الجمعة، سبتمبر 12، 2008

صحيفة الشرق الأوسط تستعرض كتاب الدكتور عبدالله المدني الأخير


بعد 37 عاما.. كتاب يؤرخ لسنيور إيطالي أعلن عروبة البحرين
المؤلف لـ «الشرق الأوسط» : الكتاب رد على من يسعون في طهران لإعادة عقارب الساعة للوراء

المنامة: سلمان الدوسري
من هو فيتوريو وينسبير جيوشياردي، هذا الرجل الايطالي الذي جاء من نيويورك ذات نهار ربيعي، صادف يوم الثلاثين من مارس 1970، وأعد التقرير الشهير الذي كان المقدمة الأساسية لنيل البحرين استقلالها الناجز، ولماذا ظل هذا الرجل الذي أعلن رسميا عن عروبة البحرين وتأكيد سيادتها وهويتها مقابل المطالب الفارسية، طي النسيان لعقود طويلة قبل أن يلتفت إليه كاتب بحريني أخيراً؟
إن الأغلبية الساحقة من شعب البحرين ترغب في أن تنال الاعتراف بذاتيتها ضمن دولة مستقلة حرة ذات سيادة، تقرر بنفسها شكل علاقاتها مع الدول الأخرى».. هذا هو ملخص التقرير الذي حسم قبل 37 عاما مصير البحرين كدولة عربية، وأنهى المطالب الإيرانية المتكررة (رسميا) بشأن فارسية الجزيرة البحرينية.
لكن من يصدق أن الرجل الذي أعلن رسميا عن عروبة البحرين وتأكيد سيادتها وهويتها مقابل المطالب الفارسية، يظل طي النسيان لعقود قاربت الأربعة، قبل أن يلتفت إليه كاتب بحريني ويذكر الأجيال به؟ إنه فيتوريو وينسبير جيوشياردي النبيل الإيطالي، سليل العائلات الأوروبية المالكة، الذي رأس فريق الأمم المتحدة الذي أرسل إلى البحرين لتقصي الحقائق والذي لم يعد أحد في المنطقة العربية، ناهيك عن البحرين، يتذكر اسمه – يستوي في ذلك العامة والخاصة، المخضرمون والشباب – ويكتفي كثيرون اليوم بالإشارة إلى منصبه وطبيعة مهامه من دون اسمه.
الكاتب البحريني المتخصص في الشؤون الآسيوية والعلاقات الدولية الدكتور عبد الله المدني، اصدر أخيرا كتابا تحت عنوان «فيتوريو وينسبير جيوشياردي ودوره في تأكيد سيادة وهوية البحرين»، كمحاولة من الكاتب لتوثيق سيرة هذا الرجل وإنجازه، خاصة «أن الكثيرين لا يتذكرون ذلك الإنجاز الذي قدمه، خصوصاً الأجيال الشابة، لذلك فقد اخترت أن أكتب تلك التفاصيل لتكون هدية للشعب وتأكيد سيادة البحرين على أراضيها».
وبالرغم من أن الكتاب كان هدفه، كما قال الكاتب، توثيق سيرة النبيل الإيطالي، إلا أن المؤلف لم يغفل كافة التفاصيل الأساسية التي صاحبت الاستفتاء الشهير الذي أجرته الأمم المتحدة لإنهاء الجدل الذي سببته الامبراطورية الإيرانية (في ذلك الوقت) في مطالبتها المستمرة بالبحرين. ويؤكد الكاتب هنا دور كل من الديبلوماسية السعودية والكويتية وأيضا المصرية في تأكيد عروبة البحرين أمام الأطماع الفارسية.
يقول المدني لـ «الشرق الأوسط»: إن مقصده من إعداد الكتاب هو إظهار الصورة المشرقة للديبلوماسية البحرينية والخليجية التي تضافرت جهودها في عام 1970 للتوصل إلى حل سلمي لمشكلة الادّعاءات الإيرانية في البحرين، بالإضافة إلى سعي الأمم المتحدة لنزع فتيل التوتر والوصول إلى حل ودي ساهم في التوصل إلى فكرة إرسال لجنة أممية لتقصي الحقائق. ويعتبر المدني أن هذا الكتاب وثيقة تاريخية تحمل التفاصيل والوقائع والتواريخ والأحداث وقراءة تقارير المنظمات الدولية. ويتوجب على كل بحريني وبحرينية أن يقرأوا هذا الكتاب، خصوصاً في هذه الأيام التي تثار فيها القضية البحرينية الإيرانية وكأنها قضية لم تحل منذ ثلاثة عقود.
ويشير الكتاب إلى أن النسيان الذي لقيه المسؤول الأممي لم يكن جحوداً مقصوداً، لكنه بالتأكيد إهمال وتقصير غير مبرر، تتحمل مسؤوليته جهات مختلفة، من بينها وزارة التربية والتعليم التي لا تتضمن مناهجها، سواء الإشارة العابرة لظروف استقلال البحرين أو تأكيد عروبتها من دون الخوض في التفاصيل والوقائع والأحداث التاريخية ذات الصلة بالموضوع، ومن بينها أيضاً الجهات المسؤولة عن إطلاق الأسماء على الشوارع والميادين العامة في مدن المملكة، والتي تبدو كريمة جداً مع شخصيات وبخيلة جداً مع شخصيات أخرى!
ويضيف المدني:«إن الأمم المتحضرة لا تنسى الشخصيات التي لعبت دوراً في منعطفاتها التاريخية، سواء أكانت تلك الشخصيات محلية أو أجنبية، حيث تكرّمها في حياتها أو من بعد مماتها، وتقيم لها التماثيل في الميادين العامة أو تطلق أسماءها على الشوارع، تكريماً واحتفاءً، لتحفر بذلك تاريخ الوطن ولحظاته الحاسمة في عقول الأجيال المتعاقبة من أبنائها. ولو أن شيئاً من هذا حدث في البحرين مبكراً، لما كنا اليوم بحاجة لتذكير أجيالنا الشابة بأنه في يوم الثامن والعشرين من مارس 1970، وافق أمين عام الأمم المتحدة «البورمي يوثانت» على تعيين السنيور «جيوشياردي» كمبعوث شخصي له للذهاب على رأس بعثة من موظفي المنظمة الدولية إلى البحرين، لتقصي الحقائق حول تطلعات ورغبات شعبها، وأنه في يوم الواحد والثلاثين من الشهر نفسه، وصل «جيوشياردي» إلى مطار البحرين وهو على رأس فريق عمل أممي من أربعة موظفين من الجنسيات الفرنسية والايرلندية والهندية والأردنية للقيام بمهمته النبيلة. وأنه في يوم التاسع عشر من شهر إبريل عام 1970، أنهى الرجل وفريقه مهمتهم المضنية والدقيقة، بعد أن جالوا بحرية في مدن البحرين وقراها، وقابلوا فعالياتها السياسية والتجارية والثقافية والمهنية وزاروا مقار أنديتها وجمعياتها ومؤسساتها المدنية، مسجلين بأمانة وشفافية كل ما رأوه وسمعوه واستطلعوه واستنتجوه، ليعود «جيوشياردي» إلى جنيف ومنها إلى نيويورك ليقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً تاريخياً يقول فيه «إن الأغلبية الساحقة من شعب البحرين ترغب في أن تنال الاعتراف بذاتيتها ضمن دولة مستقلة حرة ذات سيادة تقرر بنفسها شكل علاقاتها مع الدول الأخرى».
هذا التقرير الأمين الذي عرض لاحقاً على مجلس الأمن وأقره بالإجماع في الحادي عشر من شهر مايو 1970، خلال جلسة حضرها مندوبو الدول الكبرى الخمس والدول غير دائمة العضوية وممثلون عن كل من البحرين وإيران والدول العربية، ليصبح وثيقة دولية حاسمة وقطعية، تعمي عيون المشككين والطامعين بوهج دلالاتها ومضامينها... الأمر الذي لم تجد إيران معه إلا القبول بالوثيقة وإرسالها إلى جمعيتها الوطنية (مجلس شوراي ملي) ومجلس شيوخها (مجلس سينا) للمصادقة، وهو ما تم على التوالي في الرابع عشر والثامن عشر من شهر مايو 1970.
ويتحسر المدني أن جيوشياردي لم يعد اليوم بيننا لنحتفي به ونكرمه، فقد رحل في عام 1995، بعد أن قام بادوار ديبلوماسية نشطة لا تقل أهمية عن دوره في قضية البحرين، ومنها على وجه الخصوص دوره كمبعوث للأمم المتحدة في قضية تيمور الشرقية. غير أن الوقت لم يفت بعد لإطلاق اسمه على شارع أو ميدان في البحرين اعترافاً بجهوده، وتثمينا – ولو بشكل متأخر - لتقريره التاريخي الذي حسم إلى الأبد عروبة واستقلال بلادنا، وتذكيراً للأجيال الجديدة بمنعطف تاريخي كان فيه لذلك الرجل دور كبير لا ينكره إلا مكابر.
والكتاب من القطع المتوسط، ويبلغ عدد صفحات الجزء العربي منه 89 صفحة، فيما يبلغ عدد صفحات الجزء الانجليزي 85 صفحة. وقد قدم له وزير الخارجية الايطالي السنيور «ماسيمو داليما».
ويشير الكاتب إلى أن التقرير الذي كتبه جيوشياردي كان دقيقا وشاملا إلى الدرجة التي يصلح معها أن يكون مرجعا لأحوال البحرين السياسية والاقتصادية والديموغرافية والاجتماعية والثقافية والجغرافية في السبعينات. ومن اجل توضيح تفاصيل المشهد البحريني في أوائل السبعينات، اضطر جيوشياردي إلى إيراد 57 فقرة منفصلة في تقريره، إضافة إلى ملحق طويل بأسماء المجالس والدوائر والمنظمات والأندية والفرق الرياضية التي قابلها ليستطلع آراءها حول المهمة التي جاء من اجلها. ويمكن القول إنه من أكثر الفقرات التي تسترعي انتباه قارئ الكتاب، وجاء في الفقرة 57 التي بناء عليها تمت الموافقة بالإجماع في مجلس الأمن الدولي على رفض الادعاءات الفارسية حول السيادة على البحرين: «إن مشاوراتي أقنعتني بأن الأغلبية الساحقة لشعب البحرين ترغب في الاعتراف بهويتها ضمن دولة مستقلة تماما وذات سيادة وحرة في أن تقرر لنفسها شكل علاقاتها مع الدول الأخرى». ومن الفقرات المهمة الأخرى الفقرة رقم 45 ونصها» «لم تكن هناك تباينات طائفية حول النقطة موضوع البحث. فحتى رجال الدين من الطائفتين السنية والشيعية اتفقوا على رأي موحد. وممثلو إدارات الوقف الدينية التي تنظم على أساس الطائفة، رفعوا صوتا يعبر عن عدم وجود خلافات في الرأي، حتى في التفاصيل». ثم هناك الفقرة رقم 46 ونصها «لم يكن هناك أي تمايز مهم بين وجهات نظر السكان المتحدرين من المناطق الحضرية وأولئك المتحدرين من المناطق الريفية، على الرغم من وجود اختلاف بسيط في ما شددوا عليه، حيث بدا سكان الحواضر أكثر اهتماما ومعرفة بالمطالب الإيرانية وبالتالي أكثر صراحة في تطلعهم إلى حل، فيما كان تركيز ممثلي الجماعات الريفية بصورة كادت أن تكون حصرية على هويتهم العربية وعلى عروبة البحرين. ورغم أن هذا الأمر الأخير لم يكن موضوعا لأسئلتي، فانه بدا لقرويين كثر تعبيرا كافيا عن رغبتهم في استقلال البحرين كجزء من الأمة العربية».

ليست هناك تعليقات: