات السورية بعض الشخصيات الكردية صفة تمثيلية من دون اعتراف مثبت، فاختارت بعضهم في عضوية مجالس الإدارة المحلية في المحافظات التي تعيش فيها تجمعات كردية مهمة، كما اختير عدد من الشخصيات الكردية لعضوية مجلس الشعب السوري وبينهم ممن شكل انقسامات عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أو أقام تنظيمات ذات صبغة كردية. (50)
سادساً : أكراد سوريا ومستقبل الحركة السياسية:
وكما هو واضح في اللوحة السياسية العامة في سورية، فإن للأكراد السوريين تعبيرات سياسية تخصهم، تتمثل في اثني عشر حزبا سياسيا، تتوزعها اتجاهات سياسية في إطار أيدلوجيا قومية، ومعظمها يرتبط بعلاقات مع أحزاب وجماعات سياسية ومنظمات أهلية ومدنية سورية، كما أفرز الأكراد هيئات أهلية ومدنية تعبر عنها منتديات ثقافية كردية، إضافة إلى مشاركة نشطاء أكراد في هيئات أهلية ومدنية سورية متعددة، وهذا يعني، أن الأكراد يشاركون اليوم في الحياة السياسية والاجتماعية السورية في مستويين، أولهما نشاط خاص ومنفصل له طابع قومي، تقوم به أحزاب وجماعات كردية، والثاني مشاركة الجماعات السياسية والثقافية الكردية في إطار نشاط سوري عام، يجمع الجماعات الكردية إلى باقي الجماعات السياسية والأهلية والمدنية في تيار المعارضة السورية، لكن الجماعات الكردية في الحالين تظل ذات علاقة بالسلطات السورية ولاسيما ببعض مواقع النفوذ والقرار.
ويعكس واقع المشاركة الكردية في الحياة السياسية تشتتا واضحا في التعامل مع مستقبل الأكراد الذين يقودهم التشتت على مستوى الأهداف إلى طريقين متناقضين، طريق الأهداف القومية في إطار البحث عن حل للمشكلة الكردية والذي من شأنه أن يقود إلى مزيد من التشدد القومي بما يباعد بينهم وبين مواطنيهم السوريين من عرب وآشوريين وكلدان، ظهرت بعض تعبيراته في شعارات متطرفة أثناء حوادث القامشلي ومنها شعار "كردستان الغربية" و"كردستان سورية"، والطريق الثاني طريق الأهداف الوطنية الذي يحل المشكلة الكردية في إطار حل وطني ديمقراطي عام، يتصدى لمعالجة مشكلات المجتمع السوري بكل فئاته مع إعطاء خصوصية لوضع الأكراد ومعاناتهم، وعلى رغم أهمية مشاركة الأكراد في الحياة السياسية السورية إلا أن مشاركتهم في أحزاب قومية مستقلة من شأنها - في إحدى نتائجها - تكريس انقسام قومي في الحركة السياسية الضعيفة أصلا، ما يزيد الحركة ضعفا فوق ضعفها، هذا إذا لم تتصاعد نعرات قومية متبادلة على غرار ما حدث في حوادث القامشلي وتداعياتها. (51)
دعم سوري ثم انقلاب على الأكراد :
إن التطور الأهم في موقف السلطات من الأكراد وحركتهم السياسية جاء مع مطلع الثمانينات، التي تصاعدت فيها الحساسيات السورية - التركية نتيجة الدور التركي في المواجهات بين الجماعات الإسلامية والسلطات السورية، وتوافق ذلك مع صعود تيار قومي متشدد ومسلح للاكراد الأتراك عبر عنه حزب العمال الكردستاني "p.k.k" الساعي إلى انفصال أكراد تركيا، وتأسيس دولة كردستان، فاحتضنت السلطات السورية حزب العمال الكردستاني، ومنحته فرصة فتح مكاتب واتخاذ مقرات، إضافة إلى كل التسهيلات اللوجستية الممكنة في الأراضي السورية وفي منطقة البقاع اللبناني التي تسيطر عليها القوات السورية، وقد استفاد الأكراد من هذه الأوضاع، ونما على هامشها نشاط سياسي كرس وجود عدد من الأحزاب الكردية سواء التي انقسمت عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أو تلك التي تشكلت على خلفية جديدة، وفي خلال نحو عقد ونصف العقد من السنوات يمتد ما بين مطلع الثمانينات ونهاية التسعينات، صار في وسط الأكراد السوريين نحو عشرة من الأحزاب السياسية الكردية، جاء غالبية قادتها وكوادرها من قيادات وكوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني أو من قيادات وكوادر تربت في الحزب الشيوعي السوري الذي انحسر نفوذ كل انشقاقاته وسط الأكراد السوريين، إلا أنه تصادفت هذه التطورات ارتفاع وتيرة النزعة القومية لدى الأكراد السوريين متأثرين بعاملين خارجيين مهمين، أولهما النشاط الذي كان يتابعه "ح.ن.ن" في تركيا، واضافة إلى ايدلوجيته القومية المتشددة، التي تدعو إلى قيام دولة كردية بالعنف المسلح، فقد نظم الحزب أعدادا من الأكراد السوريين في صفوفه بمن مقاتلين، ثم أضاف إلى ذلك أنشطة تعبوية وإعلامية، تشمل محاضرات وندوات جماهيرية، عمقت التوجهات القومية لدى أكراد سورية، وعززت لديهم فكرة إمكان قيام الدولة الكردية انطلاقا من شرق الأناضول ذي الغالبية الكردية، أما العامل الثاني، وهو نشاط الأكراد في شمال العراق، الذي تصاعد في الثمانينات في غمرة الحرب التي كان يخوضها النظام العراقي ضد إيران، وعلى رغم محاولة النظام العراقي قسم ظهر الحركة الكردية في مذبحة حلبجة العام ،1986 فإن الأكراد استعادوا قوة حضورهم في شمال العراق بعد الحرب الدولية على العراق عام 1991، وصيرورة شمال العراق تحت الحماية الدولية، ما أهلها لتصبح نواة "دولة كردية" يحكمها الحزبان الكرديان الرئيسيان: الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الديمقراطي الكردستاني وثيقا العلاقة مع سورية، وقد أهلت الحرب الأميركية - البريطانية على العراق العام ،2003 واحتلال العراق، الأكراد العراقيين للعب دور أكبر في العراق وخصوصا في المحيط الإقليمي عموما.(52) في عام 1958 تأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني (السوري) على يد الدكتور نور الدين الزازا، حيث كان حزبا سياسياً يهدف إلى الحصول على الاستقلال الذاتي في نطاق الدولة السورية، لكن ما حدث ضمن الأحزاب الكردية السورية كان انعكاس لحدة الافتراق الدولي في المنطقة خلال مراحل الحرب الباردة، وحتى عملية الاعتدال، والتعامل مع مسألة الحقوق المدنية لم تتشكل عبر صياغة واضحة إلا مع نهاية القرن العشرين، أي في الزمن الذي أصبحت فيه مسألة الحقوق المدنية شأنا عالميا ومثار اهتمام معظم المنظمات السياسية على صعيد المنطقة والعالم.
الأكراد وحركة المجتمع السوري
تحت تأثير "التطورات الإيجابية" لأوضاع الأكراد في تركيا والعراق - على رغم انتكاسة "p.k.k" في تركيا بعد العام 1998 - شهدت حال الأكراد السوريين صعودا قوميا، وجد له تفاعلات داخلية في تنامي الحركة الاجتماعية والسياسية السورية المطالبة بالإصلاح، فأخذت أصوات الأحزاب ورجال السياسة من الأكراد السوريين ترفع مطالبها، من دون أن تذهب إلى حد التصادم الحاد مع النظام، ومن دون أن تترك "التطرف" في الأوساط الكردية السورية يذهب إلى مداه، وبهذا بدت النخبة السياسية الكردية في منطقة الوسط بين تطرف أوساط واسعة من الأكراد وتشدد رسمي سوري، يعكسه عدم الدخول إلى الإصلاح وحل المشكلات القائمة، بما فيها مشكلات تتعلق بالأكراد ومنه حل مشكلة الجنسية للمحرومين منها، وإعطاء الأكراد حقوقا ثقافية وخصوصا لجهة الحق بالتعلم باللغة الكردية. إلى أن حوادث مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي في اذار 2003 جاءت نقطة تحول بارزة في علاقة الأكراد مع الحياة السياسية في سورية على خلفية مباراة كرة قدم بين فريق الفتوة من دير الزور و فريق الجهاد من القامشلي , اشتعلت بين جمهور الفريقين الحساسية من الهتافات التي كانوا ينادون بها. تبين من خلال الحيثيات والمتابعات المتعلقة بمجزرة القامشلي في يوم الجمعة 12/3/2004، أن جماهير نادي الفتوة بدير الزور توجهت إلى القامشلي بالآلاف باسم حضور المباراة الرياضية مع نادي الجهاد.(54) ، فقد حدثت صدامات بين أكراد مدينة القامشلي مع الأجهزة الأمنية على خلفية مباراة كرة قدم، ورفعت في خلال الحوادث التي امتدت إلى مناطق سورية اخرى منها دمشق وحلب شعارات وهتافات مست مكانة الأكراد في إطار الجماعة الوطنية السورية، وحدثت صدامات وأعمال تخريب طالت مؤسسات تابعة للدولة، وقتل وجرح عشرات، وسجن ولوحق مئات منهم في حوادث كشفت عن احتدامات داخلية، وفي اليوم الثاني خرج الآلاف من ألأكراد في تظاهرة وقامت قوات حفظ النظام بإطلاق العيارات النارية على المتظاهرين لتفريقهم واشتعلت نار الفتنة وقام الأكراد في سوريا على مدى أربعة أيام بإحراق المؤسسات الحكومية وحدثت مواجهات بين الأكراد والعرب من جنب ومن جنب أخر بين الأكراد ورجال الشرطة، وهذه الأحداث أفرزت نتائج مهمة تركت انعكاسات إيجابية في نظر الأكراد، وتكمن نتائجها وانعكاساتها في النقاط التالية: إرباك النظام السوري من رد فعل جماهير الكرد يوم الانتفاضة فأسرعت القيادات البعثية بجولات مكوكية إلى الدول المجاورة للعراق وذلك خوفاً من نقل التجربة الديمقراطية والفدرالية إلى سوريا، الاعتراف النظري من قبل بشار الأسد بوجود الشعب الكردي واعتبره جزء من النسيج السوري ودخول القضية الكردية في المحافل الدولية، فأعطت زخماُ لللحركة الكردية في سوريا(53). فمارست جماعات أهلية سورية بينها لجان أحياء المجتمع المدني وجمعية حقوق الإنسان دورا في محاصرته ميدانيا بالتعاون مع الأحزاب الكردية والهيئات الأهلية والأجهزة الرسمية، واستطاعت بالمحصلة تهدئة التوترات الحادة، لكن معالجة جذرية وجادة للمشكلات التي تحيط بالأكراد لابد أن تقوم بها الحكومة، وهي الخطوة التي من شأنها وضع حد للتوترات التي تحيط بالأكراد السوريين، لمعالجة مشكلات المجتمع السوري في إطار تحقيق إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، يعيد ترتيب العلاقات التي اختلت بين المجتمع والدولة إلى طبيعتها، لقد تابعت السلطات السورية في أعقاب حوادث القامشلي وتداعياتها في المناطق الأخرى سلسلة متناقضة من الممارسات الأمنية حيال الأكراد. فأطلقت مئات من الذين اعتقلوا على خلفية الحوادث، وقامت من جهة أخرى باعتقال آخرين، وأضافت إلى ذلك تحويل عشرات أمام المحاكم الاستثنائية، لكن إشارات إيجابية صدرت عن الرئيس بشار الأسد بشأن الأكراد في حديث له مع "قناة الجزيرة" القطرية قال فيها، "إن الأكراد جزء من النسيج الوطني في سورية، وإن حوادث القامشلي ليس ذات ارتباطات خارجية،" وكلاهما يتوافق مع تسريبات رسمية سورية، تؤكد أمرا ثالثا، وهو أن استعدادات رسمية تجري لمعالجة موضوع الجنسية بالنسبة إلى الأكراد، وهذه المواقف التطورات وجدت في موقف السلطة صدى إيجابيا عند الأحزاب الكردية السورية الاثني عشر، والتي تنتظم في ثلاث كتل، تحالفين ومجموعة أحزاب منفردة، أول الكتل، التحالف الديمقراطي الكردي في سورية، ويضم كلا من الحزب الديمقراطي الكردي "البارتي" "نصرالدين إبراهيم"، والحزب اليساري الكردي "محمد موسى"، وحزب الوحدة الديمقراطي الكردي "اليكيتي" "إسماعيل عمر"، والحزب الديمقراطي التقدمي الكردي، وثاني الكتل، هي الجبهة الديمقراطية الكردية في سورية، وفي عضويتها كل من الحزب الوطني الديمقراطي الكردي "عبدالحميد درويش"، والحزب اليساري الكردي "خيرالدين مراد"، والحزب الديمقراطي التقدمي الكردي "عزيز داوود"، والحزب الديمقراطي الكردي "البارتي" "نذير مصطفى"، وخارج إطار التحالفين الكرديين، هناك كتلة من أربعة أحزاب كردية، هي حزب الاتحاد الشعبي الكردي "مصطفى جمعة - صلاح بدرالدين سابقا"، والحزب الديمقراطي الكردي "جمال شيخ بام"، وحزب يكيتي الكردي "حسن صالح"، وحزب الاتحاد الديمقراطي "زرادشت حاجو"، فكان الحدث الأبرز والأهم في حياة الأحزاب الكردية في سورية، كان في انفتاح الأوساط العربية عليها، وكانت البداية في الدور الذي قامت به لجان أحياء المجتمع المدني، التي رفعت العزلة القومية عن تلك الأحزاب بدعوتها إلى ندوة عن المسألة الكردية في سورية في العام،2002 ما هيأ لانفتاح جماعات أهلية وسياسية سورية أخرى على الأحزاب الكردية، كان بينها جماعات حقوق الإنسان والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم في عضويته أحزاب المعارضة الرئيسية في سورية، وقد سمح هذا التطور بقيام ائتلاف سياسي عربي - كردي معارض، أصدر الكثير من البيانات السياسية المشتركة، ونظم بصورة موحدة أنشطة كان من بينها اعتصام أمام رئاسة مجلس الوزراء بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/،2003 وشارك في الاعتصامات التضامنية التي تمت على مدى أشهر في خلال محاكمة النشطاء الأربعة عشر أمام المحكمة العسكرية بحلب، ودعا بمشاركة كردية محدودة إلى اعتصام وسط دمشق بمناسبة يوم المعتقل السياسي في سورية في 21/6/،2004 لكن أجهزة الأمن منعت حدوثه، وقد تكرر الأمر لاحقا في الاعتصام الذي كان مقررا القيام به في 9/12/2004 بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، (54).. وتعكس هذه التطورات تحولا في علاقة الأحزاب الكردية بالجماعات السياسية والهيئات الاجتماعية والأهلية في سورية، ما يضفي على هذه العلاقات طابعا إيجابيا، يعيد اللحمة إلى وحدة المجتمع السوري في تكويناته القومية، ويقرب بين جماعاته السياسية المعارضة، ويضعها على قاعدة تفاهمات مستقبلية جديدة، فدفع إلى بروز الحذر من جانب السلطات، فلجأت إلى محاولة عزل الأحزاب الكردية، فقامت الأجهزة الأمنية في يونيو/ حزيران الماضي باستدعاء زعماء الأحزاب الكردية الستة، وطلبت منهم بناء على قرار للقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم وقف الأنشطة الحزبية باعتبار أحزابهم "أحزابا غير مرخصة"، وأن أية أنشطة تعرضهم للمسئولية، وطلبوا منهم تقديم طلبات إلى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل من أجل تشكيل جمعيات غير سياسية تهتم بالأنشطة الثقافية، إلا أن قادة الأحزاب الكردية رفضت الإيعازات الأمنية، وتضامنت معهم في ذلك جماعات المعارضة السياسية والمدنية والحقوقية السورية، التي أكدت حق السوريين في العمل السياسي، وضرورة إصدار قانون للأحزاب السياسية، وطبقا لتقديرات أوساط سياسية، فإن المعنى الحقيقي لحظر نشاط الأحزاب الكردية، هو الضغط عليها لفك ارتباطها مع الجماعات الأخرى، وهو أمر إذا تم سيعيد العلاقات بين الأكراد وأقرانهم العرب إلى المربع الأول، بحيث تنقطع حبال التواصل في المستويين الاجتماعي والسياسي، ما سيعمق مظاهر الضعف السوري كله في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وإذا أصرت الجماعات الكردية على رفض وقف نشاطها وردت السلطات على ذلك الرفض بخطوات عقابية، فإن من شأن ذلك اتجاه الجماعات الكردية إلى العمل السري، والذي سيترافق مع ميل إلى التشدد وربما التطرف في الأوساط الكردية قد يمتد إلى الأوساط العربية، وهذا أيضا من شأنه إضعاف البلاد أمام التحديات التي تواجهها، وبهذا المعنى فإن الخيار المنطقي والطبيعي، هو استمرار الأحزاب الكردية في نشاطاتها مع بذل مساعي أكثر من أجل أحزاب جديدة تضم الأكراد والعرب وغيرهم من مكونات الشعب السوري، وإفساح المجال أمام تطور طبيعي للجماعات والحياة السياسية في سورية وخصوصا لجهة إصدار قانون للأحزاب، وتوسيع الحريات العامة ولاسيما حرية الاجتماع والرأي.(55)
خاتمة:
ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية " وبقوله: "ليس لعربي فضل على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى"...والعديد من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي تؤكد على ذلك..إذ أنني على قناعة بأن تطور بلدنا الحضاري مرتبط لدرجة كبيرة بمستوى الوعي الاجتماعي والسياسي التي سيتم فيها التعامل مع القوميات والديانات الأخرى صغيرة كانت أم كبيرة ومن خلال الموقف من المرأة، وقبل كل شيء الحدود التي يقف عندها الدين واستقلاليته عن الدولة، إنها أمور متعلقة ببعضها بشكل قوي، بالتالي مفهوم الأقليات في ظل مشاريع تفكيك الأرض والهوية والشعب بات يحتمل في بلادنا، وكأن الوطن كله قد أمسى حيزاً لتداخل أقليات بلا هوية جامعة، يطغى فيها الخاص دوماً على العام، والمسألة الكردية هي مثال وجزء من قضية الديمقراطية، وحلها يندرج في إطار وحدة البلد وتطوره انطلاقاً من اهتمام التحولات بقضايا ومشكلات وهموم الجماعات والطوائف والأقليات المختلفة،..والأقلية كما أسلفنا إما عرقية أو دينية، أو أنها أقلية بحكم وضعها الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي المهمش بفعل طغيان الأغلبية المهيمنة ولذلك، تعتبر المرأة في الغرب مثلاً أقلية مع أنها أكثر قليلاً من نصف المجتمع، وهكذا تصبح الأقلية أية مجموعة ترى بأنها تتلقى معاملة غير متساوية مع باقي المواطنين بسبب صفات جسدية أو ثقافية أو اجتماعية خاصة بها، حسب التعريف عالم الاجتماع لويس ويرث،... وسواء اعتمدنا مقياس الأقلية العددية أو مقياس التهميش، فإننا يمكن أن نشتق عدداً لا نهائياً من الأقليات عملياً من أية مجموعة تعتقد بأن لديها قضايا مشتركة تميزها عن غيرها.
نحن نقر أن هناك أقليات حقيقية في الوطن العربي لها مطالب وقضايا عادلة، ولكن ما يحدث اليوم يخرج عن نطاق حقوق الأقليات، إنما مشروع حقيقي للتفكيك، لذلك نحث على أهمية الالتزام بمعايير قد تساهم في احتواء مسألة الأقليات وقطع الطريق أمام بواعث الفتنة والشقاق :
1- من حق الأقلية على الأغلبية أن تتمتع بحقوق مواطنة كاملة، ومن حق الأغلبية على الأقلية أن لا تمد يدها أبداً للخارج أو لأعداء الأمة ولابد من فصل حقوق الأقليات عن مسألة الاستقواء.
2- الإخلاص الروحي الصادق من والانتماء والولاء للأمة وللهوية العربية-الإسلامية، وتشمل العروبة غير المسلمين، ويشمل الإسلام غير العرب، كما تشمل الثقافة الإسلامية كل العرب مسلمين وغير مسلمين، والثقافة الإسلامية وعاء للجميع، وهي تختلف بالتعريف عن مشاريع الإسلام السياسي.
3- إن إزالة الحيف عن الأقليات، حيثما وجد، لا يمكن فصله عن إزالة الظلم والاحتلال والتخلف الواقع على كاهل الأغلبية، ولا تحرر للأقليات في المجتمعات المسحوقة، فعليها أن تعمل مع الأغلبية من أجل القضية المشتركة إن أرادت أن تنال حقوقها فعلاً.
4- إن أي حركة أو خطوة سياسية ممن يزعمون تمثيل الأقليات تفقد مشروعيتها فوراً، ولو كانت مشروعة نظرياً، إن كانت تخدم قوى الهيمنة الخارجية أو الإمبريالية العالمية، ومن الطبيعي أن تعامل كأي عمل عدواني.
5- إن حركات التغيير في بلادنا عليها أن تفكر جيداً بكيفية حل قضايا الأقليات حلولاً عادلة تتفق مع مشروع الوحدة والتحرير والنهضة لأنها جزءٌ من الأمة وقضيتها الواحدة، ولكي لا يجد الطابور الخامس فرصتة لتأجيج الصراعات والفتن.
6- على كل دولة أن تتخلى عن الأقلية القومية فيها لتلحق بدولتها القومية، وعلى الحركة القومية في كل أمة أن تمد ثورتها إلى كل الوطن القومي ولو كان جزء منه قد اقتطع وألحق بدولة مغتصبة او مصطنعة . ذلك لآن مشكلة الأقليات القومية هي في جوهرها مشكلة تحرر ولا تمكن – قومياً – المساومة على الحرية.
لذلك نستنتج إن موضوع الأقليات العرقية والدينية في العالم العربي، عبارة عن قنبلة موقوتة في معظم أنحاء العالم العربي، وسوف تنفجر هذه القنبلة انفجاراً سياسياً مدوياً وقاتلاًً، إذ لم نسارع إلى نزع فتيلها واحتواء الآثار السلبية التي أفرزتها على الحياة السياسية والاجتماعية، وكأن "التطنيش" العربي المعهود للإشكاليات القائمة، هو الدواء الناجع لتناسي موضوع الأقليات الخطير، وخاصة في مصر (الأقباط، النوبيون، البربر، الغجر)، وسوريا (العلويون، الدروز، الاسماعيليون، المسيحيون غير العرب، الأكراد، الترك، الشركس)، ولبنان (الشيعة، الدروز، المسيحيون، المسيحيون غير العرب، الأكراد، الترك، العلويون)، والخليج (الشيعة، الأسيويون)، والمغرب العربي عموماً (البربر، الشيعة، الطوارق).وصولاً لمعاقبة كل من يثير موضوع الأقليات في العالم العربي.
مصادر ومراجع
1- صلاح عبد العاطي : "الأقليات وحقوق الإنسان في المجتمع العربي"، مقال منشور، صحيفة الحوار المتمدن، العدد1590 - 2006 / 6 / 23.
2- حيدر ابراهيم علي "أزمة الأقليات في الوطن العربي"، دار الفكر المعاصر، ط1، 2002، ص 16.
3- كمال السعيد حبيب : "الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية: من بداية الدولة النبوية وحتى نهاية الدولة العثمانية" مكتبة مدبولي، 2002،ص17.
4-صموئيل هنتغتون ترجمة: مالك عبيد ابو شهيرة وأخرون : "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي"، ود. ليبيا ط ۱٩٩۰ ص ۳۳٦.
5- صلاح عبد العاطي: الحوار المتمدن، مرجع سابق.
6- الموسوعة العربية الميسرة دار العلم للملايين. القاهرة، ص 145.
7- فارس عثمان : "جوانب من بعض مساهمات الشعب الكردي في الحضارة"، العدد الثامن عشر من مجلة المثقف التقدمي عام 2000.
8- الموسوعة الحرة : (كوردستان) "الأماكن التي ينتشر فيها السكان الکرد"
9- إياد محمود حسين : "تاريخ الأكراد ومستقبلهم" ،الحلقة الأولى، (يونيو) 2006.
10- علي الربيعو : "المعارضة الكردية في سوريا تخطب ود أميركا تركي"، مقال نقلاً من قسم الدراسات والبحوث الجزيرة 21/3/2006 م
11- إياد محمود حسين : "تاريخ الأكراد ومستقبلهم"، مرجع سابق.
12- امي ورشنفتون وآخرون :"العراق الغزو-الاحتلال- المقاومة-شهادات من خارج الوطن العربي"مركز دراسات الوحدة العربية،ط1، بيروت،2003م،ص379
13- إياد محمود حسين: "تاريخ الأكراد ومستقبلهم"، مرجع سابق.
14- إياد محمود حسين : "تاريخ الأكراد ومستقبلهم"، مرجع سابق.
15- محمود الدرة : "القضية الكردية" ، القاهرة ص25
16- حامد محمود عيسى علي: "المشكلة الكردية في الشرق الأوسط منذ بدايتها حتى سنة1991م"، مطبعة أطلس، القاهرة، 1992م،ص2
17- جلال الطالباني : "كردستان والحركة القومية الكردية"، دار الطليعة، بيروت،1971، ص47
18- جلال الطالباني: "كردستان والحركة القومية الكردية" مرجع السابق، ص193
19- بله.ج شيركوه "القضية الكردية ماضي الكرد وحاضرهم"، مطبعة السعادة، القاهرة، ص48-49.
20- أمين سامي الغمراوي : "قصة الأكراد في شمال العراق"، القاهرة ص259.
21- من وثائق الاتحاد الوطني الكردستاني : "حول الحركة التحررية للشعب الكردي في العراق" ص53.
22- محمد أمين زكي : "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان" مصر 1936مطبعة السعادة ص26.
23- مصطفى عبد الله بعيو: "المشروع الصهيوني لتوطين اليهود في فلسطين"، تونس- ليبيا،1975ص25.
24- حامد محمود عيسى علي: "المشكلة الكردية في الشرق الأوسط" مرجع سابق، ص25
25- هيربيرت: "لندن والتحالف الأمريكي مَع الأكراد" الأمل العدد (70) الاثنين 14-4-2008
26- باسيلي نيكيتين، ترجمة وتعليق نوري طالباني، : "الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية"، المعرفة قسم الأبحاث والدراسات عرض إبراهيم غرايبة الطبعة:الأولى بيروت، لندن الناشر: دار الساقي 2001
27- حامد محمود عيسى علي : "المشكلة الكردية في الشرق الأوسط"، مرجع سابق، ص10.
28 ـ أبو عبيد البكري : "المسالك والممالك"، الجزء الأول، من منشورات، الدار العربية للكتاب والمؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات، طبعة 1992م، ص574.
29-علي محمد الصلابي : "صلاح الدين الأيوبي"، دار المعرفة، بيروت، ط1،2008.
30- رياض رشيد الحيدري :"الأثوريون في العراق عين شمس 1973رسالة ماجستير، "ص51.28- بين التاريخ والواقع: قصة الأكراد (1-6) نقلاً عن مقال لراغب السرجانى تاريخ الإضافة : 22/10/2007
31ـ ابن حمدون محمد بن الحسن بن علي: "التذكرة الحمدونية" الجزء الثامن، ص128.وإحسان عباس وبكر عباس : "علاقة الأسرة الحمدانية بالأكراد من كتاب "أخبار الدولة الحمدانية بالموصل وحلب وديار بكر والثغور"، ، بيروت ، ط1 1996م. ص19.
33 ـ أحمد بن يوسف بن علي الأزرق الفارقي : "تاريخ الفارقي"، دار الفكر ص19.
34 ـ علي أكبر كردستاني : "الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافية كردستان، ترجمها عن الفارسية جان دوست. دار آراس للنشر 2002م.
35 ـ كامل البالي الحلبي الشهير بالغزي : "نهر الذهب في تاريخ حلب، الجزء الأول، ص384ـ385.
36 ـ أحمد وصفي زكريا: "جولة أثرية في بعض البلاد الشامية"، الطبعة الأولى 1934م ـ الطبعة الثانية 1984م ص312.
37 ـ باتريك سيل: :الصراع على سورية: ، منشورات طلاس، ص92.
38 ـ أخطاء شائعة هو الخلط بين جبل الكرد (كرد طاغ) في عفرين وجبل الأكراد التابع لجبال العلويين (اللاذقية) والواقع إلى الغرب من جسر الشغور (جولة أثرية ص140) .
39- باسيلي نيكيتين، ترجمة نوري طالباني : "الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية المعرفة قسم الأبحاث والدراسات" ط1 بيروت، لندن، دار الساقي 2001.
40 حامد محمود عيسى علي: "المشكلة الكردية في الشرق الأوسط" مرجع سابق، ص33.
41- حامد محمود عيسى علي: نفس المرجع السابق، ص56.
42- راغب السرجانى : "بين التاريخ والواقع" قصة الأكراد (2-6) تاريخ النشر30/10/07
43- فايز سارة : "الأكراد والحياة السياسية في سورية" ، دمشق الوسط 28/1/2005.
44- عبد الرحمن قاسمو : "كردستان والأكراد سياسية واقتصادية"، دراسة المؤسسة اللبنانية للنشر بيوت :مرجع سابق ص114.
45- محمد رجائي سليم ريان : "الحركة الوطنية في سوريا 36/1945، رسالة دكتوراه، القاهرة 1976.
46- عبد الرحمن قاسلمو:كردستان والأكراد مرجع سابق، ص114.
47- عبد الرحمن قاسلمو ، نفس المرجع السابق، ص114.
48- حامد محمود عيسى علي:"حزب الأهالي ودوره في الحياة السياسية العراقية عين شمس دراسة ماجستير ص250.
49- محمد مصطفى الصفار "الشرفنامة" إعداد: 29 كانون الثاني 2006
50- عبد الرحمن قاسمو "كردستان والأكراد سياسية واقتصادية"،مرجع سابق ص114.
51- فايز سارة "الأكراد والحياة السياسية في سورية"، دمشق الوسط، 28/1/2005
52- ويكيبيديا "أكراد"، الموسوعة الحرة، دراسة علمية نقلاً عن موقعها
غزة
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله سبحانه وتعالى
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " ( الحجرات : 13)
صدق الله العظيم
ويقول صلى الله عليه وسلم :
" الناس سواسية كأسنان المشط . ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى "
مقدمة :
تحتوي معظم دول العالم أقليات كبيرة متنوعة بأصولها أو ثقافتها أو ديانتها، إذ نادراً ما نجد في دولة مجتمعاً أحادي الدين واللغة، ولا يؤدي وجود أقلية دينية أو عرقية أو مذهبية بالضرورة، إلى قيام معضلة سياسية وإلى بداية حرب أهلية، ويعلق غسان سلامة أن:" أقليات نشطة سياسياً وأخرى مستكينة، أقليات تسعى إلى الإبقاء على الشعور"الاقلاوي" وعلى شخصيتها الذاتية وأخرى أكثر استعداداً لمستوى عال من الاندماج الاجتماعي- السياسي"، بمعنى أن الدوائر الإمبريالية انتبهت إلى تلك الحالة، فاعتبرتها من فرصة لتفتت بها جسم الأمة وتصنع من تلك الأقليات مشاكل أزلية لم تتناولها كثير من إدارات الدول العربية بروح عصرية مستفيدة من حالة التآخي القديمة التي استمرت عشرات القرون أو آلاف السنين، وهذا نا طرحه مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق "زبيجنيو بريجنسكي" عندما تحدث عن سيناريو متخيلا مستقبل المنطقة العربية في القرن الحادي والعشرين قائلا: «سيكون هناك شرق أوسط مكون من جماعات عرقية ودينية تتحول إلى كانتونات عرقية يجمعها إطار كونفيدرالي بما يسمح "للكانتون الإسرائيلي" أن يعيش في المنطقة بعد أن تصفى فكرة القومية العربية، وهو ما تعانيه بالفعل الساحة العربية من العراق شرقا إلى السودان جنوبا وغربا في دارفور، والتي تتحرك على إيقاع واحد هو تغذية النعرات الانفصالية للأقليات والمجموعات العرقية والطائفية والدينية لتنسلخ عن بلدانها أو لتثير الاضطراب وعدم الاستقرار في ربوعها، ولم يكن مدهشاً أن نجد هذه الهبة الغربية الاستعمارية التي اعتدنا أن نراها منذ العهد الاستعماري لترفع شعارات «حماية الأقليات» في البلدان العربية لتتخذ من ذلك ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية، ومطية لتنفيذ مخططاتها الرامية إلى تمزيق الكيان العربي وتقوية شوكة إسرائيل في المنطقة.
ويتبين ذلك في الإصرار على صياغة مستقبل هذه المنطقة تحت مسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي طرحته إدارة بوش لتقويض الهوية الثقافية والحضارية الجامعة لهذه المنطقة والمتمثلة في"الهوية العربية" وما تجسده من ثقافة وقومية عربية، ومحاولة استبدال هذه الهوية بهوية فضفاضة وفسيفسائية عنوانها «الشرق الأوسطية»، حيث لا يمكن لها ان تكتمل إلا بتمزيق وتفكيك وتفتيت المنطقة إلى سلسلة لا نهائية من الكيانات القزمية على أسس دينية وعرقية ومذهبية وطائفية واثنيه وحدودية، من خلال العزف المتواصل على وتر "اضطهاد الأقليات" في بلاد العرب والمسلمين، ليكون ذلك مدخلاً لتضخيم قضايا الأقليات وتصبح مسألة «الأقليات» و"الدمقرطة" عنواناً تقتحم به إسرائيل وأمريكا قلاع النظام العربي لتخترقه وتفتته من الداخل، وتمزقه الى كيانات قزمية صغيرة تشكل البيئة الإقليمية المواتية لتحقيق أهداف مشروع «الشرق الأوسط الكبير» في الهيمنة والإخضاع الاستعماري والسياسي والتحكم الاستراتيجي في كل تفاعلات المنطقة الراهنة والمستقبلية.
إن مفهوم الأقلية نفسه يثير كثيراً من الحساسيات سواء لدى الأقلية أم الأغلبية في المجتمع العربي، فالشعور السائد غالباً، لدى الأفراد والجماعات التي يتم تصنيفها على أنها "أقلية أو أقليات" في المجتمع أن ذلك يعني وجود وضعية يتم فيها انتقاص حقوق ومصالح وتطلعات هذه الأقلية في المجتمع والدولة، وبالنسبة للأغلبية فإن طرح مسألة الأقليات يثير الشبهات لأنه يعني التركيز على أمور تقود إلى تقويض الوحدة الوطنية والمساس بالاستقرار والسلام الاجتماعي، وقد كان التصور الاستراتيجي لإسرائيل هو أن تعمل بكل قوة لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب وقد تحدثت وثيقة عوديد بينون قائلة: «في العراق سوف يكون التقسيم الإقليمي والطائفي متاحا، ويمكن أن تقوم ثلاث دول أو أكثر حول المدن العراقية الرئيسية: البصرة (جنوب) وبغداد (وسط) والموصل (شمال) ودور إسرائيل الكبير في الاحتلال الأمريكي للعراق، وفرصتها التاريخية التي انتظرتها طويلاً لتطبيق مخطط تقسيم العراق، فشجعت أمريكا على إتباع سياسات تحرك النزعات العرقية والطائفية كان برهانها تقسيم السلطة على أساس عرقي وطائفي كما حدث في مجلس الحكم الانتقالي ثم في الحكومة الانتقالية، يضاف إلى ذلك، تحريض الطوائف العراقية الأخرى مثل التركمان والكلدان والصابئة على المطالبة بحقوق ثقافية وسياسية في الواقع العراقي الجديد، وقد كشف الصحفي الأمريكي الشهير سيمور هيرش عن خبايا التغلغل الإسرائيلي في منطقة كردستان، والتحالف الصهيوني مع جماعات كردية لتغذية المطالب الكردية الرامية إلى الانفصال، وضلوعها في إثارة الاضطرابات الكردية في سوريا، وتفجير الكنائس المسيحية في العراق بهدف خلق أجواء من الاضطراب تهيئ لتفجير النزعات الطائفية والعرقية والخلافات المذهبية في كل من العراق وسوريا.
أولاًً: مفهوم الأقلية ؟
لا يوجد تعريف متفق علية حول الأقليات في العالم، وينطبق هذا الأمر علي الأقليات في الوطن العربي، ويعرف سعد الدين إبراهيم، في كتابه تأملات في مسالة الأقليات، مجموعة من التعريفات من بينها التعريف المأخوذ من الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية والذي جاء بأن "الأقلية هي جماعة من الأفراد يتميزون عن بقية أفراد المجتمع عرقياً أو دينياً أو لغوياً ". كما واقترح بعد إيراده مجموعة من التعاريف الأخذ بالأقليات كمجموعة بشرية تختلف عن الأغلبية في واحد أو أكثر من المتغيرات التالية : الدين أو اللغة أو الثقافة أو السلالة" العربي" . وهو التعريف يقترب من تعريف الموسوعة البريطانية، كونها تعرف الأقليات بأنهم "جماعة من الأفراد يتمايزون عرقياً أو دينياً أو لغويا أو قومياً عن بقية الأفراد في المجتمع الذي يعيشون فيه" .
وتعرف الأقلية من الناحية السياسية "بأنها جماعة تشترك في واحد أو أكثر من المقومات الثقافية أو الطبيعية أو عدد من المصالح التي تكرسها تنظيمات وأنماط خاصة للتفاعل وينشأ لدى أفرادها وعي بتميزهم في مواجهة الآخرين، نتيجة التمييز السياسي والاجتماعي والاقتصادي ضدهم، مما يؤكد تضامنهم ويدعمهم"، ويمكن إضافة هنا تعريف الموسوعة الأمريكية للأقلية " بأنهم جماعة لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في نفس المجتمع وتمتلك قدرا أقل من النفوذ والقوة وتمارس عددا أقل من الحقوق مقارنة بالجماعة المسيطرة في المجتمع، وغالبا ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بحقوق مواطني الدرجة الأولي، أيضاً .. يعرف البعض الأقلية: بأنها مجموعه قوميه أو اثنيه أو دينيه أو لغويه تختلف عن المجموعات الأخرى الموجودة داخل الدولة ذات سيادة ،.... ومما سبق يتضح لنا صعوبة إيجاد تعريف مرض عموما للأقليات، ولكن هناك مجموعة من المعايير اتفق المجتمع الدولي عليها في تعريف الأقلية نوردها لأهميتها،هذه المعايير تشمل مجتمعه جميع الأقليات "وهي :
*أعدادها:من الواضح أن الأقليات يجب أن تقل عدداً عن بقيه السكان الذين يمثلون الأغلبية، و لكن قد تكون هناك حالات لا تمثل فيها أي جماعه أغلبية، و يحدث أن يكون حجم الأقلية على درجه من الكبر تسمح لها بتكوين خصائصها المميزة، وغني عن القول أنه لا يجوز أن تتعرض أيه أقلية، مهما كان صغر حجمها لأي شكل من أشكال المعاملة السيئة أو التمييز، و أن أفرادها يجب أن يتمتعوا بالأحكام العامة لحقوق الإنسان المنصوص عليها في القانون.* عدم هيمنتها: لا بد من أن تكون الأقلية في وضع غير مهيمن يبرر توفير الحماية لها، فهناك أقليات مهيمنة لا تحتاج إلى حماية، بل أن بعض الأقليات المهيمنة تنتهك بشكل جسيم في بعض الأحيان مبادئ المساواة، من ناحية اختلافها في الهوية الإثنية أو القومية: في اللغة أو الدين، فالأقليات سمات اثنيه أو دينيه أو لغويه ثابتة تختلف عن سمات اغلبيه السكان في الدولة، ومن المتفق عليه عموما أن أفراد الأقلية يجب أن يكونوا من مواطني الدولة التي يعيشون فيها.* مواقفها الفردية : لأفراد الأقلية سبيلان للتعبير عن هويتهم :الأول هو مشاركة الجماعة رغبتها القومية في الحفاظ على خصائصها، الثانية التعبير عن الهوية، " أي ممارسة الاختيار بين الانتماء إلى الأقلية أو عدمه"، فبعض الأفراد قد يفضل الاندماج في أغلبية السكان، و هذا حقه، و لا يجوز للأقلية أو الأغلبية وضع العراقيل في طريقهم، والبعض الآخر يفضل التمتع بحكم ذاتي أو تقرير المصير إذا كانت أوضاعه مهيأة" .
ويشمل الأمر علي مستوي المفكرين العرب والفكر العربي حيث تعددية الاتجاهات، في التعاطي مع مسألة الأقليات بتعدد التيارات الفكرية، فالتيار الإسلامي يقدم صيغة لمعاملة الأقليات في أطار الرؤية الإسلامية، أما المفكرين الليبراليين، فيرون أن مشكلة الأقليات يمكن أن تحل بتطبيق مبادئ المواطنة، ويرفض آخرون، أمثال إسماعيل صبري عبد الله، التوسيع المبالغ فيه لموضوع الأقليات، باعتباره يركز على أن تحقيق الوحدة العربية، سيضمن احترام حقوق الأقليات داخل حدود الدولة العربية الجامعة، ويرى سعد الدين إبراهيم، بان إهمال مسألة الأقليات سيفاقم المشكلة، وسيكون له اثار خطيرة على الهدف العروبي الجامع، ويذهب اتجاه أخر، إلى استحالة حل مشكلة الأقليات بدون ضمان الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية كقسطنطين زريق ومحمد فائق، وعموما يمكن القول بان الفكر العربي عدا استثناءات محدودة يتأرجحون بين وجهات نظر متعددة وإن كانوا يتفقون على أهمية أيجاد معالجات فكرية وقانونية تضمن احتياجات الأقليات من جهة وتماسك المجتمع من جهة أخرى. (1)
أما مفهوم العرق Race أو السلالة أو العنصر فهو يشكل موقعاً هاماً في تحريك مسائل الأقلية، وفي بعض الأحيان يتطابق العرق مع الأقلية.. والعرق كلمة مطاطة مخاتلة ومضللة في كثير من الأحيان، لأنها مثقلة بالانحياز القيمي (Value Laden) وليست محايدة وثابتة. فقد تعطي المعنى حسب الحقبة التاريخية أو الإطار الثقافي أو الموقف السياسي، وإن كان العرق يتحدد ببعض العوامل الوراثية، والسوسيولوجية فإنه لا علاقة له بموضوع الذكاء والتعاطي الذهني وتراكم المعرفة والأداء الحضاري، الذي تحدده عوامل أخرى ليست لها علاقة بموضوع العرق. بل تتدافع الحضارة التي تتحكم فيها قوة حضارية بارزة في عينة من الوقت(2)، وتسير كالنهر الذي يرفد بمسيل روافد فرعية تغذي مجراه، أو يتفرع ليصب في فروع تأخذ نصيبها من زخم النهر الأساس. هذا وقد أقر الدين الإسلامي لأول مرة في التاريخ حق الشعوب الخاضعة لسلطانه في الحفاظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها في زمن كان المبدأ السائد هو إكراه الرعايا على دين ملوكهم*3. وقد رأينا ذلك قبل الإسلام في قضية (أصحاب الأخدود) .. كما رأيناها، في محاكم التفتيش عند الأسبان بعدما طردوا العرب من الأندلس، حيث وصلت الضحايا الى الملايين..(3)
ثانياً : الفلسفة الكردية :
في خضم هذه الإشكاليات فان الكُرد كقومية وكجزء من الحضارة الإسلامية بدءوا يواجهون ملامح هذه الصراعات من حيث أن المجتمعات الإسلامية ترى الحضارة الغربية بمثابة عدو لها وان أطراف سياسية متعددة في هذه المجتمعات قد أخذت على عاتقها مهمة إعطاء الإسلام شكلا جديدا يتناسب مع مهمة تحويله إلى قوة متحدية للحضارة الغربية. (4) وكون حالة من الاستقرار في المجتمع العربي الملئ بفسيفساء من الاثنيات والأقليات، مرهونة بهيمنة هوية وطنية اندماجية، خاصة لدى صناع السياسات العامة، ترى بالفرد – أيا كان انتماؤه العرقي أو الديني أو المذهبي- "مواطنا" متساوياً في الحقوق والواجبات تحت كل الظروف، وبكلمات أخرى، تفترض الولاء للمجتمع أو الأمة، وهذا الولاء كما يشدد حليم بركات:" يقوم على الاقتناع، انطلاقاً من قواعد ومبادئ وقيم تقيم توازناً بين ضرورات الامتثال ومتطلبات الحرية، وتهدف إلى تجاوز التناقضات"، فالمنطقة بحاجة ماسة اليوم لإيجاد حلول خلاقة لمشاكلها الأساسية ترضي جميع الأطراف المعنية، فلم يعد من المقبول استمرار حالة انتهاك حقوق الإنسان في المجتمع العربي وعلي كافة الصعيد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الأمر الذي يوجد مجتمع وإنسان رخو عاجز أمام التحديات الداخلية والخارجية علي حد تعبير سمير أمين.(5)
وتعني كردستان : أنها الأرض التي يؤلف عليها الأكراد أكثرية من السكان، ويقصد بها ديار الكرد بوصفهم مجتمع ذو وحدة قوسيه متجانسة، وهذه المنطقة الكردية لا حدود سياسية لها وهي مجزأة بين تركيا والعراق وإيران فضلاً عن نتوءات داخله في سوريا،.. ففي تركيا يتركز الأكراد على جزء يقدر 30% من مساحتها في الجزء الشرقي منها كما يقطن الأكراد الجزء الشمالي للعراق ومعظمهم يقطن في الويسة السليمانية واربيل وكركوك واقضية الموصل راخو ودهوك وعقرة وفي اقاليم مثل خانقين ومندلى ومن لواء ديالى وفي مدن الكوت وبغداد كما يتركزون في شمال غرب إيران وخاصة حول بحيرة أورميه وسننداج ومهاباد كما يتواجدون في شمال شرق سوريا وفي بعض أجزاء من جمهورية أرمينيا السوفيتية وفي بلاد مثل لبنان والأردن وقد أتى ألأكراد إلى هذه البلاد من تركيا عبر سوريا فراراً من الاضطهاد ولكن بأعداد صغيرة.(6) فاكردستان تعني أرض الكرد (الكورد)، وهي المنطقة الجغرافية التي يقيم فيها الكرد (الكورد) في الشرق الأوسط، وهي المنطقة الموزعة على خمس دول ":العراق، ايران، سوريا،أرمينيا، جورجيا، وتركيا ". بالتالي من الصعب تحديد المنطقة الجغرافية لكردستان لعدم اعتراف الدول آنفة الذكر بهذا الكيان. وتم تقسيم كوردستان علی الدول الأربعة قسرا في اتفاقية لوزان المبرمة بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولی.
أكراد (الكورد) : وهو مصطلح يستخدم للتعبير عن الشعب الكوردي, والذي و حسب المؤرخ الكردي محمد أمين زكي في كتابه "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان" يتألف من طبقتين من الشعوب، الطبقة الأولى التي كانت تقطن كوردستان منذ فجر التاريخ "ويسميها محمد أمين زكي" شعوب جبال زاكروس" وهي وحسب رأي المؤرخ المذكور شعوب "لولو، كوتي، كورتي، جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري، نايري" وهي الأصل القديم جدا للشعب الكردي والطبقة الثانية: هي طبقة الشعوب الهندو- أوربية التي هاجرت إلى كوردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، واستوطنت كردستان مع شعوبها الأصلية وهم "الميديين والكاردوخيين "، وامتزجت مع شعوبها الأصلية ليشكلا معا الأمة الكردية(7) .. ويتفق المستشرقين والمؤرخين والجغرافيين على إعتبار المنطقة الجبلية الواقعة في شمال الشرق الاوسط بمحاذاة جبال زاكروس و جبال طوروس المنطقة التي سكن فيها الأكراد منذ القدم ويطلق الأكراد تسمية كردستان على هذه المنطقة وهذه المنطقة هي عبارة عن أجزاء من شمال العراق وشمال غرب ايران وشمال شرق سوريا و جنوب شرق تركيا ويتواجد الأكراد بالأضافة الى هذه المناطق بأعداد قليلة في جنوب غرب أرمينيا و بعض مناطق اذربايجان و لبنان ويعتبر الأكراد من إحدى أكبر القوميات التي لا تملك وطنا او كيانا سياسيا موحدا معترفا به عالميا، وهناك الكثير من الجدل حول الشعب الكردي إبتداءا من منشأهم وإمتدادا الى تأريخهم وحتى في مجال مستقبلهم السياسي وقد إزداد هذا الجدل التأريخي حدة في السنوات الأخيرة وخاصة بعد التغيرات التي طرأت على واقع الأكراد في العراق عقب حرب الخليج الثانية وتشكيل منطقة حظر الطيران التي أدت الى نشوء كيان اقليم كوردستان في شمال العراق.(8) لكن الاستعمار الغربى بالغ كثيرا فى ترديد كلمة الكرد وعمموها على جميع القبائل الجبلية التى تتكلم لغات مختلفة، وايجاد جذور قومية او استيطانية فى شمال العراق، وهم يعلمون ان التاريخ يجسد حقائق ثابتة لاغبار عليها، ولايمكن التلاعب بنصوصها، وهى مرة كالعلقم بالنسبة لوجودهم الحديث فى شمال العراق المحتل بعد ان كانت الكلمة تعنى المجموعات البشرية التى تعيش فى الجبال، وبمرور الزمن شعرت هذه المجموعات بالغبن وقع عليها، فراحت تكون لنفسها حسا نفسيا مشترك على اساس اجتماعى وسياسى، وشعور واحد متجانس، ومحاولة ايجاد كيانات سياسية لهم بكل الطرق والوسائل ضد الدول التى تعيش فى كنفها.(9)، كما أن الخطاب القومي الكردي يميل إلى تضخيم عدد الأكراد في سوريا إلى المليونين ونصف المليون نسمة، وتذهب بعض الخطابات المتطرفة الكردية إلى القول بوجود 5.3 ملايين كردي في سوريا، في حين أن الدراسات الموضوعية، وأشير إلى دراسة غسان سلامة عن "الدولة والمجتمع في المشرق العربي" كذلك تقديرات جوناثان راندل في كتابه "أمة في شقاق: دروب كردستان كما سلكتها" والذي يبدي فيه حماسة كبيرة للأكراد وقضاياهم، ترى أن عدد الأكراد السوريين يتراوح بين 850 ألف شخص عند غسان سلامة، وما يقارب المليون كما يرى راندل.(10)،..مع العلم أن القيادة الكردية أخذت تمارس الان وبوتيرة عالية عمليات الترحيل للعرب واسكان العوائل الكردية عوضاً عنهم، وراحت تحذر العرب من تغيير الواقع الديموغرافى فى كركوك، لان مايقوم به العرب غير مقبول بالنسبة للقيادة الكردية الانفصالية، لان هذه الاعمال حسب منطقهم العقيم تعتبر تمديدا لسياسة التعريب ضد الشعب الكردى، كأن مدينة كركوك مسجلة بأسم هذه القيادة فى دوائر الطابو منذ الخليقة، وقد اكد بعض السياسين من الاكراد انهم على استعداد تام لاستخدام السلاح ضد اى جهة تحاول بسط سيطرتها على المدينة.(11)، فأظهر الأكراد ميلاً وربما غذته تجربته التي طالت لعقد من الزمان لاستقلال فعلي – لأن يفترضوا بعض المسائل الأساسية التي تبقى إلى اليوم مثيرة للجدال بدرجة عالية بين غير الأكراد وعلى سبيل المثال هناك الإصرار الأولي من جانب بعض قادة الأكراد على أن العراق ينبغي أن لا يكون فقد دولة فدرالية بل دولة تضم ما لايزيد عن منطقتين فدراليتين واحدة عربية وواحدة كردية،(12) والمؤرخين المعاصرين يختلفون في تحديد أصل الكرد، وقد ذكر المؤرخ ماكدويل المختص فى تاريخ الكرد، أن كلمة الكرد لا تعنى اسما للعرق بل كان يطلق على المرتزقة البارتيين الساكنين في جبال زاكروس، وبعض المؤرخين أشاروا إلى أن أصلهم مشتق من الكردوخيين، كما جاء ذلك في كتاب (الأكراد ملاحظات وانطباعات) للباحث مينورسكى الصادر عام 1915، وقد تغير هذا الاعتقاد فى الفترة الأخيرة، لان الكردوخيين ليسوا من اصل ارى، بل يعتبرون الكورتيين الذين يعيشون في القسم الشرقي من بلاد الكردوخيين، جبال زاكوروس، هم من أجداد الكرد (مينورسكى )، اما المؤرخ ماكدويل المختص فى تاريخ الكرد فأنه يرفض هذا الاستنتاج ويقول (أن اصطلاح كورتى كان يطلق على المرتزقة البارثيين والسلوسيين الساكنين فى جبال زاكاروس، وانه ليس أكيدا إذا كانت تعنى لغويا اسما لعرق).(13) وهو استثمره الغرب لترويج لكلمة الكرد في بداية القرن العشرين والشعور القومي الكردي، والغريب أنهم بالغوا كثيرا في تفسيرها، وعمموها إلى جميع القبائل الجبلية التى تتكلم لغات مختلفة، الذين لم تجمعهم لغة واحدة، وعنصر وعرق واحد، فمثلا اللغة السورانية التي يتكلم بها بعض الاكراد تختلف من حيث القواعد والكلمات عن اللغة الباديانية. فاللغة الفارسية اقرب الى السورانية. وهناك ايضا اللغة الكرمانجية والزازاكى فى تركيا تختلف عن باقى اللغات الكورانية والفيلية، وقد نشر الاستعمار البريطانى الافكار القومية بين الشعوب الاسلامية وذلك بهدف خلخلة اركان الامبراطورية العثمانية، ومحاربتها فى نهاية الام، فظهر الشعور القومى عند العرب اولا، كما ظهر عند الكرد، ويقول ماكدويل ان الكرد ظهروا كقومية فى المنتصف الثانى من القرن التاسع عشر، بينما يرى المؤرخ برنارد لويس ان الشعور بالهوية الكردية وثم القومية ظهر فى بداية القرن العشرين، وتطور هذا الشعور عندهم تطورا سريعا لعدة عوامل، منها اعتبار الامبراطورية البريطانية ان الكرد قضية امة متكاملة يستوجب على الغرب الدفاع عنها، وتعاطف الكتاب الغربيين مع الكرد، مما جعل الاكراد يبالغون فى وحدة اصلهم ولسانهم وتاريخهم ووطنهم، وان حداثة ظهور الكرد كقومية تحت الايحاء الغربى المبالغ فيه مما جعل الشعب الكردى يترك الحياة القبلية والبداوة فى المرتفعات والجبال الشاهقة، مما اوجد فى عقلية المثقف الكردى من نشوء تصورات خيالية عندهم حول كمال عرقهم وعظمتها، وان وطنهم التاريخى الخيالى احتله العرب والفرس والاتراك،... ويقول الباحث ماكدويل (انه من المشكوك فيه جدا ان يكون الاكراد يكونون مجتمع عرقى منطقى مترابط من ناحية النسب، عدم وجود ثقافة مدنية كردية وأدب قومى كردى فى بدايات القرن العشرين كانت تعتبر من العوائق القاتلة فى تعريف الكرد كقومية، فى حالة الاكراد الشعور بالتماسك القومى ينبع من فكرة - من المحتمل زائفة - النسب واللغة المشتركة. يواجه الكرد هنا صعوبة عملية المبنية قسما على عدم وحدة اللغة، والحداثة فى نشوء الادب، وعدم استعمال كتابة واحدة). وهذا الشعور القومى الكردى الذى نمى بصورة غير طبيعية جعل من الاكراد يندفعون فى محاربة الدول التى يتواجدون فيها لارجاع مجدهم الضائع بعد ان اقنعهم وكذب عليهم الغرب بوجود وطن اجدادهم (كردستان) واول من اطلق كلمة كردستان وخاصة فى مناطق سكناهم الاصلى فى ايران هو السلطان السلجوقى سنجر(14)
ثالثاً: ببلغورافيا الكرد:
أن سطح كردستان ممزق تحجزه بعضه عن بعض سلاسل جبلية وانهار عديدة تتألف من ينابيع مياهها التي لا يحصى لها عدد ولا ترتبط بخطوط مواصلات حديثة تسهل اتصال الأكراد بعضهم ببعض وحجزتها عن بعض البعض حدود الدول التي اقتسمتها فيما بينها.(15) وقد أدى هذا الواقع الجغرافي إلى قيام الأمارات الكردية الكثيرة التي عرفها التاريخ التي عرفها التاريخ والتي كانت تعتمد على ضعف وانحطاط المراكز الحضارية المجاورة أو أشتداد الصراعات فيما بينها،.. ومن جانب آخر فإن الطبيعة الجبلية التي يصعب التغلغل فيها، مكنت الشعب الكردي من ممارسة حياته الأعتيادية بصورة مستقلة أو شبه مستقل عبر القرون ولكن الحضارات المجاورة حيث ظهرت وتوطدت وقامت على أساس المركزية والتجمعات السكانية الكبيرة شكلت امبراطورية واسعة في فترات مختلفة من التاريخ.. ولذلك أصبحت كردستان مطمحاً لهذه الأمبراطوريات المجاورة وهدفاً للغزاة والفاتحين عبر التاريخ وبدلاً من أن تفلح الأمة الكردية في بناء وحدتها وجدت نفسها مقسمة بين الدول المجاورة وقد ساعد على استمرار تمزقها فقدان الترابط الاقتصادي بسبب وعورة الأرض وصعوبة المواصلات مما أدى إلى خضوع كردستان إلى هذه الدول وقد تحولات إلى تخوم تفصل بينها وقد اثرت هذه الطبيعة التخومية التي فرضت على كردستان في تكوين الطبقات المالكة وفي مجرى الصراع الطبقي والقومي، كما أصبحت كردستان مسرحاُ للأظطربات والفتن وكثيراً ما كان حكامها الأكراد يثور بعضهم على بعض والذي يهزم منهم يفر إلى فارس يميناً أو تركيا يساراً لاجئاً (16)
وتنتمي اللغة الكردية إلى مجموعة اللغات الإيرانية التي تمثل فرعاً من أسرة اللغات الهند وأوربية وهي تضم اللغات الكردية والفارسية والأفغانية والطاجيكية، وعلى ذلك فاللغة الكردية ليست مشتقة عن الفارسية أو محرفه عنها وقد أصبح من الواضح بمكان أن اللغة الكردية ليست ايضاً لهجة فارسية محرفة مضطربة بل هي لغة آريه نقية لها مميزاتها الخاصة وتطوراتها القديمة، بينما يستعمل أكراد تركيا وسوريا الأبجدية ألاتينية وأما أكراد الاتحاد السوفيتي فيستعملون بالطبع الأبجدية الروسية(17).ولكن رغم فشل الحركات الكردية في هذا القرن سواء كانت تسودها الروح العشائرية أو الدينية أو الأقليمية فإنها لم تكن تخلو من فائدة، لأنها كانت توقد نار الحماسة الوطنية في صدور الأكراد في اللأنحاء المختلفة من كردستان، (18) وإذا دققنا النظر في بيان أسباب أخفاق الثورات الكردية في القرن التاسع عشر نجد أنها في الدرجة الأولى داخلية ناشئة عن نفس الأكراد وكردستان ويمكن إيجاد هذه الأسباب والعوامل في:
أ- الأنشقاق الداخلي والتحاسد: وهو الذي مكن الدولة العثمانية والفرس من القضاء على حركتهم في سهولة ويسر بالإستعانة بقوة بعض الأمراء الأكراد لضرب أمارات أقوى وهكذا.(19)
ب-لا ينكران جميع الثورات والمحاولات الكردية في القرن التاسع عشر قد حدثت قبل أوانها، ولم يكن الشعب الكردي قد أستعد لمثل هذه الغاية والتقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي وسائر نواحي النشاط الإنساني هو مدار هذا الاستعداد وكل محاولة بدون هذا الاستعداد لاتوصل إلى الهدف المنشود.(20)
ت-كانت قيادة هذه الثورات عشائرية يمينية وقد فشلت في قيادة الحركة التحررية للشعب الكردي نحو الحصول على الاستقلال بسبب ميل هذه القيادة للمساومة وهجر الثورة والفرار من ميدانها . (21)
ث-أن القائمين على هذه الحركات لم يكونوا يحسنون الاضطلاع بمهام الحكم ولا مدركين العوامل والظروف السياسية التي تحيط بهم.(22) إذ حاولت السلطات العثمانية أن تجد حلا للمتاعب التي كانت تسببها لها القبائل الكردية بنقلها من وطنها الأصلي إلى جهات أخرى وكانت ليبيا من الأماكن التي وقع عليها الاختيار لتوطين بعض القبائل لذلك كانت فكرة توطين الأكراد في ليبيا تهدف إلى كسر حدة ثورات الأكراد ضد السلطة العثمانية(23) لم ينس الأكراد في طرابلس وطنهم الأصلي وزاد الحنين إلى بلادهم، كما لم تنقطع ثوراتهم ضد الدولة العثمانية طوال القرن التاسع عشر وقد حاول السلطان عبد الحميد أن يقضي على هذه الثورات قضاء تاماً بالإضافة إلى ثورات الأرمن (24). وأخيراً يبين تقدير عدد سكان كردستان الأكراد من الصعوبة بمكان بسبب تضارب الإحصائيات وتنوعها للتيارات السياسية السائدة في المناطق التي تضم أكراداً، فالتقديرات الرسمية للتيارات السياسية تختلف عن التقديرات الحقيقية في هذه البلاد بسبب إنكار بعض هذه الدول لحقوق الأكراد أو حتى لوجودهم كقومية لها ما للقوميات من حقوق، وأعتبارها أقلية موجودة على الكرة الأرضيةَ بتعداد أربعين مليونا بشكل دقيق: و هم عبارة عن اناس مجردين من الصفة الشخصية بشكل رسمي و البعض منهم لا يَستطيعونَ حتى الزواج و لا يَستطيعُون التَسجيل كالمواطنين او مزاولة الأغراض العملية، و خدمات ويواجهون عقبات حيازات الملكيةً و امتلاك جوازاتُ السفر و حق الاقتراع أَو الحصول على وظيفة..الخ، مع العلم أن هناك 300,000 كردي في سوريا ( يشكلون حوالي 10 بالمائة مِنْ الشعب السوري) ليس لديهم أي روابطِ قانونيةِ تربطهم مع الدولة وبلا وطنِ عملياً تحت سقف القانونِ الدوليِ، وبينما الوضع الكردي في سوريا رديء، الأكراد في العراق وإيران وتركيا أيضاً يواجهون عداوات و مشاكل كبيرة, فهم أقلّياتَ في كُلّ هذه الأممِ، و رغم ذلك وإلى حد بعيد يعد الأكراد المجموعة العرقية الأكبر على الكرة الأرضيةِ بدون دولة تجمعهم.(25)، وقد جرى نوع من الإجماع بين المستشرقين و المؤرخين و الجغرافيين على اعتبار المنطقة الجبلية الواقعة في شمال الشرق الأوسط بمحاذاة جبال زاكروس و جبال طوروس المنطقة التي سكن فيها الأكراد منذ القدم ويطلق الأكراد تسمية كردستان على هذه المنطقة وهذه المنطقة هي عبارة عن أجزاء من شمال العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا و جنوب شرق تركيا ويتواجد الأكراد بالإضافة إلى هذه المناطق بأعداد قليلة في جنوب غرب أرمينيا و بعض مناطق أذربيجان و لبنان ويعتبر الأكراد من إحدى أكبر القوميات التي لا تملك دولة مستقلة أو كياناً سياسياً موحداً معترفاً به عالمياً. وهناك الكثير من الجدل حول الشعب الكردي إبتداءً من منشأهم، وإمتداداً إلى تأريخهم، وحتى في مجال مستقبلهم السياسي وقد إزداد هذا الجدل التأريخي حدة في السنوات الأخيرة وخاصة بعد التغيرات التي طرأت على واقع الأكراد في العراق عقب حرب الخليج الثانية، وتشكيل منطقة حظر الطيران التي أدت إلى نشوء كيان إقليم كردستان في شمال العراق وهذا ما سنحاول ان نسرده في بحثنا المتواضع.
وللأكراد أحتفالات موسومية بالربيع تصحب الاستعداد للرحيل إلى الجبال ويعدون الولائم لاستقبال الموسم فالمواشي تبدأ بالتكاثر ويتوافر الحليب ومعه الطعام وفرص البيع والمبادلة، وينتهي الشتاء ومعه الانتظار الشبيه بالحبس والبرد وشح الطعام، ويكون الرحيل على هيئة قافلة يقودها كبير القوم "الأوباشي" يتبعه أكبر وأجمل كبش في القطعان "نيري" وفي رقبته جرس، ويعزف كبير الرعاة على مزماره فتتحرك القافلة على إيقاع العزف، وفي أواخر الخريف تعود المجموعة إلى القرية، كما تشكل تربية المواشي أساس الحياة الاقتصادية، فهي توفر الطعام واللباس والنقل والدفاع، ويعملون أيضا بالزراعة الحقلية لتوفير الطعام والعلف، وفي بعض مناطق الأكراد توجد زراعة متقدمة، ولديهم خبرة متقدمة في الري، ويستخدمون الغابات والأعشاب البرية في صناعة الأثاث وجمع الحطب والتداوي والصباغة، ويجمعون الثلج من المرتفعات ويبيعونه في الصيف لأهل مدينتي الموصل والعمادية، ويعتبر من صناعاتهم اليدوية النسيج والسجاد والخناجر وصناعات الجلود والمعادن والأخشاب، ولكن خبرتهم بالتجارة قليلة برغم حاجتهم لبيع منتوجاتهم وتأمين احتياجاتهم الأساسية من السلاح والقماش والطعام، وشهدت كردستان في القرن التاسع عشر فترة ازدهار اقتصادي، فكانت تصدر إلى المناطق المجاورة المواشي والعفص المستخرج من الغابات والحبة الخضراء اللازمة لصناعة الصابون والصوف والعسل والحرير والجلود، ويحب الأكراد القتال والحرية، وعلمتهم الحياة أن "العالم ملك الشجاع" والنظام العشائري يوازن هذه النزعة الفردية بتعليمهم السيطرة على النفس والتضحية وأداء الواجب تجاه المجموع، وكما أن الطبيعة لا ترحم الكردي فإنه لا يرحم خصمه أيضا، وقانون الاخذ بالثأر هو الذي يحكم الصلات بين العشائر، فمن ناحية القبيلة والعشيرة فهي تتكون من مجموعة من الأسر يرأسها أحد أبناء العشيرة ويساعده مجلس من الكبار يلتقي يوميا في بيت الزعيم أو خيمته، وتعتبر العشيرة الكردية عالما خاصا منطويا على نفسه، فهي منظمة دفاعية ومؤسسة تقليدية ومحافظة، ولهذا التجمع شعور بالأفضلية على ماسواه، وتحافظ على العادات والتقاليد وطريقة العيش، أما على صعيد الطبقة الكرية فهي تتكون من طبقتين، إحداهما النبلاء والمحاربون وملاكو الأراضي والمواشي، والطبقة الثانية هم الفلاحون أو العمال الزراعيون والخدم وهم أقرب إلى العبيد وفي الغالب من غير الأكراد ولعلهم من الشعوب الأصلية الذين تغلبوا عليهم وسخروهم الحياة الروحية والثقافية للكرد، ويغلب على الأكراد الإسلام وهم سنة، وبعضهم شيعة، وبينهم أقليات يزيدية وعلوية ومسيحية ونسطورية، ويعيش بين الأكراد يهود يشتغلون بالتجارة والحرف، كما نشأت اليزيدية بين الأكراد في القرن الحادي عشر الميلادي وكانت بدايتها صوفية على يد الشيخ عدي أحد تلاميذ عبد القادر الجيلاني، ثم حولها أتباعه بعد أكثر من مائة سنة إلى مذهب أقرب إلى ديانة جديدة مستمدة من الإسلام والزرادشتية والوثنية والمسيحية النسطورية، ومن أهم مبادئها قداسة الشيخ عدي، وإمامة يزيد بن معاوية وإعادة الاعتبار إلى إبليس، ولعلهم لم يكونوا مسلمين ابتداء أو حديثو عهد بالإسلام.(26)
رابعاً :خلفية تاريخية للأكراد:
يتميز الشعب الكردي بخصاله القومية الخاصة به بتأثير صراعه مع الطبيعة ومع الأعداء، فالصفات المشتركة لهذا الشعب هي استعداد دائم للقتال، فلقد علمت الحياة الكردي أن العالم ملك للشجاعة والأكراد يدينون بالإسلام وهناك مذهبان رئيسيان السنة والشيعة ، فالأكراد الذين يعيشون في العراق وكردستان الإيرانية في غرب أذربيجان وحوالي ثلثي أكراد تركيا هم على المذهب السني بينما الآخرون على المذهب الشيعي، كما توجد عدة مذاهب أخرى كعلى اللهي، وهم الذين يعتقدون أن على أبن أبي طالب فيه نفحة من الإلوهية ويقطن هؤلاء أساساً في جبل سنجار والشيخان في شمال غرب العراق كما توجد جيوب من اليزيديين في إيران وفي تركيا وشمال شرق سوريا. (27) كما ربط معظم الباحثين المعاصرين تاريخ الكرد في بلاد الشام بالحقبة الأيوبية التي شهدت ذروة الهجرات الكردية إلى بلاد الشام، لكن المصادر التاريخية تشير إلى وجود بعض الجزر والتجمعات الكردية في بلاد الشام تسبق الحقبة الأيوبية بعقود من الزمن، فقد أشار البلداني أبو عبيد البكري (ولد قرابة سنة 1010م) في كتابه "المسالك والممالك" إلى وجود الكرد في (أرض الدينور وهمدان وبلاد أذربيجان وبلاد الشام وبأرض الموصل إلى جبل الجودي)(28) ولا يعرف على وجه الدقة أي رقعة من أرض الشام يقصدها المؤلف، خاصة ان المفاهيم الجغرافية كانت عرضة للتغيير وتتأرجح بين مد وجزر وتتبدل بتبدل الأزمنة والبلدانيين .
برز الأكراد في التاريخ الإسلامي من خلال دولة كبرى كانوا هم مؤسسيها، وقامت هذه الدولة بجهود كبيرة في توحيد مصر والشام بينما كانت الخلافة العباسية في حالة ضعفٍ شديد، وتصدت هذه الدولة للصليبيين في مصر والشام، وتمكنت من الانتصار عليهم في معارك عظيمة في (حطين) و(المنصورة)، واستمرت الدولة ما يقرب من مائة عام من 569هـ إلى 661هـ .هذه الدولة هي الدولة الأيوبية التي أسسها القائد المسلم الكردي الفذُّ صلاح الدين الأيوبي، وهو من تكريت بالعراق، وجاء مصر مع عمه أسد الدين شيركوه، وتمكن من إسقاط الدولة العبيدية الإسماعيلية وإقامة دولة سنية، ثم تمكن من توحيد مصر والشام في دولةٍ قوية انتصرت على الصليبيين، وتولت أسرته الكردية الحكم من بعده حتى نهاية الدولة، وقيام دولة المماليك.، ومن أهم العلماء الأكراد في التاريخ الإسلامي، والذين لهم أثر كبير الإمام أحمد بن تيمية، والشيخ بديع الزمان النورسي. (29)
إرهاصات الأزمة الكردية
بدأت المشكلة الكردية بصورة واضحة في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية الشيعية والعثمانية السنية عام (1514م) في معركة جالديران التي كانت كبيرة وغير حاسمة، كان من نتائجها تقسيم كردستان عمليًّا بين الدولتين الصفوية والعثمانية، فقد كانت كردستان قبل سنة (1514م) تسود فيها إمارات مستقلة مشغولة بتنظيم شئونها الداخلية، تغيرت مخططات الأكراد لمستقبلهم، وصاروا يتطلعون إلى الانفصال عن كل الدول التي يعيشون فيها، وإقامة دولة كردية تقوم على وحدة العِرق الكردي، وليس على أية رابطة أخرى، ومن ثَمَّ الانفصال عن الخلافة الإسلامية الكبرى القائمة في عصرهم وهي الخلافة العثمانية، ولكن في عام (1555م) عقدت الدولتان العثمانية والصفوية اتفاقية ثنائية بين السلطان العثماني سليمان القانوني والشاه طهماسب عُرِفت باتفاقية "أماسيا"، وذلك بعد ثلاث حملات عسكرية، تمَّ تقسيم كردستان رسميًّا وفق وثيقة رسمية، نصت على تعيين الحدود بين الدولتين، وخاصة في مناطق شهرزور، وقارص، وبايزيد (وهي مناطق كردية صرفة)، مما شكَّل صفعة لآمال الأكراد في الحصول على استقلالهم، كما أسهمت عدة معاهدات في تكريس تقسيم إقليم كردستان، وقد زاد من حدة مشاعر الغضب الكردية بدء الأفكار القومية في الانتشار في الشرق مع بدايات القرن التاسع عشر؛ حيث بدأت الدول الأوروبية تحتك بكردستان عن طريق الرحّالة الأجانب والإرساليات التبشيرية، وكذلك عن طريق بعض القنصليات، وأهمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأميركية، وقد مارست كل هذه الجهات أدوارًا مهمةً في تحريض العشائر الكردية ضد الدولة العثمانية خاصةً، ثم الإيرانية، لكي يحصلوا على مزيد من الامتيازات، أو يزداد نفوذهم في الدولة العثمانية خاصة، بغية تحقيق هذه الدول الأوروبية مآربها في إثارة القلاقل داخل الدولة العثمانية، لتتمكن من إضعافها عن طريق إثارة المشاكل الداخلية، دخلت القضية الكردية منعطفًا جديدًا مع اشتداد الصراع الدولي في المنطقة، وخاصةً بين بريطانيا وروسيا، إذ أخرج هذا الصراع القضية الكردية من الحيز الإقليمي إلى النطاق الدولي، وفي ذات الوقت التقت رغبات الدول العظمى بمحاولات بعض الأكراد التقرب من الأجانب، من أجل البحث عن حلٍّ للقضية الكردية؛ حيث كانت جهود الدبلوماسي الكردي شريف باشا واضحة ضربت الجهود الكردية للاستقلال، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م لم يكن للأكراد مصلحة فيها، وبرغم ذلك وجد الأكراد أنفسهم وقد جرفتهم أحداث الحرب للاشتراك في القتال على الجبهتين: القوقازية والعراقية، فقد انضم الأكراد إلى جانب تركيا في الحرب، حيث تمكن الأتراك من توجيههم لقتال الأرمن والأثوريين (الأشوريين) الذين خانوا تركيا، وتمردوا عليها، وانضموا إلى جبهة الحلفاء المعادية. وقد أُصيب الأكراد بخسائر فادحة.، (30)
هذا ويتفق أغلب الباحثين على انتماء الأكراد إلى المجموعة الهندوأوروبية، وأنهم أحفاد قبائل الميديين التي استمرت دولة الأكراد التي أسسها صلاح الدين الأيوبي ما يقرب من مائة سنة من 569 إلى 661هـ هاجرت في مطلع الألف الثانية قبل الميلاد واستطاعت أن تنشر نفوذها بين السكان الأقدمين وربما استطاعت إذابتهم لتتشكل تركيبة سكانية جديدة عرفت فيما بعد بالأكراد، وتنتمي اللغة الكردية إلى مجموعة اللغات الإيرانية التي تمثل فرعًا من أسرة اللغات الهندوأوربية وهي التي تضم اللغات الكردية والفارسية والأفغانية والطاجيكية، وقد مال أكراد العراق وإيران إلى اللغة العربية؛ فهجروا الأبجدية الخاصة بهم، وبدأوا يستخدمون الأبجدية العربية في كتابة لغتهم، بينما ظل أكراد تركيا وسوريا يستعملون الأبجدية اللاتينية، وأما أكراد الاتحاد السوفيتي فكانوا يستعملون الأبجدية الروسية. ولم تشكِّل كردستان (الموطن الأساسي للأكراد) بلدًا مستقلاً ذا حدود سياسية معينة في يوم من الأيام، على الرغم من أنه يسكنها شعب متجانس عرقًا. وظهرت كلمة "كردستان" كمصطلح جغرافي أول مرة في القرن الـ12 الميلادي في عهد السلاجقة، عندما فصل السلطان السلجوقي سنجار القسم الغربي من إقليم الجبال وجعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه، وأطلق عليه كردستان، وكانت هذه الولاية تشتمل على الأراضي الممتدة بين أذربيجان ولورستان (مناطق سنا، دينور، همدان، كرمنشاه.. إلخ) إضافة إلى المناطق الواقعة غرب جبال زاجروس، مثل شهرزور وكوي سنجق، وكلمة كردستان لا يُعتَرف بها قانونيًّا أو دوليًّا، وهي لا تُستَعمل في الخرائط والأطالس الجغرافية. كما أنها لا تُستَعمل رسميًّا إلا في إيران.
يعتنق الأكراد الإسلام بأغلبية ساحقة، وذلك على المذهب السني الشافعي، وهناك عدد قليل للغاية من الشيعة يعيشون في جنوب كردستان، والنصرانية شبه معدومة بينهم، فالنصارى في كردستان هم من السريان الذين كانوا يسمون بالأثوريين والآن يسمون أنفسهم أشوريين، وهم يعيشون في النصف الشمالي من كردستان العراق، وكذلك الكلدان وهم أقل من الأشوريين ويعيشون في مدينة السليمانية، كما توجد بعض الملل والعقائد المارقة من الإسلام كالكاكائيَّة وطائفة أهل الحق وأغلبهم يعيشون في الجزء الجنوبي من كردستان العراق وإيران، ولكن بأعداد نادرة، ويشغل الأكراد 19 ولاية من الولايات التركية البالغ عددها 90، تقع في شرقي تركيا وجنوبيها الشرقي، ويعيش الأكراد بشكل متفرق في دول أخرى أهمها أرمينيا وكذلك في أذربيجان وباكستان وبلوشستان وأفغانستان، وتختلف التقديرات بشأن عدد الأكراد بين 27 إلى 40 مليونًا، موزعين بنسبة 46% في تركيا، و31% في إيران، و18% في العراق، و5% في أرمينيا وسوريا، حيث كان الأكراد يعيشون في كنف الإمبراطورية الفارسية كرعايا، ومن هنا بدأت علاقتهم بالإسلام أثناء الفتوحات الإسلامية في فارس في عهد الفاروق عمر، وفي هذا الوقت توالت الانتصارات الإسلامية على القوات الفارسية في معارك القادسية وجلولاء ونهاوند (فتح الفتوح). وكان من نتائجها أن حدث احتكاك بين المسلمين الفاتحين وبين الأكراد، وقد فُتِحَت غالبية المناطق الكردية من مدن وقرى وقلاع في أقاليم الجبال الغربية ومناطق الجزيرة الفراتية وأرمينيا وأذربيجان صُلحًا، ماعدا مناطق قليلة فُتِحَت عنوة، إذ لاقى المسلمون فيها مقاومةً عنيفةً، وبحلول عام 21هـ دخلت غالبية المناطق الكردية في الإسلام، ودخل الأكراد في دين الله أفواجًا، وقد دخل غالبية الأكراد في الإسلام طوعًا، وكان لهم إسهام بارز في الفتوحات، ظلَّ الأكراد يتمثلون روح الإسلام، كما أنهم أصبحوا جنودًا للخلافة الإسلامية في شتى عصورها، ولم تؤثر فيهم الاحتكاكات العقائدية والحزبية والمذهبية التي طغت على العديد من القوميات التي تؤلِّف المجتمع الإسلامي آنذاك، بل أصبحوا سندًا ومُدافعًا أمينًا عن الثغور الإسلامية في وجه الروس والبيزنطينيين وحلفائهم من الأرمن والكرج (الجورجيين)، أما دورهم في مقاومة الصليبيين والباطنيين تحت قيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي فأشهر من أن يُعرَف، وصولاً لللعصور العباسية كان لهم دور مشهود في الدفاع عن حياض الخلافة، وحتى عندما شكَّلوا إمارات خاصة بهم كغيرهم من الأمم أيام تدهور الخلافة العباسية في العصر البويهي (334-447 هـ) فإنهم بقوا على إخلاصهم لرمز الإسلام آنذاك (الخلافة العباسية)، ولم يحاولوا القيام بحركات التمرد والانفصال أو احتلال بغداد مثل أمم أخرى كالفُرس والبويهيين، وكان في استطاعتهم فعل ذلك لو أرادوا، ولكنه الإخلاص للإسلام وللخلافة العباسية لا غير.(31) إلى أن قويت علاقة الأكراد بـ مدينة حلب أيام الدولة الحمدانية التي ارتبطت بالأكراد بأواصر القرابة والأرض، فقد تزوج ابن حمدان من امرأة كردية تدعى فاطمة بنت أحمد الهزارمردي الكردي(32)، كما تزوج حاكم الدولة المروانية الكردية في ميافارقين ودياربكر الأمير سعيد بن مروان الملقب بـ "ممهد الدولة"، من الأميرة الحلبية "ست الناس" حفيدة سيف الدولة الحمداني.(33) ، ثم تباينت دوافع هجرات الكرد إلى بلاد الشام وغيرها من الأماكن على مر القرون، ففي القرن التاسع عشر نزحت بعض الأسر والقبائل الكردية باتجاه المناطق الداخلية لبلاد الشام كالقبيلة البرازية، التي تعد من كبريات القبائل في عموم كردستان، كما ذكرها المؤرخ علي أكبر كردستاني (ت 1899م) في كتابه "الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافية كردستان"(34). كما سكنت أسرة آل برمدا في منطقة حارم (وهي أول أسرة شهيرة في قصبة حارم) وهم (في الأصل أسرة كردية من عشيرة البرازية، كانت متوطنة في نواحي سروج من أعمال مدينة الرها"أورفه") .وفي نحو سنة 1824م، اضطرت بضغط من الحكومة العثمانية إلى الرحيل فتوجهت إلى جهات الجومة، ثم استقرت بشكل نهائي في منطقة حارم (35). أما "آل برازي" في مدينة حماة فيذكر الباحث أحمد وصفي زكريا، أنهم (جاؤوا منذ قرن ونصف من أنحاء الرها). وقد استعربت معظم القبائل والأسر الكردية التي نزحت من موطنها الأصلي، واستوطنت المناطق الداخلية في بلاد الشام، بما فيها بعض الأكراد اليزيدية الذين (جلوا عن بلادهم في أنحاء سروج منذ قرن أو أقل) (36) .وقد قام "آل برازي" في مدينة حماة بدور سياسي بارز بعيد فترة الاستقلال في سورية، ووصل محسن برازي إلى منصب رئيس الوزراء في عهد الرئيس حسني الزعيم، وقد وصفت بعض الصحف العربية خارج سورية آنذاك حكومة محسن برازي بـ "الجمهورية الكردية العسكرية" (37).، واستناداً إلى مصادر عربية أن الكرد وطئوا أرض الشام منذ ألف عام أو أكثر، واندمجوا تدريجياً في محيطهم العربي, والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا بقي أكراد الجزيرة وسهل سروج وجبل الكرد (38) محافظين على هويتهم القومية، ولم ينصهروا في البوتقة العربية؟!!
تبلور الاقلية الكردية
بدأت الأمة الكردية تتبلور مع قيام الدولة الحديثة وعندما تكونت دولتان إسلاميتان مستقلتان ومتنافستان يتوزع الأكراد بينهما وهما تركيا وإيران، وبدأت الحركة الوطنية بالظهور، وقامت ثورات كردية عدة ضد تركيا وإيران بسبب الشعور الوطني والاضطهاد والتمييز الذي كانت تمارسه كل من تركيا وإيران ضد الأكراد، ومن أهم ثوراتهم: ثورة عبدالرحمن باشا بابان عام 1806 ضد تركيا، وثورة بلباس عام 1818 ضد إيران، وثورة بدر الدين خان الذي نفته تركيا إلى جزيرة كريت حتى توفي فيها عام 1818، وثورة يزدان شير بين عامي 1853 و 1855 وثورة الشيخ عبيد الله النهري عام 1880.، ثم تبلورت الحركة الوطنية الكردية في أحزاب وتنظيمات سياسية وصحف تعبر عن المسألة الكردية، ومن صحفهم في القرن التاسع عشر صحيفة كردستان التي كانت تصدر في جنيف ثم في القاهرة، وصحيفة شمس الكرد (هة دي كورد) وتواصلت ثورات الكرد وأنشطتهم السياسية بلا انقطاع ولكنهم لم يحصلوا على دولة مستقلة أو حتى حكم ذاتي ضمن الدول التي يعيشون فيها.(39)
بذل الأكراد جهوداً كبيرة في الحرب إلى جانب العثمانيين ضد القوات البريطانية في العراق فقد سار فرسان القبائل الكردية والعربية لمواجهة القوات البريطانية قبل أن تصل إلى حدود لواء الكوث، إلا أن مقدمات هزيمة الدولة العثمانية تلوح في الأفق مما أدى إلى الاظطراب في صفوف الأكراد وإلى زيادة القلق لدى الشيخ محمود خاصة وأن العلاقات بدأت تسؤ بينه وبين العثمانيين، فقد أخذ العسكريون العثمانيون يتهمون زعماء العشائر الكردية بالسلب والنهب (40)، حتى ضُرِبَت الجهود الكردية للاستقلال في مقتل إثر اتفاقية سايكس بيكو عام (1916م)؛ حيث اجتمع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، ثم تحرك الأكراد لاستثمار الظروف الدولية وهزيمة الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى لنيل مطالبهم والاستفادة من مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون بحق الشعوب في تقرير المصير، وقد تحرك الأكراد وبذلوا جهودًا مضنية لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام (1919م)، ولا سيما بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية ويدرو ويلسون بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة، ولم يكن للأكراد كيان سياسي مستقل حتى يشارك وفدهم رسميًّا في ذلك المؤتمر، شأنهم شأن القوميات والشعوب المضطهدة الأخرى، ولذلك خَوَّل الشعب الكردي من خلال العشائر والجمعيات السياسية شريف باشا لتمثيلهم والمطالبة بالمطالب الكردية المشروعة، إلى أن بدأ الأكراد يركزون جهدهم لمطالبة الهيئات الدولية التي احتلت الأستانة بتوحيد المناطق الكردية ومنحها حكمًا ذاتيًّا؛(41) فراجعوا اللجان الأوروبية والأمريكية التي تكونت لاستفتاء الشعوب التي انفصلت عن الإمبراطورية العثمانية لهذا الغرض، كما رأى مفكرو الأكراد وجوب الاتجاه بمساعيهم الوطنية إلى خارج الدولة العثمانية بعد أن رفضت وزارة فريد باشا منح الاستقلال الذاتي للأكراد، وقد ركز الأكراد اهتمامهم نحو مؤتمر الصلح الذي انعقد في باريس في مارس 1919م، خاصة وأن هذا العام قد حفل بالآمال بالنسبة للأكراد والعرب والأرمن، فقد أقبلت هذه السنة ومعها وعود ويلسون بتقرير مصير الشعوب. وقد أصدر الحلفاء بعد استكمال تحضيراتهم للمؤتمر قرارًا في شهر يناير1919م نص على ما يأتي: "… إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية".(42)
خامساً : الوجود الكردي في سوريا:
يعود الوجود الكردي في سورية الى القديم القديم، ذلك أن الأكراد بين الجماعات الأقدم التي سكنت منطقة شرق الأناضول والمناطق المحيطة بها، والتي تتوزع على دول هي تركيا والعراق وإيران وسورية، كما يتوزع بعض الأكراد في الدائرة الأوسع من شرق الأناضول وجوارها القريب، حيث ينتشر الأكراد في بلدان أخرى، غير أن سكن الأكراد في هذه المناطق لم يكن يعني في يوم من الأيام أنهم وحدهم الذين سكنوها، بل كانوا وعلى الدوام وكحالهم اليوم، يساكنون غيرهم من الجماعات القومية التاريخية الموجود والمتفاوتة العدد مثل العرب والفرس والترك والآشوريين، أو الجماعات التي وفدت إلى المنطقة لاحقا مثل الأرمن والشركس وغيرهم، وبهذا المعنى، فقد كانت مناطق سكن الأكراد وغيرهم، مناطق سكن مشترك لجماعات مختلفة، تبدلت باستمرار أكثرياتها وأقلياتها نتيجة عوامل متعددة على مدار التاريخ، ونادرا ما كانت تلك التغييرات مرهونة بصراعات داخلية بين الجماعات المتساكنة، بل إن ما تم منها في إطار صراعات خاضتها شعوب المنطقة مع غزاة ووافدين على نحو ما كانت عملية الغزو المغولي للمنطقة، ولذلك يرى بعض الباحثين أن تيار مكون من القوميون العرب، وأصحاب حضارة وادي الرافدين القديمة، وبعض المستشرقين و المؤرخين مقتنعون بأن أصول الأكراد هي هندوأوروبية وأنهم قدموا من مناطق خارج البقعة الجغرافية التي يقطنونها حالياً. (43) اما أكراد سوريا فهم يتميزوا في المنطقة الواقعة على الحدود السورية العراقية التركية حيث يقطنون الجزيرة العليا وأقليم دجلة ومدينة القامشلي في لواء الخابور وولاية الحسكة كما يتواجدون في ولاية حلب حيث توجد جبال الأكراد وتعد مدينة أفرين مركز الأكراد هناك كما يتواجدون في المدن العربية الكبرى مثل دمشق فهناك حي خاص بهم هو حي حي الشاحلحية في سوريا نتيجة للهجرات المستمرة الناتجة عن أعمال القمع في تركيا ويستقر المهاجرون الأكراد في دامس العين والدوباس وعامود والقامشلي وقرى شمال منطقة الحسكة وشمال ناحية تل خميس وقد أدت هذه الهجرات إلى انتعاش مدن الحسكة والقامشلي خاصة بعد اندحار حركة الشيخ سعيد بيران في تركيا سنة 1925 والحركات التي تلتها(44).
لغة الاستعمار وتعبير الأكراد
أدت تطورات بداية القرن العشرين وتشكل الكيانات السياسية في شرق المتوسط بصورتها الراهنة إلى توزع شعوب المنطقة وقومياتها ومنهم الأكراد وفق الصورة التي يتوزعون اليها حاليا في البلدان القائمة، وكان من نتائج اتفاق سايكس - بيكو وتداعياته ظهور الكيان السوري في حدوده السياسية الراهنة، وهكذا تشارك عرب وأكراد وشركس وأرمن وآشوريون في الانتماء إلى الكيان السوري في صورته الراهنة، وطوال نحو نصف قرن من الزمان امتد حتى نهاية خمسينات القرن العشرين، لم يكن للأكراد تعبيرات سياسية تخصهم، فقد اندمجوا في الحياة السياسية السورية في حركتها العامة وتنظيماتها القائمة، والتي توزعت ما بين التيارات القومية العربية والإسلامية والشيوعية و"الوطنية السورية" التي كان في إطارها حزب الشعب والحزب الوطني، وبدا اندماج الأكراد السوريين في غالبية التنظيمات السياسية أمرا ممكنا ومفهوما باستثناء الأحزاب القومية العربية الناصرية والبعثية التي أظهرت تشددا قوميا ميز فكرها وممارستها في الخمسينات وما بعدها، بخلاف الجماعات الإسلامية والشيوعية، التي تعارض وتنبذ مبدأ التعصب والتشدد القومي، وتدعو إلى تآخي ومساواة المنضوين في إطارها من دون النظر إلى خلفياتهم القومية، وكان من نتائج ذلك مشاركة كثير من الأكراد في أطر هذه الجماعات، وخصوصا الحزب الشيوعي السوري الذي شارك كثير من الأكراد السوريين في عضويته وتولى بعضهم مناصب قيادية فيه طوال عقود متوالية.
ويشكلوا الأكراد في سوريا ثلاث مجموعات مستقرون، نصف بدو، بدو وقد أستمر البدو أقوياء بسبب عدم تفرقهم عند هجرتهم من تركيا(45)، وأكراد سوريا بتنظيمهم القبلي ينتسبون إلى البرازى امللي ومعظمهم ليس له تبعية سياسية فلا يعرف إلا قبليته ولم تختلف أوضاع أكراد سوريا سوء الاقتصادية منها أو الاجتماعية عن أوضاع سائر الأكراد في البلدان الأخرى، وقبيل الحرب العالمية الثانية وبعدها كان لأكراد سوريا مطبوعاتهم باللغة الكردية غير أن تغييرات عديدة طرأت على أوضاعهم في السنوات التي أعقبت الحرب، وبطبيعة الحال لم يطرأ على أحوال الشعب الكردي أي تحسن جذري ولكن آفاق ضمان حقوقه القومية كانت تتحسن(46)، فبعد الحرب العالمية الأولى وضعت سوريا تحت الانتداب الفرنسي وقد دخلت القوات الفرنسية سوريا لتحل محل القوات البريطانية نتيجة للتسويات التي عقدت بين الدولتين في أعقاب الحرب تم تحديد الحدود السورية التركية بين فرنسا من جانب وتركيا من جانب آخر تطبيقاً لاتفاق (47) أنقرة لتوطيد السلام بين الدولتين والذي وقع في 20 أكتوبر سنة 1921.
كان الفرنسيون ينظرون إلى ألأكراد على أنهم أقلية مفيدة لحفظ التوازن مع باقي الأقليات وقد شجعهم الفرنسيون في فترة متفاوتة على أمكان أنشاء كردستان مستقلة ولكن رغم أن الأكراد سمح لهم بأنشاء منظمات سياسية إلا أن الحرية التي تمتعوا بها نسبياً كانت جزئية فلم يسمح لهم بحمل السلاح(48).غير أن تطورا سياسياً مهماً طرأ على موقف الأكراد السوريين من المشاركة في الحياة السياسية في سورية نهاية الخمسينات، إذ بلورت الحركة القومية الكردية اتجاها سياسيا له طابع قومي، عبر عن نفسه بولادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية العام، 1957 وكان أبرز مؤسسيه عثمان صبري، وكان شعاره "تحرير وتوحيد كردستان"، كما يقول صلاح بدرالدين، وكان ذلك في جملة اسباب أدت إلى حملة اعتقالات طالت قيادات وكوادر الحزب في العام ،1960 أي بعد ثلاث سنوات من تشكيله، في نوفمبر 1962 أعلنت الحكومة السورية إن 100،000 من الأكراد الساكنين في سوريا ليسوا مواطنيين سوريين بسبب عدم توفر بيانات عن اجدادهم في الإحصاءات و سجلات النفوس العثمانية قبيل عام 1920 كما أن إحصاء عام 1962 لمنطقة الحسكة مثيرا للجدل فهدف الحكومة المعلن كان "التعرف على المهاجرين الغير قانونيين من تركيا إلى شمال شرق سوريا" وكان على الشخص ان يمتلك وثائق تبين أنه كان يعيش في سوريا منذ عام 1945 على اقل تقدير ولكن الأكراد اعتبروها سياسة منظمة لما اسموه محاولة لتعريب المنطقة، ويزعم البعض بان الحكومة السورية بدأت في السبعينيات و على يد الرئيس الراحل حافظ الأسد ما أسموه سياسة التعريب ومن الأمثلة على هذه السياسة منع الأكراد من تسمية حديثي الولادة باسماء كردية ومنع إطلاق اسماء كردية على المحلات التجارية(49).. لقد مضى الحزب الديمقراطي الكردستاني يتطور في ظل غياب التجربة وتقاليد العمل السياسي، وضعف نخبتهم ذات التوجهات القومية، لكن ذلك لم يمنع قيام السلطات السورية في العام 1960 باعتقال بعض قيادات وكوادر الحزب لمواجهة نزوع الأكراد نحو تشكيل حزب سياسي قومي يخصهم، وكان هذا الخيار الأمني مقدمة لرسم ملامح سياسة رسمية في التعامل مع الأكراد ينضوي في خطين أولهما الخيار الأمني، والثاني اتباع سياسة "تعريب" حيث يوجد الأكراد، وقد عبرت عن نفسها في إقامة حزام عربي في مناطق التماس مع العراق وتركيا في منطقة الجزيرة السورية، وعدم شمول بعض الأكراد في الإحصاء السكاني الجاري في العام ،1962 إضافة إلى فرض قيود على تداول وتعليم اللغة الكردية، وقد أسست تلك السياسة لاحقا لما يمكن وصفه بـ "المسألة الكردية في سورية"...شددت الدولة السورية قبضتها الأمنية في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية نتيجة حساسيات العلاقة مع دول الجوار، حيث تركيا في الشمال والعراق في الشرق، وهناك واقع معقد من الخلافات السورية مع كل منهما، وطال التشدد الأمني كل سكان المنطقة، التي تعيش فيها الغالبية الكردية، لكنه مال للتركيز على العرب مع مطلع السبعينات بسبب العلاقات المفترضة بين سكان مناطق الجزيرة السورية مع البعث العراقية نتيجة التداخلات العشائرية والاجتماعية عبر الحدود، وقابل التشدد الأمني مع عرب الجزيرة على قاعدة مخاوف ارتباطهم بالنظام العراقي، انفراج في التعامل مع الأكراد مع مطلع السبعينات، وقد منحت السلطات السورية بعض الشخصيات الكردية صفة تمثيلية من دون اعتراف مثبت، فاختارت بعضهم في عضوية مجالس الإدارة المحلية في المحافظات التي تعيش فيها تجمعات كردية مهمة، كما اختير عدد من الشخصيات الكردية لعضوية مجلس الشعب السوري وبينهم ممن شكل انقسامات عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أو أقام تنظيمات ذات صبغة كردية. (50)
سادساً : أكراد سوريا ومستقبل الحركة السياسية:
وكما هو واضح في اللوحة السياسية العامة في سورية، فإن للأكراد السوريين تعبيرات سياسية تخصهم، تتمثل في اثني عشر حزبا سياسيا، تتوزعها اتجاهات سياسية في إطار أيدلوجيا قومية، ومعظمها يرتبط بعلاقات مع أحزاب وجماعات سياسية ومنظمات أهلية ومدنية سورية، كما أفرز الأكراد هيئات أهلية ومدنية تعبر عنها منتديات ثقافية كردية، إضافة إلى مشاركة نشطاء أكراد في هيئات أهلية ومدنية سورية متعددة، وهذا يعني، أن الأكراد يشاركون اليوم في الحياة السياسية والاجتماعية السورية في مستويين، أولهما نشاط خاص ومنفصل له طابع قومي، تقوم به أحزاب وجماعات كردية، والثاني مشاركة الجماعات السياسية والثقافية الكردية في إطار نشاط سوري عام، يجمع الجماعات الكردية إلى باقي الجماعات السياسية والأهلية والمدنية في تيار المعارضة السورية، لكن الجماعات الكردية في الحالين تظل ذات علاقة بالسلطات السورية ولاسيما ببعض مواقع النفوذ والقرار.
ويعكس واقع المشاركة الكردية في الحياة السياسية تشتتا واضحا في التعامل مع مستقبل الأكراد الذين يقودهم التشتت على مستوى الأهداف إلى طريقين متناقضين، طريق الأهداف القومية في إطار البحث عن حل للمشكلة الكردية والذي من شأنه أن يقود إلى مزيد من التشدد القومي بما يباعد بينهم وبين مواطنيهم السوريين من عرب وآشوريين وكلدان، ظهرت بعض تعبيراته في شعارات متطرفة أثناء حوادث القامشلي ومنها شعار "كردستان الغربية" و"كردستان سورية"، والطريق الثاني طريق الأهداف الوطنية الذي يحل المشكلة الكردية في إطار حل وطني ديمقراطي عام، يتصدى لمعالجة مشكلات المجتمع السوري بكل فئاته مع إعطاء خصوصية لوضع الأكراد ومعاناتهم، وعلى رغم أهمية مشاركة الأكراد في الحياة السياسية السورية إلا أن مشاركتهم في أحزاب قومية مستقلة من شأنها - في إحدى نتائجها - تكريس انقسام قومي في الحركة السياسية الضعيفة أصلا، ما يزيد الحركة ضعفا فوق ضعفها، هذا إذا لم تتصاعد نعرات قومية متبادلة على غرار ما حدث في حوادث القامشلي وتداعياتها. (51)
دعم سوري ثم انقلاب على الأكراد :
إن التطور الأهم في موقف السلطات من الأكراد وحركتهم السياسية جاء مع مطلع الثمانينات، التي تصاعدت فيها الحساسيات السورية - التركية نتيجة الدور التركي في المواجهات بين الجماعات الإسلامية والسلطات السورية، وتوافق ذلك مع صعود تيار قومي متشدد ومسلح للاكراد الأتراك عبر عنه حزب العمال الكردستاني "p.k.k" الساعي إلى انفصال أكراد تركيا، وتأسيس دولة كردستان، فاحتضنت السلطات السورية حزب العمال الكردستاني، ومنحته فرصة فتح مكاتب واتخاذ مقرات، إضافة إلى كل التسهيلات اللوجستية الممكنة في الأراضي السورية وفي منطقة البقاع اللبناني التي تسيطر عليها القوات السورية، وقد استفاد الأكراد من هذه الأوضاع، ونما على هامشها نشاط سياسي كرس وجود عدد من الأحزاب الكردية سواء التي انقسمت عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أو تلك التي تشكلت على خلفية جديدة، وفي خلال نحو عقد ونصف العقد من السنوات يمتد ما بين مطلع الثمانينات ونهاية التسعينات، صار في وسط الأكراد السوريين نحو عشرة من الأحزاب السياسية الكردية، جاء غالبية قادتها وكوادرها من قيادات وكوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني أو من قيادات وكوادر تربت في الحزب الشيوعي السوري الذي انحسر نفوذ كل انشقاقاته وسط الأكراد السوريين، إلا أنه تصادفت هذه التطورات ارتفاع وتيرة النزعة القومية لدى الأكراد السوريين متأثرين بعاملين خارجيين مهمين، أولهما النشاط الذي كان يتابعه "ح.ن.ن" في تركيا، واضافة إلى ايدلوجيته القومية المتشددة، التي تدعو إلى قيام دولة كردية بالعنف المسلح، فقد نظم الحزب أعدادا من الأكراد السوريين في صفوفه بمن مقاتلين، ثم أضاف إلى ذلك أنشطة تعبوية وإعلامية، تشمل محاضرات وندوات جماهيرية، عمقت التوجهات القومية لدى أكراد سورية، وعززت لديهم فكرة إمكان قيام الدولة الكردية انطلاقا من شرق الأناضول ذي الغالبية الكردية، أما العامل الثاني، وهو نشاط الأكراد في شمال العراق، الذي تصاعد في الثمانينات في غمرة الحرب التي كان يخوضها النظام العراقي ضد إيران، وعلى رغم محاولة النظام العراقي قسم ظهر الحركة الكردية في مذبحة حلبجة العام ،1986 فإن الأكراد استعادوا قوة حضورهم في شمال العراق بعد الحرب الدولية على العراق عام 1991، وصيرورة شمال العراق تحت الحماية الدولية، ما أهلها لتصبح نواة "دولة كردية" يحكمها الحزبان الكرديان الرئيسيان: الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الديمقراطي الكردستاني وثيقا العلاقة مع سورية، وقد أهلت الحرب الأميركية - البريطانية على العراق العام ،2003 واحتلال العراق، الأكراد العراقيين للعب دور أكبر في العراق وخصوصا في المحيط الإقليمي عموما.(52) في عام 1958 تأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني (السوري) على يد الدكتور نور الدين الزازا، حيث كان حزبا سياسياً يهدف إلى الحصول على الاستقلال الذاتي في نطاق الدولة السورية، لكن ما حدث ضمن الأحزاب الكردية السورية كان انعكاس لحدة الافتراق الدولي في المنطقة خلال مراحل الحرب الباردة، وحتى عملية الاعتدال، والتعامل مع مسألة الحقوق المدنية لم تتشكل عبر صياغة واضحة إلا مع نهاية القرن العشرين، أي في الزمن الذي أصبحت فيه مسألة الحقوق المدنية شأنا عالميا ومثار اهتمام معظم المنظمات السياسية على صعيد المنطقة والعالم.
الأكراد وحركة المجتمع السوري
تحت تأثير "التطورات الإيجابية" لأوضاع الأكراد في تركيا والعراق - على رغم انتكاسة "p.k.k" في تركيا بعد العام 1998 - شهدت حال الأكراد السوريين صعودا قوميا، وجد له تفاعلات داخلية في تنامي الحركة الاجتماعية والسياسية السورية المطالبة بالإصلاح، فأخذت أصوات الأحزاب ورجال السياسة من الأكراد السوريين ترفع مطالبها، من دون أن تذهب إلى حد التصادم الحاد مع النظام، ومن دون أن تترك "التطرف" في الأوساط الكردية السورية يذهب إلى مداه، وبهذا بدت النخبة السياسية الكردية في منطقة الوسط بين تطرف أوساط واسعة من الأكراد وتشدد رسمي سوري، يعكسه عدم الدخول إلى الإصلاح وحل المشكلات القائمة، بما فيها مشكلات تتعلق بالأكراد ومنه حل مشكلة الجنسية للمحرومين منها، وإعطاء الأكراد حقوقا ثقافية وخصوصا لجهة الحق بالتعلم باللغة الكردية. إلى أن حوادث مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي في اذار 2003 جاءت نقطة تحول بارزة في علاقة الأكراد مع الحياة السياسية في سورية على خلفية مباراة كرة قدم بين فريق الفتوة من دير الزور و فريق الجهاد من القامشلي , اشتعلت بين جمهور الفريقين الحساسية من الهتافات التي كانوا ينادون بها. تبين من خلال الحيثيات والمتابعات المتعلقة بمجزرة القامشلي في يوم الجمعة 12/3/2004، أن جماهير نادي الفتوة بدير الزور توجهت إلى القامشلي بالآلاف باسم حضور المباراة الرياضية مع نادي الجهاد.(54) ، فقد حدثت صدامات بين أكراد مدينة القامشلي مع الأجهزة الأمنية على خلفية مباراة كرة قدم، ورفعت في خلال الحوادث التي امتدت إلى مناطق سورية اخرى منها دمشق وحلب شعارات وهتافات مست مكانة الأكراد في إطار الجماعة الوطنية السورية، وحدثت صدامات وأعمال تخريب طالت مؤسسات تابعة للدولة، وقتل وجرح عشرات، وسجن ولوحق مئات منهم في حوادث كشفت عن احتدامات داخلية، وفي اليوم الثاني خرج الآلاف من ألأكراد في تظاهرة وقامت قوات حفظ النظام بإطلاق العيارات النارية على المتظاهرين لتفريقهم واشتعلت نار الفتنة وقام الأكراد في سوريا على مدى أربعة أيام بإحراق المؤسسات الحكومية وحدثت مواجهات بين الأكراد والعرب من جنب ومن جنب أخر بين الأكراد ورجال الشرطة، وهذه الأحداث أفرزت نتائج مهمة تركت انعكاسات إيجابية في نظر الأكراد، وتكمن نتائجها وانعكاساتها في النقاط التالية: إرباك النظام السوري من رد فعل جماهير الكرد يوم الانتفاضة فأسرعت القيادات البعثية بجولات مكوكية إلى الدول المجاورة للعراق وذلك خوفاً من نقل التجربة الديمقراطية والفدرالية إلى سوريا، الاعتراف النظري من قبل بشار الأسد بوجود الشعب الكردي واعتبره جزء من النسيج السوري ودخول القضية الكردية في المحافل الدولية، فأعطت زخماُ لللحركة الكردية في سوريا(53). فمارست جماعات أهلية سورية بينها لجان أحياء المجتمع المدني وجمعية حقوق الإنسان دورا في محاصرته ميدانيا بالتعاون مع الأحزاب الكردية والهيئات الأهلية والأجهزة الرسمية، واستطاعت بالمحصلة تهدئة التوترات الحادة، لكن معالجة جذرية وجادة للمشكلات التي تحيط بالأكراد لابد أن تقوم بها الحكومة، وهي الخطوة التي من شأنها وضع حد للتوترات التي تحيط بالأكراد السوريين، لمعالجة مشكلات المجتمع السوري في إطار تحقيق إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، يعيد ترتيب العلاقات التي اختلت بين المجتمع والدولة إلى طبيعتها، لقد تابعت السلطات السورية في أعقاب حوادث القامشلي وتداعياتها في المناطق الأخرى سلسلة متناقضة من الممارسات الأمنية حيال الأكراد. فأطلقت مئات من الذين اعتقلوا على خلفية الحوادث، وقامت من جهة أخرى باعتقال آخرين، وأضافت إلى ذلك تحويل عشرات أمام المحاكم الاستثنائية، لكن إشارات إيجابية صدرت عن الرئيس بشار الأسد بشأن الأكراد في حديث له مع "قناة الجزيرة" القطرية قال فيها، "إن الأكراد جزء من النسيج الوطني في سورية، وإن حوادث القامشلي ليس ذات ارتباطات خارجية،" وكلاهما يتوافق مع تسريبات رسمية سورية، تؤكد أمرا ثالثا، وهو أن استعدادات رسمية تجري لمعالجة موضوع الجنسية بالنسبة إلى الأكراد، وهذه المواقف التطورات وجدت في موقف السلطة صدى إيجابيا عند الأحزاب الكردية السورية الاثني عشر، والتي تنتظم في ثلاث كتل، تحالفين ومجموعة أحزاب منفردة، أول الكتل، التحالف الديمقراطي الكردي في سورية، ويضم كلا من الحزب الديمقراطي الكردي "البارتي" "نصرالدين إبراهيم"، والحزب اليساري الكردي "محمد موسى"، وحزب الوحدة الديمقراطي الكردي "اليكيتي" "إسماعيل عمر"، والحزب الديمقراطي التقدمي الكردي، وثاني الكتل، هي الجبهة الديمقراطية الكردية في سورية، وفي عضويتها كل من الحزب الوطني الديمقراطي الكردي "عبدالحميد درويش"، والحزب اليساري الكردي "خيرالدين مراد"، والحزب الديمقراطي التقدمي الكردي "عزيز داوود"، والحزب الديمقراطي الكردي "البارتي" "نذير مصطفى"، وخارج إطار التحالفين الكرديين، هناك كتلة من أربعة أحزاب كردية، هي حزب الاتحاد الشعبي الكردي "مصطفى جمعة - صلاح بدرالدين سابقا"، والحزب الديمقراطي الكردي "جمال شيخ بام"، وحزب يكيتي الكردي "حسن صالح"، وحزب الاتحاد الديمقراطي "زرادشت حاجو"، فكان الحدث الأبرز والأهم في حياة الأحزاب الكردية في سورية، كان في انفتاح الأوساط العربية عليها، وكانت البداية في الدور الذي قامت به لجان أحياء المجتمع المدني، التي رفعت العزلة القومية عن تلك الأحزاب بدعوتها إلى ندوة عن المسألة الكردية في سورية في العام،2002 ما هيأ لانفتاح جماعات أهلية وسياسية سورية أخرى على الأحزاب الكردية، كان بينها جماعات حقوق الإنسان والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم في عضويته أحزاب المعارضة الرئيسية في سورية، وقد سمح هذا التطور بقيام ائتلاف سياسي عربي - كردي معارض، أصدر الكثير من البيانات السياسية المشتركة، ونظم بصورة موحدة أنشطة كان من بينها اعتصام أمام رئاسة مجلس الوزراء بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/،2003 وشارك في الاعتصامات التضامنية التي تمت على مدى أشهر في خلال محاكمة النشطاء الأربعة عشر أمام المحكمة العسكرية بحلب، ودعا بمشاركة كردية محدودة إلى اعتصام وسط دمشق بمناسبة يوم المعتقل السياسي في سورية في 21/6/،2004 لكن أجهزة الأمن منعت حدوثه، وقد تكرر الأمر لاحقا في الاعتصام الذي كان مقررا القيام به في 9/12/2004 بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، (54).. وتعكس هذه التطورات تحولا في علاقة الأحزاب الكردية بالجماعات السياسية والهيئات الاجتماعية والأهلية في سورية، ما يضفي على هذه العلاقات طابعا إيجابيا، يعيد اللحمة إلى وحدة المجتمع السوري في تكويناته القومية، ويقرب بين جماعاته السياسية المعارضة، ويضعها على قاعدة تفاهمات مستقبلية جديدة، فدفع إلى بروز الحذر من جانب السلطات، فلجأت إلى محاولة عزل الأحزاب الكردية، فقامت الأجهزة الأمنية في يونيو/ حزيران الماضي باستدعاء زعماء الأحزاب الكردية الستة، وطلبت منهم بناء على قرار للقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم وقف الأنشطة الحزبية باعتبار أحزابهم "أحزابا غير مرخصة"، وأن أية أنشطة تعرضهم للمسئولية، وطلبوا منهم تقديم طلبات إلى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل من أجل تشكيل جمعيات غير سياسية تهتم بالأنشطة الثقافية، إلا أن قادة الأحزاب الكردية رفضت الإيعازات الأمنية، وتضامنت معهم في ذلك جماعات المعارضة السياسية والمدنية والحقوقية السورية، التي أكدت حق السوريين في العمل السياسي، وضرورة إصدار قانون للأحزاب السياسية، وطبقا لتقديرات أوساط سياسية، فإن المعنى الحقيقي لحظر نشاط الأحزاب الكردية، هو الضغط عليها لفك ارتباطها مع الجماعات الأخرى، وهو أمر إذا تم سيعيد العلاقات بين الأكراد وأقرانهم العرب إلى المربع الأول، بحيث تنقطع حبال التواصل في المستويين الاجتماعي والسياسي، ما سيعمق مظاهر الضعف السوري كله في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وإذا أصرت الجماعات الكردية على رفض وقف نشاطها وردت السلطات على ذلك الرفض بخطوات عقابية، فإن من شأن ذلك اتجاه الجماعات الكردية إلى العمل السري، والذي سيترافق مع ميل إلى التشدد وربما التطرف في الأوساط الكردية قد يمتد إلى الأوساط العربية، وهذا أيضا من شأنه إضعاف البلاد أمام التحديات التي تواجهها، وبهذا المعنى فإن الخيار المنطقي والطبيعي، هو استمرار الأحزاب الكردية في نشاطاتها مع بذل مساعي أكثر من أجل أحزاب جديدة تضم الأكراد والعرب وغيرهم من مكونات الشعب السوري، وإفساح المجال أمام تطور طبيعي للجماعات والحياة السياسية في سورية وخصوصا لجهة إصدار قانون للأحزاب، وتوسيع الحريات العامة ولاسيما حرية الاجتماع والرأي.(55)
خاتمة:
ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية " وبقوله: "ليس لعربي فضل على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى"...والعديد من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي تؤكد على ذلك..إذ أنني على قناعة بأن تطور بلدنا الحضاري مرتبط لدرجة كبيرة بمستوى الوعي الاجتماعي والسياسي التي سيتم فيها التعامل مع القوميات والديانات الأخرى صغيرة كانت أم كبيرة ومن خلال الموقف من المرأة، وقبل كل شيء الحدود التي يقف عندها الدين واستقلاليته عن الدولة، إنها أمور متعلقة ببعضها بشكل قوي، بالتالي مفهوم الأقليات في ظل مشاريع تفكيك الأرض والهوية والشعب بات يحتمل في بلادنا، وكأن الوطن كله قد أمسى حيزاً لتداخل أقليات بلا هوية جامعة، يطغى فيها الخاص دوماً على العام، والمسألة الكردية هي مثال وجزء من قضية الديمقراطية، وحلها يندرج في إطار وحدة البلد وتطوره انطلاقاً من اهتمام التحولات بقضايا ومشكلات وهموم الجماعات والطوائف والأقليات المختلفة،..والأقلية كما أسلفنا إما عرقية أو دينية، أو أنها أقلية بحكم وضعها الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي المهمش بفعل طغيان الأغلبية المهيمنة ولذلك، تعتبر المرأة في الغرب مثلاً أقلية مع أنها أكثر قليلاً من نصف المجتمع، وهكذا تصبح الأقلية أية مجموعة ترى بأنها تتلقى معاملة غير متساوية مع باقي المواطنين بسبب صفات جسدية أو ثقافية أو اجتماعية خاصة بها، حسب التعريف عالم الاجتماع لويس ويرث،... وسواء اعتمدنا مقياس الأقلية العددية أو مقياس التهميش، فإننا يمكن أن نشتق عدداً لا نهائياً من الأقليات عملياً من أية مجموعة تعتقد بأن لديها قضايا مشتركة تميزها عن غيرها.
نحن نقر أن هناك أقليات حقيقية في الوطن العربي لها مطالب وقضايا عادلة، ولكن ما يحدث اليوم يخرج عن نطاق حقوق الأقليات، إنما مشروع حقيقي للتفكيك، لذلك نحث على أهمية الالتزام بمعايير قد تساهم في احتواء مسألة الأقليات وقطع الطريق أمام بواعث الفتنة والشقاق :
1- من حق الأقلية على الأغلبية أن تتمتع بحقوق مواطنة كاملة، ومن حق الأغلبية على الأقلية أن لا تمد يدها أبداً للخارج أو لأعداء الأمة ولابد من فصل حقوق الأقليات عن مسألة الاستقواء.
2- الإخلاص الروحي الصادق من والانتماء والولاء للأمة وللهوية العربية-الإسلامية، وتشمل العروبة غير المسلمين، ويشمل الإسلام غير العرب، كما تشمل الثقافة الإسلامية كل العرب مسلمين وغير مسلمين، والثقافة الإسلامية وعاء للجميع، وهي تختلف بالتعريف عن مشاريع الإسلام السياسي.
3- إن إزالة الحيف عن الأقليات، حيثما وجد، لا يمكن فصله عن إزالة الظلم والاحتلال والتخلف الواقع على كاهل الأغلبية، ولا تحرر للأقليات في المجتمعات المسحوقة، فعليها أن تعمل مع الأغلبية من أجل القضية المشتركة إن أرادت أن تنال حقوقها فعلاً.
4- إن أي حركة أو خطوة سياسية ممن يزعمون تمثيل الأقليات تفقد مشروعيتها فوراً، ولو كانت مشروعة نظرياً، إن كانت تخدم قوى الهيمنة الخارجية أو الإمبريالية العالمية، ومن الطبيعي أن تعامل كأي عمل عدواني.
5- إن حركات التغيير في بلادنا عليها أن تفكر جيداً بكيفية حل قضايا الأقليات حلولاً عادلة تتفق مع مشروع الوحدة والتحرير والنهضة لأنها جزءٌ من الأمة وقضيتها الواحدة، ولكي لا يجد الطابور الخامس فرصتة لتأجيج الصراعات والفتن.
6- على كل دولة أن تتخلى عن الأقلية القومية فيها لتلحق بدولتها القومية، وعلى الحركة القومية في كل أمة أن تمد ثورتها إلى كل الوطن القومي ولو كان جزء منه قد اقتطع وألحق بدولة مغتصبة او مصطنعة . ذلك لآن مشكلة الأقليات القومية هي في جوهرها مشكلة تحرر ولا تمكن – قومياً – المساومة على الحرية.
لذلك نستنتج إن موضوع الأقليات العرقية والدينية في العالم العربي، عبارة عن قنبلة موقوتة في معظم أنحاء العالم العربي، وسوف تنفجر هذه القنبلة انفجاراً سياسياً مدوياً وقاتلاًً، إذ لم نسارع إلى نزع فتيلها واحتواء الآثار السلبية التي أفرزتها على الحياة السياسية والاجتماعية، وكأن "التطنيش" العربي المعهود للإشكاليات القائمة، هو الدواء الناجع لتناسي موضوع الأقليات الخطير، وخاصة في مصر (الأقباط، النوبيون، البربر، الغجر)، وسوريا (العلويون، الدروز، الاسماعيليون، المسيحيون غير العرب، الأكراد، الترك، الشركس)، ولبنان (الشيعة، الدروز، المسيحيون، المسيحيون غير العرب، الأكراد، الترك، العلويون)، والخليج (الشيعة، الأسيويون)، والمغرب العربي عموماً (البربر، الشيعة، الطوارق).وصولاً لمعاقبة كل من يثير موضوع الأقليات في العالم العربي.
مصادر ومراجع
1- صلاح عبد العاطي : "الأقليات وحقوق الإنسان في المجتمع العربي"، مقال منشور، صحيفة الحوار المتمدن، العدد1590 - 2006 / 6 / 23.
2- حيدر ابراهيم علي "أزمة الأقليات في الوطن العربي"، دار الفكر المعاصر، ط1، 2002، ص 16.
3- كمال السعيد حبيب : "الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية: من بداية الدولة النبوية وحتى نهاية الدولة العثمانية" مكتبة مدبولي، 2002،ص17.
4-صموئيل هنتغتون ترجمة: مالك عبيد ابو شهيرة وأخرون : "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي"، ود. ليبيا ط ۱٩٩۰ ص ۳۳٦.
5- صلاح عبد العاطي: الحوار المتمدن، مرجع سابق.
6- الموسوعة العربية الميسرة دار العلم للملايين. القاهرة، ص 145.
7- فارس عثمان : "جوانب من بعض مساهمات الشعب الكردي في الحضارة"، العدد الثامن عشر من مجلة المثقف التقدمي عام 2000.
8- الموسوعة الحرة : (كوردستان) "الأماكن التي ينتشر فيها السكان الکرد"
9- إياد محمود حسين : "تاريخ الأكراد ومستقبلهم" ،الحلقة الأولى، (يونيو) 2006.
10- علي الربيعو : "المعارضة الكردية في سوريا تخطب ود أميركا تركي"، مقال نقلاً من قسم الدراسات والبحوث الجزيرة 21/3/2006 م
11- إياد محمود حسين : "تاريخ الأكراد ومستقبلهم"، مرجع سابق.
12- امي ورشنفتون وآخرون :"العراق الغزو-الاحتلال- المقاومة-شهادات من خارج الوطن العربي"مركز دراسات الوحدة العربية،ط1، بيروت،2003م،ص379
13- إياد محمود حسين: "تاريخ الأكراد ومستقبلهم"، مرجع سابق.
14- إياد محمود حسين : "تاريخ الأكراد ومستقبلهم"، مرجع سابق.
15- محمود الدرة : "القضية الكردية" ، القاهرة ص25
16- حامد محمود عيسى علي: "المشكلة الكردية في الشرق الأوسط منذ بدايتها حتى سنة1991م"، مطبعة أطلس، القاهرة، 1992م،ص2
17- جلال الطالباني : "كردستان والحركة القومية الكردية"، دار الطليعة، بيروت،1971، ص47
18- جلال الطالباني: "كردستان والحركة القومية الكردية" مرجع السابق، ص193
19- بله.ج شيركوه "القضية الكردية ماضي الكرد وحاضرهم"، مطبعة السعادة، القاهرة، ص48-49.
20- أمين سامي الغمراوي : "قصة الأكراد في شمال العراق"، القاهرة ص259.
21- من وثائق الاتحاد الوطني الكردستاني : "حول الحركة التحررية للشعب الكردي في العراق" ص53.
22- محمد أمين زكي : "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان" مصر 1936مطبعة السعادة ص26.
23- مصطفى عبد الله بعيو: "المشروع الصهيوني لتوطين اليهود في فلسطين"، تونس- ليبيا،1975ص25.
24- حامد محمود عيسى علي: "المشكلة الكردية في الشرق الأوسط" مرجع سابق، ص25
25- هيربيرت: "لندن والتحالف الأمريكي مَع الأكراد" الأمل العدد (70) الاثنين 14-4-2008
26- باسيلي نيكيتين، ترجمة وتعليق نوري طالباني، : "الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية"، المعرفة قسم الأبحاث والدراسات عرض إبراهيم غرايبة الطبعة:الأولى بيروت، لندن الناشر: دار الساقي 2001
27- حامد محمود عيسى علي : "المشكلة الكردية في الشرق الأوسط"، مرجع سابق، ص10.
28 ـ أبو عبيد البكري : "المسالك والممالك"، الجزء الأول، من منشورات، الدار العربية للكتاب والمؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات، طبعة 1992م، ص574.
29-علي محمد الصلابي : "صلاح الدين الأيوبي"، دار المعرفة، بيروت، ط1،2008.
30- رياض رشيد الحيدري :"الأثوريون في العراق عين شمس 1973رسالة ماجستير، "ص51.28- بين التاريخ والواقع: قصة الأكراد (1-6) نقلاً عن مقال لراغب السرجانى تاريخ الإضافة : 22/10/2007
31ـ ابن حمدون محمد بن الحسن بن علي: "التذكرة الحمدونية" الجزء الثامن، ص128.وإحسان عباس وبكر عباس : "علاقة الأسرة الحمدانية بالأكراد من كتاب "أخبار الدولة الحمدانية بالموصل وحلب وديار بكر والثغور"، ، بيروت ، ط1 1996م. ص19.
33 ـ أحمد بن يوسف بن علي الأزرق الفارقي : "تاريخ الفارقي"، دار الفكر ص19.
34 ـ علي أكبر كردستاني : "الحديقة الناصرية في تاريخ وجغرافية كردستان، ترجمها عن الفارسية جان دوست. دار آراس للنشر 2002م.
35 ـ كامل البالي الحلبي الشهير بالغزي : "نهر الذهب في تاريخ حلب، الجزء الأول، ص384ـ385.
36 ـ أحمد وصفي زكريا: "جولة أثرية في بعض البلاد الشامية"، الطبعة الأولى 1934م ـ الطبعة الثانية 1984م ص312.
37 ـ باتريك سيل: :الصراع على سورية: ، منشورات طلاس، ص92.
38 ـ أخطاء شائعة هو الخلط بين جبل الكرد (كرد طاغ) في عفرين وجبل الأكراد التابع لجبال العلويين (اللاذقية) والواقع إلى الغرب من جسر الشغور (جولة أثرية ص140) .
39- باسيلي نيكيتين، ترجمة نوري طالباني : "الكرد دراسة سوسيولوجية وتاريخية المعرفة قسم الأبحاث والدراسات" ط1 بيروت، لندن، دار الساقي 2001.
40 حامد محمود عيسى علي: "المشكلة الكردية في الشرق الأوسط" مرجع سابق، ص33.
41- حامد محمود عيسى علي: نفس المرجع السابق، ص56.
42- راغب السرجانى : "بين التاريخ والواقع" قصة الأكراد (2-6) تاريخ النشر30/10/07
43- فايز سارة : "الأكراد والحياة السياسية في سورية" ، دمشق الوسط 28/1/2005.
44- عبد الرحمن قاسمو : "كردستان والأكراد سياسية واقتصادية"، دراسة المؤسسة اللبنانية للنشر بيوت :مرجع سابق ص114.
45- محمد رجائي سليم ريان : "الحركة الوطنية في سوريا 36/1945، رسالة دكتوراه، القاهرة 1976.
46- عبد الرحمن قاسلمو:كردستان والأكراد مرجع سابق، ص114.
47- عبد الرحمن قاسلمو ، نفس المرجع السابق، ص114.
48- حامد محمود عيسى علي:"حزب الأهالي ودوره في الحياة السياسية العراقية عين شمس دراسة ماجستير ص250.
49- محمد مصطفى الصفار "الشرفنامة" إعداد: 29 كانون الثاني 2006
50- عبد الرحمن قاسمو "كردستان والأكراد سياسية واقتصادية"،مرجع سابق ص114.
51- فايز سارة "الأكراد والحياة السياسية في سورية"، دمشق الوسط، 28/1/2005
52- ويكيبيديا "أكراد"، الموسوعة الحرة، دراسة علمية نقلاً عن موقعها
، http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AF
53- مفصل عن أكراد سورية الخميس تقرير ، موقع (يا بيروت). يونيو 07، 2007
54- إياد محمود حسين : "تاريخ الأكراد ومستقبلهم" - الحلقة الأولى - الخميس 8 حزيران (يونيو) 2006.
55- فايز سارة : "الأكراد والحياة السياسية في سورية"، دمشق الوسط 28/1/2005
53- مفصل عن أكراد سورية الخميس تقرير ، موقع (يا بيروت). يونيو 07، 2007
54- إياد محمود حسين : "تاريخ الأكراد ومستقبلهم" - الحلقة الأولى - الخميس 8 حزيران (يونيو) 2006.
55- فايز سارة : "الأكراد والحياة السياسية في سورية"، دمشق الوسط 28/1/2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق