راسم عبيدات
.... أعرف أن هناك الكثير من الأسئلة تتزاحم وتدور في أذهانكم، وتتمخض عن النقاشات التي تخوضونها كل يوم في الغرف وساحات التنزه "الفورة"،فهناك من يقول إلى متى سنبقى في سجون الاحتلال ومعتقلاته؟،وهناك من يقول على ماذا الاقتتال والانقسام والانشطار،والجميع من قمة الهرم حتى أسفله تحت رحمة المحتل حركة وتنقل،دخول وخروج،وهناك أيضا من يسأل لماذا التفريق بين الأسرى أنفسهم حتى في المخصصات والمصروفات؟،ولماذا يصر الجميع على جعل قضية الأسرى قميص عثمان؟ وألف لماذا ولماذا بحاجة للإجابة عليها،وكل تساؤلاتكم مشروعة،والإجابات عليه تدمي القلب وتدمع العيون.
فالوطن لم يعد هو الوطن،بل في سبيل مصالحنا وامتيازاتنا وحب الزعامة والكراسي،قسمناه إلى ممالك وعزب،ولكل مملكة وعزبة مليشياتها الخاصة،واخترعنا له وزارات وتسميات ورقية،والذي لم نجد له وزارة،اعتبرناه موظف بدرجة وزير،وترفيعات وترقيات وتعيينات،من أجل أن لا يزعل أبو فلان أو علان،أو حتى لا تختل التوازنات والتقسيمات الحزبية والعشائرية..
أما القدس فهي الأخرى لم تعد هي نفسها،فالآن يمنع فيها ضرب مدفع رمضان،وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه،فلن يقتصر الأمر على منع سكان الضفة والقطاع من الوصول للمسجد الأقصى وتأدية شعائرهم الدينية،بل سيهجر سكان القدس المدينة قسراً،فالقدس تحيط بها الجدران من كل جانب،والمستوطنات والإحياء الاستيطانية،تخترق قلب أحيائها وقراها،ويحرم سكانها حتى من الوصول للمقابر لدفن مواتهم،والناس يسيرون في الشوارع سكارى وما هم بسكارى من كثرة الهموم والمشاكل والضرائب،وفواتير لها أول وليس لها آخر.
أما شهر رمضان فابشروا واعلموا أنه لم يعد لا شهر توبة ولا رحمة ولا مودة ولا تواصل اجتماعي،بل أضحى هذا الشهر شهر استغلال ونقمة علي جيوب الكثيرين من الفقراء وذوي الدخل المحدود،والأغنياء بالنسبة لهم مشروع استثماري وجاه على المستويين الاجتماعي والاقتصادي،أما إذا سألت عن الكثير من التجار،والذين وضع القران شرط الأمانة لحشرهم مع الأنبياء والصديقين في الجنة،فواقع الحال يقول أنه من الصعوبة تحقيق هذا الشرط،،فمن البضائع الفاسدة والمنتهية الصلاحية،إلى الأسعار المضاعفة والجنونية،حتى أنني اضطررت في أحد الأيام أن أشتري 10 أرغفة خبز "سمون" كل واحد بشاقلين،من بائع صائم ولا يقطع فرض،والعيب ليس في التجار وحدهم بل في الناس أنفسهم،فعندما ترى قبيل فترة الإفطار هجوم الناس على المطاعم والمحلات لشراء الحمص والفلافل،أو محلات بيع القطايف،تعتقد أن البلد على أبواب حرب عالمية أو أن هناك مجاعة أكبر وأعمق من مجاعة أيام"سفربلك" أما على موائد الإفطار فترى الكثير من الأصناف مقبلات ومشاوي ومحاشي ومناسف وقدر وعدة أصناف حلويات ومشروبات وعصائر،والكميات التي تلقى في القمامة،أكثر من التي يأكلها الناس.
أعرف أنه قد تقولون مالنا ومال الذي تحدثنا عنه،فيكفينا همومنا ومشاكلنا،وإجراءات القمع اليومية بحقنا،ولكن ما أردت أن أقوله لكم أن واقع الحال وواقع الوطن والثورة ليس بخير،وأنا لن أداهن أو إنفاق،فأنا أعرف أنني في بعض المقالات قد قسوت على البعض منكم،وعلى بعض المظاهر السلبية في واقع الحركة الأسيرة،ولكن إذا كنا نحن طليعة هذا الشعب لا نتحمل النقد أو نستوعبه،وأن المقالة هي تصوير لواقع حال حقيقي،وليس إضفاء هالة من البطولات والقدرات الخارقة على سين أو صاد من المناضلين،
فعلاج أي مشكلة أو خطأ يبدأ بالإقرار بوجودهما،ولو تعاملت ثورتنا وفصائلنا مع ذلك،على أساس هذه القاعدة، لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن،فالبعض أفراد وفصائل ارتكب خطايا وليس خطيئة،ومارس النقد الخجول بحق نفسه أو حزبه،تماماً كحال العديد من الحالات الساقطة اجتماعياً،ننتقدها ونهاجمها،وعندما نقابلها نسلم عليها ونحترمها،وحالنا يقول"تيجي من غيري أحسن"،فهل بمثل هذا النفاق والمداهنة والنقد الخجول سيصلح حالنا?،ففي الشهر الفضيل محور الحديث،هو البضائع الفاسدة والمنتهية الصلاحية،والكميات الكبيرة التي يتم ضبطه منها يومياً،والتي ترويجها والمتاجرة بها يرتقى إلى مستوى الخيانة العظمى والجريمة من الدرجة الأولى،ولكن اللافت والمثير للسخرية والتقزز،أنه لم تجري أي محاسبة جدية،لمن يرتكبون هذه الجرائم،وأنت تسمع عن أدوية فاسدة ومنتهية الصلاحية وبضائع وغيرها،ولكن من يقوم بذلك هم أناس قادمون من كواكب أخرى،أو بالأصح نريد أن نستوعب كيف يتم ضبط البضائع ولا يتم ضبط المروجين والمتاجرين،لولا وجود فساد مهيكل وممأسس ومنظم،بحيث يضمن من يقوم بهذه الأعمال،عدم المحاسبة أو على أبعد تقدير،سجن عدة أشهر خمس نجوم تنتهي بالخروج من السجن دون إدانة وربما باعتذار،فلهؤلاء رجالاتهم والذين يتوسطون لهم ويخرجونهم،والكثير منهم يعتبر نفسه من الصفوة وقيادات الوطن.
رفاقي وإخوتي وزملائي وأحبتي وأصدقائي الأسرى،أنا عندما أكتب عنكم وعن قضاياكم وظروف اعتقالكم ونضالكم وتاريخكم ومعانياتكم،فهذا أقل واجب والتزام تجاهكم ،وأنا أدرك كم لهذه الكتابات من قيمة معنوية على الكثيرين منكم،فالأخ حسام خضر عندما تحرر من الأسر وزرته،حدثني عن الأثر الكبير لهذه المقالات على الأسرى وكيف ينتظرونها بشوق ويتداولنها ويجرون النقاشات حولها،وكذلك هذا ما لمسته في رسائل العديد منكم ،وبالذات في رسائل الأصدقاء اسماعيل المسلماني وعماد عصفور،حيث أشادوا بهذا العمل،وأعطى انطباع وشعور للأسرى عن مدى أهميتهم وقيمتهم ودورهم في المجتمع،وفتح الطريق والمجال للاهتمام بقضاياهم.
وأنا إخواني الأسرى لم أعش في السجن مع الكثيرين منكم،وأنا على استعداد لمواصلة الكتابة عنكم ودق جدران الخزان مرة ومرات،وأنا أكتب عنكم وبغض النظر عن لونكم السياسي والهوية الفكرية،ومن خلال التواصل والرسائل،يمكن أن تساعدوني في توثيق التجارب والمعانيات.
الأربعاء، سبتمبر 10، 2008
رسائل إلى الأسرى في السجون
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق