راسم عبيدات
.......لقاءات مكثفة بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي"أولمرت"،والذي شارف على مغادرة الحياة السياسية،بعد أن تم انتخاب ضابطة الموساد السابقة "تسفي لفني خلفاً له،"وأولمرت" يحاول قدر المستطاع أن يستفيد من الوقت المستقطع المتبقي له قبل تقديم استقالته،من أجل مواصلة لقاءاته مع رئيس السلطة الفلسطينية،على أمل إقناعه بقبول المقترحات الإسرائيلية،والمتمثلة بتأجيل قضية القدس ورفض حق العودة وتبادل أراضي،ويأمل أن يمارس الرئيس الأمريكي جورج بوش،ضغوطه على الرئيس الفلسطيني في اللقاء الذي سيجمعهما في واشنطن في الخامس والعشرين من الشهر الجاري،من أجل قبول المقترحات الإسرائيلية،ورغم التسريبات التي قالها المبعوث الأوروبي "موراتينوس"،بأن الخلاف الفلسطيني – الإسرائيلي يتمحور حول 70 كم مربع فقط،فإن هذا لا يعكس حقائق ودقائق الأمور،فهناك إجماع بين كل ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي وعلى رأسه"تسفي ليفني"والتي ستخلف"أولمرت" في رئاسة الحكومة ترفض رفضاً قاطعاً حق العودة للاجئين الفلسطينيين،وحتى لا تعترف بمسؤولية إسرائيل السياسية والأخلاقية عن هذه المأساة،وترى أن حل هذه القضية ممكن فقط في أرضي عام 67،وكذلك حركة شاس الدينية،عبرت أكثر من مرة على لسان قادتها،أنها ستنسحب من الحكومة إذا ما طرح موضوع القدس على البحث،وكذلك ما تقوم به إسرائيل من إجراءات وممارسات في المدينة المقدسة،والتي كان آخرها منع السلطة الفلسطينية من ممارسة أي نشاط في القدس،يشير أن هناك قضايا جوهرية خلافية لم يجري الاتفاق عليها،وهي كفيلة بنسف وتفجير أي اتفاق،وهي تشكل جوهر البرنامج الوطني الفلسطيني،اللاجئين والقدس،والتي لا يستطيع أي زعيم أو قائد فلسطيني،أن يوقع اتفاق بدونها ،أو اتفاق يشرع التنازل أو التخلي عنها،فهذا بحد ذاته انتحار سياسي لهذا الزعيم والنهج الذي يمثله،وفي المقابل في إسرائيل، فالواضح جداً أنه حتى اللحظة الراهنة لا توجد قيادة سياسية ناضجة وقادرة على تقديم تنازلات جدية وحقيقية من أجل السلام،تنازلات تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية،وبالتالي فكل الأطراف إسرائيلية وفلسطينية وأمريكية في ورطة،وهي تريد في الوقت المستقطع المتبقي لها، أن تحقق ولو انجاز يحفظ لها ماء الوجه،ويدخلها التاريخ كصانعة انجازات،وليس خيبات أمل وحروب،بعد التطبيل والتزمير لمؤتمر أنابوليس للسلام،والذي كل الحقائق والوقائع تقول عنه "بأنه تمخض الجبل فولد فأراً،والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عبر عن ذلك بالقول،أن مؤتمر أنابوليس قد مات ولم يحقق أي شيء أو انجاز جوهري وحقيقي،على طريق تبريد الصراع وحله،بل الحقائق والوقائع تقول،بأنه من بعد مؤتمر أنابولس وحتى اللحظة الراهنة،تضاعف الاستيطان بعشرات المرات،وزادت إسرائيل من عدد الحواجز العسكرية،كما أن عمليات نهب ومصادرة الأراضي وتقطيع الأوصال زادت هي الأخرى.
"فإولمرت" المثقل بالفضائح والفساد والهزائم،يحاول قدر المستطاع ،أن يخرج من الحياة السياسية بإنجاز ما،وكذلك بوش الابن والذي ترسخت سمعته على المستوى الكوني،كأحد أكثر الرؤساء إثارة للحروب والمشاكل،وفي عهده منيت السياسة الأمريكية بفشل واسع وكبير،وهي لم تحقق بعد احتلال العراق وتدميره أية انجازات تذكر،بل تعمقت أزمة أمريكيا في الوحل العراقي،وفي لبنان مني حلفاءها بهزيمة قاسية،ونجح حزب الله في إجهاض مشروعها الشرق الأوسط الكبير،وسوريا التي حاولت عزلها ومحاصرة نظامها،نجح في كسر حلقات العزل الأمريكي وغدا قوة إقليمية لها دورها وشأنها في الدور الإقليمي،وإيران لم تذعن لعقوباتها المتعددة الأشكال والتسميات،ولم تتخلي عن برنامجها النووي وسعيها لتطوير قدراتها العسكرية بما فيها امتلاك أسلحة الدمار الشامل،أما في فلسطين فلم ينجح الحصار الظالم في كسر إرادة الشعب الفلسطيني واستسلامه للشروط والاملاءات الإسرائيلية والأمريكية.
والرئيس الفلسطيني عباس،والذي أكد على أن خيار المفاوضات،هو خيار استراتيجي للشعب الفلسطيني،بات يدرك تماماً،أن هذا النهج يصطدم بالتعنت الإسرائيلي والانحياز الأمريكي،وقد عبر عن امتعاضه وإحباطه من ذلك أكثر من مرة،وهو يدرك أن فشل هذا الخيار والنهج،يعني انتصار لنهج الطرف الآخر في المعادلة الفلسطينية.
إن التوصل لاتفاق رف أو إعلان مبادئ، يعني ترك الأمور على ما هي عليه،بل وربما أسوء من عدم الاتفاق،فاتفاق الرف هو لحفظ ماء الوجه فقط،ولإظهار أن نهج المفاوضات قد يثمر عن شيء،فاتفاق الرف عدا عن كونه لا يحمل صفة الإلزام والتنفيذ،فكل طرف سيحاول أن يفسره وفق رؤيته ورغباته،والاجتهادات والخلافات حول تلك النصوص والبنود،تجعل مثل هذا الاتفاق لا يساوي قيمة الحبر الذي يكتب به،ناهيك أن كل الأطراف المشاركة في التوصل إليه،لا تمتلك القدرة على تنفيذه أو ترجمته،فهي في الوقت المستقطع من حياتها السياسة،وبالتالي سيرحل هذا الاتفاق إلى الحكومات القادمة،والتي تبدأ الدورة من المربع الأول،الإدارة الأمريكية الجديدة بحاجة لوقت لدراسة المقترحات وبنود اتفاق الرف هذه،والحكومة الإسرائيلية الجديدة تعاني من عدم استقرار وغير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة وذات طابع استراتيجي،والرئيس الفلسطيني عباس يصل نهاية ولايته في بداية العام القادم،وحتى لو تم التمديد لولايته حتى عام 2010،فهو غير قادر على تسويق مثل هذا الاتفاق،فعدا عن ما سيثار حوله من عدم الشرعية،فالمجلس التشريعي الذي تسيطر عليه حماس سيرفض التصديق على هذا الاتفاق،وحتى لو طرح الاتفاق للاستفتاء العام،فحكومة رام الله غير قادرة على إجراءه في غزة.
واضح جداً ومن خلال ما طرحته أن عملية السلام بالآلية والشكل الحاليين،قد وصلت إلى نهايتها،وهي في حالة من الموت السريري،ولن تنجح كل عمليات الإنعاش في إحيائها،ولا بد من إخراجها من إطار الرعاية الأمريكية وإعادتها إلى إطار الرعاية الدولية ووفق قرارات الشرعية الدولية،فأمريكيا بانحيازها وحمايتها لإسرائيل،لن تستطيع انجاز اتفاق سلام،يلبي الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة الفلسطينية،وهناك لحلحة على هذا الصعيد التحركات الفرنسية الأخيرة(القمة الرباعية في دمشق)،والتلميحات بشأن تغير مبعوث الرباعية"طوني بلير"،باعتباره منحاز لإسرائيل.
ولعل الهزيمة الأمريكية الأخيرة في الحرب الروسية الجورجية،وما يصاحبها من حراك على صعيد أفول نظام القطبية الواحد،يجعلنا متيقنين بأنه لا تلوح في الأفق أية حلول للصراع العربي –الإسرائيلي.بل أقصى ما يمكن انجازه إعلان مبادئ أو اتفاق رف غير ملزمين،يعقدان الأمور ويصعبانها،بدل الحلول التي تصمد على أرض الواقع طويلاً،وتلبي ولو الحدود الدنيا من الحقوق الفلسطينية.
الخميس، سبتمبر 18، 2008
رغم الصخب والتسريبات الإعلامية لا اتفاق في الوقت المستقطع
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق