الأربعاء، أكتوبر 29، 2008

نهج الانتظار والمراهنة على الخارج

صبحي غندور

هناك حالة ترقّب وانتظار تلفّ العالم كلّه لمعرفة ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية من نتائج ستؤثّر حتماً على قضايا دولية عديدة تشمل الاقتصاد والأمن والسياسة، كما ستحدّد مصير حروب وأزمات افتعلتها إدارة بوش ولم يُحسَم أمرُها بعد.

وإذا كان من الطبيعي أن تكون المنطقة العربية في مقدّمة الدول التي تضع نفسها الآن على "لائحة الانتظار" لمعرفة من هو الرئيس الأميركي القادم وكيف ستكون سياسته الخارجية، جرّاء ما تعانيه المنطقة من أزمات معنيَّة بها واشنطن مباشرةً، فإنّ من غير الطبيعي أن تستمرّ الأوضاع العربية مرهونةً بما يريده الخارج، أو بما يحدث فيه من متغيّرات، دون أي تدخّل فاعل للإرادة العربية أو أصلاً بسبب عدم وجود إرادة عربية مشتركة تستبق المتغيّرات الدولية والإقليمية، أو تتهيّأ في الحدّ الأدنى لها بما لا ينعكس سلباً على المنطقة العربية.

فالمراهنات العربية على الخارج هي سمة السياسات الرسمية العربية لحوالي قرن من الزمن، وبوادرها كانت في مراهنة الزعماء العرب بمطلع القرن العشرين على الأوروبيين لمساعدتهم في التخلّص من "الهيمنة العثمانية" التي اشتدّت آنذاك بها حركة التتريك العنصري، وباستثناء محدود في عقديْ الخمسينات والستينات من القرن الماضي، فإنّ الاستقطاب الدولي لدول المنطقة العربية كان الحالة الغالبة على قضاياها وحكوماتها. وهاهي المنطقة الآن تعيش مرحلة جديدة من الاستقطابات الدولية/الإقليمية في ظلّ غياب متواصل لمشروع عربي مشترك ولإرادة عربية مشتركة.

ولعلّ آخر مرّة شهدت فيها المنطقة العربية حالةً من التضامن العربي الفعّال، ووجود رؤية عربية مشتركة، كانت في مرحلة ما بعد حرب العام 1967 حينما حصلت قمّة الخرطوم وما جرى فيها من اتفاق على "استراتيجية عربية مشتركة لإزالة آثار العدوان الإسرائيلي". وقد نجحت هذه السياسة التضامنية رغم أجواء "الحرب الباردة" وسياسة الاستقطاب بين المعسكرين الدوليين آنذاك، وكانت حرب أكتوبر 1973 أبرز نتائجها الإيجابية. لكن منذ خروج مصر/السادات من الرؤية العربية المشتركة للصراع العربي/الإسرائيلي، حصل الانهيار في بيت التضامن العربي، ولم يتمّ حتى الآن إعادة بنائه من جديد رغم محاولات الترميم المحدودة التي حصلت أكثر من مرة ولم تعمّر طويلاً.

الآن تنتظر المنطقة العربية نتائج الانتخابات الأميركية القادمة، كما هي أيضاً في حال الانتظار لما ستقرّره إسرائيل بشأن أزمتها الحكومية، في الوقت الذي ما تزال به الصراعات والخلافات العربية سائدة، ولا نجد في الأفق آمالاً برأب صدع هذه الخلافات ولا في وضع منهجية عربية واحدة تتعامل مع أزمات خطيرة تعصف بالمنطقة في مشرقها ومغربها وأوسطها الإفريقي.

أيضاً، فإنّ غياب التضامن العربي وهيمنة حال المراهنة على متغيّرات إقليمية ودولية، يحدثان في ظلّ وجود احتمالات عن تصعيد أمني بالمنطقة يمكن أن تقوم به إدارة بوش، في أشهرها الأخيرة بالحكم، ممّا يضع الرئيس الأميركي الجديد أمام أمر واقع يضطرّ للتعامل معه، وخاصّة إذا كان الرئيس المرتقب هو باراك أوباما.

ورغم تنوّع التحدّيات التي يواجهها العرب الآن واختلاف ساحاتها، فإنَّ كلاً منها يصيب المنطقة العربية كلّها ولا يعني بلداً دون الآخر، كما أنَّ للولايات المتحدة دوراً حاسماً في كيفية التعامل سلباً أم إيجاباً مع كلِّ عنصرٍ من هذه التحدّيات.

والمؤسف في واقع الحال العربي، أنَّه رغم الاشتراك في التحدّيات والهموم، فإنَّ الحكومات العربية تتعامل مع هذه المسائل (وغيرها أيضاً) من منظورٍ فئويٍّ خاصّ وليس في إطار رؤيةٍ عربيةٍ مشتركة تصون الحقَّ وتردع العدوان وتحقِّق المصالح العربية.

فانعدام الرؤية العربية المشتركة يقوم على حالةٍ من الصراعات العربية/العربية وتجزئة الإمكانات والطاقات العربية، بينما الرؤية الأميركية الواحدة للمنطقة تقوم على إمكانات وطاقات أكبر قوةٍ عسكرية في العالم المعاصر، وتستند أيضاً إلى قوة إسرائيل في المنطقة.

وهذا التباين في واقع الحالين العربي والأميركي، يجعل من "رغبات" واشنطن لدى بعض الحكومات العربية أشبه ما تكون بأوامر سياسية يتوجَّب تنفيذها وإلا فإنَّ الضغوطات العسكرية والاقتصادية تفرض تنفيذ هذه "الرغبات"!

وليس هناك في العالم اليوم حالة من الاستقطاب الدولي كالتي كانت قائمة إبان "الحرب الباردة" لكي تنفرز الحكومات العربية بين صديقٍ وعدوّ لهذه الدولة الكبرى أو تلك، فكلّ الحكومات العربية (كما هو الآن معظم العالم تقريباً) في حال نسبي من "الصداقة" مع أميركا أو حال طلب الود معها!.

إذن، المشكلة عربياً هي بانعدام القرار العربي في وضع رؤيةٍ عربية مشتركة، وفي عدم تحمّل مسؤوليات الدور القيادي المنشود لأكثر من طرفٍ عربي، وكأنَّ النظام الإقليمي العربي مرتاح لهذا الواقع العجوز طالما أنَّه يحافظ على استمرار النظم والمصالح الخاصَّة الموروثة فيها!

وستبقى التحدّيات على العرب قائمة بل ومتراكمة طالما أنَّ منهاج التعامل معها لا يخرج عن صفقاتٍ فئوية تحدث في السرِّ والعلن، فتُحقِّق منافع خاصَّة لكن لا تؤدّي إلى معالجة الأمراض العامَّة في المنطقة والتي تتحوَّل إلى أوبئةٍ تصيب أيضاً من عقدوا الصفقات واعتقدوا أنَّهم قد حقَّقوا الأمن الخاص والسلام المنفرد!.

إنَّ إسرائيل لم تنسحب من سيناء إلا نتيجة حرب أكتوبر عام 1973 واستخدام التنسيق العربي المشترك بأوجهه السياسية والعسكرية والاقتصادية، بما في ذلك التحالف المصري/السوري/السعودي الذي جمع بين الحرب على جبهتي سناء والجولان، وبين دور النفط في المعركة.

وإسرائيل لم تنسحب من جنوب لبنان إلا نتيجة المقاومة الوطنية اللبنانية والتضامن اللبناني والإقليمي معها، كذلك كان فيما بعد دور المقاومة الفلسطينية في إجبار إسرائيل على الانسحاب من قطاع غزة. بينما لم يؤدِّ توقيع الاتفاق السرّي في أوسلو إلا لمزيدٍ من العدوان الإسرائيلي والاستهتار بحقوق الشعب الفلسطيني، وحينما نصَّ اتفاق أوسلو على تعبير (إعادة انتشار) وليس إنهاء احتلال الجيش الإسرائيلي، فإنَّ إسرائيل أعادت احتلال المناطق التي اعتقد البعض أنَّ تسوية أوسلو جعلتها خاضعة فقط لسلطةٍ وطنيةٍ فلسطينية!.

لعلَّ الحديث عن أهمية التضامن العربي هو مجرّد أمنية الآن، فتداعيات التحدّيات الخطيرة التي تواجه الأمَّة العربية، تجعل الوضع العربي – بواقعه العجوز والعاجز - مهموماً بأكثر من قضية، في ظلِّ أكثر من رؤية وقيادة، لشوارع عربية محكوم على شبابها الآن عدم مشاركتهم عملياً في صنع مستقبلهم!

ليست هناك تعليقات: