الياس بجاني
كان الله بعون المواطن اللبناني النظيف الكف، والحر الضمير، والمؤمن بالحق والقانون والمساواة. والمتمسك حتى العبادة بلبنانه الرسالة والهوية والكيان والتاريخ، فهو تلاحقه حتى في أحلامه الخيبات القاتلة، وتنهش بقصد الإفتراس ذكاءه وتحضره وعلمه ووطنيته أفعال وأقول وتقلبات وحربائية وغباء قادة ومسؤولين وسياسيين "وتجار مقاومة إلهية" ومرتزقة ومأجورين مداحين وقداحين يتحكمون ليس فقط في قرار ومصير ومسار بلده، ولكن أيضاً في لقمة عيش ناسه.
كان الله في عون هذا المواطن فقدره أن يعيش تحت رحمة من ليس بقلبه رحمة وانسانية، وفي كنف دولة فُرّغت مؤسساتها من كل مقوماتها، وفي حماية من لا يؤتمن جانبه، وفي ظل سلاح ميليشياوي أصولي إيراني - سوري قدسه أصحابه الوكلاء تحت رايات الشمولية والنحر والقهر والتحرير وفقر البطون وقطع الأعناق والأيدي.
مسكين هذا المواطن لأنه يواجه وهو اعزل قوى غازية وظالمة تعمل جاهدة وبكافة الوسائل الشيطانية لتفرض عليه ثقافة الموت والانتحار والقبلية والشمولية ومفاهيم ونمط حياة القرون الحجرية البالية.
الدول والشعوب تتقدم وتتطور ولبنان للأسف تشده قوى الظلامية هذه إلى غياهب التخلف والتفكك الاجتماعي والفوضى.
أما آخر مظاهر الظلامية التي توجه رماحها الآن إلى صدور وعقول اللبنانيين فهي "هرطقة المصالحات". نعم المصالحات فانعم وأكرم!!
قادة وسياسيين من هنا وهناك لا يجمع بينهم شيء غير الحقد والكراهية والعداء، يجتمعون ويتباحثون ويعلنون أنهم تصالحوا ويصدرون البيانات الرنانة و"أوراق التفاهم والتصالح"، فيما قادة وسياسيين آخرين في طريقهم إلى عمل الشيء نفسه.
ترى هل مشكلة لبنان، بل مشاكله التي لا تعد ولا تحصى هي شخصية ومحصورة بين هؤلاء الأشخاص حتى إذا ما تصالحوا عاد السلام والوئام إلى ربوع وطن الأرز وانفك كرب أهله وحلت كل عقده؟
ثم من يكفل صدق والتزام هذا القوم القيادي والسياسي والميليشياوي الذي بأغلبيته قراره خارج لبنان وهو مسيراً وليس مخيراً؟
من يضمن أن هؤلاء اللاهثين الآن وراء عراضة المصالحات و"القبل ولحس الذقون" لن يعودا غداً أو بعد غد إلى حالهم السابقة والحالية بكل ما فيها من إجرام ومافياوية وكفر وهرطقات؟
إن ما يشاع عن "مصالحات" تمت وأخرى في طريقها إلى أن تتحقق هو بالواقع عمل جرمي وتعدٍ فاضح على الدولة اللبنانية بدستورها وقضائها ومؤسساتها وإنسانها وهيبتها.
إن المطلوب من هؤلاء اللاهثين وراء المصالحات أن يتصالحوا أولا مع أنفسهم ووجدانهم وضمائرهم ويعودوا إلى طرق الحق ويشهدوا له، ومن ثم يتوبوا عن أفعالهم وكفر وشرور ألسنتهم ويضعوا أنفسهم في تصرف القضاء لينالوا جزاء ما اقترفوه بحق وطنهم ومواطنيهم والشرائع. والأهم هنا أن يؤدوا الكفارات عن كل ما ارتكبوا من مظالم وانتهاكات.
المطلوب من هؤلاء أن يتصالحوا أولاً مع الدولة الراعية لكل مواطنيها والضامنة لأمنهم ومصالحهم. عليهم أن يتخلوا عن دويلاتهم وسلاحهم ومشاريعهم التدميرية والأصولية ويخضعوا للقانون مثلهم مثل باقي أقرانهم من المواطنين.
المطلوب من هؤلاء جميعاً وقبل أن يتصالحوا مع بعضهم البعض، وخصوصاً قادة حزب الله ومعهم ربع القياديين الهوامش الملحقين والملتحقين بهذا الحزب الأصولي من مسلمين ومسيحيين أن يقطعوا كل علاقاتهم بسوريا وإيران، هاتين الدولتين اللتين تمولان وترعيان وتستعملان الإرهاب والإرهابيين لتحقيق أطماعهما التوسعية ومشاريعهما الأصولية وأهدافهما التدميرية.
لا يحق لأي قائد أو سياسي كائناً من كان أن يصالح ويتصالح إلا مع الدولة ومن خلالها، وما عدا ذلك هو كذب ودجل وهراء، واعتداء سافر على هيبة وسلطة وقوانين الدولة.
من حق المواطن أن يسأل "المتصالحين"، جميعاً فيما إذا كانوا وقبل هذه "العراضات التصالحية" الإعلامية الكاذبة والحربائية قد تصالحوا مع الدولة أولاً؟
هل هم اعترفوا بشرعية الدولة وبقوانينها ومؤسساتها كافة، وبحقها في بسط سلطتها بواسطة قواها الذاتية على كل الأراضي اللبنانية؟
هل هم ارتضوا أن يلتزموا بالقرارات والمعاهدات الدولية التي في مقدمها اتفاقية الهدنة مع إسرائيل والقرارين الدوليين رقم 1559 و1701؟
هل هم قبلوا بالتخلي عن دويلاتهم وسلاحهم ومربعاتهم الأمنية لصالح الدولة؟
هل هم أغلقوا معسكرات التدريب الميليشياوية والأصولية التابعة لهم وطلبوا من أفراد الحرس الثوري الإيراني أن يعودوا إلى بلادهم؟
هل هم أقفلوا المدارس والمؤسسات التعليمية المتنوعة التي تدرس الحقد والكراهية ورفض الآخر؟ وهل هم أقفلوا مدارس التفخيخ والتفجير والتلغيم والقتل؟
هل هم قرروا دفع الرسوم للدولة من ماء وكهرباء وضرائب وغيرها؟
هل هم أغلقوا سجونهم ومعتقلاتهم ومحاكمهم الخاصة وهي وكور للتعذيب والاعتقال والتنكيل؟
هل هم تخلوا عن مشروع دولة "ولاية الفقيه" وعن مساعيهم العسكرية لإبقاء لبنان ساحة للحروب السورية والإيرانية؟
هل اقتنعوا بلبنان التعددية والتميز والهوية والتاريخ والحضارة والانفتاح؟
والأهم هل تخلوا عن هرطقة فرض نمط حياتهم ومعتقداتهم على الآخرين.
لا، لا يحق للقادة والسياسيين ودون استثناء أن يصادروا حرية الإنسان اللبناني وحقه وكرامته ويتصرفوا في مصيره وكأنه عبد يملكونه. فلا هم أسياد ولا اللبناني عبد ولا لبنان إيران أو أفغانستان.
لا، لا يحق لهؤلاء وتحت أية ذريعة أن يتخطوا ثوابت ومقومات وركائز الوطن وقوانينه ودستوره.
لا، لا يحق لهؤلاء أن يعيدوا لبنان إلى القرون الحجرية، وإلى مفهوم القبائل.
لا لعراضة المصالحات الكاذبة، لا لهرطقة بوس اللحى، ونعم للصلح مع الدولة ومع إنسانها.
لا لمصالحات تعطي أطواق نجاة لقادة وسياسيين وأحزاب لفظهم الناس وكشفوا "تكويعاتهم" وإجرامهم ومؤامراتهم.
الثلاثاء، سبتمبر 23، 2008
عراضة المصالحات إلى أين؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق