الثلاثاء، أكتوبر 21، 2008

الحملة الشعبية الأوروبية وكسر الحصار

راسم عبيدات

......دائماً في قضايا العرب المصيرية،تكون المواقف الأوروبية الرسمية وليس الشعبية متقدمة على المواقف العربية،وهذا ما لمسناه أيام حصار العراق قبل احتلاله،حيث أول من بادر لخرق هذا الحصار وفود برلمانية ورسمية غير عربية،في الوقت الذي كانت تحرص فيه الدول العربية وتحديداً المحيطة بالعراق على تنفيذ والالتزام بهذا الحصار الظالم بحذافيره،بل وحتى المجاهرة والمفاخرة بتطبيقه،رغم معرفتهم بأن ألآلاف من أطفال العراق يموتون يومياً جراء هذا الحصار الظالم،لنقص الدواء والغذاء،وأيضاً لمسنا ذلك في الحصار الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني،والذي جاء على خلفية كون الديمقراطية الفلسطينية،جاءت إفرازاتها ونتائجها،بما لا يتماشى ويتوافق مع الرؤية والرغبات الأمريكية والإسرائيلية،حيث أن الدول العربية كانت جزءاً مباشراً من هذا الحصار الظالم،حتى أن الدول العربية عندما أقرت كسر الحصار على قطاع غزة،لم تتخذ أية خطوات عملية لترجمة هذا القرار على الأرض،وبقي موقفها كالعادة في الإطار الشعاري والنظري،ولم نلمس حركة شعبية وجماهيرية عربية لكسر هذا الحصار،إلا بعد التحركات الشعبية الأوروبية،وقدوم سفينتي التضامن إلى قطاع غزة قبل شهر من الآن،هذه التحركات التي جوبهت بقمع ومنع عربي رسمي.

ولعل الأوضاع المأساوية في قطاع غزة،والتي أصبحت فيها الحياة بفعل الحصار الإسرائيلي- الأمريكي الظالم،تفتقر إلى أدنى شروط متطلبات الحياة الإنسانية،والتي تسببت في وفاة المئات من الحالات المرضية والأطفال جراء هذا الحصار البربري،هي التي حركت مشاعر وعواطف الكثير من الأوروبيين،دون أن يرتجف للعرب جفن أو دفقة مشاعر نحو أخوانهم وأبناء قوميتهم،ودعتهم للعمل على تشكيل أضخم وفد برلماني دولي من أجل العمل على كسر الحصار الظالم على قطاع غزة ورفع المعاناة عن سكانه.

إن الأولى بالتحرك من أجل رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني،هم العرب أنفسهم،وهم الذين يدركون ويعرفون جيداً،أن لهذا الحصار الظالم أهداف سياسية،هدفها تطويع الشعب الفلسطيني،وفرض اشتراطاءات واملاءات ظالمة عليه،تنتقص من حقوقه،وتدفعه نحو القبول مع ما يتناقض مع تلك الحقوق،ولكن أثبتت الأحداث والتطورات أن الشعب الفلسطيني رغم هذا الحصار وكل الآثار السلبية المترتبة عليه،صمد ولم يرفع الراية البيضاء أو يستسلم،وأن ما يجري وينفذ بحقه من قبل إسرائيل وأمريكا،يرتقي إلى مستوى جريمة حرب،وما يسمى بالحرب على"الإرهاب" لا يسوغ ولا يبرر قتل شعب بأكمله،وحرمانه من أبسط مقومات الحياة الإنسانية،وبالتالي فما يجري من تحرك دولي واسع يتصدره الكثير من البرلمانيين من دول أوروبية ولاتينية وأفريقية،يجب أن يشكل حافزاً ورافعة نحو جهد وتحرك شعبي عربي واسعين،من أجل الضغط على أنظمتهم لرفع هذا الحصار الظالم،فالأساس في رفع هذا الحصار يقع على العرب قبل غيرهم،وخصوصاً من هم محيطين بالقطاع،فمن غير الجائز والمقبول أن من يتحرك لنصرة ومساندة ودعم القضايا العربية،يكونوا من خارج هذه الأمة،وجميعنا يعرف جيداً أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 82 ومحاصرتها لبيروت لمدة 88 يوماً،كيف تميزت اليونان في موقفها الداعم والمساند للمقاومة الفلسطينية واللبنانية،في الوقت الذي كانت فيه الأمة العربية تكتفي ببيانات الشجب والاستنكار،وتتابع حياتها بشكل روتيني بمشاهدة دوري كأس العالم بكرة القدم،وكأن الذين يتعرضون للذبح والمجازر ليس لهم علاقة بالعروبة والإسلام،وهذا الموقف تكرر مع الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان في تموز/ 2006،حيث المواقف العربية المتخاذلة،بل والتي وفر البعض منها غطاءاً سياسياً لإسرائيل في عدوانها على لبنان والمقاومة،هو الذي دفع بالرئيس نبيه بري، للقول للعرب والله إننا عرب،في تعبير عن مدى المرارة والإحباط العاليين من العرب وتخاذلهم وتخليهم عن لبنان.

ونفس الشيء يتكرر من العدوان والحصار الإسرائيلي الجائرين على الشعب الفلسطيني ،فبعض العرب بدلاً من أن يحمل إسرائيل وأمريكا مسؤولية ما ترتكبه إسرائيل من مجازر وجرائم بحق الشعب الفلسطيني،نرى أنهم يوجهون سهام نقدهم ويصبون غضبهم على المقاومة الفلسطينية،وكأن الشعب الفلسطيني هو الذي يغتصب أرض الغير ويحتل أرضه،وكذلك كأن المقاومة والرد على الاحتلال وجرائمه،ليست حقاً مشروعاً لشعبنا،هذا الشعب الذي لا يعشق لا القتل ولا الذبح ولا الإرهاب،بل يعشق أن يعيش في وطن حر بعزة وكرامة كباقي شعوب العالم .

إن فكفكة حلقات الحصار على شعبنا الفلسطيني،يجب أن تأتي من الدول العربية،وهذه بالأساس مسؤولية كل القوى والأحزاب والمؤسسات وقوى المجتمع المدني،وهي التي يجب أن تقود وتتصدر الفعاليات والمناشطات في هذا الجانب،وعليها أن تخرج عن إطار الدعم المعنوي والإعلامي وبيانات الشجب والإدانة والاستنكار،نحو خطوات عملية جدية وملموسة على الأرض،وبما يشكل ضغط جدي وحقيقي على أنظمتها،وبما يدفعها ويلزمها بكسر حلقات هذا الحصار،وعدم رهن إرادتها وقراراتها إلى أمريكا وما يسمى قيود الاتفاقيات مع العدو الإسرائيلي،فأمام ذبح وقتل شعب بالجملة،لا قيمة لأية اتفاقيات أو معاهدات،ونحن رأينا كيف أن الحصار الظالم،دفع بأهلنا في القطاع لاقتحام الحدود مع مصر،وهذا بحد ذاته وسمة عار على جبين كل الأمة العربية من محيطها إلى خليجها،وبغض النظر مع الاتفاق أو الاختلاف مع الحكومة القائمة في غزة،فلا يعقل ذبح شعب بأكمله خلف مقولة الالتزام بالقرارات الدولية،هذه القرارات التي لا تحترمها أو تلتزم بها إسرائيل في يوم من الأيام،بل نصبت من نفسها بحماية أمريكية دولة فوق القانون وقرارات الشرعية الدولية.

ونحن ندرك تمام الإدراك أن أمريكا والتي تغير مواقفها من أعداءها استناداً لمصالحها،كما نلحظ ذلك في الموقف من حركة طالبان،إذا خدمت مواقفها فهي حركة جهادية وإذا ما تعارضت معها فهي حركة إرهابية،وهذا ينسحب من كل القضايا الشبيهة،فلو قالت حماس في القطاع،نعم لاشتراطات واملاءات أمريكا وإسرائيل،فيما يتعلق بالتسوية،فالحصار سيرفع عن القطاع وستصبح حماس حركة مقبولة أمريكياً وعالمياً وعربياً.

وليكن الموقف والحشد العالمي من برلمانيين ودعاة سلام وحقوق إنسان من أجل رفع الحصار الظالم عن القطاع،دافعاً ومحركاً لبرلمانينا العرب والحركات والقوى الحزبية والشعبية والمؤسساتية غير الحكومية لقيادات نضالات وتحركات شعبية واسعة من أجل كسر هذا الحصار الظالم والجائر على شعبنا الفلسطيني،ولنكن مرة واحدة مبادرين وليس دائماً في ذيل الحركة وردود الأفعال.

ليست هناك تعليقات: