الأحد، سبتمبر 14، 2008

امرأة تغني وامرأة تفقر

د. عبدالله المدني

لا موجب لشرح عنوان المقال ، فهو عبارة شائعة في الخليج تقال في معرض الإشارة إلى الرجال الذين تقودهم حظوظهم إلى الاقتران بنساء أثرياء أو من ذوات النفوذ والمكانة، فيكون ذلك سببا في ارتقائهم سلالم المجد والشهرة والثراء والنفوذ، أو تقال في معرض من تقودهم حظوظهم إلى العكس تماما فيكون نصيبهم أيضا العكس. أما مناسبة التطرق إلى هذه المقولة فهو ما جرى مؤخرا في باكستان، ونعني به تنصيب السيد آصف علي زرداري، الذي لا يملك من المؤهلات سوى أنه أرمل رئيسة الحكومة السابقة و زعيمة حزب الشعب الباكستاني بي نظير بوتو، رئيسا على البلاد بدءا من التاسع من سبتمبر/ أيلول الجاري خلفا للجنرال برويز مشرف الذي اجبر على الاستقالة.

شخصية مثيرة للجدل

وسوف يسجل التاريخ أن النواب المنتخبين في باكستان سواء من أعضاء البرلمان الفيدرالي أو من أعضاء الجمعيات التشريعية في الأقاليم الباكستانية الاربعة، والمؤتمنين على مصالح الشعب ومقدرات الوطن، أضاعوا لأسباب قبلية وجهوية وحزبية أو لمصالح فئوية و إقطاعية خاصة، فرصة انتخاب شخصية أكاديمية مرموقة ومحلل استراتيجي لا يشق له غبار كالدكتور مشاهد حسين لقيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة والمضطربة ، رغم قرب الأخير من دوائر حزب الشعب الباكستاني، وخدمته كوزير للإعلام في حكومات سابقة شكلتها الراحلة بي نظير بوتو، وعلاقاته بدوائر صنع القرار في العواصم الكبرى، ملقين بدلا من ذلك بثقلهم خلف منافسه زرداري: الشخصية المثيرة للجدل و الذي يعرف القاصي والداني في باكستان وخارجها سيرته المليئة بصور الفساد والملاحقات القضائية وقصص الاحتيال والتهريب وتبييض الأموال والابتزاز، إلى الدرجة التي ألصقت به تسمية "السيد عشرة بالمائة" كناية عن اقتطاعه نسبة 10 بالمئة من الصفقات الحكومية لصالح جيبه الخاص أثناء وجود زوجته في السلطة.

وقبل أن يتدخل الرقيب – إن وجد – لحذف ما قلناه أو ما سنقوله لاحقا عن الرجل بحجة أنه مس بزعيم دولة إسلامية صديقة، لا بد من الإشارة إلى أن هذا هو ما يتداوله الباكستانيون أنفسهم وما ينشره إعلامهم وصحفهم التي باتت أكثر جرأة من ذي قبل في تناول الشأن المحلي وتحليله، بل أن ما سنقوله لا يشكل حتى عشر ما قيل فيه، وبالتالي فلا موجب لنكون ملكيين أكثر من الملك.

كيف تم انتخاب زرداري

فإذا ما بدأنا بالطريقة التي تم فيها انتخاب زرداري في البرلمان الفيدرالي، نجد انه استفاد كثيرا من الأغلبية البسيطة التي يتمتع بها حزب الشعب في هذا البرلمان والناجمة عن انتخابات فبراير/ شباط 2008 النيابية أو ما وصف بأنظف وأنزه انتخابات أجريت في البلاد رغم حدوثها في ظل نظام مشرف عسكري. هذه الانتخابات التي لعبت فيها العواطف الشعبية الملتهبة المتأتية من الحسرة على رحيل السيدة بي نظير بوتو غيلة، فكان أن انعكس ذلك أيضا في عملية التصويت لصالح أرملها يوم الثامن من سبتمبر، حيث حصل الأخير على 281 من اصل426 صوتا. أما في المجلس التشريعي لإقليم السند، فانه نال كل الأصوات والبالغة 62 صوتا، على اعتبار أنه ابن السند وأرمل ابنة إحدى اكبر عائلاتها الإقطاعية (عائلة بوتو)، وفي إقليم الحدود الشمالية الغربية المتاخم لأفغانستان، وتحت وقع التفجيرات وأصوات القنابل صوت 107 من اصل 124 نائبا من أعضاء المجلس التشريعي لصالح زرداري. وأخيرا فان 59 من أعضاء المجلس التشريعي لإقليم بلوشستان صوتوا لمصلحة الرجل مقابل امتناع ستة نواب. والحال أن ما نريد قوله هو أن كل الجهات المنتخبة و المؤتمنة على مستقبل باكستان ساهمت بقدر ما وعن سابق إصرار وترصد على الإتيان بزرداري كرئيس للبلاد في مرحلة ربما كانت الأدق والأخطر سياسيا وامنيا واقتصاديا منذ نشؤ الكيان الباكستاني، إذا ما استبعدنا فترة حرب البنغال وانفصال الجناح الشرقي.


زواج بوتو - زرداري التقليدي

لعل أكثر الأمور صعوبة لشخصية مثل الراحلة بي نظير بوتو، عاشت في الغرب ودرست في أرقى واشهر جامعاته ونالت منها أعلى الشهادات الأكاديمية أن تعود إلى باكستان لتتزوج زواجا تقليديا، لكن حتى هذا الزواج التقليدي كان صعبا وبحاجة إلى جرأة غير اعتيادية. فمن ذا الذي كانت لديه الجرأة على طلب يد الابنة البكر لذولفقار علي بوتو، سيد إقليم السند وسليل أسرة السير شاه نواز بوتو رئيس حكومة إحدى الإمارات الهندية في حقبة ما قبل الاستقلال عن التاج البريطاني، وابنة السيدة بيغوم نصرت بوتو المنحدرة من أصول إيرانية كردية نبيلة. وحده آصف علي زرداري الذي لم تكن طموحاته في الزعامة والثراء والسلطة تعرف حدودا عرف كيف يغزو قلب جميلة جميلات باكستان، وعرف أي باب يطرق. فبي نظير كانت وقتها تتأهب لاستلام السلطة في بلدها بعد مقتل الدكتاتور ضياء الحق في حادثة الطائرة المعروفة، وكانت عزوبيتها تشكل أرقا لها، على اعتبار أن المجتمعات الإسلامية مثل المجتمع الباكستاني لا تنظر باحترام وجدية ووقار إلا للسيدات المتزوجات، أما العانسات فلسن سوى مادة مغرية للقيل والقال. وفي هذا السياق تقول بي نظير في احد ردودها الصحفية في عام 1987 على سؤال حول قبولها بالزواج التقليدي أي غير الناشيء عن علاقة عاطفية سابقة: " لقد قالوا لي على الدوام أن الحب يأتي بعد الزواج، بمعنى أن هناك التزام باطني ينشأ نحو الرجل الذي نقترن به، وهذا الالتزام يقوى مع مرور الوقت حتى يصير جزءا من كيانك وشخصيتك".

وفي ردها حول الموضوع نفسه على سؤال من مراسلة النيويورك تايمز: " في المجتمعات المسلمة لا يسمح للمرأة الالتقاء بزوج المستقبل قبل الاقتران، لكني أرى نفسي محظوظة لأني التقيت به قبل أيام ووجدته لطيفا يحب النكتة وشخصية متسامحة وقادرة على تفهم واجبات ومسئوليات زوجته كزعيمة للبلاد.

خروج بوتو الأول من السلطة

والحال أن بي نظير قبلت بعرض الزواج الذي قدم لها عبر والدتها نصرت قبل أيام قليلة من نجاح حزبها في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 1988 النيابية وتعيينها في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه على رأس حكومة ائتلافية ، وهي الحكومة التي سقطت في عام 1990 على وقع اتهامات بالفساد ساقها خصمها السياسي البنجابي نواز شريف ( احد المقربين من الجنرال ضياء الحق).

في الانتخابات التالية التي أجريت في أكتوبر / تشرين الأول 1990 فاز نواز شريف بالسلطة فيما انتقلت بي نظير إلى كراسي المعارضة، لكن الأخيرة استطاعت أن تعود بقوة إلى السلطة في الانتخابات النيابية التالية في أكتوبر/ تشرين الأول 1993 و أن تستمر في الحكم إلى عام 1996 أي إلى قيام رئيس الجمهورية وقتذاك فاروق ليغاري بإقصاء بي نظير على خلفية مجموعة من التهم بالفساد التي ساقتها عائلات إقطاعية وشخصيات نخبوية بنجابية. حيث أجرى الرجل تعديلات باللغة الإنجليزية على الدستور الباكستاني، الأمر الذي منحه حق طرد رئيس الوزراء. ولعل ما ساهم هنا في إزاحة بي نظير بسهولة قيام شخصيات باكستانية محافظة بالانضمام إلى الحملة ضدها تحت يافطة فشلها في إدارة البلاد ورغبتها في تغريب وعلمنة باكستان.

بدايات تورطه في الفساد

فيما خص بدايات تورط الرئيس زرداري في الفساد، فإنها كما هو معروف في باكستان وخارجها تعود إلى العام 1990 حينما القي القبض عليه وحوكم قضائيا بتهمة ابتزاز رجل الأعمال الباكستاني مرتضى بخاري. غير أن وصول زوجته إلى السلطة مجددا في عام 1993 أتاح له ليس الخروج من المعتقل فقط، بل وأيضا الترشح للانتخابات التشريعية لإقليم السند والفوز فيها بمقعد، وهو ما ساعده على دخول حكومة زوجته كوزير للبيئة ما بين عامي 1993 و 1996 . وفي هذا السياق قيل أن زرداري كان يرغب وقتها في شغل حقيبة وزارية أكثر أهمية ونفوذا من حقيبة البيئة مثل حقيبة المالية، لكن عقيلته أرادت أن تجربه أولا في منصب لا علاقة له بالإيرادات المالية للبلاد، وهو ما يدعونا إلى القول إلى أن بي نظير نفسها كانت لا تنظر إليه بمصداقية. إضافة إلى ما سبق قضى الرجل سنوات أخرى طويلة ما بين 1997 و 2004 في المعتقل بتهم تتراوح ما بين الفساد والقتل. وحينما اخلي سبيله في عام 2004 فان ذلك كان تحت ضغوط شعبية وسياسية وبكفالة مالية وبشروط منها الوقوف أمام إحدى المحاكم في كراتشي في ديسمبر/ كانون الأول 2004 للاستماع إلى أقواله، وهو ما لم يلتزم به زرداري فأعيد اعتقاله.

تورطه في سويسرا

في يوليو/تموز 1998 قدمت السلطات السويسرية لنظيرتها الباكستانية مستندات تدين السيدة بوتو وزوجها بتبييض الأموال من خلال المصارف السويسرية، الأمر الذي شجع حكومة إسلام أموال على الاستمرار في جهودها الرامية وقتذاك لاسترداد نحو 14 بليون دولار وضعتها بوتو و زوجها في إحدى المصارف السويسرية ثم تم تجميدها بطلب من السلطات السويسرية. وبطبيعة الحال كذب حزب الشعب الباكستاني هذه الأنباء ووصفها بالمكائد السياسية الرامية لتشويه صورته وصورة زعمائه. غير أن المحاكم السويسرية وجدت في أغسطس/آب 2003 أن بوتو وزوجها مذنبان بتهمة غسيل الأموال وحكم عليهما غيابيا بالحبس لمدة ستة أشهر وبدفع غرامة تصل إلى 50 ألف دولار لكل منهما، مع احتجاز 11 مليون دولار لإعادته إلى الحومة الباكستانية. ولعل أهم ما كشفت عنه تحريات السنوات الست هو كيفية تحصيل زرداري لمنافع شخصية لأسرته من وراء الصفقات الحكومية، والطرق الملتوية التي كان يسلكها لدفع الأنظار بعيدا عنه وعن زوجته.

تورطه في بولندا

فضلا عن المستندات السويسرية تجمعت لدى الحكومة الباكستانية 500 صفحة من مستندات قدمتها بولندا وكلها تدين بوتو وزوجها بالحصول على عمولات غير مشروعة في صفقة لشراء 8000 تراكتور زراعي بولندي الصنع في عام 1997 وعبر استخدام أشخاص بولنديين كواجهات.

تورطه في فرنسا

على أن أهم صفقات الفساد التي تورط فيها زرداري كانت تلك المتعلقة بشراء باكستان لطائرات حربية مقاتلة فرنسية الصنع من شركة "داسو للطيران" في عام 1998 . وفي هذا السياق يقال أن الشركة المذكورة استعلمت أن رئيسة الحكومة الباكستانية بي نظير بوتو منحت زوجها حقوقا حصرية لإتمام الصفقة مقابل عمولة بمقدار 5 بالمئة تودع في حساب لمؤسسة يملكها آصف زرداري في جنيف. ولعل ما سهل الطريق أمام الفرنسيين للتورط في هذه الصفقة هو أن القانون الفرنسي كان حتى ذلك الوقت يحظر على الرسميين الفرنسيين تلقي الرشاوي والعمولات لكنه لم يكن يمنع دفعها للرسميين الأجانب، الأمر الذي تغير منذ عام 2000 .

تورطه في صفقة المروحيات

ما بين عامي 1998 و 1999 انشغل الرأي العام الباكستاني بتحقيقات اللجنة البرلمانية للمحافظة على الأموال العامة والتي كانت قد فتحت ملف صفقة لشراء طائرات مروحية جديدة، بعدما تبين لها أن في الملف روائح فساد واحتيال وعدم التزام بالإجراءات الصحيحة المتبعة في تلك الأحوال. وقد توصلت التحقيقات إلى أن بوتو وزوجها واعوانهما أضاعوا من خلال تلك الصفقة أكثر من مليوني دولار على الخزينة العامة.

تورطه في تهريب الذهب

يقال أن زرداري استخدم موقعه كزوج لبوتو وفي إحدى الفترات كوزير وكنائب عن إقليم السند في الحصول على ما يشبه احتكار استيراد الذهب من الخارج لمد صناعة المصوغات والجواهر الباكستانية بما تحتاجه من هذا المعدن النفيس. ومما قيل أيضا أن هذه العملية التي جرت على مدى سنوات عبر إحدى الموانيء الخليجية وبطريقة التهريب بحرا وجوا أمنت لآل بوتو وزرداري عشرات الملايين من الدولارات.


د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: الأحد 14 سبتمبر/ أيلول 2008
البريد الالكتروني:

elmadani@batelco.com.bh


ليست هناك تعليقات: