الاثنين، سبتمبر 08، 2008

أبو أنور: نحبكم بعد موتكم

عطا مناع

لا ادعي أنني اعرف المناضل فؤاد رزق جيدا، ولكنني التقيت به عدة مرات في ندوات تلفزيونية تناقش الشأن الفلسطيني العام، وأستطيع أن أقول بدون مجاملة انة واحدا من القلة الوطنية الذين يقولون رأيهم صراحة بعيدا عن الحسابات الشخصية والمجاملات الفارغة المضمون، وكلمة الحق التي كان يقولها فؤاد رزق وغيرة ممن يتميزون بالنظرة الثاقبة سواء الأموات منهم أو الأحياء كان لها ثمنا كبيرا انعكس على تكوينهم الاجتماعي والسياسي ليقفزوا عن الفصائلية الايدولوجيا الضيقة.

اطلعت على ما قالته اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني في فؤاد رزق الأمين العام الأسبق لحزب الشعب الفلسطيني الذي انخرط في النضال من اجل العدالة الاجتماعية والوطنية منذ أكثر من خمسة عقود، شاهد البكائيات والكلمات التي قيلت في الجسد المسجى في الكنيسة، وتابعت أبو أنور وهو محمول على الأكتاف إلى مقبرة الروم الارثذوكس في موكب مهيب تداخل فيه الرسمي والشعبي وكم تمنيت لحظتها أن يحمل على الأكتاف حيا عندما ترشح لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وبعد إتمام عملية الدفن وقفت مجموعة من القيادات والشخصيات والوزارء والذين عرفوا فؤاد رزق حديثا أمام المقبرة ليتقبلوا العزاء، انفض الجمع وذهب كل منهم إلى حالة.

في اليوم الثاني لرحيل أبو أنور شحذت الأقلام وسال حبرها كلمات تمجيدا بالراحل الوطني والمناضل الشيوعي الكبير، كلمات استحضرت روح الرفيق فؤاد رزق وأخرى كأنها لم تكن فهي تتحدث عن صولات وجولات كاتبها في حقول الفكر والسياسة، وفي مثل هذه المواقف تسطيع أن تقول في الراحل ما شئت من الكلام الطيب والمنمق والجميل وكأننا نعيش ديباجة غير منصفة تخرج علينا عندما نفقد قائدا وطنيا من الرعيل الأول.

وحتى ننصف الوطنيين الفلسطينيين الذين حملوا الهم الفلسطيني من مهدهم إلى لحدهم لا بد أن نتحدث عن محطات ومفاصل تحكي ممارستهم الوطنية البعيدة التي ذابت بالكل الفلسطيني، صحيح أن الموت لا يفرق بين المناضل والفاسد والقائد والمدعي والمتسلق والمرتشي، حتى ننصف أبو انو كوطني فلسطيني حمل الفكر نظرية وممارسة أن نسمي الأشياء بمسمياتها بعيدا عن الديباجات الجاهزة، ومن وجهة نظري المتواضعة ومشاهداتي واحتكاكي أستطيع أن أقول أن هذا القائد الوطني تغلب على ذاته ولم يستغل المواقع التي شغلها سواء في الحزب أو في منظمة التحرير كعضو للمجلسين الوطني والمركزي، عاش في البيت الشبيه ببيوت كل الفلسطينيين في بيت جالا، وقد تشرفت في أحدى المرات بدخول بيت الراحل أبو أنور فلم أجد سوى التواضع والبساطة التي تعكس إيمان وقناعة هذا الرجل.

أبو أنور سنفتقدك وكل القادة الوطنيين الذي عاشوا لوطنهم، قادة يساريون خفروا الصخر بأصابعهم وامنوا بقضيتهم أمثال جورج حبش حكيم الثورة الفلسطينية.. فائق وراد.. غسان كنفاني... ناجي ألعلي... فؤاد نصار.. أبو علي مصطفى.. أميل حبيبي.. إبراهيم عباد..عمر القاسم... جورج حاوي... والمئات من عمالقة الفكر الذي رسموا بنضالهم ودمائهم خارطة اليسار الفلسطيني.

رحلت أبو أنور ولكنك ستبقى حاضرا في وجدان من عايشوك وحبوك حيا وسيشتاقوا أليك في زمن استنساخ ما يسمى بالقادة القادمون من القارات البعيدة، رحمك اللة أبو أنور أيها الرجل الحي بشجاعته وصدقة وانسجامه مع ذات التي لم تهادن في زمن كثر فيه المهادنون.

ليست هناك تعليقات: