الاثنين، أكتوبر 27، 2008

ضوء في آخر النفق

عطا مناع

تجمع الفصائل الفلسطينية المتحاربة منها والمحايدة والتي تدور في فلك طرفي الصراع على ضرورة الخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي، وقد يكون حوار القاهرة الفرصة الأخيرة للفلسطينيين ومحاولة لإنقاذ ما يمكن انقاذة من أسباب الحياة في فلسطين التي بات كل قطاع يقبل القسمة على اثنين أو ثلاثة وحتى عشرة.

وبصرف النظر عن التجارب الفلسطينية الحوارية في القاهرة ومكة وصنعاء، تلك التجارب الفاشلة بامتياز نظرا لعدم توافقها مع الاحتياجات الفلسطينية الحقيقية على الصعد السياسية والحقوقية واعتمادها مبدأ المحاصصة في التعاطي مع الحياة الفلسطينية السياسية، فقد نجحت مصر نسبيا في إطلاق لغة جديدة من الخطاب الفلسطيني من خلال اللقاءان المنفردة مع كافة الفصائل الفلسطينية، وتكللت حوارات القاهرة المنفردة بالمسودة المصرية التي وافقت عليها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح القطب الرئيس في الصراع مع حركة حماس التي أبدت تحفظات على المسودة المصرية مع موافقة ضمنية على الجلوس على طاولة الحوار.

حاولت حركة حماس العودة بتاريخ الحوار الفلسطيني الداخلي وبالتحديد لاتفاق مكة الذي كان القشة التي فجرت قطاع غزة، حماس أرادت الجلوس منفردة مع حركة فتح مستثنية بذلك الكل الفلسطيني، إلا أن حركة فتح استوعبت تجربة مكة لإدراكها ان بعدها الوطني والاستراتيجي يعتمد على منظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني رغم هشاشة المنظمة التي بحاجة لوصفة سحرية للخروج من سباتها وسيطرة المتقنفذين عليها ومحاولة تحويلها مؤسسة من مؤسسات السلطة الفلسطينية أو تابع يبصم على ما تقوم به حكومة تسيير الأعمال من قرارات.

ما يطرح من الفصائل الفلسطينية عبر وسائل الإعلام مبشر نسبيا ويدعونا للقول أن هناك ضوء في آخر النفق الخلافي الفلسطيني، وخاصة أن للعاطفة الفلسطينية الشعبية والأطراف والشرائح التي لا ناقة ولا جمل مصلحة في إطفاء نار الاقتتال بين فتح وحماس، ولكن يفترض موضوعيا ومنطقيا ووطنيا أن يلمس المتابع اختلاف في الأداء الفلسطيني الميداني في طرفي الوطن الممزق، يفترض أن يطلق سراح المعتقلين السياسيين أو كحد أدنى إيقاف الملاحقات السياسية لعناصر حماس في الضفة وعناصر فتح في غزة، ويفترض حتى يتحول الخطاب الإعلامي المنصب على مسودة الحوار وتمجيد الأداء المصري أن ينسحب على الساحة الفلسطينية باعتماد سياسة تعبوية تشارك فيها شخصيات وقيادات لها ثقل سياسي ودور في الحياة السياسية الفلسطينية في الضفة وغزة على حد سواء.

يمكنني رؤية الضوء في آخر النفق عندما لا قرأ القلق في كلمات عضو اللجنة المركزية لحركة فتح إبراهيم أبو النجا عندما قال قبل أيام لن نتراجع عن إحياء الذكرى الرابعة لاستشهاد ياسر عرفات، كلمات أبو النجا تدعو للقلق وتشوش الرؤيا ويصبح الضوء ضعيفا وتطول الطريق في النفق، وما قاله السيد أبو النجا الذي يعرف الواقع في قطاع غزة ويطل على ما يجري في الغرف المغلقة يعطينا رواية مختلفة عن ما يطرح في وسائل الإعلام، ولكن مرة أخرى لا بأس من التفاؤل والتعويل على النوايا المعلنة للقيادات الفلسطينية التي توزع التصريحات المتفائلة يمينا وشمالا.

الموقف الفلسطيني الداخلي ضروري لإنهاء الصراع، إلا أن التحرر من أسياد الصراع الحقيقيين الدوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية والإقليمين وعدم الخضوع للعبة المكشوفة واستخدام فلسطين والشعب الفلسطيني في اللعبة التي تمارسها تلك القوى شرط ضروري لإنجاح الحوار، وبتحقيق هذا الشرط تعاد الكرامة للقرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي أنهكته الوعود الكاذبة التي لعبت على عامل الزمن وتصعيد الانقسام الفلسطيني كمقدمة للتعاطي مع الانقسام السياسي والجغرافي في فلسطين كحتمية لا مهرب منها.

تبقى الحلقة المفقودة للقوى الفاعلة في فلسطين المحتلة البرنامج الوطني المتوافق علية من كل الفصائل الفلسطينية التي يفترض أنها تمثل ألوان الطيف السياسي والوطني، ومع الآخذ بعين الاعتبار الفجوة الكبيرة في الخطاب السياسي الفلسطيني الذي انقسم على نفسه بين الدعوة للوصول للحقوق عن طرق المفاوضات التي أثبتت فشلها وباعتراف كبار المفاوضين الفلسطينيين وعلى رأسهم احمد قريع الذي عاد مؤخرا من الولايات المتحدة معلنا يائسة من الإدارة الأمريكية أو الخطاب المقاوم الذي طحنته التهدئة واستمرأ ثقافة الأنفاق كتعبير عن الحالة الاقتصادية التي أشبعت غرور ومصالح الطبقة الطفيلية الفلسطينية والتي تحولت لقبور للطبقات الفقيرة الباحثة عن رغيف الخبز.

في المحصلة الشعب ملزم أن يرى الضوء في نهاية نفق الاقتتال والانقسام وهو معني بذلك لأنة استخدم كحطب لنار الاقتتال التي شوهت الشخصية الوطنية الفلسطينية، للشعب أحلامه وطموحاته رهاناته والمستقبل، والسؤال الموجهة لإطراف الصراع الذاهبة لمصر بداية الشهر القادم هل ترى ضوء في آخر النفق، أم أن ما نتابعة مجرد أحلام وسراب.

ليست هناك تعليقات: