الأربعاء، أكتوبر 22، 2008

لماذا عون العلماني يكيل المدائح للنظام الإيراني؟

سعيد علم الدين

وكما هو معروف فميشال عون رجل علماني التوجه والفكر، وقد افتخر بعلمانيته في أكثر من مناسبة ومولد وذكر. وانسجاما مع فكره هذا أسس "التيار الوطني الحر" كتيار لبناني علماني يُصلحُ البلاد من آفات الطائفية ولا يُضِر. ليس هذا فحسب، بل وواجه البطريركية المارونية مواجهة حادة، محاولا النيل من موقعها التاريخي العريق في الشأن الوطني العام. هذا وقد اشتعلت المواجهة عندما لم يمنح غبطة البطرك صفير بركته لعون ليكون المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية، واضعا اسمه مع بقية الاسماء الخمسة المرشحين لهذا المنصب دون تمييز بين ماروني وآخر. تصرف البطريرك الحكيم لكي يكون محايدا ويرضي الجميع لم يرق لعون، فقامت قيامته في الرابية وأعلن نفسه مرجعية بطريركية سياسية للأشقاء الموارنة.
أي بما معناه البطرك صفير يهتم بشؤون الدين والرعية، والبطرك عون له شؤون الدنيا والمرجعية السياسية.
أي فصل السياسة عن الدين باللغة العلمانية. من النظرة الأولى يعتبر عمل عون هذا تطور علماني جيد ومطلوب، ولكن عند التعمق بالمشكلة نرى ان ما أقدم عليه عون يعتبر عملا منكرا لا علاقة له لا بالعلمانية ولا بالديمقراطية. السبب أنه أراد فرض ارادته التعسفية على البطرك ليكون هو المرشح الوحيد والمطلق لرئاسة الجمهورية. قائلا بكل وقاحة دنيوية" يحط اسم واحد" أي اسمه، وليس خمس اسماء اختلفت عليها فيما بعد الشعوب اللبنانية. ونشبت اثر ذلك الحرب الكلامية والهرطقات الدستورية وهدد نصر الله وشركاه بالويل والثبور وعظائم الامور ان انتخبت قوى 14 اذار رئيسا بالنصف زائد واحدا.
المهم هذا الكلام يدل على أن عون ينتحل الفكر العلماني الديمقراطي انتحالا، وبالتالي فعلمانيته مزيفة وديمقراطيته فارغة من المضمون ، وعلى من يتبعه في التيار الوطني الحر من المثقفين الاحرار أن يعوا هذه الحقيقة قبل أن يأخذهم الى الهاوية السحيقة.
للإنصاف لا بد من التفريق بين رجل الدين الذي يستعمل العظة الرشيدة والكلمة الحكيمة في التعبير عن رأيه السياسي وتفسير قناعاته عبر إيمانه وهذا حق مشروع من حقوقه لا غبار عليه، ولا علاقة له بالسلطة والتسلط وقمع الآخر، ومنهم على سبيل المثال في لبنان: المفتي قباني والشيخ قبلان والبطريرك صفير والشيخ نعيم حسن والسيد علي الامين والسيد حسين فضل الله، والشيخ محمد الحاج حسن ... الخ،
وبين رجل الدين الذي يستغل الدين وعاطفة الناس واحيانا جهلهم وسذاجتهم، لتحقيق مآربه الدنيوية مستعملا الصاروخ والمدفع والمخابرات والمربعات والأجهزة السرية لفرض رأيه على من يخالفه الرأي في المجتمع وللوصول إلى شهوة السلطة والتسلط وقمع الآخر، ومنهم على سبيل المثال في لبنان: الشيخ نصر الله، الشيخ نعيم قاسم والشيخ صفي الدين وكثيرون من مشايخ حزب الله. دليلنا على هذا الكلام احتلالهم لبيروت في 7 ايار لفرض ارادتهم على الحكومة والشعب اللبناني بقوة السلاح وليس الكلمة الحسنة. لانهم نسوها! وهذا على كل حال ليس له علاقة لا بالمقاومة ولا بتحرير مزارع شبعا خاصة بعد قبول حزب الله بالقرار 1701، الذي ابعد الحزب ومقاومته عن جبهة الجنوب، وحيث الجيش اللبناني اليوم هو فقط الذي يحتل القلوب ويحافظ على سلامة الحدود.
لقد انفضحت قصة تحرير مزارع شبعا في احتلال الحزب لبيروت ومحاولته السيطرة على كل لبنان للهيمنة عليه وفرض نظام ولاية الفقيه الشمولي على شعبه بقوة السلاح والمال بالطبع. وميشال عون العلماني المزيف يقدم لهم التغطية المسيحية المطلوبة.
وكما هو معروف فالفلسفة العلمانية تعني فصل الدين عن السياسة. احتراما لقدسية الدين من الدخول في متاهات السياسة وزواريبها واكاذيبها، وذلك بسبب تجارب التاريخ التي اثبتت ان خلط الدين بالسياسة لا يجلب للشعوب الا الكوارث والحروب وانظمة القمع والاستبداد التي تستبد بشعوبها تارة باسم الدين وتارة باسم السياسة وتأخذها إلى الهاوية.
عون علماني مزيف وإلا لما كال المديح تلو المديح للنظام المذهبي الإيراني الاستبدادي القمعي المطلق. فبعد زيارته لإيران وترؤسه الاجتماع الأسبوعي للتكتل في الرابية 20 تشرين اول، حيث قال "ما رأيناه في ايران هو عكس ما أشيع عن هذا النظام وهذا البلد في كل أجهزة الإعلام. هو نظام يحترم حرية المعتقد، وانا زرت الجالية الاشورية وزرت الكنائس الارمنية في طهران واصفهان ولمسنا حرية المعتقد والممارسة وعدم التمييز العرقي والقومي".
وكأن عون قد نسي فكره العلماني في خضم شوقه للقاء داريوس العظيم وصار من عشاق نظام ولاية الفقيه.
وكأن جمهورية ولاية الفقيه هي الجمهورية الفاضلة والمثلى في العالم كيف لا وعاصمتها النظيفة طهران، كما قال عون مفتخراً: لا تنظف لانها لا تتسخ!
آخر صابون عوني علماني على مطهرات مذهبية فارسية!
هذا وفي الوقت الذي كان فيه عون يكيل المديح لنظام الملالي، كانت أعلى منابر الشرعية الدولية تنتقد ايران، مكذبة ما يدعيه عون.
حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الاثنين 20-10-2008 عن القلق بشأن انتهاكات لحقوق الإنسان في إيران. وإن هناك تقارير أيضا عن "زيادة في انتهاكات حقوق النساء وطلاب الجامعات والمعلمين والعمال وجماعة نشطة أخرى" .
هذه كلها وقائع وحقائق حدثت لا يريد عون ان يراها: كقمع مظاهرات الطلاب واعتقال الالاف منهم، وقتل الصحفية الإيرانية الكندية في السجن، بالاضافة الى اسكات اصحاب الرأي الآخر من خلال اغلاق اكثر من مئة صحيفة. وهل تستطيع سيدة مسيحية السير في شوارع طهران دون الالتزام بالزي الشرعي الذي تلزمه بها سلطة ولاية الفقيه بالعنف طبعا والاكراه؟
أما بالنسبة للمسيحيين والكنائس في ايران فما هم سوى ديكور يزين النظام صدره بهم تماما كما يزين حزب الله صدره بعون الماروني.
وهنا لا بد من طرح السؤال الأساسي :
لماذا عون العلماني يكيل المدائح لنظام الملالي الديني الإيراني؟
وكأني بعون وهو بين ذراعي نجاد بعد تجاوز كل أبعاد الجغرافيا العربية يدندن بأذنيه بعد تقبيل وجنتيه:
خذني بأموالك الطاهرة خذني عن العروبة وابعدني!
ولكن الجواب الشافي على هذا السؤال أتي بطريقة غير مباشرة من مدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني السفير جوني عبدو. الذي قال كلاما خطيرا في مقابلة مع مجلة "الصياد"، رابطا الأموال الايرانية الطاهرة المتدفقة بالاغتيالات التي ضربت لبنان.
قائلا" من موّل اغتيال الرئيس الحريري؟ ما هي مصادر التمويل؟ ما هو دور بنك المدينة؟
العملية في حاجة الى قوّة عقائدية. ومن ثم الى قوة مالية.
هذا يعني ان سوريا في تحالفها مع ايران، لم تعد كما كانت في السابق. والذين يتوقعون انهيار هذا الحلف قريباً، كما يظنون، فهم على خطأ. والدليل هو المال الايراني الموزّع في بلدنا العزيز ولدى الحلفاء والمحاسيب. وعلى دول الخليج في شكل خاص ان تدرك حجم التمويل الايراني في لبنان والوقوف في وجه التخريب الناتج منه".
هذا كلام خطير من رجل مسؤول ويدري دقة ما يقول. انه يتهم هنا ايران بطريقة مباشرة بتمويل الاغتيالات كلها في لبنان. وبشراء زعماء مزيفين يتحالفون مع الشياطين من اجل القعود على الكرسي اللعين، حتى ولو كان ذلك على حساب دماء والام وعذابات الشعب المسكين.

ليست هناك تعليقات: