نبيل عودة
طرحت على راس جدول أعمال حكومة اسرائيل يوم الأحد ( 08 – 09 - 07 ) موضوع "الاخلاء والتعويض" ، والقصد ، اخلاء المستوطنين اليهود من الأراضي الفلسطينية المحتلة ( الضفة الغربية ) وتعويضهم . وكان رئيس الحكومة اولمرت قد قال في بداية جلسة الحكومة : " من اللائق ان نستعد لإخلاء يهودا والسامرة " – أي اخلاء الضفة الغربية .
لم يفاجئني هذا التصريح . إن المتتبع لمجرى العملية السياسية العامة في الشرق الأوسط ، يرى دلائل تشير الى دفع نحو ايجاد حلول تعيد الهدوء النسبي للشرق الأوسط .
هناك قضايا أكثر خطورة تشغل بال دول العالم قاطبة . ابقاء التوتر في الشرق الأوسط بات مؤشرا دوليا للمزيد من القلاقل والارهاب . وللمزيد من المتاعب والرعب لدول العالم المختلفة ، بما فيها اسرائيل ، رغم كل التصريحات العنترية ، ويكفي لإشارة على ذلك لتصريح ضابط اسرائيلي حذر من عدم استعداد الجيش لإمكانية مواجهة عسكرية مقبلة. وانا أعتقد ان ما يجري هو تغيير استراتيجي ليس لصالح اسرائيل ، من أهم ظواهر هذا التغيير عدم امكانية حسم أي حرب جديدة في الشرق الأوسط .. وأساسا بين اسرائيل وجاراتها العربيات . ومن المهازل ان هذا التغيير سيسجل عسكريا لحساب حزب الله.
ليس صدفة عقد المؤتمر الرباعي في سوريا بإشتراك أطراف تلعب أدوارا هامة في المفاوضات السورية الاسرائيلية . تصريحات الرئيس السوري الأخيرة مثيرة بقدر ما هي مفاجئة. وفيها تضارب معين . هل هو مقصود للتمويه على ما يجري وراء الكواليس ؟ المهم بات الأسد يرى امكانيات جادة للسلام . قال ان : " المفاوضات غير المباشرة فتحت الباب للسلام ". وقال أيضا : " المفاوضات مع اسرائيل تقرب السلام بين الدولتين". وكان الرئيس السوري قد أعلن أيضا ان : " سوريا نقلت لإسرائيل مسودة لإتفاق سلام" . وقال : " ان السلام ممكن خلال نصف سنة".
من جهة أخرى سمعنا وزير الدفاع الاسرائيلي يدلي بتصريح ، لقناة الجزيرة .. في نفس الإتجاه السياسي ، حول المسار الاسرائيلي الفلسطيني ، قال : " ان شرق القدس قد تكون عاصمة فلسطين".وأوضح ان الحديث عن أحياء عربية وقرى عربية تابعة لمدينة القدس . وهذا يذكرني باقتراح الرئيس الأمريكي السابق كلينتون في كامب ديفد بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الحكومة الاسرائيلية في وقته ايهود براك ( وزير الدفاع اليوم ) ، حين اقترح كلينتون ما هو عربي للفلسطينيين وما هو يهودي لإسرائيل.
ويبدو ان الطلب السوري الأساسي بمشاركة الولايات المتحدة في المفاوضات قد ظهرت ملامح الإستجابة له. اذ نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية ، ان الولايات المتحدة ستشارك عن طريق مراقب في المفاوضات السورية الاسرائيلية التي تجري بمبادرة فرنسا والرئيس ساركوزي شخصيا. وكانت سوريا تصر على مشاركة الأمريكيين ، من رؤيتها انه لا ضمانة لأي إتفاق لا تشارك فيه الولايات المتحدة. وقد تكون سوريا بذلك أنجزت مطلبا سياسيا تصر عليه في سياستها التفاوضية مع اسرائيل ، وهو عودة أمريكا التي تعتبرب مؤتمنة على تعهد رئيس الحكومة الاسرائيلي الأسبق يتسحاق رابين ، حول الانسحاب الكامل تقريبا من الجولان، ما عدا بضع عشرات من الأمتار تبقي سوريا بعيدة عن مياه بحيرة طبريا ، مما يجعل الحديث عن فرص اتفاق سوري اسرائيلي طرحا له فرص كبيرة .
ان ما يجري ، تشيرملامحه الى فض بؤر النزاع بمجملها في الشرق الأوسط . المهمة ليست سهلة ، ان عدم ايجاد حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين سيبقي الأبواب مشرعة أمام انفجارات جديدة في الشرق الأوسط. والطلب الفلسطيني كان واضحا : " ايجاد حل للمشكلة " من الواضح للكثيرين ، ان طرح عودة اللاجئين الى بلداتهم التي هجرو منها عام 1948 لم يعد الا مدخلا للمفاوضات . الموضوع المركزي سيكون ايجاد حلول انسانية داخل مناطق الدولة الفلسطينية العتيدة ، والموضوع ليس فك مخيمات اللاجئين في الدول العربية ونقلها الى الدولة الفلسطينية ، انما ايجاد حلول اقتصادية وسكنية وتأهيل وتعويضات وجمع شمل بحدود معينة ، وكل حل لا يعطي الأجوبة للواقع الاقتصادي وتطوير المرافق الاقتصادية والشبكات الخدماتية في دولة فلسطينية قادمة ، لن يجد أمامه الا تجدد الصراع واتساعه بمقاييس أكثر اتساعا وعنفا مما عرفناه حتى اليوم ..
تبقى ايران وتابعها اللبناني حزب الله . حتى اليوم تصريحات قادة النظام السوري تشير الى رفض فك الترابط مع حزب الله أو ايران، ولكننا نعلم ، ان المطلب السوري الأساسي يتعلق باعادة الجولان المحتل ، والجبهة العسكرية التي يفضلها السوريين في الضغط على اسرائيل ، هي الجبهة اللبنانية عبر الدور العسكري لحزب الله . بعد الجولان ينتهي دور حزب الله . وربما ينتهي الدور الايراني بمفهومه الاستراتيجي بالنسبة لسوريا في واقعها اليوم .
من المهم ان نؤكد ان سوريا لا يمكن ان تتخلى عن الدعم الايراني ، ودور حزب الله ، ما دامت الحلول المطروحة لم تتحول الى اتفاق واضح يعيد لسوريا كامل سيطرتها على الجولان السوري .ومشاركة تركيا في الوساطة ، لها أهمية عظمى للدول الثلاث ، اسرائيل وتركيا وسوريا، حيث يجري الحديث عن مد خط مياه من الأراضي التركية نحو اسرائيل عبر الأراضي السورية والجولان ، وسوريا لها مصلحة في مشروع من هذا النوع ، يفتح امامها حل مشكلة المياه في سوريا أيضا ، حيت يتحكم الأتراك بمصادر المياه التي تدخل الأراضي السورية. وليس سرا القول ان الحروب القادمة في الشرق الأوسط أو غيره ، قد تكون المياه هي المسبب الرئيسي لها.
فرنسا ، واوروبا عامة ، يقلقها استمرار الوضع المتوتر في الشرق الأوسط ، فشل المشروع الأمريكي في العراق ، يفتح أبوابا عقلانية أكثر ، خاصة مع تزايد خطر الارهاب الدولي الذي تغذى وانتشى بالتورط الأمريكي في العراق.
من جهة أخرى ، أمريكا تفقد دورها بصفتها شرطي العالم ، بعد الضربة التي وجهتها روسيا لجورجيا ، القاعدة الأمريكية في المفاهيم السياسية والأمنية أيضا ، بات من الصعب على الولايات المتحدة أن تتصرف كدولة شرطة دولية. روسيا تستعيد دورها الدولي . روسيا لها مصالح كونية تضررت بالهجوم الأمريكي على العراق ، وبإنفراد أمريكا في السيطرة والقرار، والتهديد لايران كما يبدو يشكل خطرا على مصالح روسية استراتيجية .
ان الرؤية ان روسيا تستعيد دور الاتحاد السوفييتي ، هو من باب التشبيه فقط ، روسيا دولة مختلفة تماما عن النظام السوفييتي ومصالحه الدولية والسياسية ، روسيا مصالحها قد تتصادم مع دول مختلفة ، تماما كما تتصادم مصالح أمريكا مع العديد من دول العالم .
القلق الذي يساور أوروربا من حريق جديد ضخم في الشرق الأوسط ، يجعلها تندفع بقوة في محاولة لإيجاد مخرج ، ، آمل لا يكون مجرد تسكين أوجاع ، أو إطفاء حرائق منعا لإنتشارها الأوسع . لأن الواقع المأزوم لن يمهل المتفائلين طويلا ، وسرعان ما سنرى ، اذا تعثرت المفاوضات السورية الاسرائيلية والفلسطينية الاسرائيلية ، نارا قد يكلف اشتعالها ثمنا مؤلما يمتد خارج مساحة الشرق الأوسط ، وهذا يعرفة ويعيشه كل المشاركين في الجهود لإخراج الشرق الأوسط من تاريخه الدموي الطويل ...
الأحد، سبتمبر 07، 2008
قضايا الشرق الأوسط المتفجرة.. هل من حل سحري في الأفق ؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق