راسم عبيدات
مع أن الأمور ليست بحاجة إلى هذا الوضوح،فهي اتضحت بشكل جلي في حرب تموز/ 2006،تلك الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على حزب الله والمقاومة اللبنانية،حيث أن النظام الرسمي العرب وخصوصاً ما يسمى بالمعتدل منه وفر الغطاء وأعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لضرب حزب الله،ولكن في الحرب على غزة الأمور جاءت كاشفة وفاضحة لكل أطراف هذا النظام الرسمي العربي،بحيث لم يعد لا ورق توت أو أي شيء آخر يستر عورة هذا النظام،بل وصل الأمر حد التباهي والمفاخرة بالتواطؤ والخيانة والتأمر ليس على حماس،بل وعلى الشعب الفلسطيني،ونحن لم نكن بحاجة إلى خطاب سماحة الشيخ حسن نصرالله لكي يوضح ويضع النقاط على الحروف بشأن حجم تآمر النظام الرسمي العربي ومشاركته في العدوان على الشعب الفلسطيني وبالتحديد النظام المصري،فوزيرة خارجية الاحتلال الصهيوني"تسفي ليفني" أعلنت من قلب القاهرة أنها ستسحق حماس والمقاومة،وبحضور وسماع أركان النظام المصري وعلى رأسهم أبو الغيظ، ولاحقاً عرت ووضحت القيادات الإسرائيلية هذه الأنظمة،عندما قالت بأنه تم إبلاغ العديد من العواصم العربية بالضربة العسكرية على غزة،بل وذهبت الأمور إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير،عندما قالت إسرائيل على لسان قادتها بأن حجم التأييد من النظام الرسمي العربي للضربة العسكرية على غزة فاق كثيراً ذلك الحجم من التأييد في الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان في تموز/ 2006 ،والوضوح الشديد لهذا التخاذل والتآمر والمشاركة تجلت في التصريحات والمؤتمرات الصحفية التي عقدها القادة الرسميون لتلك الأنظمة،والتي كانت تحاول أن تحمل الضحية مسؤولية ما جرى وتبرأ الجلاد،وهي تدرك تماماً أن التهدئة التي قبلت بها المقاومة الفلسطينية في غزة، لم تحترم ولم تفي إسرائيل بالتزاماتها وكانت تخرقها بشكل شبه يومي،وشعرت الفصائل والجماهير الفلسطينية في القطاع أن تلك التهدئة يراد لها أن تقيد البندقية والنضال والمقاومة الفلسطينية،وأن تختزل القضية الفلسطينية إلى قضية غذاء ومساعدات إنسانية وليس قضية وطن وشعب واحتلال،ناهيك عن أن التهدئة لم تحقق لا فتحاً للمعابر ولا رفعاً للحصار ومخازي النظام الرسمي العربي وتآمره واضحة من خلال تعطيل أي جهد عربي جماعي من شأنه الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ووقف الحرب الهمجية على غزة من خلال تأجيل عقد مؤتمر وزراء الخارجية العرب حتى الأربعاء 31/12/2008 ،وتعطيل عقد القمة العربية،رغم أننا لا نعول كثيراً على هذه القمم والاجتماعات،ناهيك عن عدم فتح النظام المصري لمعبر رفح لنقل المساعدات الإنسانية والأغذية والأدوية للقطاع،والعمل على فتحه لنقل الجثث.
وفي المقابل وفي الوقت الذي يجب أن تتوحد فيه كل القوى الفلسطينية من أجل وقف العدوان على غزة والترفع عن كل أشكال وأنواع المناكفات وتحميل المسؤوليات،وجدنا أن هناك البعض ومن قمة هرم السلطة الفلسطينية،أراد أن يستثمر سياسياً في دماء شعبنا،وبدأ يكيل الاتهامات لحماس بالمشاركة في هذه الجريمة من خلال "أفعالها الطائشة"،والبعض يثير مسألة المعتقلين في سجن السرايا والذين هم من المعتقلين الجنائيين على أنهم من معتقلي فتح،وهو يدرك عدم دقة هذا الكلام وأن حل هذه القضية يتأتى فقط من خلال تحريم الاعتقال السياسي وتبيض سجون الضفة وغزة من المعتقلين السياسيين،والبعض الآخر لم يتصرف لا وفق مسؤولياته ولا موقعه ،وكان يتحدث وكأن لا علاقة له بما يجري ويدور في القطاع،ويكتفي بالقول تحدثنا واتصلنا مع الأخوة في حماس في القطاع وحذرناهم من عدم تمديد التهدئة،وفي ذروة ما تقوم به إسرائيل من هجوم بربري ووحشي على القطاع يأتي رد السلطة الفلسطينية باهتاً ،وليبلغ ذروته بتعليق المفاوضات مع إسرائيل،هذه المفاوضات العبثية التي لم تنتج شيئاً لمصلحة الشعب الفلسطيني طوال خمسة عشر عاماً،سوى المزيد من الضعف والشرذمة والانقسام والتشريع لإجراءات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي من تهويد وأسرلة واستيطان،وكان هذا الطرف بعد كل ما ارتكب من مجازر بحق شعبنا الفلسطيني،يريد العودة بنا إلى دائرة تلك المفاوضات العبثية والضارة.
وباختصار حولت السلطة دورها وموقفها إلى دور سلطة صليب أحمر وذلك لكي يجري امتصاص النقمة والغضب الشعبي عليها وعلى أنظمة الاعتدال العربي المنهارة بالتنسيق مع الإسرائيليين وأطراف النظام الرسمي العربي لإدخال شحنة غذاء أو دواء وغيرها.
ورغم كل الذي يجري من تآمر عربي رسمي وخذلان داخلي ،فإن هول وبشاعة المجزرة يجب أن توحد الدم الفلسطيني وكل ألوان الطيف السياسي،وصمود غزة وقوى المقاومة فيها،يؤسس عليه من أجل توسيع وتعميم نهج وخيار المقاومة في الوطن العربي عموماً، والهجوم الوحشي على غزة يجب أن يضع الجميع أمام مسؤولياته،وفي اللحظة الراهنة يجب أن يكون شعار الجميع وقف العدوان ورفع الحصار،والشروع في الحوار الوطني بدون أية شروط وعلى قاعدة وأساس وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني،ووقف كل أشكال التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني وتحريم الاعتقال السياسي وتبيض السجون الفلسطينية من كل المعتقلين السياسيين،وهذه اللحظات الحاسمة والتاريخية بحاجة إلى مواقف جريئة وشجاعة،وإذا كل شلال الدم النازف في القطاع،لم يوحدنا ولم يجعلنا نرتقي إلى مستوى المجزرة،فهذا معناه أن الحالة الفلسطينية تسير نحو المزيد من الضعف والتفكك والانقسام والفوضى الداخلية ،والتي سيدفع ثمنها الكل الفلسطيني،وليس فصيل دون آخر،ومن يعتقد أن كسر شوكة المقاومة في غزة،سيمهد أو يفتح الطريق نحو استعادة الوحدة الجغرافية للوطن، ويعبد الطريق نحو مفاوضات تقود الى تحقيق حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال فهو واهم،فهذا النهج جربناه وخبرناه جيداً ولم يحقق أي شيء لا على صعيد الحقوق أو حتى القضايا المعيشية والإنسانية والحياتية،والعدو الإسرائيلي بمختلف ألوان طيفه السياسي غير جاهز أو مستعد لتقديم تنازلات تلبي حتى الحدود الدنيا لحقوق شعبنا المشروعة،ونحن تعلمنا جيداً أنه عند كل عدوان على بلد عربي تقدم أمريكا هذه الجزرة للعرب،لكي يدعموا عدوانها وأهدافها،وبعد تحقيق أهداف العدوان تتبخر وتذهب هذه الوعود أدراج الرياح،وما حصل في العدوان على العراق يجب أن ينقش عميقاً في الذاكرة العربية،وليتعظ منه من لا يريد أن يتعظ،فكسر غزة ومقاومتها كسراَ وضياعاً لحقوق شعبنا الفلسطيني،ومزيداً من الضعف والانقسام الداخلي.
الثلاثاء، ديسمبر 30، 2008
عن مخازي النظام الرسمي العربي وسلطة الصليب الأحمر وصمود غزة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
عندما ضرب لبنان زعم الخونة أن الرافضة لاتجوز نصرتهم ولاحتى الدعاء لهم!!! والان أنا أنتظر لأرى ما هي الفتوى بحق غزة...
إرسال تعليق