الأربعاء، أكتوبر 15، 2008

ديمقراطية الغرب كذبة كبيرة...فلا تصدقوها

محمود كعوش

لأن التشدق يزداد ويفيض معه الكيل:
اسألوا صديقي عنها "يقرئكم السلام"!!
التطرق إلى موضوع الديمقراطية الغربية بما في ذلك ديمقراطية "العم سام" في الولايات المتحدة على خلفية خضوعها لازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بالمسلمين والعرب ، لا يعني بالضرورة رفضنا للديمقراطية بمفهومها الصحيح وأهمية إرساء قواعدها في العالم الإسلامي والوطن العربي . فالمسلمون والعرب كانوا ولا زالوا يناضلون من أجل ردم الهوة بينهم وبين حكامهم ، وتمهيد الأرضية الصالحة للديمقراطية وإشاعتها في بلدانهم . لكنهم يسعون وراء ديمقراطية تتواءم مع واقع حالهم وتعاليم دياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم لا وراء ديمقراطية مستوردة من الغرب لم تعد هي بالأصل موجودة فيه أو ديمقراطية تُفرض عليهم فرضاً وتكون وفق المقاييس الغربية بشكل عام والأميركية بشكل خاص ، ووفق ما تفترضه الاستراتيجية الأميركية – الصهيونية المشتركة . وعلى مدار أكثر من سبعة أعوام أعقبت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ، تواترت التصريحات الشفهية والخطية وما تزال تتواتر في وسائل الإعلام الغربية المرئية والمسموعة والمكتوبة ، الصادرة عن كبار المسؤولين الغربيين وبالذات الأميركيين بدءاً بالرئيس جورج دبليو بوش وانتهاءً بأصغر موظفٍ في الخارجية والبنتاجون حول إصرار وعزم الولايات المتحدة الأميركية على فَرْض "ديمقراطيتها" على المسلمين بشكل عام والعرب بشكل خاص . وأستذكر في هذا المقام ما جاء في مقالة لوزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول نشرتها له صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها الذي استقبلت به الفاتح من العام الميلادي 2004 ، لأن ما جاء في المقالة صور ذلك الوضع بشكل واضح لا لبس فيه .
قال باول يومها : "إن جهودنا في أفغانستان ستستمر ، لأننا عقدنا العزم على تحويل هدف الرئيس جورج دبليو بوش الخاص بشرق أوسط حر وديمقراطي إلى حقيقة واقعة . سنقوم بتوسيع مبادرة الشراكة الأميركية - الشرق أوسطية لتشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والتعليمي في جميع أنحاء المنطقة ، كما أننا سنقف إلى جانب الشعب الإيراني وغيره من الشعوب التي تعيش في ظل أنظمة مستبدة أثناء نضالها في سبيل الحرية". وأضاف باول: "لقد شعرت إيران بضغطنا وضغط حلفائنا المتواصل عليها للكشف تماماً عن برنامج أسلحتها النووي ، وقد بدأت القيام بذلك . كما نبذت ليبيا الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل بفضل استراتيجية الرئيس بوش القوية في مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل". لكن وزير الخارجية الأميركي السابق لم يُشر آنذاك إلى أسلحة الدمار الشامل المخزنة في الكيان الصهيوني بالطبع، مثله مثل جميع السياسيين الأميركيين الآخرين وعلى رأسهم جورج دبليو بوش نفسه. و كان هذا غيض من فيض ما جاء في مقالة كولن باول "العتيدة" قبل خمسة أعوام من الآن . وما تبعها من مقالات خطها باول بقلمه حول الديمقراطية الأميركية "الموعودة" وأعقبها من مقالات خطها قلم خليفته كونداليزا رايس كان أدهى وأمر وأسوأ !! لكن من سخرية القدر، لا بل من المضحك المبكي، أن عام 2004 قد توارى، ثم توارت بعده أربعة أعوام وبتنا على مشارف نهاية الشهر العاشر من عام 2008 الجاري حيث نقترب من انتهاء ولاية الرئيس بوش وبدء ولاية جديدة لرئيس أميركي جديد تفرزه الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الولايات المتحدة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم ولم يتحقق ولو نذر يسير من "ديمقراطية" الولايات المتحدة المزعومة !!
11 سبتمبر/ أيلول 2001 تاريخ مشؤوم كان ولم يزل الذريعة والمبرر!!
منذ 11 سبتمبر/ أيلول 2001 والحديث المندفع بعصبية وتوتر عن "الأصولية الإسلامية والإرهاب العربي" يتوازى مع الحديث عن "محاسن ومزايا" الديمقراطية الغربية وضرورة إرساء دعائمها في الشرق الأوسط عامة والوطن العربي خاصة ، إن لم يكن بالترغيب فبالترهيب . ويوماً بعد آخر بدأت وتيرة هذا الحديث تتصاعد أكثر فأكثر . ومنذ ذلك التاريخ ، تحوّلت الديمقراطية إلى سلاح تُشهره الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص وبلدان الغرب بشكل عام في وجه أي بلدٍ إسلامي أو عربي لا ينصاع للإرادة الأميركية ـ الغربية المشتركة ، ولا يستجيب لمتطلبات الاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية ومشروعها الاستعماري – الاستيطاني التوسعي في منطقة الشرق الأوسط ، بما في ذلك الوطن العربي بالطبع . والحقيقة أن هذه الديمقراطية قد تجاوزها الزمن وأصبحت أثراً بعد عين ، أكان ذلك في الولايات المتحدة الأميركية أو في معظم بلدان الغرب. وهنا لربما يجوز لي استثناء اسكندنافيا بشكل عام وفرنسا بشكل أو آخر. وهذه الديمقراطية لم تعد سوى شعارٍ أو يافطة للمشروع الاستعماري – الاستيطاني التوسعي ، لإعطائه "المشروعية" وإضفاء الصبغة الواقعية عليه ، وبالأخص فيما يتعلق منه بمنطقة الشرق الأوسط ، وعلى أخص الخصوص الوطن العربي . وكما أن السياسة الأميركية خاصة والغربية عامة تكيل بمكيالين عندما يتصل الأمر بالشرق الأوسط وبالأخص الوطن العربي ، فإن الحال هو كذلك مع الديمقراطية التي أصبحت ظرفية وتتلوّن وفق الظروف والأهواء والمصالح ومتطلبات السياسة.
دخلت الديمقراطية في غيبوبتها يوم أصبح العالم أحادي القطبية
غُيبت الديمقراطية مع تغييب الأمم المتحدة ومجلس أمنها لتمرير العدوان الأميركي - البريطاني على العراق في عام 2003 ، لا بل غُيبت قبل ذلك بكثير ولربما مع سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي في نهاية عقد الثمانينات وبداية عقد التسعينات في القرن الماضي . ولم يتبق من هذه الديمقراطية غير الشعار واليافطة كما أسلفت الذكر لرفعهما بين الحين والآخر خدمة لمصلحة المشروع الأميركي - الصهيوني الاستعماري التوسعي. نعم غُيبت الديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية والعديد من بلدان الغرب وأدخلت غرفة العناية الفائقة "الإنعاش" مع تحول العالم إلى أحادية القطبية . غُيبت قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001 ، فكيف الحال مع هذه الديمقراطية بعد ذلك التاريخ ؟ فالحرب على العراق التي شُنّت في عام 1991 وبعدها حرب البوسنة والهرسك "سراييغو" وحرب يوغسلافيا ومن ثم حرب أفغانستان واحتلالها وحرب العراق واحتلاله أخيراً مثلت شواهد حية للديمقراطية الغربية قبل وبعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 . أما ما يجري من استهداف للمسلمين والعرب في الولايات المتحدة بصورة خاصة والعالم بما فيه الغرب بصورة عامة ، وهو ما اعترف وأقر به الأمين العام السابق للمنظمة الأممية المُغيبة كوفي أنان ، لهو شاهد آخر على الديمقراطية الغربية "وفضائلها ومحاسنها وحسناتها" !! ولعلّ ما هو حاصل من صَمتٍ مُطبقٍ تجاه التقتيل والحصار والتجويع والإذلال للإنسان والفتك بالشجر والحجر في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق ما هو إلا شاهد الشواهد على هذه الديمقراطية المزيفة . ولا ننسى الديمقراطية الغربية المطبقة في معسكر غوانتانامو منذ احتلال أفغانستان عام 2002 . إنها الديمقراطية الغربية عامة والأميركية خاصة التي يريدون تصديرها إلى العالم الإسلامي والوطن العربي ، لا بل هي الديمقراطية التي يريدون فرضها عليهما قصراً بالعصا بدون جزرة وبالترهيب بلا ترغيب . ولا شك أن "الديمقراطية" الصهيونية المولودة أصلاً من ضلع الديمقراطية الغربية لا تقل عنها "سذاجة وسخافة" من حيث "الفضائل والمحاسن والحسنات" !
اسألوا صديقي عن "كرابيج" الديمقراطية الغربية "يقرئكم السلام" !!
قبل سبعة عشر عاماً قُدِرَ لصديقٍ عزيز جداً أن يتذوق "كرابيج" الديمقراطية الغربية ولم يزل طعمها تحت أسنانه ، لا بل لم يزل يدفع ثمن تلك الكرابيج حتى يومنا هذا . وهي إذا ما قيست بـ"كرابيج" الديمقراطية الغربية التي تذوقها مسلمون وعرب آخرون لا تُحصى أعدادهم منذ 11 سبتمبر/ أيلول 2001 حتى اليوم ، فلا تشكل "إبرة في كومة من قش" حسب تعبير لوزير الدفاع الأميركي السابق سيئ الذكر دونالد رامسفيلد استعمله مراراً وتكراراً قبل أن تتمكن قوات الاحتلال الأميركية من أسر الرئيس الشهيد صدام حسين في ديسمبر/ كانون الأول 2003 . نعم ، تذوقها صديقي قبل ذلك بكثير ، تذوّقها قبل سبعة عشر عاماً كما أسلفت الذكر . وكان ذلك في واحدة من أكبر "ديمقراطيات" الغرب ، لا بل في أُم الديمقراطيات الغربية كما يطيب للغربيين عامة والإغريق خاصة أن يطلقوا عليها . كانت ديمقراطية أبعد ما تكون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بها وفي مقدمها اتفاقية جنيف "حسنة الصيت والسمعة !!" ، تلك الاتفاقية التي لربّما تُطبق في معظم الأحيان على الجميع باستثناء المسلمين والعرب .
كان ذلك في يناير/ كانون الثاني 1991 ، وتحديداً في الثامن عشر منه بعد ساعات قليلة من قيام جيش الرئيس الشهيد صدام حسين بتوجيه صواريخه إلى تل أبيب رداً على بدء العدوان الثلاثيني بقيادة الولايات المتحدة الأميركية على العراق ، ذلك العدوان الذي حلا لواشنطن أن تُطلق عليه تسمية "عاصفة الصحراء" والذي وقع بذريعة (احتلال الكويت وضرورة تحريرها) على حد زعم الولايات المتحدة وشركاؤها في ذلك العدوان . حينذاك كان صديقي واحداً ممن راعهم ما حدث لألف اعتبار واعتبار ، أبرزها خوفه على العراق في الإطار القطري والوطن العربي في الإطار القومي الأوسع . لقد كانت الكويت هي الذريعة والمبرر ، ولو لم تكن لأوجدت الولايات المتحدة وحلفاؤها ألف ذريعة وألف مبرر غيرهما !! كان صديقي في حينه يكتب لإحدى الصحف العربية الكبرى ، وكانت الصحيفة من أبرز الصحف المعارضة للاحتلال وصدام حسين مع أنها كانت تُطلق على الأخير إبان حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران لقب "فارس العرب".
هي ديمقراطية المخابرات وغرف العمليات الأمنية المشتركة
خمسة أشهر وبضعة أيام كانت قد مرّت على ضم الكويت للعراق "باعتبار أنها الفرع الذي عاد للأصل" ، قضاها صديقي في تدوين أرقام لوحات سيارات جهاز المخابرات في ذلك البلد الغربي "الديمقراطي" والتي كانت تتابعه وتقتفي أثره أربعاً وعشرين ساعة في اليوم ، وفي محاولة التملّص من رجال الاستخبارات الدوليين الذين برزوا علي سطح الأحداث فجأة ومن دون إنذار مبكر ونشطوا تحت أسماء ومسمياتٍ مختلفة وملفقة . فمنهم من كان يقدم نفسه ككاتب أو باحث يسعى وراء بحث أو دراسة خاصة بمنطقة الشرق الأوسط أو الوطن العربي ، وآخر كان يقدم نفسه على أنه صحافي جديد يسعى وراء المساعدة ، وثالث كان يدعي أنه رجل أعمال وافد يسعى وراء الإعلان لأعماله ومشاريعه في الصحيفة التي كان صديقي يعمل بها. رجال مخابرات البلد الغربي "الديمقراطي" كانوا يطاردون صديقي متجنبين الاحتكاك المباشر به ، وكان جل اهتمامهم أن يضعوه تحت ضغط نفسي ثقيل ومكثف فقط . هكذا كانت الأوامر والتعليمات الصادرة إليهم من الجهات العليا. والوافدون الجدد من رجال الاستخبارات الدوليين ذو المهن المتعددة والمزيفة كانوا يبالغون ويفرطون في دعواتهم المتلاحقة لصديقي ، ربما كي يظل تحت عيونهم وأبصارهم . في حينه تأكد لصديقي أنه مقبل على ما لا تُحمد عقباه "ولربما على أيام سوداء ومظلمة" ، إذا ما "وقعت الواقعة" وشنت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الحرب على العراق ، لا لأنه كان متعاطفاً مع العراق ومؤيداً له ، ولا لأن البلد الغربي "الديمقراطي" كان يملك من المبررات ما يعطيه حق اعتقاله أو ترحيله ، إنما لأن إحدى السفارات العربية التي كانت ممثلة في غرفة العمليات الأمنية التي تشكلت في عاصمة ذلك البلد على غرار مثيلاتها في العواصم الغربية الأخرى بذريعة مواجهة "الأخطار المحدقة" كانت قد خاطبت وزارة الأمن في تلك العاصمة بشكل رسمي وطلبت منها ملاحقة ومتابعة صديقي، وإذا اقتضى الحال ترحيله على أول طائرة ، بغض النظر عن الجهة التي يرّحل إليها . المخاطبة تمت عبِرَ كتاب دبلوماسي رسمي حصل صديقي على نسخة منه سربها عميل محلي لسفارة العراق في تلك العاصمة . لكن صديقي وإن أخذ الأمر على محمل الجد وتهيأ لتبعاته سلفاً ، إلا أنه ظل كغيره يراهن حتى اللحظة الأخيرة على حكمة القيادة العراقية واحتمال انسحاب الجيش العراقي من الكويت طوعاً وسحب الذرائع من أيدي الولايات المتحدة الأميركية وجميع البلدان الغربية المتربصة شراً بالعراق خاصةً والأمة العربية عامة ... وهنا لا أستثنى تربص الكيان الصهيوني بالطبع . لكن حتى ذلك لم يفد ، لأن الولايات المتحدة وحلفائها كانوا قد اتخذوا قرار العدوان من قبل .
كانت اليونان البلد الغربي "الديمقراطي" الذي عنيت!!
البلد الغربي في بيت قصيدي كانت اليونان ، وقد سبق أن ألمحت إليهاً في سياق الإشارة إلى الإغريق وأم الديمقراطيات الغربية . نعم كانت اليونان حيث كان صديقي يقيم مع عائلته في عاصمتها ، وكان يعمل في الحقل الإعلامي كما أسلفت الذكر أيضا ً. وكانت الصحيفة العربية التي أشرت إليها سابقاً من بين وسائل الإعلام التي كان يكتب لها ، وهي كانت ولم تزل تتخذ من عاصمة الضباب وصاحبة الجلالة مقراً لها . كان صديقي في حينه يعتبر اليونان واحدة من بلدان العالم الثالث عشر لما للديمقراطية فيها من "قدسية !!" ندر وجودها في بلدان ديمقراطية حقيقية مثل البلدان الاسكندنافية، على سبيل المثال لا الحصر !! وقد عبّر عن ذلك في عدد غير محدود من مقالاته. كانت الحكومة اليونانية منزعجة من صديقي لأنه عُرف باهتمامه الخاص بشؤون المسلمين في منطقة "تراقيا" شمال اليونان على تماس مع الحدود التركية. وعبّر عن ذلك في مقالاته أيضاَ ، كما وأقام علاقات وصلات طيبة مع تلك الأقلية اليونانية ومع ممثليها في البرلمان الذين كانوا لا حول لهم ولا قوة لأن الإعلام المحلي والدولي تعمدا على الدوام تجاهلهم وتجاهل أقليتهم ومنطقتهم . ولم يكن حال الدبلوماسيون المسلمين والعرب بأفضل من حال الحكومة اليونانية تجاه صديقي ومواقفه ، بل لربما أنه كان أسوأ وأمر وأدهى . وكان رأس الدبلوماسية في السفارة العربية المقصودة الأكثر انزعاجاً بين كل هؤلاء من صديقي ، لكن لسبب أو أسباب أخرى أقلها أنه كان يبدي حضوراً ديناميكيا في الندوات السياسية العامة والخاصة التي اعتاد حضورها كبار السياسيين اليونانيين بمن فيهم رئيس الحكومة لم يكن ليتوفر عند رأس الدبلوماسية المقصود وأقرانه من الدبلوماسيين الآخرين وبالأخص العرب منهم . فقد امتاز صديقي بجرأة وطنية وقومية كانوا يفتقدونها ، وكانت تخوله مماحكة أولئك السياسيين ورئيس حكومتهم ومحاورتهم بجرأة وشجاعة ، وحتى انتقادهم شفهياً وفي مقالاته لأن اليونان في ذلك الوقت كانت قد شرعت في مغازلة الكيان الصهيوني وبدأت تتخلى تدريجياً عن موقعها ودورها كجسر لعلاقات التواصل الطيبة بين الغرب والعرب . في حينه وصل اليمين اليوناني "حزب الديمقراطية الجديدة" بزعامة قسطنطين ميتسوتاكيس إلى السلطة بعد هزيمة انتخابية أنزلها باليسار الاشتراكي "حزب الباسوك" وزعيمه التاريخي أندرياس باباندريو ، وانحرف بالسياسة اليونانية الخارجية "180 درجة" معاكسة للنهج الباسوكي الداعم للعرب والقضية الفلسطينية ، واعترفت اليونان لأول مرة منذ عام 1948 بالكيان الصهيوني اللقيط . وكانت الحكومة اليونانية منزعجة من مواقف صديقي الخاصة بهذه المسألة . الحكومة اليونانية لم تستطع ترحيله وإن تمكنت من ملاحقته ومتابعته. لم تستطع ترحيله لأن حصانته الصحفية كانت تمنعها من ذلك ، ورأس الدبلوماسية لم يستطع هو الآخر أن يُحقق مطلبه لأن صديقي كان يتمتّع بحصانة لا تقل قوة عن حصانته.
تجدر الإشارة إلى أنه وعلى ضوء احتلال الكويت وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين اليونان وإسرائيل انعقد في أثينا مؤتمر دولي سري تحت عنوان "مواجهة الأصولية القادمة من الشمال" رعته وكالة الاستخبارات الأميركية "C.I.A" وأشرف عليه رئيس مجلس إدارة إحدى محطات التلفزة اليونانية ورأس المؤتمر وسيط السلام الأميركي اللبناني الأصل المغفور له فيليب حبيب . صديقي كان الصحافي والكاتب الشرق أوسطي الوحيد المشارك في ذلك المؤتمر بحكم علاقاته الخاصة والمتميزة مع أحد كبار العاملين في محطة التلفزة المذكورة ، وكان الشاهد العربي الوحيد على مشاركة عدد من السياسيين الدوليين والعرب والإسرائيليين السابقين في ذلك المؤتمر . وكان رأس الدبلوماسية في السفارة العربية المقصودة نجماً من نجوم ذلك المؤتمر ، وقد تصدر الطاولة الرئيسية أثناء العشاء الختامي للمؤتمر إلى جانب فيليب حبيب والسفير الأميركي والوفد الصهيوني . وكان صديقي أيضاً شاهداً على جلسته "الحميمة" التي لم يحسده عليها أحد من الدبلوماسيين العرب والمسلمين الذين لبّوا دعوة العشاء ، وهو ما زاد في انزعاج سعادته من صديقي أكثر فأكثر. ذلك المؤتمر مثّل بالطبع وجهاً من وجوه "الديمقراطية" الغربية لأنه شكل حلقة من حلقات التآمر على المسلمين والعرب في العالم وبالأخص في الغرب !!
اتخذ جورج بوش الأب قرار العدوان وكشرت الديمقراطية الغربية عن أنيابها السامة
مع اتخاذ الرئيس الأميركي في حينه جورج بوش الأب قرار العدوان على العراق وتحديد ساعة الصفر ، أعلنت حالة الطوارئ القصوى في الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الغرب ، وبالطبع في اليونان . ومع اتخاذ القرار وتحديد ساعة الصفر ، سقطت الديمقراطية الغربية ، بل غُيبت ، وسقطت وغُيبت معها جميع حقوق الإنسان وبالذات الإنسان العربي ، والاتفاقيات التي تضمن هذه الحقوق هذه بما فيها اتفاقية جنيف . ولم يعد هناك من قيمةٍ تُذكر لجميع الحصانات ، الصحفية منها والدبلوماسية . نعم سقطت الحصانات جميعها. وكما كان مقرراً أن يدفع العراق ورئيسه ونظامه ثمن التمرّد على الإرادة الغربية عامة والأميركية خاصة وكذلك الإرادة الصهيونية ، أصبح من واجب كل بلد أن يصفي حساباته مع خصومه السياسيين الذين "تمادوا" في جرأتهم وتوجيه الانتقاد والنقد له ولسياساته . وكانت "الديمقراطية" الغربية هي الشعار واليافطة . والتقط ممثلو البلدان في غرفة العمليات الأمنية في أثينا كغيرهم في الغرف المماثلة في العواصم الغربية الأخرى الفرصة للانتقام من خصومهم كذلك . ومع اتخاذ قرار العدوان وتحديد ساعة الصفر أُطلق العنان لـ"الديمقراطية" الغربية لتعربد وتصول وتجول كيفما تشاء وتهوى . كانت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والكيان الصهيوني وبلدان عربية وثيقة الصلة بواشنطن إضافة إلى البلد المُضيف ممثلين في غرفة العمليات الأمنية "حسنة الصيت والسمعة" تلك . ومع اتخاذ القرار وتحديد ساعة الصفر انتشر رجال مخابرات تلك البلدان على عجلٍ سعياً وراء "خصومهم" من الشبان العرب لاصطيادهم والحصول على أوسمة رفيعة من الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وترقيات من بلدانهم مقابل ذلك . كله جرى في ظل "الديمقراطية" الغربية التي لطالما تغنت بها بلدان الغرب وسعى الرئيس جورج بوش الأب وراء تطبيقها بل فرضها في الوطن العربي ، كما سعى "سرُ أبيه" الرئيس جورج بوش الابن وراء تطبيقها وفرضها على الوطن العربي ، لكن بأكثر حدة وصرامة وحماقة وكراهية وعداوة . فأيام الأب كان العالم ثنائي القطبية أما الآن وفي عهد الابن الذي أوشك على الانتهاء فالقطبية واحدة ومحصورة بالولايات المتحدة دون سواها .
بدأ العدوان وبدأت "الديمقراطية" الغربية تعبر عن ذاتها بشراسة ما بعدها شراسة
مع فجر 17 يناير/ كانون الثاني 1991 بدأ العدوان وألقت الطائرات الأميركية والغربية حِممها وجميع أنواع قنابلها فوق العراق وفي المنطقة الحدودية مع الكويت ، كما وجهت البوارج جميع أنواع صواريخها باتجاه العراق والمنطقة الحدودية أيضاً ، وتحوّلت منطقة الخليج إلى جحيم حقيقي أتى على الأخضر واليابس والبشر والشجر والحجر. القنابل والصواريخ الأمريكية والغربية أتت على كل ما كان يتحرك في العراق وعلى حدوده من الأهداف البشرية والآلية ، بكل ما امتلك واختزن أصحابها من حقد على العراق والوطن العربي . تحول العراق بمنطقته الحدودية إلى مقبرة حقيقية مفتوحة للجثث المحترقة ، كما أن الآليات العسكرية والمدنية تحولت إلى ركام من المعادن المُحطمة والمحترقة . ومع بدء العدوان في فجر ذلك اليوم ، استُنفرت غرفة العمليات الأمنية في أثينا كما استُنفرت جميع غرف العمليات الأمنية في بلدان الغرب "الديمقراطية ، استنفرت بشراسة ما بعدها شراسة . ومع قصف تل أبيب بالصواريخ العراقية مع صبيحة اليوم التالي ، رفعت غرفة العمليات في أثينا مثلها مثل غرف العمليات في العواصم الغربية الأخرى من درجة استنفارها وتأهبها إلى الحد الأقصى ، وبدأ رجال المخابرات في استدعاء ، بل القبض على كل من أشَّرَ إليه أركان تلك الغرفة ، وبالأخص العرب . كان صديقي يتناول الغداء مع واحدٍ من رجال استخبارات البلد العربي المُمثل في غرفة العمليات كان قد قَدَم نفسه له كرجل أعمال قادم من الولايات المتحدة الأميركية ويريد الإعلان عن مشاريعه في الصحيفة العربية "المذكورة" التي كان صديقي يراسلها . كان صديقي يتناول الغداء مع "رجل الأعمال" الاستخباراتي بناءً لدعوة مبكرة وعاجلة على ما بدا حتى يكون تحت عين الغرفة الأمنية وفي متناول أيدي الممثلين فيها. اتصل أبناء صديقي به على عجل وأبلغوه بضرورة العودة إلى البيت لأمر عاجل وبناء لتعليمات من رجال المخابرات. استأذن من مُضيفه الاستخباراتي ليستقبله رجال المخابرات على الباب ويطلبوا منه مرافقتهم مصحوباً بإقامته وجواز سفره بذريعة أن وزير الأمن ينتظره في الوزارة لأمرٍ هام. كانت الوزارة تعُجُ بالعرب وبالأخص الفلسطينيين ممن أوقفتهم أجهزة الأمن والطوارئ . قيلَ لصديقي يومها أنه مهدد بالقتل وأن الوزارة بصدد التحفظ عليه مؤقتاً لحمايته والحفاظ على سلامته . استضافوه في غرفة مزودة بهاتف لإجراء مكالماته الهاتفية ، وكانت مفتوحة على بهو يمتلئ بالموقوفين العرب وبالأخص الفلسطينيين ممن كانوا يقيمون في اليونان بحكم أعمالهم أو دراساتهم الجامعية . أجواء من "الديمقراطية" المتناهية كانت تُخيم على وزارة الأمن في ذلك اليوم الذي أعلن فيه رئيس الوزراء اليوناني في حينه قسطنطين ميتسوتاكيس أنه "سيكنّس أثينا من العرب وينظفها منهم" ، وهذا تعبير غربي "ديمقراطي" أيضاً !! ومع ساعات الليل الأخيرة ساقوا صديقي إلى زنزانة مليئة بالموقوفين العرب معظمهم من الفلسطينيين ، فأيقن عندها أنه سيكون ضيفاً ثقيلاً على "ديمقراطية" اليونان وأن ما ينتظره سيكون أعظم وأخطر . في حينه كانت وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية تبث خبر اعتقال صديقي وقرار الحكومة القاضي بترحيله ، وفق ما علم فيما بعد . ظهر اليوم التالي وبدل أن يتمَ الإفراج عنه حسبما قيل له كذباً وبهتاناً ، اقتادوه إلى سيارة تحمل لوحة من اللوحات التي كان قد دونها إبانَ فترة متابعته بعد احتلال الكويت توجهت به إلى المطار مصحوبة بآلية مصفحة تابعة للأمن اليوناني . أدخلوه إلى مُدرج المطار عِبرَ بوابة جانبية لتحاشي الحشد الإعلامي الذي كان ينتظره في بهو المطار. أدخلوه إلى المدرج ومن ثم ساقوه باتجاه طائرة كانت وجهتها إلى ليبيا التي لم يسبق له أن زارها برغم عديد الدعوات التي كانت توجه إليه أثناء احتفالات الفاتح من سبتمبر/أيلول والتي لم يُلبِ واحدة منها . حاول الامتناع وطلب تسفيرهُ إلى لبنان أو الأردن أو يوغوسلافيا ، فكان الرفض وتخييره بين الطائرة المتوجهة إلى ليبيا أو طائرة "العال" الصهيونية التي كانت متوقفة على مسافة ليست ببعيدة . كانوا يعنون ما قالوه له ولم يكن ذلك من باب التهديد والتخويف . في النهاية دفعوا به دفعا بكل ما تحمله "الديمقراطية" الغربية من وحشية وخشونة وعدم كياسة ولباقة إلى داخل الطائرة . نعم كان ذلك الدفع من "آليات الديمقراطية" الغربية !! لم يُسمح لصديقي أن يودع عائلته أو أن يمرّ على بيته للحصول على بعض الملابس والنقود أو كتابة توكيل لزوجته للتصرف في ضرورات المنزل والعائلة "النقدية" . دخل الطائرة بالملابس التي كان يرتديها وفي جيبه آلاف الدراخمات ـ العملة اليونانية قبل اعتماد اليورو ـ التي لم يكن لها قيمة خارج اليونان لتعذر استبدالها بعملات أخرى . هي "الديمقراطية" الغربية بعينها التي يريدون تصديرها للوطن العربي أو فرضها بقوة الترهيب ، "ديمقراطية إذلال الكرامة والإرادة والروح عند الإنسان العربي . نصف ساعة أو أكثر قضاها صديقي في الطائرة وحيداً قبل أن يتدافع الدبلوماسيون العراقيون وعائلاتهم إلى داخلها مرحلين أيضاً ، تنفيذاً لقرار دولي شمل جميع البعثات الدبلوماسية العراقية في العالم وقضى بتخفيضها إلى الحد الأدنى . وهال صديقي أن يعرف منهم أن اسمه كان مدرجاً أيضاً على القائمة الدبلوماسية التي سلمها وزير الخارجية اليوناني للسفير العراقي ، قائمة الدبلوماسيين غير المرغوب في بقائهم فوق الأراضي اليونانية ، علماً أن صديقي لم يكن في يوم من الأيام دبلوماسياً ، لا عراقياً ولا فلسطينيا ً، ولم يكن حتى دبلوماسياً بطبعه وتعامله مع الآخرين . لكنها الديمقراطية اليونانية التي تمثّل وجهاً من وجوه "الديمقراطية" الغربية التي تعمل على وضع العربي في القالب الذي تريد وتهوى.. المهم أن يتشكل ذلك ويتواءم مع آليات ومتطلبات تلك الديمقراطية البائسة . وصل صديقي إلى لبيبا مع انفراط عقد مظاهرة المليون التي تصدرها في 19 يناير/ كانون الثاني 1991 في طرابلس العقيد معمر القذافي تأييداً للعراق ورفضاً للحرب ضده . وصل وأحسنت وفادته وضيافته . أيام قلائل بعدها انتقل إلى تونس للالتحاق بأبناء جلدته الذين كانوا ما يزالون في تونس كواحدة من المنافي الفلسطينية . هناك عرف أن مئات بل آلاف العرب جُلهم من الفلسطينيين الذين اعتنقوا الفكر القومي العربي أو تعاطفوا معه قد سبقوه مُرحلين إليها من اليونان وبلدان غربية "ديمقراطية" أخرى كثيرة ، لا لسببٍ إلا لأن الفكر القومي العربي لا يتوافق مع هواهم ويتعارض بل ويتصادم مع متطلبات "الديمقراطية" الغربية !!
إنها حكاية الإنسان العربي مع ديمقراطية "الحرباء" الغربية !!
حكاية صديقي مع "الديمقراطية" الغربية التي لم تزل تؤرق جفونه وتقض مضجعه وتُنغص عليه أحلامه حتى أحلام اليقظة منها ، والتي لم يزل طعمها تحت أسنانه حتى اليوم ، هي حكاية عشرات ألوف بل مئات ألوف العرب عامة والفلسطينيين خاصة قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001 . أما حكايات بل مآسي عشرات ألوف بل مئات ألوف العرب عامة والفلسطينيين خاصة بعد ذلك التاريخ مع تلك الديمقراطية ، فهي أدهى وأمر وأكثر إيلاماً. وإذا كانت الكرامة والإرادة والروح العربية قد تعرضت للإذلال والمهانة قبل ذلك التاريخ ، فهي معرضة الآن للقتل والفتك والإبادة . هذا إذا قُدّر للكيان الصهيوني أن يحافظ على استئثاره أو يستأثر أكثر فأكثر بملف السياسة الغربية وبالأخص الأميركية في الوطن العربي . وكذا الحال مع "الديمقراطية" الغربية وبالأخص الأميركية ، وهي بيت قصيدنا هنا . فهذه "الديمقراطية" التي كانت مضرب مثل في العقود الأخيرة من القرن الماضي ومغناطيساً يجذب الناس وبالأخص من العالم الثالث إليها ، فقدت بريقها مع بداية العقد الأخير من ذلك القرن وأصبحت بلا جاذبية تُذكر. فهي بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001 تحولت إلى "حرباء" تتلون وفق متطلبات الظروف وضرورات السياسة الاستعمارية - الاستيطانية التوسعية الجديدة. إنها "الديمقراطية" التي تأخذ تارةً لغة الدفاع عن حقوق الإنسان كما هو كان الحال في الصين ، وتأخذ تارة أخرى لغة مكافحة الإرهاب والدفاع عن حقوق المرأة كما كان الحال في أفغانستان ، وتأخذ تارة ثالثة لغة مصادرة أسلحة الدمار الشامل المزعومة لتدميرها لخطرها على السلم والاستقرار والأمن في العالم كما كان الحال في العراق ، وتأخذ تارة رابعة لغة الدعوة إلى تطوير الأنظمة وتغيير بنيتها لتنتج ثقافة التسامح بدلاً من إنتاج ثقافة أصولية تشكل تربة خصبة للإرهاب" كما يزعم الغرب وفي مقدمه الولايات المتحدة طبعاً . وقبل هذه مجتمعة يجب أن لا ننسى وجه هذه "الديمقراطية" المكشر عن أنيابه بشراسة واستمرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ترى إلى متى سيستمر العرب على ما هم عليه من استسلام وإذلال مُهينين أمام هجمة "الديمقراطية" الغربية وبالأخص الأميركية ـ الصهيونية المشتركة المزعومة؟!!
حكاية عربي مع "ديمقراطية الغرب" بدأت في عام 1991 ولم يزل صداها يدوي في عام 2008 الجاري ولا يعلم مستقراً لها أو لصداها إلا الله تعالى.
محمود كعوش
كاتب وبحث مقيم في الدانمارك
kawashmahmoud@hotmail.com
kawashmahmoud@yahoo.co.uk

ليست هناك تعليقات: