الثلاثاء، أكتوبر 21، 2008

عن ثقافة هز الذنب ومسح الأحذية

عطا مناع

التشابك والضبابية وتداخل الأشياء والمواقف المسقطة على السلوك الاجتماعي للأفراد والجماعات ما يميز الحالة الاجتماعية العربية بشكل عام والفلسطينية المنقسمة على نفسها بشكل خاص.

الصورة غير واضحة فقد لوثتها الممارسات النخبوية التي دفعت بمجتمعنا الفلسطيني لقاع القاع، ومخطيء من يعتقد أن الانقسام السياسي الفلسطيني لم يتجذر ويضرب عميقا في الأرض، جذور هذا الانقسام رويت بدماء الإنسان الفلسطيني وأبناء فصائلة الفلسطينية، وتحول لثقافة لها عيون وآذان وسواعد تنهال بعصيها على رؤؤس المواطنين الفلسطينيين، وكنت أتمنى أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فلكا مرحلة سياسية أو حقبة زمنية أعراضها، ومرحلتنا قديمة ومتجددة ولكنها تحمل ذات العناوين البائسة التي شهدناها ما قبل اوسلوا وما بعد اوسلوا وخلال الانتخابات التي يفترض أنها المولد الشرعي للأداء الديمقراطي الفلسطيني الذي يتفاخر المنقلبون بشتى توجهاتهم بهذه الانتخابات التي أنتجت القهر والظلم لشعب بحث عن الخلاص من الاحتلال فكان حالة كمن يهرب من الدلف إلى المزراب.

وبصرف النظر عن المحاولات الجارية من قبل جمهورية مصر العربية والجامعة العربية لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، فلا باس من إماطة اللثام عن التعقيدات المعاشة فلسطينيتا، تعقيدات اختلطت بقوت المواطن الفلسطيني وأصبحت كظلة، ورغم صعوبة الحالة التي تنضح قمعا وفسادا وإفسادا وامتهانة لحياة الإنسان الفلسطيني الذي بات أسيرا لأجهزة القمع والمليشيات المسلحة والزنازين التي تضاهي زنازين الدكتاتوريات الأكثر قهرا في العالم، والأنفاق التي نقدم لها بين اليوم والآخر قرابيننا على مذبح الانقسام المخملي الذي توالدت في أحشائه طبقات استباحت اليابس والأخضر من اجل الحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية.

المعضلة الأكثر تعقيدا في المشهد الفلسطيني والتي فاقت خطورتها التصور تتمثل في التقوقع الشعبي بنسب ملفتة، وكان حال الناس لا أرى لا اسمع لا أتكلم، وإذا وجدت من يتكلم تجد خطابا غاضبا يصب حقدة أولا على الذات وثانيا على الواقع الذي أنتج قيادة تتعاطى مع شعبها كقطيع وتستخدمه في سياسة عض الأصابع تلك الموضة الجديدة التي تزرع القهر والموت الجسدي والوطني في الوطن المحتل، ناهيك عن الحقد الذي بات سيد المشهد الفلسطيني عموديا وأفقيا.

هذا الوضع فتح الباب على مصراعية للطابور الخامس وصيادي المكافئات ومن لهم مصلحة بتفاقم ألازمة، وبالطبع يقف خلف هؤلاء جيشا كبيرا من الذين"يعرفون من أين تؤكل الكتف" أو أصحاب الأذناب الطويلة الذين يجيدون أسلوب هز الذنب واللعب على التناقضات واقتناص الفرص، لذلك نرى موجات المبايعة الجاهزة ومسح الجوخ للأيدي الملطخة بدماء الأبرياء والمعلقات الشعرية والسياسية والفتاوى المعلبة المناقضة لثقافة التسامح الديني والفلسطيني.

نموت في الشوارع ونلعن أنفسنا، نأكل نفايات المستوطنات ونشعر بالذنب، نعذب في الزنازين ونبرر للجلاد، نغرق بذل التطبيع الشعبي ونضع رؤؤسنا بالرمل، تنتهك حقوق مرضانا ونحتج ببعض الغضب، تحولنا لقبائل سياسية عبثية يضع فيها الضعيف العصابة على عينية، لا نجرؤ للنطق بكلمة لا، وإذا قلناها فهي قابلة لأكثر من تفسير، لا نعرف هل سنعود إلى قرانا التي هجرنا منها أم لا، هل سنغيد بناء الأجهزة الأمنية أم لا، هل القدس فدسنا والأقصى أقصانا، هل منظمة التحرير ما زالت تنبض بالحياة، وهل نحن متمسكين بأسرانا، أنا اعرف أن الشعار المطروح يؤكد ما سبق، ولكن أين نحن من الممارسة.

قد يكون الحل في التمرد على الثقافات الدخيلة علينا، لأننا نحن الشعب الخاسر الأوحد، لأنة وبكل بساطة هناك حقائب جاهزة للقفز من السفينة إذا جنحت، قد يكون الحل يرفع شعار الشفافية وتحريم الاعتقال السياسية فعلا لا قولا، وملاحقة أصحاب الأجندات المناهضة لمصالحنا بالكلمة وما أكثر أصحاب الكلمة الصادقة من الكتاب والصحفيين.

يحضرني الشهيد الفلسطيني يوسف محمد احمد ريحان"أبو جندل" احد أبطال معركة مخيم جنين، ففي عام 1996 عندما اندلعت هبة النفق الذي شقة الإسرائيليون أسفل الحائط الغربي للمسجد الأقصى، كان أبو جندل يخدم في الأمن الوطني الفلسطيني ببيت لحم، وقد نقل للخدمة في منطقة جنين بعد أن أعلن الإسرائيليون عن استهدافة لمواقفه المشرفة في بيت لحم، وان لم تخني الذاكرة وحسب الرواية المتناقلة فقد فتح الأقسام على احد جنود الاحتلال وهو من عناصر الارتباط التي كانت تجوب شوارع المحافظة التزاما باتفاق اوسلو، رحم اللة أبو جندل وكل الشهداء الذين جادوا بأرواحهم ومواقفهم وكانوا رجالا حقيقيين في لحظات الشدة.

ليست هناك تعليقات: