الخميس، سبتمبر 18، 2008

عرب طيبون .. حتى متى؟

نبيل عودة

تسيفي ليفني فازت بزعامة حزب كديما. هزمت الجنرالات . ولكن ليس سرا أن 13 الف عربي أعضاء في كديما كانوا ضمن الأصوات التي حسمت المعركة على زعامة الحزب.

من سخرية القدر ان العرب يشاركون في الحسم لاختيار الزعيم ، وينتهي دورهم بعد الخروج من صناديق الاقتراع. ما يمارسه " حزبهم " من سياسة احتلال واستمرار التمييز القومي ضد المواطنين العرب في اسرائيل ، وحرمان بلداتنا من الميزانيات المناسبة ،مستمر . هذا الأمر لا يعنيهم .

هذا الوضع يذكرني بحالتنا مع القوائم العربية سيئة السجل التي شكلها حزب مباي ( العمل اليوم ) بأيام بن غوريون وأشكول ... كانت عربية شكلا ومسلوبة الارادة في القرار ، لدرجة انه عند بحث الغاء الحكم العسكري على العرب في اسرائيل ، قال أحد أعضاء الكنيست العرب من قوائم بن غوريون انه : " يعارض الغاء الحكم العسكري لأنه لمصلحة العرب ". وصوت مع ابقائه . موقف عربي مخجل !! في نفس الوقت صوت ممثل اليمين في اسرائيل مناحم بيغن من أجل الغائه ، حفاظا على سمعة اسرائيل الدولية ولقناعته بحق المواطنين ، وبغض النظر عن دينهم أو قوميتهم بالمساواة . بالطبع بين اقرار حق المساواة وتنفيذه مساحة شاسعة لم تغلق حتى اليوم.. بل وتزداد اتساعا .

الموقف مضحك بقدر ما هو مبكٍ .

كنت أظن ان تلك المرحلة انتهت ... وأن عرب اليوم تعلموا وتطوروا. لم نعد حطة وعقال في برامج استقبال الوفود الأجنبية. ولم نعد عرب المباي أو عرب المفدال أو عرب الحيروت ( حزب بيغن قبل ان يصير ليكود ) .وللأسف بعض اؤلئك العرب كانوا على درجة من العلم والثقافة .. باعوها وجاؤوا بعد انتهاء موسمهم السلطوي ، ليركبوا حمار الوطنية المرهق من طول الدور!!

ما الذي تغير فينا ؟

هل صرنا أكثر غباء ؟

هل بتنا نشتري توبة من انتهى زمنه ؟

أين أحزابنا التي تكاثرت مثل الفقع بعد ليلة من البرق والرعد ؟

أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ضد خدمة تطوعية مدنية اجتماعية انسانية داخل بلداتنا ولأهلنا ومؤسساتنا المختلفة التي تقدم خدماتها لنا بالأساس ... أي مدارسنا ومستشفياتنا وبلدياتنا ومؤسسات العجزة وغيرها... دون أن يفهموا انها خدمة تطوعية ، غير ملزمة ، وانهم يمكن ان يؤثروا على مضمونها وفاعليتها وفائدتها وتوجيهها لما يرونه مناسبا.

لماذا لا نسمع أصواتكم الوطنية ضد أسوأ تفريط قومي ، مثل الانضمام ، كأرقام بلا قيمة ، ومجرد أصوات ، الى أحزاب لا تحترمهم كعرب ، بقدر ما تريد أصواتهم وهيئاتهم العربية في الصورة ، وخاصة عند استقبال الأسياد اليهود وذبح الذبائح ونصب الولائم .. وكأن كل مطالبنا تتلخص بملء كروش الأسياد ؟!

هذا الواقع الأسود لا يقلق قادتنا الوطنيين . هذا لا يثير نقاشا سياسيا ومعارضة وهجوما ينضح بالهمة الوطنية شكلا والكاذبة مضمونا ، كما على مجموعة شباب لا يتعدى عددهم اليوم 500 شاب ، يرون أهمية التطوع في خدمة الطلاب في مدارسنا وخدمة المرضى في مستشفياتنا ، وخدمة الأهل في الأماكن التي تفتح لهم أبوابها الموصدة . وكما يقول المثل ، الجنازة حامية والميت كلب!!

بالله عليكم : من أكثر شرفا وصيانة لشخصية شعبنا ؟

عشرات الاف المنتسبين من السابقين واللاحقين ،لأحزاب لا تحترمهم ، وتضطهد شعبهم وتميز ضده ، وتواصل سياسة التنكر لحقوقه القومية ، ولا تطلب الا أصواتهم عند الضرورة ، أم مئات المتطوعين في خدمة مجتمعهم وأهلهم ؟

ربما ساهم ال 13 الف عضو عربي في كديما بهزيمة الجنرال موفاز ، وتوفير الفرصة لفوز تسيفي ليفني . ولكن ماذا بعد فوز ليفني ؟ هل من برنامج ينعكس ايجابيا على المواطنين العرب في اسرائيل ، أو على الأقل على عرب كديما ؟ هل ستتحسن معاملة الأسياد اليهود لهم .. باعتبارهم أعضاء متساوي الحقوق في الحزب والدولة ؟!

لست ضد النضال العربي اليهودي المشترك ، هناك الكثير من القضايا المشتركة ، وأرى النضال المشترك طريقا وحيدا لانجاز مكاسب للأقلية العربية المتمسكة بوطنها.ولكني ضد بيع كرامتنا لأحزاب لا ترى زعامتها فينا ، الا عنصرا تسهل سياسته ، لحسم المنافسة بين الصقور المتنافسة ، والوصول الى زعامة الحزب . بعدها لا شيء . لا دور . لا رأي . لا قيمة . ربما بعض الوظائف . أي قليل من الفضة. حتى ثمن الخراف المذبوحة لا تستعاد ... فلماذا هذا المزاد العلني على أصواتنا ، وعلى شرفنا كمواطنين ، وعلى حساب نضالنا الصعب من أجل حقوقنا ؟ عرب الأحزاب اليهودية بمنتهى الانبساط لأن الوزير أكل على مائدتهم . ازدادت قيمتهم وقوي فصهم !!

هل تفهم أحزابنا ان عدم المصداقية فيما يطرحون ، ومن أية قضية كانت ، يقود الى الضلال السياسي ، وفقدان التوازن الاجتماعي ، ونسف الدور المدني لهم كأحزاب قيمتها الأساسية تتعلق بدورها في خدمة مجتمعها المدني ؟ الا يلاحظ قادة الحزب الشيوعي بالأساس ، اننا نحقق تراجعات كبيرة عما انجزناه من بداية النكبة حتى الثمانينات من القرن الماضي ؟!

هل تفهم أحزابنا أن فقدان البوصلة الفكرية ، لا يعفيهم من دفع الثمن غاليا بمصير شعب كامل ؟ أم صارت "حيد عن ضهري .. بسيطة " .. سياسة متبعة؟!

هل حقا ان تكون عربيا لسيد يهودي في حزب يهودي ، ، أشرف من أن تكون متطوعا في خدمة مجتمعك وأهلك ؟

لو جاء رفضكم للخدمة المدنية ، على قاعدة فكرية واضحة ، ترفض الانضمام لأجسام سياسية يهودية ، برامجها تخاطب الجمهور اليهودي فقط . أو لطرحكم اتجاها فكريا يعتمد على رؤية واضحة لمراحل نضال العرب في اسرائيل ، بدون ارتجال ، بدون فضفضة قومية تهريجية ، تفتقد لمضمون عقلاني يخاطب المنطق وليس المشاعر.. ربما عندها كنت سأفهم مواقفكم وتبريراتها. ولكن قيام الضجة والهجوم من اليسار واليمين العربي ( رجاء لا ضحك .. يوجد يسار ويمين ، ناس تأكل اليسار وناس تأكل باليمين) على مشروع اجتماعي مدني تماما ، يثير لدى جميع العاقلين الشكوك بمصداقيتكم وبنهجكم وأهدافكم . لذا ليس بالصدفة أن الأكثرية المطلقة من شعبنا ( تقريبا 72%) ضد مواقفكم أولا .. ومع الخدمة المدنية لمجتمعهم وأهلهم ثانيا!!

ليس سرا ان ثلث الأصوات العربية تذهب للأحزاب اليهودية ، دون جهد مماثل وبإشارة من السيد ، ... ينما تذلون جهدا هائلا من أجل الحصول على الثلث الآخر من اصوات المصوتين العرب ، ويبقى الثلث الثالث غائبا ، قرفا واحتجاجا عليكم وعلى الأحزاب اليهودية سوية.

هل هذه التقسيمة تشير الى قوتكم السياسية أم الى تفكك أحزابكم وعجزها السياسي والاجتماعي وانعزالها؟ وهل هذه التقسيمة تشير الى مجتمع راق ، أم تشير الى عجزكم عن مخاطبة ابناء مجتمعكم واقناعهم بالتصويت لكم على الأقل ، لتواصلوا " النضال " من مقاعد الكنيست ، ومن عواصم الملوك والرؤساء العرب الذين تتواصلون معهم ؟!

ارى اننا نعود الى قبليتنا بفضل نضالكم .. لا شيء يبعث على الفخر في ظل هذا الوضع المأساوي. ألم يكن أجدر بكم يا قادة أحزابنا أن تكرسوا عقلكم وفكركم وجهودكم واعلامكم لتوعية أبناء شعبنا على المخاطر من مبايعة أسياد يهود في أحزاب لا يربطها رابط بقضايا مجتمعنا وشعبنا ، وليسوا رفاق نضال أو معبرين عن مواقف دمقراطية بأحسن الأحوال؟

اذن ما الذي يحكم المعايير العقلانية في مجتمعنا؟ انتم حاضرون غائبون . تشغلكم الصراعات الداخلية في تنظيماتكم . الجمود الفكري بات صفة شخصية وحزبية. حتى "المفكر المشهور" لم نعد نفهم عليه شيئا . لا حوار بين الأحزاب. مقال يعبر عن رأي محرر في صحيفة حزب علماني ، يجر عليه اتهامات مخجلة من قادة أعلى هيئة في حزبه تتهمه بالزندقة والكفر والالحاد.. ويصبح المقعدون فكريا منظرون وفلاسفة . والفقراء ثقافيا وعاظا ومسؤولين عن أخلاق الناس . ويتلقى حزبه العلماني أوامر من تنظيم سياسي ديني "بطرد الكافر الزنديق "... ويستجيب الحزب !!

لا كلمات تعبر عن امتعاضي كمثقف وليس دفاعا عن شخص قد لا أوافق على ما كتبه . طز في هيك حزب و"مفكره المشهور" اذا كان عاجزا أن يحمي حرية التعبير عن رأي لكتابه ونشطائه .

ما الذي يحكم سياسة أحزاب قامت بالأساس كتنظيمات للمجتمع المدني ، قبل أن تصير تنظيمات لخدمة أفراد في الوصول الى مقاعد الكنيست والوظائف الرسمية الأخرى؟

هذا الوضع المسكوت عنه يخيفني . يذكرني بكتابين " عرب طيبون " و "جيش الظلال" للباحث اليهودي من جامعة القدس هيلل كوهن. حيث يكشف الباحث عن الشخصيات العربية الخنوعة التي باعت كرامتها ومصير شعبها مقابل بعض الفضة، وسمسرت لحساب الحركة الصهيونية ضد شعبها ، بل وجندت فرق مقاتلين عرب لتحقيق الانتصار الصهيوني في العام 1948... مؤلم ؟ بل أكثر !!

ترى هل تعلمنا شيئا؟ ام ما زلنا نتنافخ شرفا .. ؟!

هل يعيد التاريخ نفسه بصورة أكثر مأساوية وهزلية؟

هل تغيرنا؟

استبدلنا القمباز بالبدلة ، والمختار بالأكاديمي .. ماذا مع العقل ؟

أترك الاجابة تحلق في الفضاء ، لأنها مؤلمة ومحبطة ، ولا اريد الخوض فيها ، وأعترف ان كلمات اللغة العربية لا تملك القدرة التعبيرية لوصف الألم الذي يجتاحني كلما عدت لهذين الكتابين .وأقول لأحزابنا الغائبة عنا ، الحاضرة في الكنيست، واصلوا السبات، ربما يزداد باستمرار عدد العرب " الطيبين " !!

وربما نصبح ، مع الأكثرية الصامته، جسما غريبا ، في فضاء لا حياة لنا به.


نبيل عودة – كاتب ناقد واعلامي – الناصرة

nabiloudeh@gmail.com

ليست هناك تعليقات: