الاثنين، أكتوبر 13، 2008

عكا .. لا تخاف من هدير البحر

د. عدنان بكرية

فلسطين ال 48

كأننا عشرون مستحيل في اللد , والرملة , والجليل //هنا .. على صدوركم , باقون كالجدار
وفي حلوقكم كقطعة الزجاج , كالصبار وفي عيونكم زوبعة من نار

هل نترك عكا تغرق في بحر الحقد والعنصرية ونقف صامتين ؟! عكا مدينة تمثل برمزيتها التاريخية الكثير ... فاسوارها تشهد على هزيمة الغزاة التاريخيين ! وهاهي مدينة البحر تقاوم كل طغاة العصر فقد تحولت امواجها الهادرة الى اعاصير تقذف الزبد بوجه كل من يتطاول على اهلها الصابرين الصامدين المؤمنين بحتمية البقاء والتجذر عميقا رغم انفهم جميعا .
فاليك يا مدينة الغضب الهادر .. لاهلك الطيبين المرابطين على الاسوار والواقفون على حدود النار نقول ... لا تهتزي يا مدينة الاسوار فامامك شعب جبار وقلاع ومتاريس وقبضات .. اليك يا مدينة الحب والتآخي .. اليك تحيتنا وحبنا والمنا واملنا ... لا تهتزي يا ابنة الساحل ويا عروس البحر .. سنمتطي هودجك ونصرخ ... هنا على صدوركم باقون كالجدار .


صغارا كنا عندما زرناك لنرى التاريخ ونسمع حكايا البطولات .. وعلى شواطئك نسجنا حلمنا الجميل ..عشقناك حتى الثمالة ... عشقنا البحر الهادر والموج يداعب محياك .. عشقناك لاننا راينا التاريخ يتمترس على اسوارك وعلى مآذنك العالية .. وعندما يعلو صوت المنادي الله اكبر كنا نرى صلاح الدين خارجا من بوابتك الكبيرة العالية كتاريخك .. وكنا نرى السفن المغادرة بحرنا .. فيا بحر .. يا بحر اشهد .. وسجل ايها التاريخ ... انها مجزرة العصر !!
****
مخطط عنصري لعين بدء بتنفيذه منذ ان وطأت اقدام (موشيه وشلومو ) ارض الرباط .. لم يرق لهم بان تكون مدينة التاريخ موطنا لسكانها الاصليين ..لم يرق لهم (احمد ومحمد وجريس والياس) يتسامرون حول موقد النار في ليالي الشتاء !فشرعوا بتضييق الخناق على المواطنين الاصليين تارة من خلال حرمانهم من ادنى مقومات الحياة وتارة من خلال (تزهيقهم وتطفيشهم ) الى القرى المجاورة .. فهم يريدون عكا نظيفة من العرب !! نظيفة من الغرباء !! لكن الانسان الذي رضع من نهود البحر ابى .. ابى الا ان يحافظ على التاريخ ويصونه من اعداء التاريخ ومن كل بضاعتهم المستوردة كتاريخهم !!
صمدت عكا وبقيت ما بقي البحر الهادر تعانقه كلما طلع فجر جديد ... فيا عكانا ويا بلدنا ويا موطن ابناءنا ... لا تخافي هدير البحر .. ولا تخشي الرياح العاتيات .. لقد تعودت يا امنا .. تعودت على جرح الاماني ... ولك ما تريدين لك .. الحب .. لك الاغاني .. لك الأماني ..لك رقصة الصبايا على رمال شاطئك .. لك قبضة الصياد ..لك حجارة الأسوار ... ولا شيء يثنينا عن عشقك يا مدينتنا الأبدية.. لا شيء يثنينا عن حماية أسوارك التي حمتنا من هولاكو القديم ..ولا شيء يثنينا عن صد (نابليون )الجديد .. فاصمدي يا ابنة البحر وعروس البلاد .



أنت التي مرغت (نابليون ) وعلى أسوارك انتحر الغزاة !. هل تذكرين يا عكا الحزينة.. هل تذكرين شهداءك الثلاثة ( عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي )؟! عندما تسابقوا نحو الموت فداءا لك ولمآذنك ولشعبك الباقي شامخا كأسوارك غاضبا كبحرك !
****
اعلم انك لن تستسلمين لاحقادهم ولن ترضخين لاملاءاتهم ستبقين شامخة بأهلك محافظة على هويتك ...فهويتنا سحنة سياسية قومية توارثناها أبا عن جد فترسخت في وجداننا وأصبحت جزءا من الذاكرة الجماعية للفلسطيني أينما كان .. هي انتماء للأرض والتراب والشجر والحجر .. هي مساحة من الجرح الفلسطيني والعربي ... هي آهة من الألم الفلسطيني ونبضة من الحياة ...هي الحياة بعينها... هي جذور امتدت إلى ما قبل التاريخ ورست عميقا في هذه الأرض الطيبة.. هي حكايا شعب بأكمله .. وإذا كان حكام إسرائيل يرون بنا ضيوفا غير مرغوب بهم وأيتاما على موائدهم..نقول لهم بصوت مدو مجلجل ما قاله الكبير محمود درويش :
(((سجل...انا عربي...انا اسم بلا لقب // صبور في بلاد كل ما فيها يعيش بفورة الغضب //
جذوري قبل ميلاد الزمان رست وقبل تفتح الحقب // وفبل السرو والزيتون وقبل ترعرع العشب فهل ترضيك منزلتي ؟// سجل انا عربي //انا اسم بلا لقب.)))
وجودنا على هذا التراب وانتماؤنا له لا يخضع لارادتهم الباطلة ، بل هو وجود طبيعي وانتماء أزلي... يتعزز كلما تقدم التاريخ بنا إلى الأمام ويترسخ كلما اشتد البطش والقهر ومهما استحدثوا من آليات لتطويعنا وإخضاعنا ومحاصرة شرعية وجودنا .. إلا أننا باقون هنا نهتف باسم الزعتر والزيتون إنا على العهد باقون .
***
لقد دأبت إسرائيل ومنذ عام 48 على محاولة إقصائنا ،فلم تترك مجالا إلا وجربته .. كنا وما زلنا اسود تجارب لأدواتها وسلاحها ... كنا وما زلنا الجبل الذي تتحطم على سفوحه عواصفها وتخر مكسرة الأجنحة... كل أدواتها فشلت في تركيعنا وتطويعنا وزحزحتنا قيد أنملة عن طريقنا الذي اخترناه! كل سلاحها النفسي والحربي لم يستطع خدش إرادتنا وذاكرتنا، لا بل كان له فعل عكسي، إذ قوّى المناعة المكتسبة لدينا وأوقد فينا نار التحدي... وصلّب عزيمتنا وأصبحنا أكثر إصرارا على البقاء والوجود متماسكين خلف متراس التحدي ! فهل تتعقل حكومة إسرائيل ؟! وتقر بأننا نحن أصحاب التاريخ والوطن والأرض والشرعية... نحن الشرعية بذاتها .. ولا شرعية لطائر يحلق في الفضاء بدوننا ! لا شرعية لشجرة تزرع دون أن تروى من عرقنا ! لا شرعية للعصى التي ترفع بوجوهنا .. ولا شرعية لحرب تقاد بطائرة ضد طير وعصفور .. هذه هي حكمة التاريخ ... والحكمة التي يجب أن يعيها الجميع هي انه .. لا بد أن ينتصر الكف على المخرز ... لا بد ان ينتصر الجرح على السكين !
فاهتفوا يا اهلنا في هذا اليوم ورددي ايتها الجبال ..رددي ايتها الوديان

هنا غلى صدوركم باقون , كالجدار
نجوع .. نعرى .. نتحدى ننشد الأشعار
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونملأ السجون كبرياء
ونصنع الأطفال .. جيلا ثائرا .. وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد , والرملة , والجليل

ليست هناك تعليقات: