الخميس، أكتوبر 23، 2008

يسرقون ما ليس لهم

ميرا جميل

"اعجاز ثقافي " عظيم يحققه اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين في اسرائيل .هل سمعتم عنه ؟ أعني الاعجاز العظيم وليس الاتحاد ، لأنكم بالتأكيد لم ولن تسمعوا عن الاتحاد ، واذا سمعتم لن تعرفوا عما يدور الحديث . صدقوني الاعجاز العظيم هو جعل الجيفة النتنة في الأخبار ، وهي جيفة ،لمن لا يعرف ، فاحت رائحتها بسبب الإصرار المخبول على عدم دفنها ، وباتت تزعج كل من يقترب من الرئيس المتوج ملكا ليوم الممات على رأس الاتحاد .

"الاعجاز العلمي " الذي حققه الرئيس ( البعض يسميه النئيس ) ، ليس اعجازا قرآنيا من علماء تطبيق أفعال الجر على نظرية الميكانيكيات ، انما اعجاز علمي ثقافي اجترحه بجدارة وابداع الكاتب محمد علي طاها ( أو طه كما كان يفضل طه حسين ان يكتب اسمه ) ويتلخص هذا الاعجاز بخبر قرأته على موقع الجبهة ، ولفت انتباهي إما من شدة الإستهجان أو من ضخامة المهزلة . عنوان الخبر : " أدباء شعبنا مع عكا القديمة " . لوهلة سررت ، سارعت أحرك الفارة وأضغط مرتين على العنوان لتنفتح امامي " معجزة الثقافة العربية في اسرائيل" ، بقيادة المايسترو محمد علي طه والعازف الصول مفلح طبعوني .

اقرأوا الخبر :

" وفي كلمته التضامنية أمام أهالي عكا والمتضامنين معهم من عرب ويهود وأجانب ،أكد الكاتب محمد علي طه، رئيس اتحاد الأدباء العرب في البلاد، على صمود أهالي عكا التاريخي والأسطوري أمام كل محاولات القلع والتهجير، ونقل تحيات أغلب ألأدباء والشعراء والمبدعين ... أما الشاعر مفلح طبعوني فقد تحدث عن أهمية تنظيف عكا من الوخم والتصدي لكل محاولات تعكير الجو والبحر والبرّ، والعمل على تصفية النوايا والمواقف، وعرقلة كل من يحاول استغلال الاعتداءات وانتهازها لمكاسب ذاتية ضيقة" .

لا لست في باب التعليق على الكلمات الفارغة والمضحكة . اتحاد كتاب .. اتحاد الأدباء ، ربما الرئيس لا يعرف على ما هو " نئيس " . و" تعكير الجو والبحر والبر" .. فكر عسكري .. والله العظيم هذه أعجبتني وذكرتني بامرئ القيس في تجليه العبقري " مكر مفر مقبل مدبر معا .. " ولكن ما يشدك أخيرا هو المهين أكثر في هذا "العرض الستربتيزي" : اتحاد كتاب لا يضم الا رئيسه وتابعه ، اتحاد هجره الأدباء كما تهجر الروح الجسد !!

لا اعتراض على الرئيس ولا اعتراض على التابع ... السؤال: الا يخجل محمد علي طه من الاصرار على رئاسة جيفة ميتة ، حتى تحنيطها لم يعد ممكنا ؟!

لست أديبة او مبدعة، تركت الأدب والإبداع للرئيس وتابعه ، ولكني قارئة أدب جيدة ( لذلك لم تبلغ بي السخافة وقلة العقل ان أقرأ للرئيس وتابعه )، ولا أعرف لماذا هذا الاصرار على اتحاد انتهى زمنه .

قرأت مقالات لأدباء عرب ينتقدون هذه الظاهرة المخجلة .اتحاد كتاب لا نشاط ثقافي له . اتحاد كتاب فارغ من الأعضاء . اتحاد كتاب لا يجري اجتماعات لهيئاته غير الموجودة . اتحاد كتاب لا يعقد مؤتمره لأن الحضور لن يتجاوز الرئيس وتابعه . اتحاد كتاب لا ينتخب هيئاته لأنها منتخبة من المهد الى اللحد بشخص الرئيس ، ولا يدفن الاتحاد الا مع رئيسه ( أطال الله عمره ومهازله ) ونأمل ان لا تستمر المهزلة ، بعد عمر طويل بتابع الرئيس .. عندها سنكون شهودا لمأساة شكسبيرية .

اليس من العار ان يصاغ عنوان باسم الادباء العرب ، المتضامنين كلهم وليس "بعضهم" كما تصر يا محمد علي طه .. مع الأهل في عكا ؟ ويتكلم الرئيس وتابعه ، بجمل لا تحمل من الفكر والعقل ما يشير الى هوية الثرثارين الثقافية ؟

بأي حق شملتما الأدباء العرب تحت عباءة اتحادكم الذي تزكم رائحة جيفته الأنوف ؟؟

اليس من الوقاحة ، ان تدعيا تمثيل من لا يقيم وزنا لكما على المستوى الثقافي والتنظيمي ، ولم يفوضوكما الحديث اسمهم ؟

اليس من الوقاحة الثقافية للصحافة استمرار نفخ بالونات ثقوبها أكبر من فتحة الأوزون ، واذا أدخلت للبانيو تبقبق وتغرق ؟؟

قرأت ما كتبه الدكتور الناقد والمحاضر الجامعي حبيب بولس عن مهزلة اتحاد الكتاب الذي دفن ونسي أمره ، وقرأت ما كتبه المسرحي رياض مصاروة منتقدا استعمال هذه التسمية الفارغة وغير الموجودة الا في مخيلات مريضة ، وقرأت ما كتبه الأديب الصحفي نبيل عودة بسخرية مرة قائلا انه رئيس اتحاد كتاب لشؤون الصلح العشائري ، وأن نشاطه نشر التعزيات والتهاني ، ملمحا الى وجود مصلحة مادية من بقاء هذا الجسم واصرار "الرئيس" على عدم دفن الجيفة ... وأن المسالة تتعلق أيضا بحب التزعم ، ولو على خازوق !! .. وقرأت كما أذكر انتقادت أخرى حول استمرار استعمال هذا اللافتة التي أضحت دكانة بلا بضاعة ، حتى بلا بضاعة فاسدة ، وبلا زبائن ومنذ وقت طويل .

أعرف ان كلماتي لن تحرك دكة الموتى ، ولكن قرأت لكم قصة لطيفة أهديها لإتحاد الكتاب رئيسا وتابعا:

جرت محاكمة متهم بالقتل وكانت هناك شهادة تؤكد ارتكابه للجريمة. ولكن الجثة لم يجدها أحد. محامي الدفاع في تلخيصه لدفاعه عن المتهم جرب خدعة معينة . قال : " سيدي القاضي ، توجد عندي مفاجأة للجميع . خلال دقيقة سيدخل لقاعة المحكمة الشخص الذي يتهم موكلي بقتله ."

نظر المحامي نحو باب قاعة المحكمة ، القاضي نظر أيضا وجميع من في القاعة وجهوا أنظارهم نحو باب قاعة المحكمة متوقعين دخول الشخص الذي " ُقتل " . مرت دقيقة ولم يظهر أحد . ابتسم المحامي وقال : " لن يظهر أحد . الميت لن ياتي للمحكمة ، كانت هذه بدعة من خيالي . ولكن جميعكم نظرتم نحو باب المحكمة بترقب لدخوله. لذلك اقول لكم انه في هذه المحاكمة هناك شك بان شخصا قتل .لذلك أصر بان موكلي بريء من الجريمة ".

ولكن القاضي أصدر حكمه بادانة المتهم بالقتل .

"هذا غير ممكن " صرخ محامي الدفاع ، وأضاف : " كلكم نظرتم نحو الباب لأنكم كنتم تشكون بوقوع الجريمة ؟ "

أجاب القاضي : " هذا صحيح . نحن نظرنا للباب ، لم نكن على يقين من وقوع الجريمة ، ولكن موكلك الوحيد الذي لم ينظر الى الباب !! "

وهكذا يتصرف أدباؤنا ، لا ينظرون الى الباب الذي سيدخل منه "الرئيس " ، لأنه لا يمثل الا ذاته ، وهم على يقين ان " الرئيس " يسطو بوقاحة ، ويفرض نفسه بسماجة على ما يخصهم دون غيرهم !!

أجل هو الوحيد الذي يعرف حجم المهزلة . لا يرد . لا يناقش . لا يدافع . لأنه يعرف انه يسرق ما ليس له ، ويتلفع بما لم يعطه اياه أحد .

رحم الله أيام " المفدال " !!

د. ميرا جميل – صحفية وباحثة اجتماعية – حيفا / نيقوسيا

meara.jameal@gmail.com

ليست هناك تعليقات: