الأحد، أكتوبر 12، 2008

أنفاق الموت بين مصر ورفح الفلسطينية

عبــد الكـــريم عليـــــان

عضو صالون القلم الفلسطيني

يقولون: الحاجة أم الاختراع، ومن الإرادة يصنع النصر! لكن هل يمكن أن تكون الحاجة طريق للاستغلال أو الموت، أو الغناء الفاحش؟ هل يمكن أن تكون الأنفاق بين مصر ورفح الفلسطينية طريقة بديلة لدخول ما لا يمكن دخوله إلى غزة الجريحة؟ وتعويضا جزئيا عن الحصار؟ هل هناك أثر لهذه الأنفاق على السياسة، والقرار السياسي؟ سواء الفلسطيني، أم المصري، أم الإسرائيلي ؟

لمن لا يعرف عن الأنفاق شيء، فهي حفرة على شكل مربع طول ضلعه أكثر بقليل من المتر بعمق يزيد عن ثمان أمتار ليصل إلى عشرين متر في بعض الأحيان حسب طبيعة الأرض وتكوينها الجيولوجي، من الأراضي الفلسطينية في رفح وتمتد إلى ستمائة، أو ثماني مائة متر لتتعدى الحدود إلى الأراضي المصرية،

وفي نهاية الحفرة من الجانب المصري تأخذ الحفرة شكل الانحراف الإنفراجي وليس العمودي، بحيث إذا ما ألقيت بشيء في الحفرة ينزلق بسرعة إلى عمق الحفرة.. في الجانب الفلسطيني تغطى الحفرة بخيمة، أو بناء بيت حولها.. أما في الجانب المصري فتغطى بلوح من الصفيح، أو الخشب . وتقدر عدد الأنفاق العاملة حاليا ما يفوق المأتي نفق في مسافة لا تزيد عن 1500 متر عند الحدود المصرية الفلسطينية بين غزة ومصر والتي يبلغ طولها 18 كيلومترا من ساحل البحر باتجاه الشرق الجنوبي ...قبل سيطرة حماس على قطاع غزة كان قليل من الأنفاق لا تزيد عن عدد أصابع اليد ، تستخدم في الغالب لتهريب السلاح والأموال وبعض الأشياء الممنوعة دخولها بالشكل الرسمي، مثل المخدرات وغيرها.. بعد الحصار الخانق الذي فرض على غزة ازدادت عملية حفر الأنفاق، وأصبحت مهنة للعديد من سكان رفح الذين لا يعملون، فوجدوا في هذه المهنة الخطيرة ما يعطيهم بعض من الدخل كي يستمروا في الحياة.. وكذلك وجدت بلدية رفح وشركة توزيع الكهرباء فرض ضرائب باهظة على أصحاب الأنفاق قد تصل إلى مائة ألف دولار شهريا للنفق الواحد حسب ما ذكره بعض المشتغلين في هذا المجال، ويبقى أصحاب الأنفاق والتجار يجنون أموالا لا حصر لها.. التجار لا يدخلون المنتجات المهمة والضرورية لأهل غزة بقدر ما تكون لهذه السلع حيز أصغر وربح أكبر بدء من السجائر وانتهاء بالسلع الإلكترونية..

وبالطبع لا يدخلون المواد الأساسية مثل الطحين والزيوت، أو المواد الخام اللازمة لتشغيل الورشات والمصانع المغلقة.. فمثلا أثاث غرف النوم للأزواج الشابة غير متوفرة في غزة وإن وجدت فسعرها يساوي أكثر من ألفي دولار بعدما كان سعرها لا يتجاوز السبعمائة دولار، وكذلك مرّ صيف ساخن جدا على أهالي غزة بعدما انعدمت المراوح الكهربائية وقطع غيارها، وكذلك مضخات المياه المنزلية التي باتت المياه غير متوفرة في البيوت العلوية.. أما الملابس فحدث ولا حرج، وكما قال شاعرنا قديما: " ويل لأمة تلبس مما لا تصنع ..!"

فغزة التي كانت في السابق تصدر الملابس أصبحت تفتقر حتى إلى الملابس الداخلية... لا يفوتنا أن نذكر أن أصحاب الأنفاق يستخدمون الكهرباء في الإنارة وتشغيل مواتير إنتاج الهواء ( كومبرسورات ) لضخ الهواء عبر أنابيب داخل الأنفاق، كي تعطي مستخدميها بعض من الأوكسجين والحفاظ على الضغط الجوي داخلها، وإذا ما قطعت الكهرباء أو توقفت هذه عن ضخ الهواء تصبح الخطورة أمرا محتوما، وقد لقي العشرات حتفهم داخل هذه الأنفاق جراء ذلك، وجراء انهيار بعضها أحيانا، وليس كما أشيع عن استخدام السلطات المصرية لنوع من الغازات السامة والتي تعمل على ردم هذه الأنفاق.

دخلت التهدئة المعلن عنها بين ( غزة ـ حماس ) وإسرائيل برعاية مصرية شهرها الخامس والحصار باق كما هو، وإسرائيل تزداد تعنتا أكثر من السابق بحيث أصبحت سياستها في فتح معابر دخول المواد الاستهلاكية لغزة سياسة لترويض أهلها، وحكومتها الانقلابية ووصلت بها الأمور إلى درجة يمكنها أن تؤثر في القرار السياسي لهذه الحكومة، أو هذه الحركة التي باتت تفرض قبضتها بشكل واسع على كل القوى السياسية وغير السياسية في غزة..

فمثلا : لو عرفت إسرائيل أن حكومة حماس قبلت بالحوار الفلسطيني، ويمكن أن يؤدي هذا الحوار إلى إعادة اللحمة للشعب الفلسطيني فإنها سوف تزيد من إغلاقها للمعابر والمبررات لديها جاهزة مرة بحجة أن لديها أعياد، ومرة بحجة سقوط صاروخ كاذب على أراضيها ... لأن ذلك سوف يزيد من الأعباء الملقاة على حكومة حماس وفشلها في إدارة حياة الفلسطينيين في غزة، وإن زادت حماس في تعنتها بالحوار وزيادة قبضتها على غزة، تقوم إسرائيل بالتخفيف عنها بزيادة حجم البضائع الفاسدة التي تدخل غزة سواء المواد الغذائية أو المحروقات أو الأسمنت التي توزع بالكوبونات لتزيد من الفساد والقهر على الشعب الفلسطيني، وهكذا دواليك .. إذ باتت هذه مكشوفة لكل سكان غزة، أما حكومة حماس ومليشياتها في غزة صارت تفرض عضلاتها بشكل كبير وتوهم سكان غزة أن مشروع المقاومة لم يمت بعد .. لكن كل سكان غزة باتوا يؤكدون أن هذا المشروع كان لخداعهم، وأنه مات، ودفن مع الانقلاب الدموي، وباتت كوادر الحركة وقيادييها لا يهتمون إلا بتثبيت وتوطيد حكمهم حتى يزيدون من مكتساباتهم الشخصية لتزيد سطوتهم وبطشهم على المواطنين، وعدم السماح للقوى الوطنية بأية حركة .. بعد اتفاق التهدئة سوقوها في إعلامهم على أنها المنقذ لشعبنا في غزة ، وفندوا الاتفاق ببنوده الوهمية والتي اتضح فيما بعد على أنه لا يوجد اتفاق أو أي شيء من هذا القبيل.. وكل ما في الأمر أن مصر الوسيط بين الطرفين حماس وإسرائيل تعهدوا لها شفهيا بوقف التصعيد العسكري، حيث تتوقف إسرائيل عن عملياتها العسكرية وبالدرجة الأولى: عدم اغتيال قيادات حركة حماس مقابل وقف الصواريخ المزعجة للإسرائيليين، والحفاظ على حدود آمنة مع غزة، وكلما ضبطت حماس ذلك تقوم إسرائيل بالتخفيف من الحصار دون التزام بذلك..

المصريون يمكنهم القضاء على هذه الأنفاق، أو معظمها في أقل من أربع وعشرين ساعة لا غير.. لكنهم لم يحسموا أمرهم بحجة أنهم يساعدون أشقائهم الفلسطينيين من جهة، ومن أخرى تدر عليهم دخلا من العملة الصعبة ليست بالقليلة، وكذلك يستفيد عدد ليس بقليل من رجالات الأمن المصرية الذين يتقاضون أموالا باهظة مقابل غض النظر عما يقوم به مستخدمو هذه الأنفاق، وربما خوفا من عصابات هؤلاء إذ قتل عدد من الضباط والجنود المصريين سابقا بسبب ذلك... أما القرار السياسي المصري فهو محكوم باتفاقات كامب ديفيد بينهم وبين إسرائيل التي لم تتطرق في حينه لهذه المشكلة، أو من باب أن هذه المنطقة أصبحت ليست حدودا بينها، وبين إسرائيل..يبقى الفلسطينيون الذين يقطنون غزة يعيشون ضنك الحياة الخالية من الضروريات الأساسية اللازمة للاستمرار، والتي لا يمكن لأي إنسان في هذا الزمن الاستغناء عنها، وإن وفرت الأنفاق بعض القليل منها بأسعار خيالية لا يمكن للمواطن العادي ابتياعها في ظل انعدام الدخل... لكن غزة وأهلها عودتنا منذ زمن طويل على تكيفها مع ظروف كهذه وأصعب منها أيضا؛ فغزة لن تموت.. أو يبتلعها البحر..! بل سيموت كل المزايدين على وطنيتها، وكل الغرباء عنها، وكل الذين يحاولون أدلجتها لحسابات ظلامية غريبة.. وستقوم من الجرح أكثر عافية لتتعملق من جديد..!

Elkarim76@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: