الاثنين، أكتوبر 06، 2008

مَنْ يَدُسُّ السُّمَّ في عَسَلِ الدَّيِمُقْراطِيَّةِ اللبْنَانِيَّةِ؟

سعيد علم الدين
قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من طرح السؤال المركزي التالي: هل في لبنان ديمقراطية؟
خاصة وان البعض يشكك بها عن سوء او حسن نية، معتبرا ان النظام الديمقراطي اللبناني:
ما هو سوى مجموعة من القبائل المتناحرة والشعوب المتنافرة والمذاهب المتصارعة على قطعة الجبنة، والقاصرة التي لا تستطيع حكم نفسها بنفسها وبحاجة بالتالي لوصي يفرض قراره عليها او مرشد يأمرها فتطيع.
الإجابة على هذا السؤال تحتاج الى مقالة كاملة ومفصلة نحن لسنا بصددها الان وربما سنعود اليها فيما بعد لأهمية الموضوع.
إلا أننا سنجيب باختصار:
النظام الديمقراطي الحقيقي هو الذي توجد فيه معارضة سياسية حرة حقيقية تستطيع المنافسة ديمقراطيا والوصول الى السلطة سلميا.
أي أن الديمقراطية الحقيقية هي التي توجد فيها معارضة سياسية حقيقية تَستعمِلُ الكلمةَ والموقف السياسي بحرية في مواجهة السلطة الحاكمة دون ان يزجها احد بسبب آرائها ومعتقداتها وافكارها في المعتقلات والسجون. هذا الشيء ينطبق على الديمقراطية اللبنانية ومنذ قيام دولة لبنان الكبير في عشرينيات القرن العشرين .
فالمعارضة الوطنية الديمقراطية اللبنانية كان لها دوما دور تاريخي ومحوري ايجابي هام في صنع وصياغة وبلورة النظام السياسي الديمقراطي.
ولم تكن يوما كمعارضة نصر الله وبري وعون المسلحة الحالية المشهورة في قطع الطرق وحرق الدواليب وقلب الحقائق والاعتداء على المواطنين الآمنين وملاحقة واضطهاد وخطف وحتى قتل أصحاب الفكر الآخر والهرطقة بالدستور واستباحة الكرامات واحتلال الساحات وغزو بيروت وارهاب أهلها ومهاجمة الجبل وزرع الفتن في البقاع وطرابلس ...الخ من أعمال جماعة 8 آذار السلبية المشهورة. والتي هي وصمة عار على جبينها ستلاحقها تاريخيا.
لا بد هنا من وقفة إجلال أمام الديمقراطية اللبنانية التي يكفيها فخرا أنها فرضت على العالم في الستينيات ان يطلق على لبنان الديمقراطي الحضاري التعددي الحر تسمية " سويسرا الشرق" وبحق.
فالديمقراطية تعني بمفهومها الواسع الحديث والمطبق في كل دول العالم الحر، المحتَرِمَةِ لإرادة شعوبها: من اليابان إلى ماليزيا ومن بريطانيا إلى كندا وحتى إلى سويسرا بديمقراطيتها التاريخية المباشرة، التالي:
أن الحكم للشعب، السيادة للشعب، القرار للشعب، والسلطة للشعب الذي يمنحها للتيارات والأحزاب المتنافسة على الحكم من خلال انتخابات حرة نزيهة يعبر فيها الناخب في صندوق الاقتراع بصوته مباشرة وبسرية تامة وحرية عن اختياره الحر لهذا الحزب او ذاك.
نتيجة الانتخابات تفرز مجلس نيابي لفترة اربع سنوات مكون من: أكثرية برلمانية تحكم من خلال تشكيل الائتلاف الحكومي وتسمى موالاة، قراراتها معبرة عن ارادة الشعب،
وأقلية يجب ان تنقاد لقرار الأكثرية، وتكون في الوقت نفسه نشطة في المراقبة والمناقشة والنقد لأعمال الحكومة وبرامجها في البرلمان وتسمى معارضة.
يحق للمعارضة الاعتراض سلميا على قرارات الأكثرية من خلال التظاهر والاعتصام ضمن القانون طبعا، ولا يحق لها عرقلة العمل الحكومي وتخريب البلد وتعطيل مصالح الناس لتحقيق شروطها، والا اصبحت متمردة على النظام الديمقراطي ويجب أن تحاسب من دولة القانون ومن الناخب الحريص على مصلحة بلده في الانتخابات القادمة.
فمصلحة البلد أهم من الموالاة والمعارضة.
ومن هنا يأتي التعاون الطبيعي بين الموالاة والمعارضة لمصلحة البلد كشيء بديهي لا يحتاج الى فذلكات وتمنين من أحد.
وكما هو حاصل اليوم بالضبط في أمريكا بين الحزبين المتنافسين قبيل الانتخابات الرئاسية الحامية الوطيس: الديمقراطي والجمهوري. فبالرغم من التنافس الحاد بينهما، الا انهما يتعاونان مع الرئيس على حل الأزمة المالية الشائكة التي تمر بها الولايات المتحدة حاليا.
فالتعاون يجب ان يكون دائما لمصلحة البلد والشعب وليس على حسابهما، كما هي حال جماعات 8آذار في لبنان.
توازن القوى
اذا لم يستطع الشعب انتخاب اكثرية، وحصل توازن للقوى المتنافسة، أي لا يستطيع من خلالها حزب او مجموعة متحالفة حكم البلاد، عندها يتم اعادة الانتخابات ليقرر الشعب ثانية من الفائز.
واذا بقي الوضع المناصفي بين القوى المتنافسة على حاله، عندها يتم تاليف حكومة وحدة وطنية كما هي الحال في المانيا اليوم. حيث تقود المستشارة ميركل الحكومة من خلال تحالف حزبها الديمقراطي المسيحي اليميني مع خصمها السياسي التقليدي الاشتراكي الديمقراطي اليساري. رغم هذا التحالف بين القوتين الرئيسيتين الألمانيتين توجد معارضة برلمانية نشطة لهذا الائتلاف الحاكم من احزاب:
كحزب الخضر والحزب الليبرالي والحزب اليساري الشيوعي السابق.
لا بد من الإشارة هنا إلى ان المستشارة ميركل تحكم 90 مليون انسانا في ألمانيا فقط بثلاث أصوات يتيمة فازت بها على الحزب الاشتراكي.
لا بد هنا من وقفة عز وإجلال أمام الديمقراطية اللبنانية التي يكفيها فخرا أنها انتخبت الرئيس الراحل سليمان فرنجية عام 1970 رئيسا للجمهورية بفارق صوت واحد (50 ضد 49) امام إلياس سركيس.
هذه هي الديمقراطيات الحقيقية في العالم. انه صراع سلمي على الصوت بين التيارات والاحزاب، ليصبح للصوت قيمة.
ان ما يسمى حكومة وحدة وطنية اليوم في لبنان هي حكومة تضم كل الفئات والأحزاب والتيارات من التيار العوني الزعلان الى حزب اسعد حردان. أي ان المعارضة البرلمانية النشطة مفقودة والديمقراطية اللبنانية بالتالي مشوهة وباهتة والحكومة الوطنية الحالية بقيادة الرئيس السنيورة معطلة في الجوهر وخاوية لفقدان معارضة برلمانية حقيقية.
وكل شتائم عون مردودة عليه ما دام ممثلا بوزرائه ومشارك في الحكم. ان شتائمه كمن يبصق على وجهه ووجه وزرائه وبالأخص ابو جمرا.
دليلنا على ما أوردناه ما أعلنه وزير الدولة للشؤون الإدارية إبراهيم شمس الدين في امتناعه عن حضور جلسة مجلس النواب المخصصة لإقرار قانون الانتخاب، وذلك لرفضه القانون جملةً وتفصيلاً، واعتراضاً على الطريقة التي تم تداوله بها.
مستهجنا عدم إرسال إقتراح القانون من لجنة الإدارة والعدل الى الحكومة لبحثه والموافقة عليه، ليرسل وفق القواعد المتّبعة الى مجلس النواب، وعندها يستطيع الوزراء الإجابة ضمن سياق المناقشات وفـق قناعة مشتركة، وليس كما هـي الحال عليه الآن من انقسام في الآراء ".
وقال الوزير شمس الدين: " للدولة مركز قرارٍ هو مجلس الوزراء ويجب أن يُترك ليعمل بشكلٍ صحيح لأنّه السلطة المركزية التي يجب أن تصدر عنها القرارات ، لاسيما المصيرية منها "، وندّد " بمنطق مصادر السلطة المتعددة، وبمفهوم طهو الطبخة في الخارج وإرسالها جاهزةً الى مجلس النواب". ولفت إلى ان " الاتفاق في الدوحة لا يبرّر تجاوز سلطة الحكومة وتعطيل صلاحيتها، فما يُكتب ويقرأ أو يُرفض داخلها لأنها ليست لجنة للبصم".
من يقوم بطهي الطبخة وإرسالها إلى الحكومة العلية مبهرةً او ربما مسمومةً لتبصم عليها؟
هل هو مرشد الجمهورية حسن نصر الله!
وهل هناك في الامبراطورية اللبنانية من هو أهم منه؟
فهو يقيل ويعين ويفرض ويقرر ويحارب ويهدد ويفتح ويغلق وعلى الآخرين البصم.
وهو الذي دَسَّ السُّمَّ في عَسَلِ الدَّيِمُقْراطِيَّةِ اللبْنَانِيَّةِ في خطابه الذي ألقاه الجمعة 26 أيلول 08، في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية لمناسبة يوم القدس العالمي، حيث قال: "نحن معنيون كلنا بتأمين المناخ الايجابي لمنافسة سياسية سليمة وشريفة تؤدي الى انتخابات تنتج سلطة جديدة". كلام ممتاز لا غبار عليه!
وقال: "نحن لا نبدل في الوعد إو الالتزام، وإذا حصلت المعارضة على الأغلبية، فان "حزب الله" سيؤكد دعمه والتزامه بالدعوة الى حكومة وحدة وطنية يكون فيها الفريق الآخر شريكاً في إدارة البلد".
منطق نصر الله يفرض السؤال التالي:
ولماذا خوض المعركة الانتخابية اذن؟
اذا كان الجميع سيشاركون في الحكم ولا يعد هناك معارضة في البلد. أي طبخة بحص ديموشمولية على الطريقة الإيرانية!
لا توجد دولة ديمقراطية حقيقية دون معارضة سلمية حقيقية!
هنا يبتعد نصر الله عن هدف العملية الانتخابية هاربا الى الأمام، بل ويخنق روح الديمقراطية داسا السم في عسلها ليلعقه الفريق الآخر "أي قوى 14 آذار" شريكاً في إدارة البلد. أي إبقاء لبنان بلا دولة سيدة لقرارها!
وتابع نصر الله موضحاً "يجب أن نتعلم من أحداث العقود الماضية، أن لبنان لا يُحكم لا بأكثرية ولا بأقلية. لبنان له خصوصية وإدارته لا يمكن أن تتم بذهنية أكثرية وأقلية بل بالتعاضد والتعاون بين الجميع، هكذا نفهم تركيبة البلد وخلاصه".
كلام نصر الله يتنافى كليا مع ما أوردناه في هذ المقال. فهو يعمل بكلامه المعسول على تمييع الإرادة الشعبية وضرب قرار الأكثرية البرلمانية القادمة التي ستنبثق عن انتخابات ستقرر مصير لبنان لمئات السنوات. ومن هنا يأتي رفضه لانتخاب المغتربين حيث سيكون صوتهم لمصلحة قيام الدولة السيدة المستقلة.
ينسى نصر الله في سياق كلامه ان الانتخابات القادمة ستجري على خطين متوازيين لا يلتقيان لكي يقرر الشعب بين مشروعين مصيريين.
الأول مشروع الدولة:
هو مشروع قيام الدولة السيدة المستقلة الديمقراطية التعددية المزدهرة صاحبة القرار الحر والقادرة على بسط سلطة القانون على كافة أراضيها.
هذا المشروع المنطقي السليم تمثله وتحمل لوائه بقوة وبسالة قوى 14 آذار، وقدمت خيرة الشهداء من أجل انتصاره.
الثاني مشروع اللادولة:
هو مشروعُ حزب الله لتأبيد الدولةِ الحالية الهجينةِ الضعيفةِ الفوضوية المسلوبةِ القرار والمختَرَقَةِ من الميليشيات المسلحة والمربعات الأمنية الخارجة عن سلطتها، والمشوهةِ بديمقراطيتها والمسيطر عليها من الإرهاب والعنف والسلاح. المثال على ذلك ما حدث في 7 أيار. هذا المشروع التدميري الانتحاري تمثله قوى 8 آذار.
ومن هنا فصوت الناخب اللبناني في صناديق الاقتراع مهم جدا لكي ينتصر مشروع الدولة، مشروع قوى 14 اذار، في قيامة لبنان.
وهل أفرزت الديمقراطية اللبنانية عسلا يا هذا؟
ولو لم تفرز الديمقراطية اللبنانية عسلا لما استطاع لبنان تحرير أرضه وفرض الانسحاب على اسرائيل عام 2000 وعام 2006 دون قيد او شرط. ولو ان في سوريا ديمقراطية لأفرزت عسلا بشهده وحررت جولانها منذ زمن ودون قيد او شرط!

ليست هناك تعليقات: