الأحد، سبتمبر 14، 2008

امركة الحل في الصحراء الغربية تزيده تعقيدا

نقولا ناصر

(من التجربة العربية مع "امركة" الحل للصراع العربي الاسرائيلي في فلسطين يتضح ان "الامركة" في البحث عن حل لقضية الصحراء الغربية سوف يزيد في تعقيدها ويطيل امدها لان امركتها تعني اخراجها من اطار الشرعية الدولية والقانون الدولي وتعني اخضاعها للانحياز المالوف في السياسة الخارجية الاميركية لهذا الطرف او ذاك من اطراف الصراع)

لم تكن قضية الصحراء الغربية محور الجولة المغاربية التي قامت بها اوائل الشهر الجاري وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس لكن هذه الجولة ادخلت الجهود الدولية لحل هذه القضية منعطفا نوعيا جديدا عنوانه انحياز اميركي قوي للرؤية المغربية في الحل خصوصا وان جولتها قد تزامنت مع اعلان الامين العام للامم المتحدة عن ترشيحه لسفير اميركي سابق عريق في تخصصه في ملف الارهاب ليكون مبعوثه الخاص ل"التوسط" في حل قضية المستعمرة الاسبانية السابقة مما يشير عمليا الى اخراج ملف القضية من اطار الامم المتحدة وقراراتها الى اطار الولايات المتحدة واولوياتها الاستراتيجية ويشير الى تغيير مرجعية البحث عن حلول لها من اطارها الاصلي كقضية من قضايا تصفية الاستعمار الى اطار الحرب الاميركية العالمية على "الارهاب" .

ومن التجربة العربية مع "امركة" الحل للصراع العربي الاسرائيلي في فلسطين يتضح ان "الامركة" في البحث عن حل لقضية الصحراء الغربية سوف يزيد في تعقيدها ويطيل امدها لان امركتها تعني اخراجها من اطار الشرعية الدولية والقانون الدولي من ناحية وتعني اخضاعها للانحياز المالوف في السياسة الخارجية الاميركية لهذا الطرف او ذاك من اطراف الصراع حسب ما تقتضيه مصالح واشنطن من ناحية ثانية وتعني من ناحية ثالثة فتح المجال لتدخل عوامل دولية ليست معنية مباشرة بالقضية نفسها لكنها معنية تماما بما يعنيه الاحتكار الاميركي للبحث عن حلول لها .

ومن المؤشرات الى التعقيدات المتوقعة في قضية الصحراء نتيجة للتوجه نحو امركة البحث عن حل لها دخول المغرب والجزائر في سباق على كسب ود واشنطن مما سينعكس سلبا على المصالح الوطنية لكل منهما ويعزز النفوذ الاميركي في اقليمهما في وقت تقتضي فيه المصلحة القومية العربية تحييد هذا النفوذ وفي وقت يتزايد العداء لاميركا شعبيا على المستويين العربي والاسلامي بل حتى في الحديقة الخلفية الاميركية اللاتينية للولايات المتحدة . ومن المؤشرات ايضا عودة جبهة البوليساريو الى التلويح بالنكوص الى "الكفاح المسلح" بعد تضييق الحصار السياسي والدبلوماسي الاميركي – الاوروبي – المغربي عليها ، ومثل هذا التهديد لو لجات البوليسارو اليه سوف يزيد فقط في تعقيد القضية وفي تفاقم ماسيها واستنزافها للموارد الوطنية لكل الاطراف المعنية لان الحصيلة السياسية لنكوص كهذا لن تكون بالتاكيد افضل من حصيلة "الكفاح المسلح" الذي مارسته البوليساريو في ظروف دولية واقليمية ومحلية كانت مواتية لها اكثر ، كما اثبتت موافقة الطرفين على الهدنة برقابة قوة حفظ سلام تابعة للامم المتحدة تتواجد على الارض منذ عام 1991 .

لكن المؤشر الاهم يتمثل في بوادر اعادة زج القضية في شبه الحرب الباردة التي بدات تلوح في الافق بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية بعد انفجار الازمة الجورجية ، ف"الجمهورية العربية الديموقراطية الصحراوية" سوف تتبادل الاعتراف وتقيم علاقات دبلوماسية مع جمهوريتي اوسيشيا الجنوبية وابخازيا ، اللتين اعترفت روسيا بعد الحرب الروسية – الجورجية باستقلالهما عن جورجيا وهو ما تعارضه الولايات المتحدة بقوة ، قبل نهاية عام 2008 الجاري حسب وسائل الاعلام في الجمهوريتين .

ان تصريح رايس في الرباط في السابع من الشهر الجاري قي ختام جولتها المغاربية بان "الوقت قد حان لتسوية هذا النزاع" حول الصحراء الغربية باعتباره لا ينبغي تفسيره كدليل صحوة اميركية مفاجئة محمودة على ضرورة تسوية هذه القضية التي اجهضت جنين الاتحاد المغاربي الذي تكون في سنة 1989 قبل ان تشل نموه تماما عام 1994 واستنزفت الموارد البشرية والاقتصادية للركيزتين الاهم المغربية والجزائرية لهذا الاتحاد طوال الثلاثين عاما المنصرمة ، بل ينبغي تفسير تصريحها فقط في اطار المستجدات التي جعلت ارض المغرب العربي مهياة تماما بعد انهيار القلعة الليبية امام الهيمنة الاميركية في المنطقة للانصياع للاستراتيجية الاميركية في اسوا الحالات او للتساوق او التقاطع معها في احسن الحالات وبالتالي لتسوية قضية الصحراء بالشروط الاميركية التي تخدم المصالح الاميركية نفسها اولا ثم مصالح حلفائها او شركائها الاقليميين الاقدم ثانيا .

لقد اعطت جولات المفاوضات الاربعة العام الماضي بين المغرب وبين البوليساريو في منهاست قرب نيويورك انطباعا عاما خاطئا بان القضية قد بدات اولى خطواتها نحو الحل ، غير ان ازمة تفجرت لتبدد هذا الانطباع عندما ابلغ الهولندي بيتر فان والسوم ، مبعوث الامين العام للامم المتحدة بان كي-مون للتوسط في قضية الصحراء صحيفة البايس الاسبانية بان الصحراء الغربية لن تحصل ابدا على الاستقلال مع انه اعترف بان القانون الدولي وعدة قرارات للامم المتحدة قد منحت اهل الصحراء الحق في تقرير المصير لان "مجلس الامن الدولي ليس مستعدا لممارسة سلطته بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة لفرض" هذا الحق ، دون ان يذكر طبعا ان الفيتو الاميركي والفرنسي هو الذي حال دون ذلك ، ليستنتج بانه " من الضروري الالتزام بالقانون الدولي لكنه من الضروري ايضا ان تؤخذ في الحسبان الحقائق السياسية" على الارض . طبعا هلل المغرب لموقف والسوم لكن ثارت ثائرة البوليساريو مما اضطر بان كي-مون الى عدم التجديد لوالسوم عندما انتهى تفويضه في 21 اب / اغسطس الماضي ، ليحين دور البوليساريو في التهليل هذه المرة معتبرة عدم التجديد له انتصارا لها ، غير ان فرحة الجبهة لم تطل وتحولت الى نكسة عندما اعلن بان كي-مون في العاشر من ايلول/سبتمبر الجاري عن ترشيح سفير اميركي سابق متخصص في "ملف الارهاب" لخلافة فان والسوم كوسيط في قضية الصحراء الغربية ، هو كريستوفر روس .

ان استعراضا سريعا لسيرة روس المهنية يسوغ خشية البوليساريو من ترشيحه ، فقد توج مسيرته الدبلوماسية ك"منسق لمكافحة الارهاب بوزارة الخارجية في اذار / مارس 1998" – بعد ان خدم سفيرا لبلاده في سوريا (1991 – 1998) وقبلها سفيرا في الجزائر (1988 – 1991) وقبل ذلك اعلاميا مخضرما في وكالة الاعلام الاميركية ، وهي تابعة لوزارة الخارجية الاميركية ، في مكاتبها بالجزائر وفاس وطرابلس الغرب بعد ان عمل محررا في مجلة "ميدل ايست جورنال" ومدرسا للغة العربية في جامعتي كولومبيا وبرينستون وهو يتكلم بالاضافة اليها الفرنسية واليونانية .

فترشيح روس لخلافة والسوم يشير بصورة واضحة الى جنوح الامم المتحدة ممثلة بامينها العام الى تبني الرؤية الاميركية في السعي الى حل قضية الصحراء وبالتالي الى تبني الموقف المغربي لحلها ، كما يشير الى بداية عملية لامركة الحل ، وهذا توجه يقود عمليا الى الاستنتاج بان هذه القضية قد اكتسبت عمرا جديدا يطيل امدها بعد الجولة "التاريخية" التي قامت بها مؤخرا رايس للمغرب العربي ، حيث لم تخف بل اعلنت انها كانت على اتصال مع كي-مون حول قضية الصحراء وانها تتطلع الى تثبيت مرشحه للوساطة والى جولة خامسة من المفاوضات لم يعد من المؤكد ان مشاركة البوليساريو فيها ستكون سهلة اثر هذه المستجدات النوعية في الاطار السياسي لحل القضية .

وكان لافتا للنظر قول رايس في الرباط انها ليست "بحاجة للعودة الى نقطة الصفر" ولا "الى البداية من جديد" في جولة المفاوضات الخامسة لانه في رايها توجد "افكار جيدة مطروحة على الطاولة وهناك طرق للتحرك قدما" ، ولا يوجد أي تفسير لذلك سوى نية رايس في البناء على الموقف المغربي والموقف المماثل الذي قاد مؤخرا الى تغيير الوسيط فان والسوم الذي وضع نهاية لمهمته بتصريحه ان خيار "الاستقلال" للصحراء الغربية هو خيار "غير واقعي" . لذلك فان قولها في المؤتمر نفسه "اننا نبحث عن حل تبادلي متفق عليه لهذه المشكلة" لم يكن الا رطانة دبلوماسية تفتقد للمصداقية .

ومن السذاجة السياسية ان يتوقع أي مراقب جاد ان تكون قضية الصحراء الغربية قضية تسعى اي ادارة اميركية الى حلها حلا عادلا متوازنا يستهدف حقا ازالة العقبة الاكبر امام انطلاق الاتحاد المغاربي ، لان المصالح الاميركية التي وجدت في استمرار الصراع العربي الاسرائيلي طوال اكثر من ستين عاما مضى افضل عصا تشهرها في وجه العرب حتى ينصاعوا مختارين او كارهين لاستراتيجيتها الاقليمية في الشرق الاوسط هي مصالح تقتضي تفجير الازمات في الوطن العربي الكبير ، لا تسويتها ، في اطار سياسية "الفوضى الخلاقة" التي تفتح لها ثغرات متواصلة للتسلل الى المنطقة وضرب حكامها وانظمتها وقواها السياسية واحزابها ومكوناتها العرقية والطائفية والمذهبية بعضها ببعض ليتاح لها الاستمرار في لعب دور الوسيط غير النزيه الذي عرفه العرب في صراعهم مع دولة المشروع الصهيوني في فلسطين .

ولا بد بداية من الاشارة الى ان عجز المنظمات الاقليمية التي تضم في عضويتها الدول الاطراف في الصراع حول الصحراء الغربية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والاتحاد الافريقي وحركة عدم الانحياز عن ايجاد حل لقضية الصحراء طوال ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن هو الذي فتح الباب واسعا امام تدويل هذه القضية بنقل ملفها الى الامم المتحدة ثم الى امركة هذا الملف حاليا ، غير ان المسؤولية الاكبر عن ذلك تقع بالتاكيد على عاتق المغرب والجزائر ، اللتين غلبتا المصالح القطرية على مصلحة الاتحاد المغاربي الاقليمية من جهة وعلى المصلحة القومية من جهة ثانية ، وليس ادل على ذلك من الشلل الذي اصاب مشروع الاتحاد المغاربي بسبب الاصطراع بينهما ، خصوصا بعد ان انسحبت موريتانيا من الصراع ، لان الصراع حول الصحراء الغربية هو صراع مغربي – جزائري بامتياز ، والا ما كان في وسع حوالي (400) الف نسمة من سكان الصحراء ، لو تركوا لشانهم ، ان يكونوا سببا في صراع اقليمي عربي – عربي تحول الى معبر واسع للتدخلات الاجنبية الطامعة الاوروبية منها والاميركية على حد سواء ، وهم يفتقدون الحد الادنى من شروط الحياة العصرية وينتشرون على مساحة (266000) كيلومتر مربع لا يصلح للزراعة منها سوى اثنين في المائة ، منهم حوالي (160) الفا يعيشون في ظروف ماساوية في مخيمات للاجئين تسيطر عليها جبهة البوليساريو في الجنوب الغربي .

تلخص وكالة المخابرات الاميركية "سي أي ايه" على موقعها الالكتروني الوضع في الصحراء الغربية كما يلي: "ضم المغرب عمليا الثلثين الشماليين من الصحراء الغربية (الصحراء الاسبانية سابقا) ، وبقية المنطقة عام 1979 بعد انسحاب موريتانيا . وانتهت حرب عصابات نازعت فيها جبهة البوليساريو الرباط على السيادة بوقف لاطلاق النار توسطت فيه الامم المتحدة عام 1991 ، وتاجل تكرارا استفتاء تنظمه الامم المتحدة على الوضع النهائي . في نيسان / ابريل 2007 قدم المغرب خطة للحكم الذاتي في المنطقة الى الامم المتحدة ، اعتبرتها الولايات المتحدة جادة وذات مصداقية . ومنذ حزيران / يونيو 2007 اجتمع ممثلون عن حكومة المغرب وجبهة البوليساريو اربع مرات للتفاوض حول وضع الصحراء الغربية" .

وتتضح من هذا الايجاز الاميركي "الحقائق السياسية" على الارض التي اشار اليها الوسيط الاممي السابق والسوم والتي تريد رايس البناء عليها حسب الرؤية الاميركية للحل ، دون ان أي اشارة الى قرارات الامم المتحدة التي تصنف قضية الصحراء في اطار تصفية الاستعمار وتقرير المصير او الى محكمة العدل الدولية في لاهاي التي نقلت الرباط نفسها القضية اليها والتي لم تقر ب"سيادة" المغرب على المستعمرة السابقة ، وليس من المتوقع ان يشير أي مصدر اميركي رسمي لمثل هذه المرجعيات . انه الصراع الازلي بين الحق وبين القوة مرة اخرى ، لكن الحق هذه المرة عربي وكذلك القوة ، وكلاهما ذخر للامة ، فلماذا يفترقان ولا يجتمعان ولمصلحة من يتصارعان ؟

ومن السذاجة طبعا ان يتوقع أي مراقب جاد ان يستمع صانعو القرار في المغرب والجزائر الى أي صوت "قومي عربي" يحثهم على ان الوقت قد حان للبحث عن حل في الاطار العربي لقضية الصحراء ومن المؤكد انهم سوف يستبعدون أي دعوة كهذه باستهتار باعتبارها "مثالية" وغير واقعية بعد "التضحيات الكبيرة" التي قدمها كل من البلدين تحت شعار "تحرير" الصحراء الغربية ، ليس من الاستعمار الاسباني الذي انسحب منها قبل حوالي اربعة عقود من الزمن ، بل من بعضهما البعض . ودون التورط في السجالات القانونية والسياسية التي يستند كل من طرفي الصراع اليها للدفاع عن موقفه فان الحل من منظور قومي ضمن السيادة المغربية مقبول لو لم تكن الجزائر تعارضه ، والحل في اطار "حق تقرير المصير" مقبول قوميا لو لم تكن المغرب تعارضه ، والنظر في حل قومي يمنح الصحراء حكما ذاتيا موسعا كما تراه الرباط في اطار الاتحاد المغاربي مقبول قوميا ايضا لكن يجب ان تتفق الدولتان الشقيقتان على تفعيل هذا الاتحاد قبل ذلك ، والحل الثنائي بالاتفاق بين المغرب وبين الجزائر او الثلاثي باشراك البوليساريو سيكون مقبولا ايضا غير ان على البلدين العربيين "الشقيقين" ان يفتحا الحدود المشتركة المغلقة بينهما اولا حتى تنفتح قنوات الاتصال بينهما وعلى الجزائر ان تعترف بانها طرف اصيل في الصراع وتحدد مصالحها الاستراتيجية ومطالبها وتتفاوض عليها مع الاشقاء في الرباط ثانيا .

ان الحل في الاطار العربي القومي ممكن وليس مثاليا اذا ما توقف الاستقواء بالاجنبي والخارج وتوقف الاختباء الجزائري وراء واجهة البوليساريو ليقرر صانعو القرار في البلدين الاعتراف بان اواصر صلة الرحم العربية والاخوة في الاسلام وعلاقات حسن الجوار حسب الاعراف الدولية هي روابط ينبغي ان تطغى على كل مصالح ضيقة اخرى قطرية ام ذاتية .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: