السبت، سبتمبر 06، 2008

ما هكذا تورد الابل يا سيادة الرئيس..؟

د. صلاح عودة الله

مرة اخرى يطل فيها علينا السيد محمود عباس بتصريحات لا قيمة لها ولا معنى..من المعروف بأن حق العودة هو حق مقدس كقدسية الأديان, فالعودة حق والحق هو العودة..وما صرح به أولمرت في الفترة الأخيرة بأن حكومته مستعدة لارجاع نحو عشرين الف لاجىء توجب الضرورة اعادتهم وعلى مدار عشرة اعوام, ما هو الا استخفاف بحقنا هذا والهدف من تصريحه هذا هو القول:لا وجود لمثل هذا الحق. اننا نستهجن ونستنكرالتصريحات التي صدرت عن السيد الرئيس أبو مازن بخصوص حق العودة والتي أكد فيها: "أنه لا يستطيع أن يطالب بعودة ملايين اللاجئين ويبحث مع إسرائيل تفاصيل عدد العائدين".

إن هذه التصريحات تعبرعن عدم التزام الرئيس بقرارات الإجماع الوطني والشرعية الفلسطينية والشرعية الدولية، ومحاولة متسرعة وغير مشروعة للقفز عن الحقوق والثوابت الفلسطينية..ان مثل هذه التصريحات تعتبرضارة بالمصالح الوطنية العليا لشعبنا، وأنها لا تعبر عن مواقف وسياسات المنظمة والتي تحددها سياسة الإجماع الوطني والبرنامج الوطني وتشكل انتهاكاً صارخاً لآمال وتطلعات شعبنا المشروعة في الاستقلال الناجز والعودة وتمسكه بحقه في الصمود والمقاومة، وندعوالسيد محمود عباس بالالتزام بالثوابت والمصالح الوطنية لشعبنا وخياراته في الصمود والمقاومة. ان تصريحات أبو مازن هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وهنا أستذكرما صرح به بعد تعيينه رئيساً لوزراء السلطة الفلسطينية وأثناء عهد الراحل ابو عمار وفي تشرين الثاني من عام 2002م، حينها طلع علينا أبو مازن بتصريحٍ لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية يتّهم فيه أهل فلسطين التي احتُلّت عام 1948م بأنّهم أفشلوا الانتفـاضـة، وأنّهم كانوا السـبـب في إسـقـاط حقّ العودة، وكانوا السبب أيضاً في مقتل الشهداء الذين سـقـطـوا في "هبّة القدس والأقصى" في تشرين الأول عام 2000م, وأنّهم السبب في تأخير إقـامـة دولةٍ فلسـطـينية من خلال إصرارهم على حقّ العودة...فكان أن قام أهل فلسطين بـإصـدار بيانٍ يردّون فيه على أبي مازن جاء فيه:
نحن لا نلوم أحداً في ضائقة، والأخ محمود عباس في ضائقةٍ كبيرة، والأنكى من ذلك أنّه لا يريد أن يعترف أنّ إسقاطات أوسلو التي هندسها مع شمعون بيريز هي التي أسقطت شعبنا في الحفرة، وأسقطت حقّ اللاجئين في العودة، وهي التي قطّعت أوصال شعبنا الفلسطيني إلى شعوب وقبائل عدة..وجاء في بيان الرد على أبي مازن عدة نقاط أبرزها:
- إنّ التنكّر لحقّنا المشروع في التعبير عن الرأي جريمةٌ سياسيةٌ وأخلاقية.
- إنّ تصريحات أبي مازن في هذا الوقت بالذات تضرُّ ضرراً بالغاً بقضية الشهداء وتعطي لجنة "أور" الضوء الأخضر والمصداقية والغطاء لإدانتنا.
- انّ تصريحات أبي مازن تُسقط حقّنا في الوجود فوق تراب الوطن، وتعطي إسرائيل حقّ طردنا من هذا البلد. - انّ انتماءنا لبلدنا ليس منّةً من أحد، لذا فلن يستطيع أحدٌ سلبنا هذا الانتماء. - هناك من يجهل الجغرافيا والتاريخ، لكن قد يجهل الإنسان أشياء كثيرة، أمّا أن يجهل فصيلة دمه فهذا ما لا نفهمه..!
ان هذه الأفكار والتصريحات هي وليدة اتفاقية أوسلو المشؤومة,فعندما أطلت أوسلو برأسها، استبشر الناس البسطاء خيراً..تصوروا أن العدو الذي أقام كيانه على أشلائهم، والذي استقى ماء الحياة من دماء مماتهم، قد تاب وآب إلى الطريق الصواب، وأقر بخطئه، وكفر عن ذنوبه، وسلم بأحقية الشعب الفلسطيني في أرضه، واكتفي بما التهم منها ما التهم.

ولكن سرعان ما انكشف هذا الوهم، وحلّ مكانه إحباط وخيبة أمل، بل وموجة من اليأس غمرت من لم يحمه إيمانه..لكن الشعوب تهضم هذه الصدمات، ثم تتمخض عن تجديد للعزم، وتجميع للصفوف، وإعادة للهيكلة، ثم المضي بعزم جديد وفكر جديد..ان من يحاول المقارنة بين حالنا في عام 1994 وحالنا اليوم، ويجد هذا الطوفان من المشاعر والمظاهر الوطنية في التعبير عن حق العودة، ستدهشه هذه القوة الكامنة في الشعب، ولكنه لا يستغرب وجودها فيه، وقد صبر مائة عام وهو مجاهد أو مكافحٌ أو صابر. لم يحدث في التاريخ المعاصرسابقة لأقلية أجنبية تغزو الغالبية الوطنية وتطردها من ديارها، وتمسح آثارها الطبيعية والثقافية، بدعم مادي وسياسي وعسكري من الخارج، وتدعى أن هذا نصروتحقيق لارادة الهية مثلما حدث في فلسطين..ولم يحدث ان اقيمت دولة على أرض لا تملك الا 8 % منها والتي تحولت الى دولة, كما حدث في"اسرائيل"..ولم يحدث ان يفقد شعب كامل حقه في اقامة دولة على أرض يملك منها 92 % مثلما حدث في فلسطين أيضا.
هذه هي " النكبة " إذن..هي تمزيق وشائج الشعب بأرضه، و نزع الطفل من أحضان أمه..هي فصل الشعب الفلسطيني عن أرضه، وإصدار الحكم بالإبادة الجغرافية..لكن الشعب الفلسطيني بقي متماسكاً صابراً مثابراً، خرج من غبار حروب ومعارك وغارات، شهد سقوط أنظمة وإزالة عروش واغتيال زعماء من أجل قضيته، وبقيت وحدة القرية فيه متماسكة قوية بفضل الترابط الأسري القوي، وبقيت عزيمته ثابتة بالعودة إلى الوطن: مسقط الرأس ومثوى الجدود ومسرح التاريخ، ذاك الوطن بأصغر معانيه: دار أو بئر أو تل أو جامع أو مزار أو أثر قديم..! من الأخطاء الشائعة أنه يحق للاجئين العودة أو التعويض وليس العودة والتعويض معاً.

وربما كان السبب في هذا الخطأ الشائع سلالة الشعار: "العودة أو التعويض". والواقع أنه يحق لكل اللاجئين العودة سواء مارسوها أم لا، دون اعتبار للتاريخ الذي يقررون فيه ممارسة العودة. وكذلك يحق التعويض لكل اللاجئين، ولكن الفرق في قيمته يتوقف على مدة الخسارة والضرر، وهذه بالطبع تكون أكبر إذا تخلى بعضهم عن أملاكهم غير المنقولة، لو تخلى بعضهم عن أملاكهم غير المنقولة، وقرر عدم العودة. وحتى في هذه الحالة فإن تلك الأملاك غير المنقولة لو تخلى عنها صاحبها، يجب أن تعود إلى الشعب الفلسطيني أو أحد أفراده، فالأوطان لا تباع. والتعويض ليس ثمناً للوطن لكنه تعويض عن الضرر والمعاناة، أما الأرض فتبقى ملكاً دائماً لصاحبها والشعب الفلسطيني. ومبدأ التعويض يقوم على القانون الدولي الذي يلزم الدولة التي تنتهك حقوق الملكية أو حقوق الأفراد الأخرى بإرجاع الحال إلى ما كان عليه قبل ارتكاب تلك الأعمال غير الشرعية،

وعلى تلك الدولة أن تزيل كل الآثار الناتجة عن ذلك، وأعادتها إلى الوضع الذي كانت عليه، أو يحتمل أنها كانت عليه، وإذا استحال ذلك فإن للمتضرر الحق في التعويض المادي عن ذلك بقيمة تساوي إصلاح الضرر أو إرجاع الحال كما كانت عليه. إننا نتمنى على سيادة الرئيس محمود عباس أن يقلع ثوبه الفصائلي ويلبس ثوب فلسطين ليكون رئيساً لكل الفلسطينيين بكامل ألوانهم وعقائدهم وانتمائم الفصائلي أو السياسي، شرط أساسي لإشغال هذا المنصب، وأن يتصرف بالحكمة والرويّة ليكون مقره الرسمي بيت فلسطين، توَزع منه العدالة والمساواة والمشورة وتخرج منه القرارات الوفاقية الحكيمة.. وعليه اختيار نخبة من المستشارين والمستقلين السياسيين والتقنوقراطيين، ذوي الشفافية والمصداقية والحنكة السياسية، وأن يتفرغ المحيطون به اليوم من المنتسبين إلى فتح العظيمة بتاريخ نضالها، والعملاقة بمناضليها إلى تصريف شؤون الحركة وإدارتها، إن رأت ذلك قواعدها الشعبية المناضلة. اننا لن نتنازل عن فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر ومن رفح جنوبا حتى رأس الناقورة في الشمال.. مؤكدين أن أرض فلسطين ارض عربية لا يمكن لأي فلسطيني او عربي او مسلم أن يتنازل عنها مهما طال الزمن..نحن لا نفهم سوى ان فلسطين فلسطين وان السيادة تعني سيادة عربية فلسطينية على كل شبر من اراضي فلسطين التاريخية..

ففلسطين لا تقبل القسمة على اثنين هنا, فاما ان تكون محتلة واما ان تكون تحت السيادة العربية الفلسطينية..ونحن لسنا في عجلة من أمرنا وتحرير فلسطين إذا لم يحققه هذا الجيل يمكن أن يحققه الجيل القادم. ومن هنا نطالب حركتي فتح وحماس بوقف فوري للاعتقالات المتبادلة بينهما لأنها ستؤدي الى اقتتال داخلي جديد..إن هذه الاعتقالات تؤكد أن سلطتي غزة ورام الله قد تجاوزتا الخطوط الحمراء في التطاول على الحريات العامة والتعددية السياسية والعلاقات الوطنية الفلسطينية،ونؤكد بأن هذه الإجراءات والممارسات لا تخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي، وأنها ستحرف النضال الوطني الفلسطيني عن هدفه الحقيقي في مقاومة الاحتلال.

وقبل ان انهي مقالي اريد ان اذكر الاخوة القراء بأن الراحل ابو عمار وان اختلف البعض معه في الكثير من القضايا الا انه كان عنيدا في موقفه في محادثات كامب ديفيد الاخيرة: ياسر عرفات قبل أن يُصفى جسديا كان هناك مؤامرة لتصفيته سياسيا وعُمِل على تصفيته سياسيا ثمنا لموقفه في كامب ديفد حيث رفض أن يتنازل عن القدس وعن الأقصى وعن اللاجئين وعندما ضغط عليه كلينتون وضغطت عليه الإدارة الأميركية أصر على موقفه ورفض بعناد وإصرار وكان شامخا في موقفه مما جعل الإدارة الأميركية أن تهدده بالقتل وقال له كلينتون أن طائرتك نحن لن نتكفل بحمايتها عندما تغادر الولايات المتحدة وقال له أنا وقعت طائرتي في العام 1992 ولم أمت وعندما يأتي أجلي سأموت، فقال له تينيت مدير المخابرات المركزية كيف تخاطب رئيس الولايات المتحدة بهذه الطريقة؟ ألا تعلم أننا نعين حكاما ونزيل دول، قال أعرف ولكن أدعوكم جميعا أن تمشوا في جنازتي لأني لو وقعت على القدس وعلى حق العودة للاجئين إلى أرضهم في فلسطين أول من سيطلق عليّ الرصاص أخي فأنا لن أوقع وأؤخذ قرار بتصفيته سياسيا، فأعلنت الإدارة الأميركية أن عرفات شخص غير مرغوب فيه ولا يمكن التعامل معه ويجب إيجاد قيادة بديلة..فهل يتعلم ابو مازن ورئيس حكومته سلام فياض الدرس؟

ومن المعروف ان فياض احد اكبر الداعين للتنازل عن حق العودة وتبديله بحق التعويض الجزئي بحجة سخيفة وهي ان تطبيقه مستحيل ومر عليه قرابة ال60 عاما...فعلا, لقد صدق الامام الشافعي رحمه الله حينما قال:يعيب الناس كلهم الزمانا**وما لزماننا عيب سوانا/نعيب زماننا والعيب فينا**ولو نطق الزمان بنا هجانا/وليس الذئب يأكل لحم ذئب**ويأكل بعضنا بعضا عيانا..! وما تبقى هو القول ان المسألة الكبرى المطروحة على ابناء شعبنا الفلسطيني تتمثل في العودة السريعة من أجل تجاوز الأزمات الداخلية المترتبة على ما جرى أخيرًا من انقسام مدمر بعد أحداث غزة، والسير على طريق إعادة اللحمة، وتغليب التناقض الرئيسي مع الاحتلال على أي تناقض أو تباين ثانوي.
-القدس المحتلة

ليست هناك تعليقات: