السبت، سبتمبر 13، 2008

سجل أيها التاريخ..انها مجزرة العصر


د. صلاح عودة الله

"لا ننسى..و يدلنا الحنين لهم..و يذيعُ بهم الفخر فخرا..هم ألف اسم في الشهادة..خالد و نور..و أحمد..و جفرا..هم ألف اسم للسيادة..محمود و إبراهبم و سرور و خضرا..صبرا شاتيلا..شاتيلا صبرا..ما أصعب الموت غدرا..لا ننسى..من ينسى"؟

تمر علينا هذه الأيام الذكرى السادسة والعشرين لمجزرة صبرا وشاتيلا..ذكرى لا تمحوها الأيام ولا السنين ومهما طالت..مجزرة لم تجد الوحشية بين مفرداتها لها مكانا..ففي الخامس عشر من أيلول عام 1982 قامت القوات العسكرية الصهيونية بإجتياح العاصمة اللبنانية بيروت في أول محاولة لها لدخول عاصمة عربية وذلك منذ انتصاب الكيان الصهيوني عام 1948 وتمكنت هذه القوات من دخول بيروت الغربية.

ومنذ اليوم الأول لدخولها العاصمة أحكمت القوات الغازية الطوق على مخيمي صبرا وشاتيلا ومنعت الدخول إليهما والخروج منهما ولم تسمح حتى للصحفيين المحليين ومراسلي الصحافة العالمية بدخولهما وذلك لمدة ثلاثة أيام وهي المدة التي نفذت فيها المذابح والمجازر الجماعية داخل المخيمين وسط تعتيم شامل.


وفي الثامن عشر من أيلول فكت القوات الصهيونية الغازية الطوق عن المخيمين ليكشف عن مذبحة تقشعر لها الأبدان وتشكل منعطفاً خطيراً في تاريخ الحضارة الإنسانية في هذا العصر..ما حدث في صبرا وشاتيلا، كان من الفظاعة بحيث يكاد لايصدقه أي انسان : الآف الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين واللبنانيين من سكان هذين المخيمين يقتلون في مجزرة وحشية اشمأز لها العالم، وتسببت بأنهيارالحكومة الصهيونية التي كان يقف على رأسها الارهابي الصهيوني"مناحيم بيغن"، ولكن أيا من المجرمين الذين تولوا إصدار الأوامر أو تنفيذها لم يقدّم للمحاكمة بعد..!


في ذلك اليوم، وفي اليومين التاليين، كان من المؤكد أن هذه المجزرة كانت جزءاً من خطة مدبرة أعدها بأحكام وزير الدفاع الصهيوني أنذاك "آريئيل شارون" والذي ومنذ قرابة الثلاثة اعوام تم الاعلان عن موته سريريا, و"رفائيل ايتان" رئيس الاركان الصهيوني، ومجموعات من عملائهم من حزب الكتائب العميل والذي تعاون وباستمرار مع العدو الصهيوني، تجمعت افرادها ومعداتها في مطار بيروت الدولي إستعداداً لساعة الهجوم، وما أن أطبقت العتمة على المخيم ومحيطه حتى بدأت المذبحة البشعة التي ذهب ضحيتها ما يزيد عن3000 الآف من الضحايا بين الاطفال والنساء والشيوخ.

وبعد مضي اكثرمن ربع قرن على مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، تفضل الدولة العبرية تناسي تورطها في هذه الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات مسيحية متحالفة معها. وقال المستشرق ابراهام سيلا ان "كل شيء يجري وكأننا نريد اقصاء هذه المجزرة من الذاكرة الجماعية والتفكير باقل قدر ممكن بمسؤولية الجيش" فيها. واضاف "امر مدهش ان يكون ارييل شارون"وزير الدفاع آنذاك" عين عام 2001 رئيسًا للوزراء وحظي فيما بعد بشعبية كبيرة، بعد ان وجهت لجنة تحقيق رسمية اصابع الاتهام اليه بشكل جدي..مات "شارون" سريريا ولم يفارق الحياة الى الان..انه العذاب الأكبر..فالمجزرة ما زالت تسيطر على احلامه ولن يهدأ باله أبدا..!

صبرا وشاتيلا، أصبحت في نظر الضمير الانساني ذكرى مؤلمة إنتهكت فيها جميع الاعراف والموائيق الدولية التي تضمن للإنسان سلامته وأمنه، حيث لم يكتفوا بالقتل، بل تعدوه إلى التنكيل بالجثث وتشويهها..كيف لا وهم مصاصو دماء الأبرياء ولم يتعلموا من التاريخ لأنه لا تاريخ لهم..حتى فاقد العقل يعلم أنها الذكرى السابعة لـتفجيرات11 سبتمبرعام 2001, ونعلم أن البرجين سقطا ومات2973 شخصاً تحت أنقاض هذين البرجين, والإعلام العربي والمعروف بالتبعية الغربية اسهب في هذه الذكرى وأحياها بأسى وحزن, بل ان بعض المذيعين العرب"اصحاب النخوة العربية" كادوا أن يبكوا وهم يعرضون البرامج الوثائقية لهذه الحادثة, وهي الحادثة الأكبر لأمريكا بعد حروبها الأهلية اذا استثنينا مذابحهم بالهنود الحمر "لأنهم ليسوا أمريكيين حتى وإن كانوا هم أصحاب الأرض الأصليين" ولأن الأمريكيين لا يريدون أن يتذكروها, يجب علينا أن لا نتذكرها مثلهم.

الحادي عشر من سبتمبر هذا اليوم الذي يتذكره كل العالم ونحن العرب والمسلمون من ضمنهم, ويجب أن نتذكره جيداً لكي نجد تبريراً لحرب أمريكا على عراقنا ولبناننا وقتلنا بالجملة وامتهاننا في أبو غريب وجوانتناموا بكثرة..فنحن مسلمون, وحتى لو كان المتسببين فيها هم إرهابيين ومتعصبين فهم بالنهاية مسلمين وهذا سبب كافي لأمريكا..! وفي مثل هذه الأيام وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا, والذين استشهدوا في ذلك اليوم هم أكثر من الذين ماتوا في أبراج نيويورك, ولا يوجد فرق كبير بين الحادثتين في عدد الضحايا فعدد ضحايا 11 سبتمبر "أقل من ثلاثة ألآلاف" وضحايا صبرا وشاتيلا "أكثر من ثلاثة ألآلاف" ولكن الفرق أن أمريكا تعرضت للفاجعة مرة واحدة من مئات السنين أما نحن ففواجعنا و مذابحنا كثيرة ولا يمكن عدها وحصرها سجلها التاريخ في مدة لا تتجاوزالستة عقود.


وفي مذبحة صبرا وشاتيلا استخدمت فيها جميع الطرق الحيوانية والبربرية, استخدمت فيها السواطير والسكاكين وبقرت بطون الحوامل واغتصبت العذارى ودقت الصلبان على جثث الأطفال ومسحت كرامة الإنسان بالأرض وشاهد العالم ابشع الصور والمشاهد التي قامت بها الميليشيات المارونية بمساعدة وإشراف وحصار وأسلحة إسرائيل المحبة للسلام والكارهة للعنف..!

وعودة الى مذبحة العصر:

تمر الذكرى السادسة والعشرين على واحدة من أبشع الإبداعات في القتل والهمجية..على لوحة لم يستطع غبار الزمن إخفاءها ولم يستطع التاريخ طمس معالمها, رغم القهر..رغم المعاناة..رغم الألم مازالت صبرا وشاتيلا على قيد الحياة وها هي المجزرة رغم السنون مازالت شاهدة لم تستطع النسيان..مجزرة صبرا وشاتيلا.. الجرح النازف..جرح شعب مازال يجمع أشلاءه.. جرح أرض مازالت تأن وتصرخ كما هي الحال في دير ياسين والحرم الإبراهيمي..وصولاً إلى جنين وشفاعمرو.

بدأت هذه الجريمة تحت جنح الظلام، ولم تلبث أن انكشفت مع تمكن بعض المصابين من الفرار، لكن انكشافها لم يوقفها، ولم يحل دون مواصلة القتلة تنفيذ مجزرتهم الوحشية طوال ثلاثة أيام بإشراف وحماية ومشاركة قوات الاحتلال الصهيوني..لقد هزت هذه المذبحة في فظاعتها الضمير الإنساني والعالمي بمجرد نقل أجهزة الإعلام أخبار وصور ضحاياها إلى مختلف أنحاء العالم,وروعت هذه المأساة هؤلاء الناجين وتركت في نفوسهم ندوباً من الأسى الأليم، بعدما فقدوا كل شيء، خاصة إباءهم وأمهاتهم وأخوتهم وإخوانهم وأطفالهم وزوجاتهم وبيوتهم وصور الأحبة وأشياءهم الأليفة، ولم يتبق لهم من كل ذلك إلا غبار الشوارع وأنقاض المنازل المهدمة.. المذابح التي ارتكبت في مخيمي صبرا وشاتيلا ضد السكان العزل والمدنيين الأبرياء والتي فاقت ببشاعتها ما ارتكبه فقط الصهاينة من مجازر في دير ياسين وكفر قاسم وفي بحر البقرمكررة ما فعلته عصاباتها في أواخر الأربعينات عندما غضبت على الإنكليز في فلسطين وراحت تغتال جنودهم وقادتهم لتعلقهم بعدها على أشجار البرتقال.


عملية"ميونيخ": مجموعة من المقاومة الفلسطينية مكونة من ثمانية فدائيين تنفذ عملية حملت اسم " إقرت وكفر برعم"، وذلك عندما اقتحموا مقر البعثة الرياضية الإسرائيلية في القرية الاولمبية بمدينة ميونخ في الخامس من ايلول عام 1972 في ألمانيا الاتحادية أثناء دورة الألعاب الأولمبية, واحتجزوا تسعة من الرياضيين الإسرائيليين رهائن بعد أن قتلوا أثنين حاولا المقاومة, وكانت المحصلة النهائية مقتل 11 رياضي"اسرائيلي"..والمعلوم أن منظمة "أيلول الأسود"، بقيادة علي حسن سلامة، هي التي كانت قد خططت ونفذت العملية.. ومنذ ذلك الوقت، قررت المؤسسة الحاكمة في الكيان الصهيوني الانتقام..وفعلا قامت بقتل معظم من شارك في هذه العملية,وبذلك نجح العدو في تنفيذ عملية الانتقام, فهم لا ينسون فلماذا ننسى؟


لا ننسى..و يدلنا الحنين لهم..و يذيعُ بهم الفخر فخرا..هم ألف اسم في الشهادة..خالد و نور..وأحمد..وجفرا..هم ألف اسم للسيادة..محمود و إبراهبم و سرور و خضرا..برا شاتيلا..شاتيلا صبرا..ما أصعب الموت غدرا..لا ننسى..من ينسى؟فوارسنا..غزلاننا..و كيف ينكتبُ يا "محمد"..هذا الجمر نثراً و قهرا ؟لا أنسى..لا أنسى..صبرا شاتيلا..شاتيلا صبرا..!


سفاحون غدروا..سفاحون قتلوا..جثث مهترئة, تعرف فوراً أنهم عذبوا وسحلوا من مختلف الأعمار.. بعض الجثث بانت رؤوسها وكذلك أطرافها المهترئة المجرومة جلدها الأصفر الميت عن عظمها ولحمها والدم متجمد كأنه من هول ما رأى..! سفاحون "بشر", لا استطيع وصفهم بالحيوانات احتراما للحيوانات..إرتكبوا مذبحة العصر, فاجعة العصر.. تلك هي الجريمة البشعة التي أذهلت العالم, تلك هي فظاعة جريمة ارتكبت بحق بشر..!

هذه حكاية شعب كل ما اراده هو الحياة وكل ما حصل عليه هو الموت, ولكنه وبالرغم من كل ما مر به ما زال واقفا بعنفوان يتحدى وينتصر..بعدما غابت الحقيقة خلف الأفق كالشمس ولكن بلا عودة وبعدما كان كل مخيم وكل ساحة ملعب لتركيع وسفك دماء الشعب الفلسطيني أصبح من العار التخفي في تقاليد الجبن والرجعية. فها هي المجزرة تدخل عامها السادسة والعشرين بلا إسم..بلا عنوان..بلا قضية..محت أمواج الصمت الألوان ومات صدى الدماء في جوف الأرض..!

والى العدو الغاشم أقول ما قاله شاعرنا الفلسطيني الراحل راشد حسين:سنفهم الصخر ان لم يفهم البشر**ان الشعوب اذا هبت ستنتصر..ومهما صنعتم من النيران نخمدها**ألم تروا اننا من لفحها سمر..وان قضيتم على الثوار كلهم**تمرد الشيخ والعكاز والحجر..!

هذه المجزرة البشعة وغيرها من المجازر ارتكبها العدو الصهيوني بحق ابناء شعبنا الصامد المرابط..والسؤال الذي يطرح نفسه:ألا يكفينا ما يقوم به هذا العدو الغاشم الحاقد؟ هل كتب علينا أن نقوم بارتكاب مجازر ومذابح بحق بعضنا البعض؟ هل لم يعد الدم الفلسطيني خطا أحمر لا يمكن تجاوزه بين الاخوة الأعداء؟ألم نقم بتقديم هدية نفيسة وعلى طبق من ذهب الى العدو باقتتالنا الداخلي؟ألم يحن الوقت للصحوة ونقول كفى؟ ألا يجب علينا وفي هذه الظروف الحالكة التي نمر بها أن نقول لا للاقتتال الداخلي ونعم لاعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية؟ألم يحن الوقت لقطع الطريق في وجه من تسول له نفسه بالتلاعب بالثوابت الوطنية الفلسطينية وخاصة حق العودة واللاجئين والقدس؟هذه الأسئلة وغيرها الكثير اوجهها الى الاخوة المتصارعين..فهل من مجيب؟والى قوى اليسار الفلسطيني الذي فقد دوره أو يكاد أقول:حان الوقت لأن تلموا شملكم وتعودوا للعب الدور المطلوب منكم, فلا تكفينا التنديدات والنداءات والاعتصامات..ان دوركم أكبر بكثير فلا تخذلونا...!ولتكن ذكرى صبرا وشاتيلا هي من يعيد لنا لحمتنا الوطنية..والا سنندم حين لا ينفع الندم..! المجد والخلود لشهداء مخيمي الشرف"صبرا وشاتيلا" ولكل شهداء شعبنا البطل..والخزي والعار للأعداء ومن سار في فلكهم..في الذكرى السادسة والعشرين لمجزرة العصر..صبرا وشاتيلا..لن ننثني يا سنوات الجمر..واننا حتما لمنتصرون..!

-القدس المحتلة

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

الدكتور صلاح عودة الله المحترم: اقرأ لك كثيرا وأجدك جبهويا ملتزما؛ كما وأجدك مخدوعا مثلي بقوات السطو العرفاتي من عمان الى بيروت الى رام الله. العامل الاساس في حصول مجزرة صبرا وشاتيلا لا شارون ولا الكتائب. انمالذلك المتخاذل والناظر الى المجد الرخيص ذلك الذي ما زالوا يطلقون عليه القائد الرمز؛ انت وأنا وكل المخدوعين انه ليس رمزا بل عارا.اود ان ابسط لك الامور منذ 1970 وقادة الجبهات الشعبية والفصائل الاخرى يعلمون مد يد عرفات للصهاينة والاوروبيين للوصول الى تسوية هزيلة وكانت ايلول؛ وصمت قادة الفصائل مقابل السلامة بالبدن.وكان الاجتياح لتصفية القوة العسكرية الفلسطينية والخروج المذل مع رفع شارة النصر. وكانت الضربة الاقتصادية الجبارة ضد الشعب الفلسطيني في الشتات بعد اجتياح البطل الملهم صدام للكويت. اخي انت واخوانك رجال الوطن المخدوع افيقوا افيقوا.