الأربعاء، أكتوبر 22، 2008

خُمسُ الشيعة.. و رُبْعـُشْرُ الــُسّنة

د. إبراهيم عباس نــَـتــّو
عميد سابق في جامعة البترول


قرأناً مؤخراً (في موقع الشبكة الليبرالية السعودية --منتدياتنا)* عن نهوض (مجموعة من شباب القطيف الغيارى على شعبهم ووطنهم ...تطالب رجال الدين في المنطقة بالكشف عن مصير الأخماس والحقوق الشرعية التي يدفعها سكان المنطقة منذ عشرات السنين لوكلاء المراجع الدينية البالغ عددهم أكثر من 200 وكيل.)*..سائلين متسائلين عن مئال زكاة الخمس في ديرتهم التي يستلمها الملالي على مختلف رتبهم و تراتبيتهم (مع حفظ الألقاب طيلة مقالي هنا)؛ و كأن هؤلاء الشباب يذكـّروننا -بطريقتهم- بقصيدة محمد صالح بحرالعلوم، رائعته: "أين حقي؟!ا

من لطائف ما صادفــْـتـُه اثناء حياتي في البحرين، و من الأشياء التي وجدتها (بصعقة) كانت لمحة خاطفة لكنها ذات دلالة، حيال "خــُمس" الزكاة الجعفري (الجناح لشيعي الأعم في مملكة البحرين.) و لمن لا يدري عن اصل و فصل مفردة "الخـُمس"(20%) بمعناها الزكواتي هنا، فلقد كان قد جاء ذلك أصلاً في القرآن بعد تتالي الغنائم من الغزوات و السرايا و الفتوحات؛ و ورد ذلك في "الذكر" تشريعاً لاقتطاع الحاكم (في وقتها كان الرسول-ص)"خـُمسَ" المبالغ و المغتنمات و منها الأنفال (فضائل و أفاضل ما تم اغتنامه.)ا

و من بعد الرسول، أخذ الشيعة تفسير ذلك عبر هيكلية ما لـ"بيت المال" لكنه بإشراف مباشر من قائد عادل ثقة يمثل الرسول و يقارب منزلته و نزاهته، و لو تباعد و تنوع مدى حدوث ذلك؛ و حرصوا على حصر ذلك في (آل البيت) و تبني ذلك الشرط كـمُسلـّمـَة من المسلمات الأساسية لتحقق أهلية تولي الحكم والادارة العامة. وتبنت الأوساط الشيعية بعامة ان يستخرج المرء 20 في المئة من ايراده الربحي فيسلمها لأحد الملالي الموثوق فيهم ليتصرف دينياَ بها كيفما يرى.ا

و لما قد ندر تبوء سدة الحكم من قبل ذوي القربي الرسولية الا في حالات قصيرة أو استثنائية، و لشك الشيعة الدائب في توافر حكام يرتجى فيهم ما يرتجون توافره من صلاحية و أهلية للحكم و الإدارة، ..فلقد دأبوا فيما يخص العقيديات، و ما ينبثق منها لأمور الحكم ايضاً..على تبني و اتباع -بل "تقليد"- شخص يعرف عنه الورع و تظهر عليه ممارساته، بما يشمل الانخراط بالعمل المحلي و الاهتمام بالشأن العام و الانشغال في نواحِ المجتمع المدني بمختلف الاعمال الخيرية والتعليمية و التدريبية والرعاية الاجتماعية للفقراء و الأرامل و المعوزين بأنواعهم.

و لما تعددت -و احيانا تناثرت- مواقع التجمعات الشيعية، فلقد برز بين حين و أخر من يحمل الرأية و يسعى لملء الفراغ القيادي (على اعتبار عدم الاعتراف بالحكام في انحاء الأمة بعامة إذا لم يكونوا من نسل آل البيت / نسل الرسول، و خاصة من اسباطه من نسل علي بن ابي طالب، و خاصة من نسل الامام الثالث (الحسين)..الابن الثاني من بين ذرية علي الذين يربون على العشرين. ففي غياب القائد، و مع "انتظاره"، فلقد أخذ الشيعة يتوسمون تولي القيادة فيمن يتوافر فيه عدد من الصفات والمواصفات، ليحل (مؤقتاُ) محل "الإمام"، و ليقوم بإدارة مختلف مهام الحكم والادارة..و منها استيفاء الخـُمس و تصريفه.

ثم بحكم الطبيعة، فقد تعدد اولئك المراجع، و تعدد ايضاً معلنو سيادتهم (بأنهم "سادة"، من نسل الرسول..من جهة الحسين عموماً او حصراً)؛ لكن، و مع تعدد المراجع..فلقد تمسك الشيعة بتوثيق صلاتهم بمن يرون فيهم الاهلية و المصداقية)، و طفقوا يقدّمون الأموال و يد العون لذلك المرجع/ السيد؛ و"عان" (=أعان) الله من عان السيد!"

و يواصل في ذلك "المرجع" / السيد/أو المُلاّ بخدمة "الرعية"-بمعنى-في دوامه العادي و بين اسبوع وآخر بما في ذلك صلوات الجمع. (بالمناسبة، فإنه ليس صحيحاً ما يشاع عادة بين الأوساط السُنية عندنا من تهمة بأن الشيعة لا يقيمون صلاة الجمعة، فلقد شاهدتـُها تؤدى -بمملكة البحرين مثلا -باستثاء بعض المناطق- في اكثر من جامع.

و من جملة النشاطات التحصيلية، فيما وراء تجميع "الخُمس"، يقوم معاونو الامام او المرجع بـُعيد صلاة الجمعة -مثلاً، و في الحسينيات..بشكل مباشر او غير مباشر.. بجمع الأموال و التبرعات العينية من المواطن الشيعي العادي و من ذوي النفوذ ايضاَ،خلال و حوالي المناسبات الاسلامية الشيعية طيلة العام، مثل "الموالد" .. بما يشمل مولد الرسول و زوجه خديجة و ابنته ام الحسنين و عدد من الأقارب و الذريات؛ و بالطبع ايضا موالد "الأئمة" المحددين لغرض الامامة/ الزعامة: إثناعشرعند الفئة الشيعية الاعم -الاثناعشرية، الجعفرية، بدءاً بأبي الحسنين علي ثم ابنه البٍِــِكر الحسن، ثم بقية الأئمة الاثني عشر.. لكن حصراً من نسل الحسين بن علي. كما تشمل فاعليات الحسينيات مناسبات العزاء بالوفيات، و هن إحدى عشرة.. على اعتبار أن الامام الثاني عشر لم يتوفَ بعد.

و يسري مبدأ الخُمس و تطبيقاته بين الشيعة في اوساطهم وأسواقهم، و أيضاً في المرسلات من المبالغ الى خارج المنطقة (مثلاَ: شرقاً، إلى قم، ايران و ما حولها؛ و غرباً، جبل عامل في لبنان/و جنوب بيروت مؤخراً، خاصة بعد حرب 2006م، و بالطبع شمالاً، الى العراق.) و في خضم القيادة يتنافس المتنافسون؛ و صارت عبر السنين في مركز الشيعة الأهم، النجف، بيوتات بارزة، مثلاً: آل الحكيم، آل الصدر، آل الخوئي؛ و حالياً يعتلي علي السيستاني سدة المرجعية العليا هناك (و هو المرجع الأشهر منذ وفاة محمد الخوئي.)

و يشمل نفوذ و سلطة و مقام تلك البيوتات القيام بعناصر الدور الروحي الذي يديرونه بمتعدد طقوسه و نشاطاته و أيضاً فتاواه؛ و كذلك الجانب المالي منه المتصل بتلقى و تجميع "الخـُمس" و التصرف به.

أما في الجانب "السُني"، فإنه رغم مضى ألفية و قرابة النصف، و مع تداول مبدأ الزكاة عندهم بأنه (فقط) رٌبع العشر(2.5%) ..و أن أوجهها ثمانية، الخ)، فإني اتصور و ألاحظ بأن المعلن قد لا يطابق المنفــّذ، بل اتصور انه يعجز عن ذلك بأكثر الكثير.. و إلا لـَما بقى فقيرٌ و لا معوز و لا مستجدٍ لعلاج او لمجرد مأوى.. لا عند السنة- (و لا بالـتأكيد عند الشيعة حيث نسبة الزكاة (20%) تفوق نسبة ما عند السنة (2.5%) بقرابة عشرة اضعاف. و هنا تتجلى شكوى شباب القطيف.)

و في المجال المؤسساتي "السـُّـني"، مثلاً،..نجد انه حينما تحاول الدولة ان "تصيد" التجار.. بما فيهم ما نعتهم الرسول بالفجار..عند تسجيل سجلاتهم و إبّان اصدار التراخيص لهم.. فإذا بهم هم يصيدونها، فيذكرون و يسجلون فقط جزءاً بل جزيئاً من رأس المال (الحقيقي) تحاشياَ للزكاة بنسبتها الحقيقية الواجب جمعها..رغم الانخفاض الواضح لنسبة الزكاة بالمفهوم السني (مقارنة بالمفهوم الشيعي)، كما أتصور أن تجار المواضع الشيعية يؤدون نفس الدور؛ و ان الملالي أيضاً -مثلهم مثل الدولة- يسايرون التجار (و الأفراد) بشيء من "الواقعية".

و عودة الى البحرين..و ما صعقني هناك ذات مرة حيال مفهوم "الخـُمس"، أن اعتراني تساؤل وصل الى الشك بعد أن سمعت من احد الاخوان هناك اشارته الى الخمس بمعني ما كنت لأتصورته ابداً: لقد كان زميلاً حميماً و ممن التقي بهم بانتظام، و هو كاتب مقتدر و متخصص في أمور التاريخ و الثقافة القديمة الخ؛ فسألته ذات مرة، فأجابني (وهنا كانت الصعقة) بأن الخمس معناه5%(!) فشعرت عندها أن هناك خلطاً حيال مفهوم (ناهيك تنفيذ) موضوع الأخماس.

صحيح ان هذا الصديق هو من خلفية "عُجـْمية" (=ايرانية) يتقن العربية، و لكنه من مواليد البحرين من الفئة البحرينية من الخلفية الايرانية التي تسعى جاهدة(!) الى التحدث بالفارسية -و إلى دفع اطفالها ايضاً الى التحدث بها في البيت؛ فلعلي اتخيل ان ذلك كان أحد المصادر و الأسباب وراء اللبس بين الخـُمس و الخمسة في المئة.. على الأقل هناك!

و سواء أكان الموضع متصلاً بالشيعة او بالسنة.. فلقد تكوّنَ عندي شعور تعمق عبر السنين بأن في الغالب الأعم قد لا يتم دفع لا هذا و لا ذاك، أصلاً! و أن ما يدفع فعلاً كزكاة (عند الفئتين!) ما هو إلا جزيئ فقط من المطلوب. و بالتالي الفجوة بين الفريضة و التطبيق؛ ..و انا أول المعترفين!

و رجعة الى النهوض الشبابي في القطيف،..فإنهم ربما اكتشفوا ما لمستــُه، و لعلهم سمعوا من الخلط والخيال أكثر مما سمعته؛ و الأهم من ذلك انهم ربما أحسوا بان الخُمس -بأي تفسير- لا يصل حتى قرب الكفاية الى جيب فئات الناس المقصودة الذي تمضي عاطلة أو محدودة الدخل.. مقرودة الحظ!

ليست هناك تعليقات: