الثلاثاء، أكتوبر 14، 2008

المليجي .. وصديقي .. واستراتيجية الثور

محمد محمود عوض الله
سمعت عبر الأثير قبل فترة حديثاً مسجلاً للعملاق الراحل محمود المليجي كان جزءاً منه يتعلق برحلة قام بها إلى إسبانيا حيث استضافه صديقه من أصل فلسطيني وقام بمرافقته إلى حلبة مصارعة الثيران، وذكر المليجي أنه قام وصديقه برؤية الثيران في حظائرها قبل المصارعة، وكانت هادئة وادعة غير ثائرة ولا مثيرة، ولكن ما لبث أن أدخل الثور الحلبة، يظن أنه سيلهو باللعب مع من يلوح له بلون مثير من بعيد، فيركض الثور باتجاه اللون المثير المتحرك ظاناً أنه سيلقى شيئاً يفرحه، فإذا بالمفاجئة طعنة سيف يغرز في ظهره، فلا يكاد يصدق ما حدث، لعلها خدعة، وعندما يتكرر الفعل ورد الفعل يدرك الثور هول الفاجعة، وبعد فوات الأوان يحاول الثور أن يقاوم فيهاجم، ولكن هيهات أن يفلح، فقد فات الأوان، وهاهو البطل (مصارع الثور وصارعه) ينتظر ليأخذ جائزته من ذيل الثور أو أذنه بحسب عدد الضربات التي يقضي بها على الثور المهيج، ويصرخ الجمهور ويصيح لشجاعة المصارع الواقف أمام الثور دون أن يرف له جفن، ولكن المليجي يكشف الحيلة ويقول لم يتبق لدى الثور نفس واحد ليقاوم، فهو ينزف الدماء الغزيرة، ومجهد بفعل الركض ذهاباً وإياباً داخل الحلبة.

وبعد ذلك بفترة تعاقد النادي الأهلي في القاهرة ليقيم عرضاً لمصارعة الثيران، وقام أحد الجزارين بالتعاقد على شراء الثيران بشرط أن يقوم بذبحها قبل أن تلفظ أنفاسها، وترك (صبي الجزار) ليقوم بهذه المهمة البسيطة وهو غلام في سن فوق العاشرة بسنتين أو ثلاث، ,أو أربع، فرأى الصبي ما يحدث، وظن أنهم يريدون أن يقتلوا الثور الهائج وأنهم خائفون منه، فما كان منه إلا أن استل سكينه، وطفق ذبحاً بالأعناق، وتساءل المليجي متعجباً من هو البطل في الموقفين؟، المصارع المحترف الذي يريد أن يظفر بذيل الثور، بعد أن عذب الثور وانتصر عليه خائر القوى، وواجهه عن بعد وهو ينزف من جرح غائر، خائر القوى، أم ذلك الصبي الذي ذبح الثور وقضى عليه من ضربة واحدة، دون أن ينتظر مكافأة من ذيل أو أذن، ولا حتى تصفيق من الجمهور، ولا صيحة "أوليه" المشهورة.

أخبرت صديقي أثناء تجولنا حول نصب الجندي المجهول في غزة قصة المرحوم المليجي مع الثور، فغلب عليه تخصصه، وقال هي نظريتان في التعامل مع الخصم، هل تستدرجه وتجعله يدور حول نفسه موجهاً إليه ضربات قوية مؤثرات ثم تنقض عليه بضربة واحدة بعد إنهاكه، أم تواجهه بالضربة القاضية دفعة واحدة، فلا يستطيع بعدها حراكاً.

قلت: لم يقصد المليجي استراتيجية التعامل مع الخصوم، وإنما كان يحمل في تعابير صوته رحمة لم تعهد فيما اشتهر عنه من أدوار الشر، لقد استغرب المليجي من منطق غريب يسود العالم، من البطل الشجاع الذي يصفق له الجمهور ويلقى جزاء عمله آلاف الدولارات، وذلك الصبي الجريء الذي يسعى وراء قوت يومه وقد استغرب من أفعال المصارع؛ فذبح الثور بلا عناء، وأفسد على الجمهور متعته، ولذي بدوره استغرب من فعل صبي الجزار فرآه متخلفاً لا يفهم في الرياضة ولا الفنون.

ليست هناك تعليقات: