الثلاثاء، أكتوبر 14، 2008

زمانهم نوبل‮.. ‬وزماننا فتوى الزلابية

سعيد الحمد

– اعلامي من البحرين
لاشك أن العديد من المثقفين والكتاب سوف‮ ‬يكتبون بمرارة عن المفارقة المؤلمة في‮ ‬دلالاتها‮.. ‬ففي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬كانت فيه لجنة نوبل تعلن أسماء العلماء الغربيين المستحقين لأهم جائزة عالمية لانجازاتهم العلمية الفائقة التميز والتي‮ ‬ستكون لها انعكاسات لافتة ومهمة من حيث تقدم البشرية‮..

‬في‮ ‬هذا الوقت بالذات تستغرق ولن نقول تغرق مجتمعاتنا العربية ومشهدنا الثقافي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬العام في‮ ‬جدالات ساخنة وطاحنة حول ظاهرة الفتاوى التي‮ ‬انفلتت من جديد وهذه المرة بشكل‮ ‬يهدر ويبدد آخر ما تبقى لنا من بقايا عقلنا العربي‮ ‬المبذول أصلاً‮ ‬والمهدور أساساً‮ ‬في‮ ‬جدالات وسجالات حول ما تضخه آلة الفكر الخرافي‮ ‬ولن نقول الديني،‮ ‬فالدين من هذا الفكر براء من فتاوى خرافية مثل تحريم أكل الزلابية وفتوى عدم خلط خضراوات السلطة بين‮ »‬المذكر والمؤنث من أنواع وأسماء الخضار‮« ‬ومن فتوى إحلال وإباحة قتل ملاك وأصحاب القنوات الفضائية وغيرها من فتاوى لعل آخرها فتوى النقاب‮ »‬الأعور‮« ‬أبو عين واحدة الذي‮ ‬يبدو أنه توطئة ومقدمة تهيئ المناخ لاستحضار واستعمال‮ »‬شادور‮« ‬ونقاب طالبان التي‮ ‬بدأت الروح تعود اليها نتيجة الحالة التي‮ ‬تمر بها المنطقة الممتدة من هنا الى جبال الأفغان مروراً‮ ‬بكل البلدان الواقعة على طريق الحرير والتوابل والذي‮ ‬أصبح الآن طريق القنابل الفكرية والثقافية التي‮ ‬تسعى لإحياء مشروع أهل الكهف الأول بعد تراجع مشروع الصحوة السياسية ذات الغلاف الديني‮ ‬وما جرى في‮ ‬المشروع من مظاهر تفخيخ وتفجير وتدمير‮.‬ إنها بالفعل مفارقة شديدة المرارة شديدة القسوة والوطأة على نفوسنا‮..

‬فهم هناك في‮ ‬الغرب‮ »‬الصليبي‮ ‬الكافر والملعون على لسان البعض منا صباح مساء‮« ‬يمضون بلا كلل في‮ ‬استكمال انجازاتهم وأعمالهم العلمية وكشوفاتهم المعرفية التي‮ ‬بهروا بها العالم ومن خلالها فرضوا وجودهم الذي‮ ‬لا‮ ‬يستغني‮ ‬عنه أشد مناوئيهم كراهية لهم والذين عندما‮ ‬يصابون بوعكة صحية عابرة سرعان ما‮ ‬يستقلون أول طائرة ليحطوا هناك في‮ ‬بلاد‮ »‬الكفار‮« ‬طلباً‮ ‬لنجدتهم وعلمهم وطبهم وطبابتهم وبحثاً‮ ‬عن دواء‮ ‬يشفي‮ ‬العليل منهم ويعيد له شبابه الذي‮ ‬مضى وما زال في‮ ‬النفس بقية من طلب للذات الدنيا لن‮ ‬يوفره له سوى هذا‮ »‬الغرب‮« ‬الملعون سراً‮ ‬وعلانية‮.. ‬وهي‮ ‬حالة أخرى مريرة‮.‬

لكنها في‮ ‬المجمل مفارقة شديدة المرارة عندما نكتشف بؤس الحالة العربية والاسلامية وهي‮ ‬تتخبط في‮ ‬صراع طويل،‮ ‬لم‮ ‬ينتهِ‮ ‬حول فتاوى الخرافات التي‮ ‬يدفع بها بلا هوادة،‮ ‬فيما البعض الآخر‮ ‬يطلع علينا بنسخة مهترئة من خطابات ومن أفكار ومن مقولات وكتابات‮ ‬يومية مرسلة بين الناس تزيف وعيهم وتسلبه بعد أن تعمل فيه تشويهاً‮ ‬حيث الأسطوانة المشروخة تديرها عقلية المؤامرة والتي‮ ‬ما زالت ترى في‮ ‬جائزة نوبل العالمية مجرد‮ »‬جائزة امبريالية تحركها اصابع الصهيونية والاستعمار لا تمنح الا وفق شروط مصالح الامبريالية الابتزازية ومشاريع الهيمنة‮«.‬

وهكذا تزداد الحالة العربية والاسلامية سوءاً‮ ‬وتستمر‮ ‬غيبوبتها المزدوجة ما بين ثقافة الخرافة متجسدة في‮ ‬تلك الفتاوى،‮ ‬وما بين ثقافة ترفع راية التحرر والتقدم لكنها‮ »‬وهنا المفارقة الأخرى‮«‬،‮ ‬تلتقي‮ ‬وتتعانق في‮ ‬منتصف الطريق مع ثقافة الخرافة من حيث منهجها القائم على أساس عقلية المؤامرة لتصبح النتيجة واحدة هي‮ ‬تغييب الوعي‮ ‬من جهة وتقييده من جهة أخرى‮..!!‬

انها بالفعل حالة مستعصية على الفهم مستعصية على الحل لا تملك سوى اعادة انتاج أفكارها المأزومة وتدوير أزماتها بمثل هذه الأفكار التي‮ ‬لا تملك البديل الحقيقي‮ ‬والحل الحقيقي‮ ‬بما‮ ‬يترك فراغاً‮ ‬واسعاً‮ ‬من الطبيعي‮ ‬في‮ ‬اجوائه،‮ ‬أن تتمكن الفكرة الخرافية والمشروع الثقافي‮ ‬الخرافي‮ ‬الذي‮ ‬يغرقنا في‮ ‬جدالات وسجالات ومناقشات نفتح لها الأرض والفضاء حول قتل أو تعزيز أو مجرد جلد ملاك الفضائيات وآكلي‮ ‬الزلابية وخالطي‮ ‬خضراوات السلطة‮.‬ وفيما هم هناك في‮ ‬الغرب‮ ‬يتفوقون على العالم بمزيد من الانجازات العلمية الكبيرة لا نملك هنا إلا أن نقتل الذات أو نجلدها‮.. ‬وهل هناك من مفارقة أكثر بؤساً‮!‬؟؟
البريد الالكتروني:

sadaalesbua@alayam.com

ليست هناك تعليقات: